بعد وفاة متظاهر بسبب عنف الأمن.. 3 سيناريوهات أمام إجراءات قيس سعيد في تونس

حمدي عبد العال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على طريق المستبدين، اعتدت قوات الأمن التونسية على محتجين في 14 يناير/كانون الثاني 2022، ومنعتهم من الوصول إلى مكان تجمع التظاهرات في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة الذي يطلق عليه التونسيون "شارع الثورة".

وأطلق الأمن الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق آلاف المتظاهرين الذين خرجوا رفضا لقرارات الرئيس قيس سعيد بالتزامن مع الاحتفال بذكرى انتصار ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 التي أطاحت برئيس النظام الأسبق زين العابدين بن علي.

وفي 19 يناير 2022، أعلنت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" وفاة أحد المشاركين في تظاهرات 14 يناير ويدعى "رضا بوزيان"، بمستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة، متأثرا بجروح أصيب بها نتيجة لسحله من قبل الأمن التونسي في تظاهرة الاحتفال بعيد الثورة ومواجهة الانقلاب.

وقال ناشطون، إن بوزيان كان من المفقودين منذ يوم التظاهرة، وأن عائلته وهيئة مناهضة التعذيب، والمحامين، والمنظمات الحقوقية، لم يتمكنوا من معرفة مصيره ومكان اختفائه.

قمع وسيناريوهات

21 منظمة تونسية، أدانت العنف الذي اتبعته قوات الأمن، ووصفته بـ"نهج القمع البوليسي"، محملة قيس سعيد ووزير الداخلية توفيق شرف الدين مسؤولية التبعات والتداعيات.

واعتبرت المنظمات أن هذا القمع يدلل على السعي للتحكم في البلاد بغير آليات ديمقراطية ومدنية وتؤدي للغضب وتعميق الأزمة بين المؤسسات الأمنية والمواطنين.

رغم حالات القمع والاعتداءات والاعتقال يرى رضا بلحاج عضو اللجنة التنفيذية لتجمع "مواطنون ضد الانقلاب" والمدير التنفيذي لحزب الأمل (يساري) أن تظاهرات الجمعة حققت الهدف منها ونجحت في التصدي لإجراءات قيس سعيد كما أنها فضحت وجهه ونظامه الحقيقي بعد أن حاول منع الاحتفال بذكرى عيد الثورة بحجة جائحة كورونا.

وقال لـ"الاستقلال": "أظهر المتظاهرون مدى استبسال قوى المعارضة بجميع توجهاتها في المطالبة بوضع حد للحالة الاستثنائية التي تعيشها تونس وتأكيدها مطالب وقف اعتقال المعارضين ووضع يد الرئيس على السلطة القضائية أو استخدامها لتصفية حسابات سياسية وكذلك وقف الإقامات الجبرية والمحاكمات العسكرية".

وتابع أن قوى المعارضة شبه مجمعة على رفض إجراءات قيس سعيد التي اتخذها في 25 يوليو/تموز 2021 ووصفتها أحزاب بـ"الانقلاب".

وفي ذلك التاريخ، وضع سعيد كل السلطات بيده وجمد عمل البرلمان وأقال حكومة هشام المشيشي، وهو "ما يستوجب وضع حد لهذا النفوذ المستبد"، بحسب بلحاج.

ويرى أن الحل في مواجهة القمع والاستبداد يتمثل في الصمود والمزيد من الضغط ونزول المتظاهرين للشارع وتوحيد كل القوى الديمقراطية للوقوف صفا واحدا لإسقاط الانقلاب وأن ما حدث في 14 يناير من اعتداءات على المتظاهرين سيدفع إلى التوحد من أجل إسقاطه.

في هذا السياق يرى الكاتب والمحلل السياسي التونسي علي لافي أن هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسة أولها قدرة سعيد على الذهاب طويلا والهروب إلى الأمام سياسيا ومن ثم فرض خريطة طريق على الأرض لكنه هنا مضطر لتحقيق ثلاث خطوات من الصعب تحقيقها بالكامل.

وقال لـ"الاستقلال": "تتمثل الخطوات في إحباط تشكيل جبهة ضد الانقلاب والحد من زخم التحركات الشعبية وتمرير أجندة اجتماعية بما يعني تلبية شروط صندوق النقد الدولي ورفع الدعم عن المواد الأساسية وتجميد الأجور وبيع الكثير من المؤسسات العمومية وهذه خطوط حمراء على أجندة الاتحاد التونسي للشغل".

أما السيناريو الثاني فهو أن تتكون جبهة واسعة وأن ترفض أجندته الاجتماعية وأن يشهد المستقبل زخما شعبيا للتحركات.

