بدأت باختطاف ووصلت لقتل متظاهرين.. هكذا تتصاعد انتهاكات انقلاب سعيد بتونس

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في مشهد صادم ومتكرر بالآونة الأخيرة، استيقظ التونسيون في 19 يناير/كانون الثاني 2022، على نبأ وفاة أحد المتظاهرين في مسيرات ذكرى "ثورة الياسمين - 2011" بعد اختفائه 5 أيام متتالية دون معرفة مصيره.

وبعدها بيوم، شيع عشرات التونسيين جثمان رضا بوزيان في مدينة سليانة (شمال غرب)، حيث شارك عدد كبير من السياسيين، يتقدمهم رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وعدد من النواب ورؤساء الأحزاب ووزراء سابقين.

ووجهت أصابع الاتهام إلى وزير الداخلية توفيق شرف الدين الذي أطلق الأوامر لقوات الأمن باستعمال العنف المفرط ضد المحتجين، في تراجع كبير عن مكتسبات الحرية واحترام حقوق الإنسان التي حققها التونسيون بعد العام 2011.

الضحية الثالثة 

منذ الصباح الباكر ليوم 14 يناير/كانون الثاني 2022، تحول وسط العاصمة تونس إلى شبه ثكنة أمنية مقسمة إلى مربعات باستعمال الحواجز الحديدية ونقاط تفتيش أمنية وتحديد لحركة المواطنين.

وقبلها، قررت السلطات التونسية منع أي تجمعات أو تظاهرات وفرضت حظرا للتجوال من العاشرة ليلا إلى الخامسة صباحا، وواجهت قوات الأمن المتظاهرين باستعمال الهراوات وأنواع من الغازات بالإضافة إلى خراطيم المياه الباردة.

هذه الأحداث أسفرت عن وقوع عشرات الإصابات المتفاوتة جرى نقل عدد منها إلى المستشفيات القريبة إلى العاصمة والبعض الآخر اعتقلتهم قوات الأمن ولم تفصح عن مكان احتجازهم إلا بعد تحرك المحامين ومنظمات حقوقية.

مساء نفس اليوم أطلقت السلطات العشرات من الموقوفين وواصلت إيقاف 36 متظاهرا وجهت لهم اتهامات بالاعتداء على الأمن وخرق قرار منع التجمعات، إلا أن الفقيد رضا بوزيان لم يجر ذكره في أي قائمة من قائمات المعتقلين.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، أكّد رشيد شقيق الفقيد رضا بوزيان أن العائلة اتصلت بجميع مراكز الإيقاف وبعض المستشفيات في العاصمة تونس وجميعها نفت أن يكون لديهم أي معلومة حوله.

وأضاف بوزيان "عند تسلم جثمان الفقيد جرى تسليم وثائق هويته معه، ما يؤكّد إخفاءه عن عائلته ونستبعد أن تكون الوفاة لأسباب عادية وليست بسبب التدخل الأمني لفض المسيرات".

أكد سيف ابن رضا في 20 يناير أن والده لم يتوف بسبب جلطة دماغية حسب ما أكدته المصادر الطبية بمستشفى الحبيب ثامر، مشيرا إلى أنهم بصدد استكمال بعض الإجراءات الإدارية لعرض جثته مّجددا على الطب الشرعي. 

وقال نجل الفقيد في تصريح لقناة الزيتونة إن والده البالغ من العمر 57 عاما لم يكن يعاني من أمراض مزمنة والتحق بساحة الحبيب بورقيبة رفقة مجموعة من الأصدقاء إلى أنه لم يجر إعلام العائلة بخبر الاحتفاظ به من قبل السلطات الأمنية أو مكوثه في قسم الإنعاش لمدة 5 أيام. 

ودعا كل الأطراف المسؤولة إلى ضرورة كشف الحقيقة والتدخل العاجل لمحاسبة المتورطين في هذه القضية.

مقتل رضا بوزيان في هذه الظروف الغامضة، ليس حادثة الوفاة الأولى التي تشهدها البلاد منذ 25 يوليو/تموز حين قرر الرئيس قيس سعيّد الانقلاب على السلطات الدستورية وتعطيل البرلمان وإقالة الحكومة السابقة.

فعندما شهدت مدينة عقارب بمحافظة صفاقس (جنوب تونس) حالة من الاحتقان ومواجهات متقطعة بين الأمن والأهالي الرافضين لتنفيذ قرار حكومي بفتح مكب للنفايات رغم صدور قرار قضائي بإغلاقه، توفي المواطن عبد الرزاق الأشهب نتيجة الاستعمال المفرط للقوة.

