"أخنوش متورط".. لماذا تتلكأ حكومة المغرب في بحث زيادة أسعار البنزين؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أمام ترقب شعبي وسياسي في المغرب لاجتماع برلماني مع الحكومة لمساءلتها حول "الارتفاعات المتتالية لأسعار البنزين"، أعلن مجلس النواب تأجيل الاجتماع "إلى أجل غير مسمى"، وسط ذهول إزاء تجاهل الائتلاف الحاكم لأزمة تؤرق المواطنين.

وبعد إعلان التأجيل مباشرة، غصت منصات التواصل الاجتماعي بانتقادات لأحزاب الأغلبية، خاصة رئيسها، عزيز أخنوش، كونه أحد المستثمرين في قطاع البنزين، عبر شركته لبيع الوقود الشهيرة "إفريقيا".

وما يثير غضب المواطنين أن ارتفاع لتر البنزين متواصل، بشكل غير مسبوق، رغم انخفاض سعر البرميل على المستوى الدولي.

إهانة للشعب

وفي 2 أبريل/نيسان 2022، أعلن مجلس النواب تأجيل اجتماع "لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة"، المقرر في اليوم الموالي، من أجل مناقشة مواضيع تتعلق بقطاع الطاقة.

وأفاد المجلس على موقعه بأن الاجتماع كان سيخصص "للارتفاع المتتالي لأسعار المحروقات بالسوق الوطنية في الآونة الأخيرة" و"أسباب ارتفاع أسعار المواد الطاقية والتدابير المتخذة لتفادي تأثيرها على القدرة الشرائية للمواطن".

وفي تعليق على هذا القرار، اعتبر الباحث في العلوم السياسية، أمين الإدريسي، أن "تأجيل هذا الاجتماع الهام هو إهانة للشعب والمؤسسة التشريعية، لأن ما تشهده البلاد في هذه الظرفية الصعبة جدا يقتضي اجتماعا عاجلا لمدارسة نقطة جد هامة، وهي ارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات".

وشدد الإدريسي في حديث مع "الاستقلال"  على أن "أسوأ ما تتميز به هذه الحكومة هو صمتها عند كل محطة حرجة، في غياب لأي مبادرة واقعية وآنية تظهر تأثيرها على المشهد الاجتماعي". 

من جهته، قال وزير الشغل السابق، عبد السلام الصديقي: "نعتقد أن أقل شيء يجب القيام به في هذا الوضع، هو التواصل من أجل التوعية وطمأنة كل الذين يعانون في صمت ومن اللامبالاة".

وأكد في مقال نشره عبر موقع العمق المغربي المحلي في 6 أبريل 2022، أن "هذا التواصل الضروري والمستعجل، يجب أن تتبعه إجراءات ملموسة وفورية تهم التدابير الواجب اتخاذها للتحكم ولو جزئيا في الزيادة المهولة بالأسعار، وضبط أثمان المحروقات التي تنعكس على مجموع السلع والخدمات، وحماية القدرة الشرائية للجماهير".

البرلمانية السابقة، أمينة ماء العينين، تساءلت "أين رئيس حكومتنا؟ لا نريد منه خفضا لأسعار الوقود الذي يبيعه لنا، فنحن نعلم أنه تاجر، والتاجر لا يعرف غير الربح".

وفي تدوينة عبر  صفحتها على "فيسبوك" في 5 أبريل، أضافت "نريد فقط أن يخرج للشرح والتفسير كما يفعل التاجر الشاطر".

نموذج سيء

على مستوى أحزاب المعارضة، أعرب الفريق النيابي لـ"التقدم والاشتراكية"، عن "قلقه إزاء تملص الحكومة من واجب المثول أمام المؤسسة التشريعية، وهروبها إلى الأمام، واختبائها من مواجهة الرأي العام، في ظل لحظة دقيقة تتسم بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة".

واعتبر في بيان صادر عنه في 4 أبريل 2022 أن "هذا السلوك الحكومي ينطوي على استصغار لأدوار البرلمان وممثلي الأمة، ويفتقد إلى الحس السياسي والتواصلي والتدبيري اللازم لمواجهة الظروف الحرجة، ويضرب بعرض الحائط مبدأ التعاون والتكامل الضروريين بين الحكومة والبرلمان".

من جانبها، قالت المجموعة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" المعارض، إن "الحكومة تتهرب من التواصل ومن مساءلة البرلمان حول المواضيع التي تؤرق المواطنين، وعلى رأسها التهاب الأسعار وبالخصوص أثمنة المحروقات، وتوضيح  أسباب هذا الغلاء المتصاعد والزيادات المتتالية للمواطنين".

وأوضح على لسان عضو المجموعة، مصطفى إبراهيمي، في بيان نشره موقع الحزب في 2 أبريل، أن "هذا يدل على عجز الحكومة عن التواصل، ناهيك عن إيجاد الحلول للتخفيف من معاناة المواطنين".

بالمقابل سجل إبراهيمي، أن "شركة رئيس الحكومة وباقي الشركات العاملة بقطاع المحروقات تحقق اليوم أرباحا خيالية، وهذا نموذج سيء لتدبير الأزمات من لدن الحكومة".

بدوره، شدد حزب "الاشتراكي الموحد" على أنه "مع الأغلبية الحالية، العبث بالمؤسسة البرلمانية وباستقلاليتها وبدورها فاق كل الحدود!..".