وهو ما سيؤدي لإجراء تحول سياسي سواء بفترة انتقالية أو الدفع بمسيرات حتى يحدث تحرك نوعي يسقط من خلاله الانقلاب بشكل كامل ما يعني الذهاب لمرحلة انتقالية ضرورية تتوافق النخب عليها.

السيناريو الثالث أن يتراجع قيس سعيد إلى الوراء ويلجأ إلى حوار وطني يقوده لكنه خيارة صعب جدا.

ويشير إلى أن الأحزاب السياسية انفضت عن دعم سعيد وهو لم يتمكن حتى الآن من إحكام قبضته على البلاد سياسيا أو اجتماعيا ما يعني اتسام الوضع بالغموض.

وكانت الحكومة التونسية أعلنت قبيل تظاهرات 14 يناير 2022، التي دعت لها كيانات وأحزاب في تونس، منع التجمعات وفرض حظر تجول ليلي ابتداء من عشية ذلك اليوم ولمدة أسبوعين قابلة للتجديد.

وكان السبب المعلن لتلك الإجراءات هو مواجهة ما وصفه المجلس الوزاري بالتطورات المحتملة لفيروس كورونا.

تشمل الإجراءات الجديدة تأجيل أو إلغاء المظاهرات، سواء في الأماكن المفتوحة أو المغلقة، وتشجيع آلية العمل عن بعد.

مشهد متأزم

ما يزيد مخاوف المعارضين من تعقيد المشهد السياسي المتأزم ما كشفت عنه مصادر بوجود ضابط بالمخابرات المصرية يعمل ضمن دائرة الأمن الرئاسي لقيس سعيد.

وهو ما يعني من وجهة نظرهم الاستقواء بالخارج لتنفيذ أجندة الانقلاب المصري وتطبيقه على التجربة الديمقراطية في تونس.

وتداول ناشطون صورة قالوا إنها لضابط المخابرات المصري برتبة عقيد يدعى محمد الفران كان له دور مهم في إدارة العمليات بالعريش، لافتين إلى أنه المتحكم في قصر قرطاج عبر إشرافه على قيادة غرفة العمليات في الأمن الرئاسي.

وفي إشارة إلى رفضه الاستعانة بضباط مصريين في تونس نشر الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي الخبر من مصدره على صفحته الرسمية بــ" فيسبوك" واصفا الأمر بالخيانة.

ودعا المرزوقي شعب بلاده إلى عصيان مدني ضد الرئيس قيس سعيد، و"إسقاطه" قبل 25 يوليو 2022.

وقال في بيان "لم يعد يخفى حتى على مناصري سعيد أن انقلاب 25 يوليو كان دواء أمر من الداء، وعوض أن يأتي للبلاد بالحلول التي كانت بأمس الحاجة إليها دفع بمشاكلها إلى مستوى غير مسبوق من الخطورة".

ودعت حركة النهضة إلى التظاهر في 14 يناير احتفالا بذكرى ثورة 17 ديسمبر مع الالتزام بالبروتوكول الصحي وشروط ضمان السلامة بهدف التصدي لقرارات الرئيس التي تمنحه سلطات شبه مطلقة وصفتها بالديكتاتورية الناشئة مؤكدة أهمية العمل على إرساء دولة القانون والحريات والعدل.

وشددت الحركة في بيان على ضرورة تكريس مكاسب الشعب التونسي من الحقوق والحريات الأساسية وحرية التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي في مواجهة محاولات الانفراد بالحكم والسلطة والسعي لضرب القضاء.

ورفضت "النهضة" قرار منع التجمعات، معتبرة أنه توظيف سياسي للوضع الصحي ومخاطر انتشار فيروس كورونا لضرب ما تبقى من الحريات.

ورفض حزب العمال في تونس "القرار المقنع" لسعيد بمنع حق التظاهر في وقت خلت قراراته من أي إجراء اجتماعي للفئات المتضررة من حظر التجول وتراخي السلطات الحاكمة في اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع انتشار كورنا والتسريع باستكمال تلقيح المواطنين.

واعتبر أن توقيت اتخاذ الإجراءات "سياسي" لم تدفع إليه الظروف الصحية رغم خطورتها أملته رغبة قيس سعيد وحكومته في منع التظاهرات الرافضة لانقلابه.

وأكد الحزب ضرورة مشاركة أنصاره والمواطنين التونسيين كافة في التظاهرات وتمسكهم بالموعد والمكان المذكورين مع اتخاذ الاحتياطات الصحية.

وشدد حزب التيار الديمقراطي على لسان أمينه العام غازي الشواشي مشاركة أنصاره في التظاهرات لمواجهة قرارات سعيد مهما كان الثمن.

