السيسي يهدم "الحي السادس".. لماذا اختاره دون غيره من مناطق مدينة نصر؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

صدمة عارمة يعيشها آلاف المصريين من أهالي الحي السادس بمنطقة مدينة نصر شرقي القاهرة، على وقع قرار بـ"إعادة تطوير المنطقة"، ما يمهد لإزالتها وتهجير المواطنين منها، ما أشاع حالة من الغضب مع محاولات لوقف هذه العملية التي تعتبر غير دستورية. 

فبحسب المادة 33 بالدستور المصري "تحمي الدولة الملكية العامة، والخاصة، والتعاونية".

ودوليا، نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 17 على مبدأ "كل فرد له الحق في الملكية الخاصة، بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين، ولا يجوز حرمان أي فرد مما يملكه بصورة تعسفية".

لكن في الواقع، تبرز أمام المواطن المصري مشكلة مركبة، إذ إن النظام الحاكم هو الخصم والحكم، فعندما تعتدي الدولة في صورة الحكومة وأجهزتها على المواطنين في أراضيهم ومساكنهم، ماذا يفعل المواطن أمام تلك المعضلة؟

قرار إزالة 

في 6 يناير/ كانون الثاني 2022، كشفت الحكومة المصرية عن خطة تسعى بموجبها إلى إزالة الحي السادس وجزء من السابع في مدينة نصر شرقي العاصمة المصرية القاهرة.

وزعم إبراهيم صابر، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية أن هذه الخطوة تهدف لإعادة تخطيط المنطقة بالكامل، من أجل التطوير وإزالة المباني العشوائية. 

فيما تحدثت صحف محلية أن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي أمر الحكومة بإزالة الحي السادس بالكامل من منطقة مدينة نصر، وبناء أبراج سكنية جديدة محل العقارات المقررة إزالتها على مراحل عدة.

تبدأ بـ125 عقارا بإجمالي 4500 وحدة سكنية ومحل تجاري تقريبا في المنطقة المعروفة باسم "عمارات التعاونيات"، الواقعة بداية من قسم شرطة مدينة نصر (ثان)، مرورا بشارع الخليفة الظافر، وصولا إلى محور جيهان السادات.

وذكرت صحيفة "الوطن" المصرية المؤيدة للنظام، في تقرير بتاريخ 12 يناير أن حي غرب مدينة نصر يتباحث مع أهالي وسكان الحي السادس والسابع، لتعويض أصحاب العقارات، للوصول لصيغة نهائية تمهيدا لبدء مرحلة التطوير المقررة.

وتتضمن هذه المرحلة إزالة نحو ثلاثة آلاف و500 وحدة سكنية بهذه المنطقة، على أساس الخطة الموضوعة. 

الأمر الذي تسبب في غضب السكان الذين فوجئوا بإخطارهم بقرار إزالة عقاراتهم من دون مقدمات، رغم حيازتهم جميع مستندات ملكية وحداتهم السكنية التي يقطنون فيها منذ عشرات السنين، وعدم مخالفتها لأي من قوانين البناء في الدولة.

وأكدوا أنها ليست منطقة عشوائية أو خطرة، كما أنها ليست من المباني القديمة الآيلة للسقوط كما تدعي الحكومة.

الحي السادس 

يعد الحي السادس من أشهر أحياء منطقة مدينة نصر، التي أنشئت في منتصف خمسينيات القرن العشرين كامتداد لحي مصر الجديدة، وتقسم مدينة نصر إلى عدة أحياء أصغر لكبر مساحتها وتعرف مدينة نصر بكثرة مراكزها التجارية.

وفي عام 1960 أنشأت محافظة القاهرة جهاز مدينة نصر لتقسيم وبيع الأراضي، ومنذ ذلك الوقت بدأ الأهالي يستوطنون الحي السادس وبقية الأحياء المجاورة. 

وأبدى سكان الحي السادس المعنيين بقرار الإزالة، احتجاجهم على خطة الحكومة بتهجيرهم منها، وتمسكهم بالبقاء فيها إثر رفضهم جميع الاقتراحات التي طرحتها المحافظة بشأن تعويضهم. 

فيما تضامن نشطاء وسياسيون مصريون مع أهالي الحي السادس، وشجبوا ممارسات السلطة تجاههم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. 

ودون الحقوقي المصري إسلام لطفي، عبر "فيسبوك" قائلا إن الدولة بدأت حصر العقارات التي ستزيلها في ميدان المسلة في حي المطرية، ووقع هذه الإزالات مع ما يحدث بالحي السادس على بقايا الطبقة الوسطى سيكون نفس تأثير مقتل خالد سعيد (أبرز أسباب ثورة يناير).

وأضاف أن كل هذه الأمور تنخر في شرعية النظام وشعبيته التي اكتسبها بمزيج من التخويف والإنجاز، على حد قوله.

