باحث عراقي لـ"الاستقلال": تطبيع بغداد وارد.. والرياض تعمل مع طهران ضد السنة

12

طباعة

مشاركة

استبعد الباحث والمحلل السياسي العراقي، حسين صالح السبعاوي، الانسحاب الأميركي من العراق نهاية عام 2021، مؤكدا اختلاف الوضع في بلاده عن أفغانستان.

واعتبر السبعاوي في حوار مع "الاستقلال"، أن من يعتقد بوجود صراع بين إيران والسعودية "واهم"، لأنهما يتعاونان فيما بينهما لإرضاء الأميركان ومعاداة الإسلاميين السنة، بل إن الرياض تدعم مجموعات شيعية ضدهم كالتيار الصدري وآخرين، ومع ذلك فالنفوذ الإيراني في بغداد "باق ولم يتغير حتى الآن"، وبقاء مليشيا "الحشد الشعبي" مرهون ببقاء نفوذ إيران.

وقال إن الحكم الفدرالي بالعراق ما زال حلم السنة ليتمتعوا بمزيد من الحرية في إقليمهم السني، بينما الشيعة يحاربون سياسة الأقاليم بعد تمكنهم من العراق، حيث يتعرض السنة لضغوط ومساومات من أجل أن يكون الإقليم مقابل التطبيع، وهو ما يزيد موقفهم ضعفا.

وأوضح السبعاوي أن الشعب العراقي من أشد رافضي التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وأنه كغيره من الشعوب العربية يرى إسرائيل "العدو الإستراتيجي الأول" للأمة.

وأشار إلى أن أصابع الاتهام تشير نحو "دور إماراتي مشبوه" في تزوير نتائج انتخابات 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عبر تقنيات معقدة سبق أن تورطت أبوظبي فيها، مشددا على أن "التزوير حاضر" بالانتخابات الحالية كما كان في السابقة.

وأضاف السبعاوي، أن الحكومة المقبلة سيتم تشكيلها في غضون ثلاثة أشهر، وإذا تشبث الصدر بموقفه في تسمية رئيس الحكومة المقبل "فسيؤدي إلى تصارع القوى الشيعية فيما بينها"، فيما أن السنة غير معنيين بذلك، وهم يعانون التهميش والإقصاء لأنهم الحلقة الأضعف.

كيف ترى مستقبل العراق في ظل القراءة الواقعية لنتائج الانتخابات الحالية؟

هذه ليست أول انتخابات تجرى وبهذه الطريقة، بل جميع الانتخابات السابقة كان التزوير وتهديد الناخب والمال السياسي حاضرا فيها، ولهذا ستمضي النتائج وتشكل الحكومة بعد مخاض قد يطول أكثر من 3 أشهر، لأن مشكلة العراق بالهيمنة الخارجية عليه، وداخليا بالمليشيات والفساد المستشري في مفاصل الدولة كافة بمعنى الحال يبقى على ما هو عليه.

ما مصير الكتل التي ترفض الاعتراف بالنتائج، ومصير الكتل الفائزة؟

لا شك أن مصير الكتل السياسية الرافضة لنتيجة الانتخابات ستعالج قضيتها من خلال الترضية أثناء تشكيل الحكومة، وإعطائها بعض الوزارات، إضافة للتوافق على اسم رئيس الوزراء، وهذا يعني أن المشكلة داخل المكون الشيعي والذي يقع عاتق توسعتها على بقية المكونات.

صراع الشيعة

هل من الممكن أن تقود التجاذبات إلى صراع طائفي أو صراع داخل الطائفة الواحدة على خلفية النتائج؟

إذا تمسك مقتدى الصدر بأن يكون اسم رئيس الوزراء من التيار الصدري حصرا وليس توافقيا، وإذا كان من ضمن برنامج الحكومة هو حصر السلاح بيد الدولة، فبالتأكيد سيكون هناك صراع بين القوى الشيعية المسلحة أو نذهب لانتخابات مبكرة جدا، بحيث لا تستطيع الحكومة القادمة عمل أي شيء أمام ما ستسببه القوى الشيعية المرتبطة بإيران مثل الحشد ومكوناته وحلفائه.

