رغم معرفة القاتل.. لماذا تتجنب إيران إعلان نتائج التحقيق في اغتيال سليماني؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور عامين على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس أركان الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بطائرة أميركية مسيرة قرب مطار بغداد الدولي واعتراف رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب بالعملية، لا تزال القضية قيد التحقيق بين إيران والعراق.

وفي 3 يناير/كانون الثاني 2020، قتلت الولايات المتحدة سليماني والمهندس، وأكد الكونغرس أنه "بأمر من الرئيس، اتخذ الجيش الأميركي إجراءات دفاعية حاسمة لحماية موظفين أميركيين في الخارج".

عدم حسم قضية مقتل سليماني والمهندس حتى اليوم، يثير تساؤلات كثيرة بخصوص أسباب التأخر في إعلان نتائج التحقيق وطي هذه الصفحة، لا سيما أن الجهة التي نفذت العملية أعلنت ذلك صراحة، فهل ثمة أبعاد سياسية وراء إبقاء هذا الملف مفتوحا أم أمر آخر؟

جولات للتحقيق

وفي آخر مستجد للقضية، قال نائب رئيس السلطة القضائية، رئيس لجنة حقوق الإنسان الإيرانية، كاظم غريب آبادي، إن "الجولة الثانية من اجتماعات لجنة التحقيق الإيرانية العراقية المشتركة حول ملف اغتيال الفريق، قاسم سليماني، ورفاق دربه ستنعقد باستضافة طهران، على مدى يومين".

وأوضح آبادي في تصريح نقلته وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية أن "هذه الجولة التي تستغرق يومين ستضم مسؤولين قضائيين كبارا من إيران والعراق"، مشيرا إلى أن "الاجتماع سيناقش آخر ما توصل إليه البلدان عبر التحقيق في ملف اغتيال سليماني ورفاقه؛ بما في ذلك دور المتهمين الأميركيين بجميع المستويات والمجالات".

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بحث وفد قضائي إيراني، مع مجلس القضاء الأعلى في العراق؛ ملف التحقيق في اغتيال قائد فيلق القدس.

وذكر بيان لمجلس القضاء الأعلى في العراق، أن "رئيس المجلس فائق زيدان استقبل الوفد القضائي الإيراني المكلف بمتابعة التحقيق الخاص بجريمة المطار التي أدت إلى مقتل القادة أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني ورفاقهم".

وأضاف: "ترأس الوفد الإيراني مصطفى سيد أشرفي معاون النائب العام لمحافظة طهران ووكيل المحكمة الدولية، والمستشارين القانونيين للوفد، ومستشار الدائرة القانونية العامة للشؤون الدولية في وزارة الخارجية".

وأصدرت محكمة تحقيق الرصافة في بغداد 7 يناير/كانون الثاني 2021، مذكرة قبض بحق دونالد ترامب، بتهمة الاغتيال.

ومنذ حادثة مقتل سليماني، تتعرض المصالح الأميركية في العراق وخصوصا القواعد العسكرية لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة؛ حيث تتهم واشنطن فصائل مسلحة شيعية عراقية مقربة من إيران بالمسؤولية عنها.

وفي 4 يناير/كانون الثاني، نقلت وسائل إعلام محلية عراقية القيادي في الحشد الشعبي، محمد البصري، قوله إن "اغتيال سليماني والمهندس ليس بالحادث الجنائي السهل أو البسيط، الذي يمكن بشكل سريع الوصول إلى نتائج تحقيق فيه".

وأشار البصري إلى أن "التحقيق مستمر حتى الآن ووصل إلى مرحلة متقدمة بعد التوصل إلى خيوط مهمة جدا"، لافتا إلى أن "القاتل معروف بهذه الحادثة (الولايات المتحدة الأميركية)، لكن هناك شبكة تجسس هي من أعطت المعلومات وراقبت تحركات قادة النصر".

وشدد على أن "حكومتي طهران وبغداد والقوات الأمنية العراقية المختصة، جادة فعلا في الوصول إلى نتائج تحقيق والكشف عنها وتقديم الجناة الى المحاسبة والمحاكمة"، مبينا أن "لجنة التحقيق باغتيال سليماني والمهندس هي لجنة مشتركة بين بغداد وطهران".

أهداف عديدة

الباحث السياسي في الشأن العراقي عمر العادل قال لـ"الاستقلال" إن "تأخر حسم قضية مقتل سليماني والمهندس، وإعلان نتائج التحقيق وترك الملف مفتوحا حتى اليوم لا يخلو من أهداف سياسية إيرانية وأمنية، وحتى اقتصادية".

وأوضح العادل أنه "من غير المستبعد أن تسعى إيران إلى المطالبة بتعويضات مالية ضخمة من العراق بحجة أن سليماني قتل على أراضيه التي حل ضيفا عليها ولم تحمه، وبذلك أيضا تحقق ابتزاز تجاه السلطات العراقية في قضايا ومصالح عدة".

وأشار إلى أن "طهران ستبقي هذا الملف مفتوحا لإدامة الزخم الإعلامي في تبرير أي ضربة توجهها المليشيات الشيعية في العراق للقوات الأميركية على أنها ثأر لدماء سليماني والمهندس، حيث أعلنت الفضائل الموالية لإيران تشكيل مجموعة مسلحة أطلقت على نفسها سرايا أولياء الدم".