واتهم الصحفي المصري جمال سلطان الحكومة المصرية باتباع سياسة عصابات المافيا، وقال عبر تويتر: "الحكومة بنت وباعت للناس شققا في الحي السادس، المنطقة احلوت، وأسعار الأرض ولعت (ارتفعت)، العسكر طمعوا في الأرض، قرروا طرد السكان، وإعادة بناء المنطقة، وتقدير ثمن الشقة 60 ألف جنيه".

وتابع: أما "الشقق الجديدة ستكون بمليونين أو أكثر، قادر تدفع الفرق أو نعطيك شقة في حي السلام الشعبي؟! مافيا". 

حملات مسعورة

وكثيرا ما استهدف النظام بيوت المصريين تحت حجج مختلفة، حدث ذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عندما انطلقت حملة هدم غير مسبوقة طالت المنازل في معظم قرى ومحافظات مصر بدعوى مخالفتها للقوانين، وسط صدمة كبرى من مواطنين، شاهدوا تحطيم مساكنهم أمام أعينهم.

حملة جائرة مسعورة شنها نظام السيسي على الأبنية المخالفة في شتى قرى ومحافظات مصر، مطلقا أجهزته بأدواتها التنفيذية لهدم العمران وتشريد الإنسان.

وقتها صرح المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية الدكتور خالد قاسم، أن "حجم مخالفات البناء في مصر يقدر بنحو مليونين و800 ألف مبنى، و1.7 مليون وحدة مخالفة، وقرابة 400 ألف دور سكني مخالف، بإجمالي 20 مليون وحدة مخالفة".

الأمر الذي يعني أن ملايين المصريين أصبحوا مهددين إما بهدم منازلهم، أو دفع قيمة التصالح الباهظة للبقاء فيها.

ليست البيوت فقط التي كانت رهن استهداف النظام بل الأراضي والملكيات الخاصة أيضا، ففي 26 سبتمبر/ أيلول 2020، جرى تداول مقاطع فيديو على نطاق واسع، لاستغاثات ملاك نحو 3500 فدان من الأراضي الصحراوية المستصلحة، من محاولة استيلاء الجيش على أراضيهم.

واشتكى ملاك الأرض التي تقع بمنطقة وادي النطرون بمحافظة البحيرة شمالي مصر، وتقوم بتصدير ما قيمته 6 مليارات جنيه (نحو 380 مليون دولار) من المنتجات الزراعية، بخلاف ما تورده للسوق المحلية، من محاولة مشروع "مستقبل مصر" التابع للجيش المصري الاستيلاء على أراضيهم، وإجبارهم على التنازل عنها.

 

غير دستوري 

ويصف الباحث السياسي المصري محمد ماهر، قرار تهجير الأهالي وإخراجهم من بيوتهم في الحيين السادس والسابع بمدينة نصر في القاهرة بأنه "غير دستوري" و"غير قانوني" وقائم على إلحاق الأذى بقطاع عريض من المواطنين يعيشون في هذه المنطقة منذ زمن طويل، ومتملكين بحكم القانون وعن طريق الدولة. 

ويقول لـ"الاستقلال": "لا يمكن أن يخرج هذا العدد من المواطنين تحت حجة المنفعة العامة، لأننا سنكون أمام ضرر عام، فهذه المناطق ليست عشوائية ولم توجد من رحم التمدد العشوائي للعاصمة، بل هي كانت ضمن دائرة التخطيط الحكومية منذ زمن طويل، فمثلها مثل الأحياء الكبرى في مدينة نصر ومصر الجديدة والنزهة وغيرها".

ويضيف: "هناك كثير من دول العالم كانت تعاني من المناطق القديمة التي بحاجة إلى تطوير، أبرزها الصين وماليزيا وتركيا، وبالفعل قدموا نموذجهم الخاص في تطوير العشوائيات والمناطق القديمة دون إلحاق الضرر بالمواطنين، لأن الإنسان أولا ومقدم على العمران، ولا نهضة حقيقية بدونه، وذلك ما يغفله النظام المصري، الذي يسحق مواطنيه دون رحمة". 

ويلفت الباحث السياسي إلى أن سياسة السيسي اختلفت عن سياسة الرؤساء السابقين، الذين حرصوا على إنشاء مدن جديدة لمحدودي الدخل، مثل العاشر من رمضان و6 أكتوبر وناصر، لكن السيسي أغفل محدودي الدخل وأسس عاصمته الإدارية للطبقات العليا.

و"لم يكتف السيسي بذلك بل زاد بالسعي إلى تهجير قطاع كبير من المواطنين، ما ساهم في تردي أحوال الطبقة المتوسطة التي تتلاشى في مصر حاليا"، يوضح ماهر.