حزب "تحيا تونس".. ميلاد من رحم الحكومة على أنقاض نداء السبسي

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يبق سوى أشهر عدة  تفصل التونسيين عن التوجه لصناديق الاقتراع، لاختيار برلمان ورئيس جديدين بعد 5 سنوات على وصول الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، إلى سدة الحكم، وحزبه حركة "نداء تونس" الذي فاز بغالبية مقاعد البرلمان التونسي، ولم يعد منها غير الاسم، وعدد قليل من القيادات، التي اختار جلها السير في ركب رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بعد أن قفز من سفينة النداء، ليؤسس حزبا جديدا أطلق عليه "تحيا تونس".

على أنقاض النداء

اعتبرت جلسة منح الثقة للوزراء الجدد في حكومة يوسف الشاهد في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 المنعرج الأخير في الصراع بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ونجله حافظ من جهة أخرى، فالشاهد استطاع استمالة جزء كبير من نواب حركة نداء تونس التي تم تجميد عضويته فيها بعد كلمة متلفزة توجه بها إلى الشعب التونسي حمل فيها حافظ قائد السبسي مسؤولية تدميره بعد الانشقاقات الحاصلة فيه، وخسارة الانتخابات الجزئية في ألمانيا والبلدية في مايو/أيار 2018.

ليس الحزب الوحيد الذي سلب منه الشاهد نوابا بل غالبية نواب حزب آفاق تونس المشارك في الحكومة والذي قرر الانسحاب منها لكنه قوبل بعصيان من قبل وزرائه في الحكومة (1) وهو نفس ما حصل مع حزب المسار الديمقراطي الذي رفض أمينه العام الاستقالة من منصب وزير الفلاحة.

الاتصالات التي قادها الشاهد والمحيطين به، نجحت في تشكيل كتلة نيابية هي اليوم الثانية من حيث عدد النواب بـ 44 نائب غالبيتهم من المنشقين عن حركة نداء تونس (2)، هذه الكتلة التي اختارت لنفسها اسم "الائتلاف الوطني" تمكنت بتحالف مع حركة النهضة وحركة مشروع تونس التي يقودها محسن مرزوق المنشق أيضا عن حركة نداء تونس من ضمان غالبية نيابية مريحة لتمرير التعديل الحكومي الذي نقل ما تبقى من نداء تونس إلى صفوف المعارضة.

من رحم الحكومة

الحزب الجديد استفاد بشكل مباشر من قيادة زعيمه للحكومة والتفاف لمؤسسيه حول السلطة لا حول برنامج سياسي واضح يقدم للتونسيين، وهو ما عبر عنه عدد من الناشطين السياسيين، إذ قال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، زياد لخضر، في كلمة ألقاها أمام أنصار حزبه، خلال وقفة احتجاجية مطالبة بكشف حقيقة اغتيال المعارض اليساري، شكري بلعيد: “تونس ترزخ تحت نير الخيارات اللاشعبية ورئيس الحكومة يشكل حزبا بمقدرات السلطة وباستعمال الهاتف… رئيس الحكومة يبلغك السلام ويدعوك لحضور الاجتماع” (3).

من جهة اخرى أكّد النائب والقيادي في حركة نداء تونس عبد العزيز القطي أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي أوصله نداء تونس إلى هذا المركز يستعمل الآن مركزه وأجهزة الدولة للتسويق لمشروعه السياسي الجديد من خلال سياسة الترغيب والترهيب للولاة والمعتمدين بالإضافة إلى استعمال الوزراء للاتصال بالمنسقين الجهويين والمحليين لنداء تونس بهدف ضمهم إلى مشروعه الجديد (4).

حليف النهضة

منذ الانطلاق في تأسيس الحزب الجديد عمدت قياداته الترويج إلى أن الهدف منه هو إحداث توازن سياسي مع حركة النهضة بعدما اختل إثر الانشقاقات والاستقالات التي جدت في حركة نداء تونس وعجزه عن انجاز مؤتمره وتحقيق النتائج المطلوبة في الاستحقاقات الانتخابية.

وعلى الرغم من أن لهذا الطرح الشيء الكبير من الوجاهة باعتبار الحالة السياسية التي تعيشها البلاد والتي تظهر تفوقا ظاهرا لحركة النهضة على بقية الأحزاب من حيث الانتشار والتنظيم والاستقرار في مقابل تشتت واضح لمختلف العائلات السياسية، إلا أن فكرة منافسة النهضة ومحاولة الاقناع بها وحشد الداعمين لهذه الفكرة في مشهد مشابه للحظة تأسيس نداء تونس عام 2012 تصطدم بسلسلة من الأحداث التي أكدت على تقارب كبير بين الحزبين وتوافق لازال مستمرا إلى الآن.