وقتها أيضا نفت وزارة الداخلية خبر وفاة الشاب جراء إصابته في أحداث منطقة عقارب من ولاية صفاقس ليلة 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وأضافت أن الشاب توفي إثر إصابته بتوعك صحي طارئ بمنزله الكائن على بعد 6 كلم من مكان الاحتجاجات حيث جرى نقله من قبل أحد أقاربه إلى مستشفى المكان الذي فارق الحياة.

أيضا، توفي صباح 18 يناير 2022، شاب كان يرقد بالعناية المركزة بمستشفى الطاهر المعموري بولاية نابل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد تعرضه للعنف الشديد من قبل دورية أمنية بمنطقة الميدة بمحافظة نابل.

 وأكد عادل بوقرة محامي المتضرر الشاب "شكري مفتاح" في تصريح لإذاعة "جوهرة إف أم" أنه تعرض لاعتداء "وحشي" من قبل أعوان دورية للحرس الوطني، ورقد في العناية المركزة حتى وفاته.

وعبر عدد من الناشطين عن تخوفهم، من عودة القبضة الأمنية من جديد في تونس وتزايد التجاوزات، في ظل حصانة توفرها السلطة القائمة.

انزلاق للقمع 

أدانت حركة النهضة في بيان ما وصفته بالجريمة كاملة الأركان التي أدّت إلى وفاة رضا بوزيان، وهو أحد المنتمين لها، معتبرة أن هذا "القتل الشنيع" جاء نتيجة العنف الشديد.

وحملت النهضة رئيس الجمهورية قيس سعيد المسؤولية الكاملة عن قتل رضا بوزيان، نتيجة السياسات التي انتهجها منذ الإجراءات الانقلابية، وخطابات التحريض والتعليمات باستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين.

وطالبت بإقالة المكلف بتسيير وزارة الداخلية توفيق شرف الدين، باعتباره المسؤول المباشر عن العنف الذي سلّط على المتظاهرين السلميين في عدة محطات وعمليات الاختطاف والاحتجاز القسري خارج القانون.

وفي موقف قريب نددت أحزاب التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري في بيان مشترك، بوفاة المواطن بوزيان، واستنكرت العنف المفرط الذي واجهت به قوات الأمن المتظاهرين وحملت وزير الداخلية المسؤولية المباشرة عما حدث ورئيس الجمهورية المسؤولية السياسية الكاملة عن انتهاك الحقوق والتضييق على الحريات العامة والفردية.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، اعتبرت عضو مجلس نواب الشعب رباب بن اللطيف أن السلطات بدأت منذ الانقلاب انتهاج سياسة القمع في تعاملها مع المعارضين.

يتجلى هذا في عدة ممارسات انطلاقا من فرض الإقامة الجبرية على عدد من النواب والمعارضين بدون موجب قضائي، ثم قمع المظاهرات بطريقة وحشية واستعمال مبالغ للعنف والغاز وخراطيم المياه.

وأضافت القيادية في مبادرة "توانسة من أجل الديمقراطية": "اعتقل أكثر من 130 شابا في المظاهرة الأخيرة لإحياء عيد الثورة، كما تتبعت السلطات عددا من المدونين والناشطين على مواقع التواصل الإلكتروني".

وآخر هذه السياسات كانت إحالة العميد السابق للمحامين والحقوقي عبد الرزاق الكيلاني على المحكمة العسكرية بتهم كيدية لمعارضته الشرسة للانقلاب.

هذا دون الحديث عن الخطاب العنيف لرئيس الجمهورية واتباعه والتحريض على المعارضين ونعته للناشطين بأبشع النعوت، وفق قولها.

وفي ردّها على الانتقادات التي توجه للطبقة السياسية وخاصة النواب حول الوضع الذي كانت تعيشه البلاد قبل إجراءات قيس سعيّد، قالت بن اللطيف "التجاوزات الأمنية كانت موجودة قبل 25 يوليو، ولا ننكر ذلك ولكن لم تكن بهذا الكم ولا العنف الذي نشهده الآن".

وأضافت "كانت في أغلبها تجاوزات أمنية معزولة على خطورتها، ولم نسكت يوما عليها ولم نبررها فكنت من بين المحتجين على حادثة وفاة الشاب عمر العبيدي، وترأست لجنة التحقيق في حادثة وفاة الشاب عبد السلام زيان في السجن نتيجة منعه من تناول دوائه وقد استكملت اللجنة الاستماعات وتم تعليق أعمال البرلمان قبل عرض التقرير النهائي".

هذا "بالإضافة إلى توجيه سؤال شفاهي في إطار دوري الرقابي لوزير الداخلية على خلفية سحل شاب وتعريته في منطقة سيدي حسين (أحد أحياء العاصمة)".

وأردفت: "كل هذه التجاوزات كانت ضمن ممارسات وسلوك قمعي وانحراف لدى الأمن لكنها اليوم تحولت إلى إرادة سياسية لتصفية الخصوم السياسيين وإسكات صوت المعارضة عموما".