ونوه العادل إلى أن "ما تعلنه اللجان القضائية الإيرانية والعراقية هو أنها تريد معرفة شبكة الجواسيس التي أعطت معلومات عن تحركات سليماني وبالتالي أدت إلى مقتله، رغم حديثهم عن اعتقال موظفين في مطاري بغداد ودمشق بتهمة التواطؤ في تقديم معلومات للمخابرات الأميركية".

وتوقع الباحث في الشأن العراقي أن "ينتهي التحقيق في قضية مقتل سليماني بخروج القوات الأميركية من العراق، لأنه لليوم يتخذ ذريعة لمهاجمة مصالح الولايات المتحدة واستخدامه ورقة للضغط أيضا عليها للدفع باتجاه التوصل للاتفاق النووي الإيراني".

وكان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أكد لدى لقائه رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، في 12 يوليو/تموز 2021 أن إيران، "ستوجه ضربة بالمثل للأميركيين ردا على قتلهم قاسم سليماني، وأن الحشد نعمة من الله".

وقال خامنئي للكاظمي: "لقد قتل الأميركيون ضيفكم قاسم سليماني برفقة أبو مهدي المهندس، قتلوه في منزلك واعترفوا صراحة بالجريمة وهذه ليست مسألة بسيطة"، مضيفا: "لن ننسى ما حدث".

وأعرب المرشد الإيراني الأعلى عن أمله في أن تتمكن الحكومة والشعب والبرلمان العراقي من متابعة تنفيذ قرار طرد الأميركيين من بلادهم، لأن "وجودهم يسبب انعدام الأمن".

"اتهامات لإسرائيل"

وفي تصريح هو الأول من نوعه يؤكد ضلوع إسرائيل في عملية اغتيال سليماني، قال الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، تامير هايمان، إن الاستخبارات الاسرائيلية لعبت دورا في تصفية قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني.

وأشار هايمان خلال مقابلة أجرتها معه مجلة مركز التراث الاستخباراتي (مابات مالام) في 20 ديسمبر 2021، إلى أن فترة توليه هذا المنصب شهدت عمليتي تصفية مهمتين، قتل في إحداها القائد الايراني، وفي الأخرى القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا، في نوفمبر 2019.

وأوضح أن الاستخبارات الإسرائيلية أحبطت مخططات عديدة، وعرقلت عمليات نقل أموال ووسائل قتالية لطهران، وذلك في مسعى لمنع التموضع الإيراني في سوريا.

وقبل ذلك، وتحديدا في 8 مايو/أيار 2021، كشف موقع "ياهو نيوز" في تقرير استقصائي نقلا عن مصادر مختلفة، عن تفاصيل جديدة حول كيفية تخطيط وتنفيذ الحكومة الأميركية السابقة لعملياتها التي أسفرت عن مقتل القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري.

ويرسم التقرير المذكور كيفية التخطيط والتنفيذ الدقيقين للقوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي عقب أوامر دونالد ترامب بالتخلص من قاسم سليماني.

وأشار التقرير إلى أنه خلال عملية استهداف سليماني في مطار بغداد، حضرت في الموقع 3 فرق من القوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي، المعروفة باسم "قوة دلتا"، وارتدى بعض الجنود ملابس تنكرية، بما في ذلك زي عمال المطار، واتخذوا مواقعهم في المباني القديمة أو السيارات المركونة على جانب الطريق.

ولفت إلى أن فرق القناصة الثلاثة بطريقة شكلت مثلثا على بعد خمسة إلى تسعمائة متر من "منطقة القتل"، أي عند مغادرة سليماني المطار.

وأكد أنه جرى إبلاغ الحكومة العراقية بإغلاق الجزء الجنوب الشرقي من مطار بغداد بسبب التدريبات العسكرية، ثم حضرت قيادة القوات الخاصة وقوات الدعم في السفارة الأميركية ببغداد في تلك الليلة وشاهدت الأحداث مباشرة من خلال كاميرا أحد القناصين.

وشدد التقرير أن وحدة مكافحة الإرهاب في كردستان العراق "إس تي جي" ساعدت أيضا القوات الأميركية في توفير المعلومات المحلية وكذلك تحديد هوية قاسم سليماني عن كثب.

وهو الأمر الذي نفته مباشرة السلطات الأمنية في إقليم كردستان العراق.

وتابع موقع "ياهو نيوز" قائلا: إنه إضافة إلى الفرق المستقرة على الأرض، حلقت فوق المنطقة ثلاث طائرات مسيرة أميركية، اثنتان منها مسلحتان بصواريخ "هيلفاير".

ونقل التقرير عن مسؤول عسكري أميركي، أن سليماني غير هاتفه المحمول ثلاث مرات في الساعات الست التي سبقت مغادرته مطار دمشق.

وبحسب ما أورده "ياهو نيوز" في حينها، فإن القوات الأميركية ونظيرتها الإسرائيلية في تل أبيب، تتبعت هواتف سليماني المحمولة.

وتمكن الإسرائيليون من الوصول إلى أرقام هواتف سليماني، وسلموها بدورهم إلى القوات الأميركية، بحسب الموقع.