يمكن القول إنه لولا مساندة النهضة لبقاء الشاهد على رأس الحكومة في الوقت الذي قوبل برفض مطلق من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ومن الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنح كتلتها الثقة لوزرائه الجدد في البرلمان لما كان يمكن الحديث عن حزب جديد ولكانت كفة السبسي الابن هي الراجحة داخل نداء تونس.

ما وراء الدعم

وربما يحمل الدعم اللامشروط الذي قدمته حركة النهضة للشاهد وحزبه، أوصلها إلى قطيعة نهائية مع رئيس الجمهورية، خلفه رؤية مختلفة للمشهد السياسي في تونس ما بعد انتخابات 2019 تعود فيه النهضة إلى لعب الدور الرئيسي وقيادة المرحلة، وهو ما حذر منه القيادي في حركة نداء تونس رضا بالحاج في تصريح لصحيفة "العرب" اللندنية قال فيه "إذا لم تتدارك حركة نداء تونس الوضعية الحالية التي تمر بها، فإن حزب الشاهد سيربك المشهد نهائيا، بما يمكن حركة النهضة من إحكام سيطرتها على الوضع، وبالتالي إعادة تشكيل المشهد وفق الأوضاع التي سادت خلال العام 2011" (5).

"نسخة مشوهة من النداء"

افتتح الحزب الجديد أيامه الأولى بموجة جدل واسعة رافقت اختياره لاسم "تحيا تونس"، إذ اعتبره عددا من النشطاء أن الحزب الجديد سلب هذا الشعار المشترك بين كل التونسيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية وهو تعبير على الانتماء الوطني المشترك والذي يرفع في مختلف المناسبات الوطنية ما دفع منظمة أنا يقظ إلى إلى تسجيل عبارة "تحيا تونس" في الملكية الفكرية في محاولة منها لقطع الطريق أمام الحزب للحصول على هذه التسمية ضمن تأشيرته القانونية التي لم يحصل عليها بعد(6).

في الوقت نفسه، اعتبر "الندائيون" أن التسمية ماهي إلا استنساخ لشعار الحملة الانتخابية للحزب خلال انتخابات 2014 " فبحيث.. تحيا تونس"، ولكن ليس هذا وحده ما يعتبر إعادة تجسيد لانطلاقة نداء تونس، فحزب الشاهد يصنف نفسه حزبا دستوريا تقدميا يستمد جذوره من الحركة الإصلاحية، كما أنه سيعيد الاعتبار للدستوريين وفي مقدمتهم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ورفاقه في الحركة الوطنية، وهو نفس ما عرف به الباجي قائد السبسي حزبه حين تأسيسه.

كما اختار الشاهد ورفاقه مدينة المنستير مسقط رأس الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ومدينته المدللة للإعلان عن تأسيس حزبهم وهي نفس المدينة التي اختارها السبسي في شهر مارس/آذار 2012 للإعلان في اجتماع شعبي حاشد عن إطلاق مبادرة نداء الوطن التي مهدت لتأسيس حركة نداء تونس والتي تمكنت من قلب الواقع السياسي في تونس والوصول إلى الحكم في انتخابات 2014.

الرهان على الحكم

إن كان حزب " تحيا تونس" يعمل جاهدا على التشبه بنداء تونس في مرحلة تأسيسه لعله يظفر بنفس النتائج التي أوصلته إلى الحكم بعد أقل من سنتين من إنشائه، إلا أن الظروف المحيطة به تختلف تماما عما كانت عليه في تلك الفترة، فالحزب الجديد يتحمل تبعات فترة حكم الشاهد والتي لم تحقق حكومته نتائج مرضية للتونسيين بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية والصراع المفتوح بينه وبين الاتحاد العام التونسي للشغل على خلفية ملف الزيادات في أجور موظفي وعمال القطاع العمومي، كما أن الصراعات التي جدت داخل نداء تونس وعدد الفضائح التي كشفت خلال السنوات الأربع الماضية والتي قادت بعدد من القيادات إلى السجون أو مغادرة البلاد بسبب تهم تتعلق بالفساد.

كذلك فإن مقولة النقيض السياسي لحركة النهضة التي ساهمت في تحشيد كتلة انتخابية واسعة للنداء عام 2014 عبر ما سمي حينها بالتصويت المفيد وتحت الشعار الذي رفعه السبسي حينها أنه من لم يصوت للنداء فإنه صوت للنهضة سقطت بعد سنوات من الحكم المشترك وتحالف مصيري بين الشاهد والنهضة في الفترة الأخيرة التي سبقت تأسيس الحزب وتواصلت بعده.

لذلك يبقى الرهان الحقيقي للشاهد هو تجميع أكبر عدد من الأحزاب السياسية ضمن حزبه أو عقد تحالفات واسعة وهو ما أعلن المنسق العام للحزب سليم العزابي بالشروع فيه عبر التواصل مع حزب مشروع تونس وزعيمه محسن مرزوق وعدد من الأحزاب الأخرى، فهل ينجح الحزب الجديد في صناعة خارطة سياسية جديدة؟