ما إشكاليات الانتخابات ونتائجها التي حدث الخلاف الشديد حولها بين القبول والرفض؟

الإشكالية هي أن العد والفرز كان إلكترونيا، وهذا لا يمكن المحطات والمراكز الانتخابية المختلفة من أن تتلاعب في نتائجها، على عكس الانتخابات السابقة، ولكن إذا حدث تزوير فسيكون بالفعل حدث من خلال السيرفر الرئيس الموجود في مكتب المحافظة أو في المكتب الوطني.

وهذا يعني أن عملية تجسس واختراق على برنامج المفوضية العليا للانتخابات قد تمت، وهذا ليس بعيدا عن أبوظبي.. خصوصا أن الإمارات لها سوابق في مثل هذه الاختراقات، لكن حتى الآن لا يوجد دليل مادي دامغ يثبت هذا النوع من التزوير.

ما مصير قوائم سنة العراق في كعكة الانتخابات وهل توجد جبهة تجمعهم؟

سنة العراق هم الحلقة الأضعف في الدولة، ومن كثرة ما واجهوا من إقصاء وظلم وشيطنة من قبل المحتل الأميركي والإيراني وحلفائهما وهم لا يمثلون الأغلبية إلا في عدد المهجرين والمعتقلين ولهذا سنجدهم يتربصون بأي فرصة تدعمهم لإنشاء الأقاليم، لكن وللأسف سيكون التطبيع مع إسرائيل هو الثمن لإنشاء الأقاليم وهنا يكمن الخطر.

والسبب لقبول التطبيع من قبل السنة، غياب القيادة الواعية التي تمثلهم، سواء بسبب الإقصاء أو عدم دعم هذه القيادات الوطنية والإسلامية، لهذا ظهرت بعض القيادات المدعومة من السعودية والإمارات والتي ليس لها مشكلة مع التطبيع مقابل المنصب.

أما بالنسبة للكعكة فإنها محصورة بصاحب المنصب والمقربين إليه وأسرته ولا شيء للمكون السني، خصوصا أن الشيعة هم من يختارون وزراء السنة بمن فيهم رئيس البرلمان، ولا يمكن أن يختاروا إلا من يعمل لصالح مشروعهم ويكون خصما أو متجاهلا للمكون السني، لهذا السنة يعيشون حالة تهميش وإقصاء.

عدو إستراتيجي

كيف ترى قضية التطبيع في الموروث الشعبي العراقي؟

بالنسبة للموروث العراقي، هو رافض للتطبيع، بل يعتبرهم "عدوا إستراتيجيا"، وقد تضمنت المناهج الدراسية العراقية والعادات والتقاليد والقيم كلها أن الاحتلال الإسرائيلي "عدو هذا الموروث"، وعززه النظام العراقي السابق (صدام حسين) بدعمه للمقاومة الفلسطينية.

هل يمكن أن ينجح سماسرة التطبيع في تسويقه كحل لأزمات العراق المزمنة؟

بعد 2003 جاء سماسرة التطبيع مع الاحتلال الأميركي للعراق، وهؤلاء كانوا ضمن ما يسمى بالمعارضة في الخارج، أمثال أحمد الجلبي ومثال الألوسي وبعض المعارضة الكردية.

وهذا يعني أن الإسرائيليين اختاروا من كل مكون من المكونات "أرذلهم"، لكي يتعاملوا معهم وينشروا ثقافة التطبيع بين أبناء الشعب.

والحقيقة أنهم قد حققوا نجاحات محدودة في قضية التطبيع، خاصة مع ظهور التيارات الإلحادية والعلمانية المتطرفة التي ظهرت كردة فعل على الطائفية المقيتة و"تنظيم الدولة" التكفيري، هذا النوع من الحركات لا يبالي في قضية التطبيع، خصوصا إذا ما أقنعه السماسرة بأن من فوائد التطبيع سيكون مواجهة الهيمنة الإيرانية في العراق.

قضية التطبيع وكثرة اللغط في هذا الموضوع، كيف يراه الشعب العراقي؟

هناك خداع عام في قضية التطبيع سواء في العراق وبقية الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، وهي أن رأي الشعوب مغيب فيها، ولأن التطبيع مع "العدو الصهيوني" قرار مهم جدا ويخص الأمن القومي العربي فلا بد من عرضه على الاستفتاء الشعبي، وهذا لم يحصل أبدا لأن النتيجة ستكون محسومة بالرفض.