وقال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي إنه لولا الخوف من المعارضة لما لجأ النظام إلى الأعذار الصحية للتمهيد لقرار سياسي بعد أن ضاقت السلطة ذرعا بالمعارضة وتريد ضرب كل المكاسب وإدخال البلاد في مسار كارثي.

حق التعبير

تفاعل ناشطون بمواقع التواصل الاجتماعي مع المظاهرات في ذكرى انتصار الثورة وأعلنوا مشاركتهم رفضا لاستبداد الرئيس وسلطته، مؤكدين أن الأحرار لا يطلبون الإذن ولن تخيفهم محاولات التشويه أو التخوين والدعوة للانقسام.

يؤكد الناشطون التونسيون أهمية المشاركة في تظاهرات إحياء ذكرى الثورة مهما كانت نتائج هذا اليوم لإثبات إيجابية الشعب وتفاعله مع قضايا الوطن كما أنه مهم لتبقى صورة هروب المخلوع زين العابدين بن علي وسقوط رأس النظام محفورة في أذهان أنصاره والمستبدين.

ويرون أن عواقب مخلفات وباء كورونا لا تقل فظاعة عن آثار الانقلاب وأنه لا قيمة للحياة تحت الاستبداد والظلم، مشيرين إلى أن السلطة الحاكمة لم تنجح في أي ملف يخدم الشعب التونسي فيما تضيق على حقوقهم في التعبير والاحتجاج السلمي.

وفي ذات السياق أكد المنتمي للهيئة الوطنية للمحامين في تونس والخبير القانوني علي بدوي أن تونس تشهد ردة حقوقية ومصادرة للحقوق والحريات بدأت منذ إجراءات الرئيس قيس سعيد التي كرس لها تمديد هذه الإجراءات في 22 سبتمبر/أيلول 2021 والتي ألغى فيها الدستور بصفة عامة. 

وقال لـ"الاستقلال" إن رئيس الجمهورية حصن نفسه بالفصل 22 من الأمر 117 في 22 سبتمبر 2021 وجعل جميع المراسيم التي يصدرها والمتعلقة بالحياة السياسية غير قابلة للطعن بأي وجه من الأوجه ولا يمكن التوجه للمحكمة سواء عدلية أو إدارية ومن يرى نفسه ظلم في أمر من الأمور فليرض به ولا يمكنه الطعن عليه.

وأضاف أن القضاء السلطة الوحيدة التي تصارع من أجل البقاء أمام الضغط الهائل من الرئيس سعيد على خاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات.

وأشار إلى أن قضية نائب رئيس حزب النهضة نور الدين البحيري والذي تعتقله الأجهزة الأمنية في تونس دليل على ذلك.

إذ إن رئيس جمعية القضاة الشبان كشف عن اتصال سعيد باثنين من القضاة وأمرهم بتوقيف البحيري لكنهم رفضوا فاتخذ رئيس الجمهورية قرار الاعتقال عن طريق وزير الداخلية.

ويرى أن توقيت إصدار الحكومة قرار حظر التجمعات في الأماكن المغلقة والمفتوحة التجوال قبيل تظاهرات 14 يناير والتي أعلن فيها أغلب الطيف السياسي للتظاهر والتنديد بالإجراءات التي تمس الحقوق والحريات.

وهو ما يدل على وجود انتكاسة لحقوق الإنسان وتهديدها بشكل واضح خاصة مع إعلان والي تونس العاصمة كمال الفقي الذي أكد أنه سيتعامل بجدية مع كل من يخرق القرار.

وتابع أن هناك استهدافا واضحا لحرية الرأي والتعبير من خلال إلغاء الحق في التجمع والتظاهر السلمي والاحتجاج بسبب التخوفات من قوة التظاهرات المرتقبة. 

حتى أن وزير الشؤون الدينية قرر تعليق صلاة الجمعة في تونس تنفيذا لقرارات رئيس الجمهورية ومحاولة تضييق الخناق على كل من يعارضه أو يحتج على قراراته.

وكانت منظمة هيومين رايتس ووتش طالبت السلطات التونسية بالإفراج الفوري عن البحيري معتبرة أنه محتجز تعسفيا واصفة اعتقاله والمسؤول السابق بوزارة الداخلية فتحي البلدي بعملية أشبه بالاختطاف.

وهو ما يظهر تنامي التهديد للحماية التي تمنحها حقوق الإنسان منذ استحواذ الرئيس قيس سعيد على السلطة منفردا.

من جانبها أعربت  المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ليز ثروسيل عن قلقها إزاء ما وصفته بخنق المعارضة في تونس من خلال إساءة استخدام تشريعات مكافحة الإرهاب والاستخدام المتزايد للمحاكم العسكرية للمدنيين.