وأشار في بيان إلى أن من أبرز إنجازات الحكومة "سحب مشاريع قوانين تهم محاربة الفساد، وتحويل جلسات اللجان البرلمانية لسرية وطرد وسائل الإعلام، والتهرب من مناقشة المواضيع الهامة كأثمان الزيوت والمحروقات".

وبعد لغط استمر لأيام، وخلال الندوة الصحفية التي تلت الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة في 7 أبريل 2022، وردا على اتهام المعارضة للحكومة بـ"التهرب" من مناقشة ارتفاع أسعار المحروقات، قال الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس: "لا نتهرب من مناقشة أسعار المحروقات".

وأفاد بأن "جميع دول العالم تشتكي من نار هذه المادة التي ارتفعت بشكل كبير وكبير جدا مقارنة مع المغرب بسبب التوترات التي تعرفها بعض الدول".

لكن ناشطين على منصات التواصل الاجتماعي رفضوا "تبريرات" المتحدث باسم الحكومة، وقدموا مقارنات بين سعر البنزين دوليا وداخليا، كما قارنوا ثمن لتر في المغرب وباقي دول المغرب العربي، مؤكدين أن أغلى لتر في المملكة.

وأكد الباحث في العلوم السياسية، الإدريسي، أن "المبرر الدولي الذي تتحدث عنه الحكومة لا أساس له من الصحة، والسياق الدولي بريء من هذه الاتهامات، لأن لوبي المحروقات في بلادنا يدمر قدرة المواطنين الشرائية".

وأوضح أن "برميل النفط حين تراجع سعره الدولي بعد إعلان أميركا سحب الاحتياطي (في 31 مارس/آذار 2022)، انصدم المغاربة بارتفاع سعر اللتر في جميع محطات الوقود، وذلك بشكل يومي حتى وصوله إلى 15.56 درهما للتر (1.59 دولار)  فيما البرميل تهاوى إلى 107 دولارات فقط".

ولفت الإدريسي في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "رئيس الحكومة متورط في ذلك، كون شركته ضمن المستثمرين في قطاع الوقود، ولا يمكن لشخص أن يتحرك ضد نفسه أمام أرباح لا يسأله أحد عن مشروعيتها وقانونيتها، فيما باقي مكونات الأغلبية (حزبا الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) تلتزم الصمت".

ثروة أخنوش تتزايد

المثير والمستفز أمام آهات المواطنين ومعاناتهم، أن ثروة وأرباح أخنوش بدأت تتزايد أكثر وأكثر من خلال شركاته الخاصة به، مستفيدا بشكل مباشر من الارتفاع الصاروخي للأسعار.

وقال رئيس الحزب "المغربي الحر" المعارض، إسحاق شارية: "لكل متسائل عن أسباب هذا الارتفاع المهول في أسعار المحروقات والخضر والفواكه والمواد الأولية، وأسباب ضعف القدرة الشرائية، وأسباب ارتفاع البطالة وانتشار الفقر...الجواب عند مجلة فوربس الأميركية".

وفي تدوينة عبر صفحته على "فيسبوك" في 6 أبريل، أكد شارية أن "قضايا الاحتكار والهيمنة وتضارب المصالح، تشكل شركات السيد رئيس الحكومة جزءا ضخما منها، ولا يمكن للمغرب الخروج من أزمته الاقتصادية دون توقيف هذا الاستنزاف المستمر في حق الشعب، ودون سن قوانين تفرض على أصحاب الثروات إرجاع نصفها إلى خزينة الدولة".

وتابع: "غير أن رسالتي لكل من صوت لهؤلاء خلال الانتخابات الأخيرة (في 8 سبتمبر/ أيلول 2022) هل فعلا اليوم هو راض عن صوته، ومقتنع به أم يحس أنه اقترف جرما في حق نفسه وفي حق إخوانه المواطنين؟".

وفي آخر تحديث لمجلة "فوربس" الأميركية لأكثر الأفارقة ثراء، عام 2022، تجاوزت ثروة رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، 2 مليار دولار بداية من أبريل 2022، محافظا على مرتبته الـ13 كأكثر إفريقي ثراء في القارة السمراء ضمن 18 ثريا.

وأظهرت البيانات التاريخية التي أضافتها المجلة في التحديث الجديد، أن أكبر تراجع لثروة عزيز أخنوش سجل في سنة 2020 عندما نزلت إلى مليار دولار، لكن وفق ذات البيانات، فإن ثروة أخنوش بدأت في التعافي والارتفاع منذ تلك السنة إلى غاية 2022.

وحسب ذات المصدر، فإن الثروة الصافية للأمين العام لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، تعافت في سنة 2021 لتصل إلى 1.9 مليار دولار إلى أن تجاوزت سقف 2 مليار دولار عام 2022، ما يعني أن ثروة أخنوش تضاعفت بمليار دولار ما بين 2020 و2022.

وتزامن هذا التعافي مع التداعيات الوبائية وتأثيرها على الاقتصاد الوطني، خاصة خلال شهور سنة 2020، والنصف الثاني من السنة الماضية، كما أن ثروة رئيس الحكومة لا زالت تواصل تعافيها خلال الأشهر الأربعة من عام 2022، رغم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي انضافت إلى جائحة كورونا.

ويبدو أن قطاع البترول والغاز الذي يعد هو المصدر الأساسي لثروة أخنوش وفق "فوربس"، هو الذي يقف وراء الزيادة الحالية في ثروة أخنوش، نظير أسعار البنزين "الصاروخية".