لكن الإسرائيليين ركزوا على الأنظمة وبعض ما يسمى بالنخب الإعلامية والسياسية ويمنحونهم صلاحيات ونفوذا يقابله قمع الرافضين للتطبيع، وبهذا تسير عملية التطبيع رغم أنف الشعوب.

وأعتقد إذا استمر حال العراق على ما هو عليه ستكون قضية التطبيع واردة ويذهب للتطبيع سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بمعنى "بطريقة مقننة" من خلال الاقتصاد والاستثمار.

ما مستقبل تشكيل الحكومة الجديدة في العراق.. هل ستكون حكومة محاصصة طائفية أم كفاءات أم تكنوقراط أم حزبية؟

تشكيل الحكومة لن يكون على أساس نتائج الانتخابات بأنه هناك محاصصة، وأيضا لا يوجد كتلة فائزة بالثلثين أو النصف +1 بسبب كثرة الأحزاب المشاركة في الانتخابات، وهذا ليس جديدا في العراق، حيث سبق وأجريت ثلاثة انتخابات سابقة منذ 2010 ولم تشكل حكومة وفق النتائج.

ففي 2010 فازت القائمة العراقية ولم يسمح لها بتشكيل حكومة، ثم في 2014 فازت "قائمة نوري المالكي" ولم يستطع تشكيل حكومة وجيء بحيدر العبادي رئيسا للوزراء، وفي 2018 فازت "سائرون" (مقتدى الصدر) ولم يشكل الحكومة، وجيء بعادل عبد المهدي رئيسا للوزراء، وهو من المجلس الأعلى؛ إذن هذه الانتخابات كسابقتها.

كما أن هناك مشكلتين في النظام البرلماني بالعراق وهما، غياب المعارضة، والثنائية الحزبية حتى تحصل على الأغلبية السياسية لتتمكن أي قوى سياسية من تشكيل الحكومة، وستكون الحكومة حكومة محاصصة، ورغم ذلك للمرة الثانية الكتلة الصدرية التي تمتلك 73 نائبا ستكون عاجزة عن تشكيل الحكومة بمفردها.

والجدير بالذكر أنه حتى المحاصصة غير عادلة، لأن المكون السني نسبته أكثر من 40 بالمئة، ويعطونه 20 بالمئة فقط، بينما الشيعة نسبتهم 40 بالمئة ويعطونهم 60 بالمئة.

نفوذ باق

النفوذ الإيراني في العراق، هل تراجع أم استفحل؟

النفوذ الإيراني باق ولم يتغير حتى الآن، رغم ما يعانيه من مشكلات في الآونة الأخيرة بسبب مظاهرات "تشرين 2019" الرافضة للتدخل الإيراني؛ لا سيما أن هذه المظاهرات هي في وسط وجنوب العراق ذوي الأغلبية الشيعية، واللذين تعتبرهما إيران عمقا إستراتيجيا لها، ومع ذلك لا يمكن تشكيل حكومة من غير الرضا الأميركي والإيراني عليها.

ولا يمكن لإيران أن تتدخل في الشأن العراقي لولا الرضا الأميركي.. فالتخادم الأميركي والإيراني في العراق قائم بعد 2003، ومشروع التعاون بينهما يسير دون عوائق، والحرب الإعلامية بينهما فقط للاستهلاك المحلي.

ومن العوامل التي تساعد إيران على التدخل في العراق، هو الحاضنة الكبيرة لها بالداخل، خصوصا أن أغلب هذه الأحزاب الطائفية قد تشكلت وتسلحت في إيران، وقاتلت معها ضد العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980.

هل يوجد حاليا نفوذ سعودي في العراق.. أو بمعنى آخر هل يلقى العرب السنة في العراق الدعم من أشقائهم السنة؟

النفوذ السعودي في العراق محدود بالدور الاقتصادي والتجاري الذي يخدم جميع أبناء الشعب العراقي وليس قاصرا على أهل السنة فقط كما تفعل طهران مع المكون الشيعي، بل أحيانا خدمات السعودية للشيعة تكون أكثر، بدليل أنها كلما تريد بناء مشروع ضخم يكون ضمن المناطق الخاضعة للسيطرة الشيعية مثل المدينة الرياضية وغيرها من المشاريع.

كما أن النظام السعودي هو خصم الإسلاميين السنة وليس داعما لهم، وإن أراد أن يقدم دعما للسنة العراقيين فهو محصور فقط للقوى العلمانية التي تقبل بالتطبيع مع الإسرائيلي، والتي تعمل على إقصاء الإسلاميين السنة من المشهد، وفي نفس الوقت تدعم المملكة القوى الشيعية مثل تيار مقتدى الصدر وغيره من القوى الشيعية الأخرى.

واهم من يعتقد بوجود صراع بين طهران والرياض.

هل تعتقد أن العراق ساحة للمواجهة بين طهران والرياض؟ وإلى أين وصل الصراع السني الشيعي؟

للأسف يظن البعض أو يتصور خطأ أن العراق ساحة مواجهة بين السعودية وإيران، وهذا الكلام بعيد عن الواقع على الأرض تماما؛ بل بالعكس فهما متخادمان فيما بينهما في مواجهة أي حركة إسلامية سنية، كما أنهما متخادمان في مواجهة أهداف الربيع العربي في أي مكان في الدول العربية.

حلم الفدرالية

كيف ترى مستقبل الفدرالية في العراق بتقسيمه إلى ثلاثة أقاليم (شيعية وسنية وكردية) بحيث يتمتع كل منهم بحكم ذاتي في إطار عراق موحد؟

الفدرالية حق دستوري، إلا أن الهيمنة الشيعية لا تسمح بفدرالية للعرب السنة، بينما هم أول من نادى بالفدرالية قبل تمكينهم من الحكم وقد طالبوا بفدرالية الجنوب عام 2005، لكن الآن بعد سيطرتهم الكاملة على مناطق السنة خصوصا بعد دخول "تنظيم الدولة" إليها ومن ثم إخراجها بالقوة، أصبح من يتكلم عن الفدرالية يتهم بعدم الوطنية ويريد تقسيم العراق.

ما طموحات المكون السني في العراق، وهل يقف بقوة وراء هكذا مطلب؟

إذا أراد السنة الفدرالية فلا بد أن يكونوا أقوياء مع دعم خارجي، وهذا هو أحد أسباب التوجه نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي للحصول على الإقليم، يعني الإقليم مقابل التطبيع.

كيف تتعامل الحكومة العراقية مع أزمة كركوك؟

بالنسبة لمدينة كركوك تبقى بؤرة صراع (حول التبعية) بين المركز في بغداد والأكراد في أربيل، لكن ما زالت الكفة تميل بتبعيتها للمركز، خصوصا أن الأكراد في كركوك لا يشكلون أغلبية فيها، وبقية المكونات مثل العرب والتركمان والمسيحيين لا يرغبون بالتبعية لإقليم كردستان وتعتبر مدينة كركوك من أغنى المدن العراقية بالنفط.

كيف ترى الوجود الأميركي في العراق وسبل مقاومته كما حدث في أفغانستان؟

الانسحاب الأميركي من العراق "أمر مستبعد"، ولكن من الممكن تقليص عدد القوات فيه، والسبب أن العراق ضمن مناطق النفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط كما هو حال الخليج العربي، ولذا تحرص واشنطن على أن تبقي قواعد عسكرية دائمة لها في العراق.

أما هل يتحول العراق مثل أفغانستان فهذه مقارنة خاطئة، لأن "طالبان" حركة مقاومة وتمثل أغلبية الشعب الأفغاني أما في العراق فهؤلاء هم من جلبوا الأميركان لاحتلال بلادهم فكيف يقارنون بطالبان؟

ما مستقبل مليشيا "الحشد الشعبي" في الخارطة السياسية الجديدة؟

باق وله مشروعه، وبقاؤه مرهون ببقاء النظام الإيراني، لأن طريقة تأسيسه كانت على غرار تأسيس الحرس الثوري الإيراني، فطالما إيران باقية ولها نفوذ في العراق فالحشد الشعبي باق. 

أما مستقبله في الخريطة السياسية، فإنه سيكون مشاركا قويا ويحصل على وزارتين أو ثلاث على الأقل، إضافة للمناصب الخاصة، مثل الهيئات والسفارات وغيرها، وأهم شيء دعم المرجعية الشيعية له مما منحه القوة والسطوة.