النظام والمعارضة يتفقان.. صحيفة فرنسية: ماكرون يوحد الجزائر ضده

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة فرنسية الضوء على الأزمة الأخيرة بين فرنسا والجزائر التي فجرتها تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون، بانتقاده للنظام السياسي الجزائري، وتشكيكه في "وجود أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي (1830-1962).

وقالت "لوموند" إن "رغبة ماكرون في التوفيق بين الذكريات حول الحرب الجزائرية، قد أدت إلى أزمة غير مسبوقة بين باريس والجزائر".

ووصفت الصحيفة ما حدث بأنه "الجحيم مرصوفا بالنوايا الحسنة".

واعتبرت أن "عزم ماكرون على طي صفحة الخلافات الفرنسية الجزائرية فيما يتعلق بالذاكرة، أدى إلى أزمة غير مسبوقة بين باريس والجزائر".

وتابعت: "ليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها الخطاب الرئاسي الفرنسي، الذي اختلط فيه الرسمي بغير الرسمي، ارتباكا وعدم فهم على الساحة الدولية، مما دفع الإليزيه إلى بذل جهود مضنية لتوضيح سوء التفاهم".

واستدركت: "لكن الخلط في الأساليب بين الخطاب الفرنكو-فرنسي والخطاب الدبلوماسي لم يتسبب أبدا في مثل هذا التوتر، مما أدى بلا شك إلى المحافظة لفترة طويلة على هدوء العلاقات الفرنسية الجزائرية".

وخلصت الصحيفة الفرنسية إلى القول إن "ماكرون قد نجح بذلك في كسب الإجماع ضده في الجزائر، سواء بين مؤيدي النظام أو في صفوف المعارضة".

رهان هش

وقالت لوموند إن "ماكرون يدفع اليوم ثمن سنوات من التجاهل للطبيعة الحقيقية للنظام الجزائري، ولطالما اعتقد أو أراد أن يصدق أن نظيره (السابق) في الجزائر (الراحل) عبد العزيز بوتفليقة حتى أبريل/نيسان 2019، وبعده عبد المجيد تبون منذ ديسمبر/كانون الأول 2019 ، يمكن أن يكون شريكه في مصالحة الذكريات بين فرنسا والجزائر".

وأضافت "هكذا كان ماكرون يحلم بأن يكون وريث فرنسوا ميتران إلى جانب (الألماني) هيلموت كول عام 1984، عندما سمحا لشعبيهما اللذين اتفقا أخيرا على التطلع نحو المستقبل معا".

ومع ذلك، فإن مثل هذا المشروع (مشروع الذاكرة) استند إلى تحليل خاطئ للغاية لتوازن القوى في الجزائر، حيث أدى الاحتجاج الشعبي للحراك، بمجرد الحصول على استقالة بوتفليقة، إلى زيادة توتر الجنرالات الجزائريين وسيطرتهم على الواجهة المدنية للسلطة.

وبينما طالب متظاهروا الحراك بـ"استقلال جديد" وشككوا في التاريخ الرسمي للجزائر، فضل ماكرون تقديم دعمه الصادق إلى تبون، الذي انتخب في اقتراع قاطعه السكان بأعداد كبيرة.

ومن جملة ماورد في مشروعه حول الذاكرة، وصف الرئيس الفرنسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نظيره الجزائري بـ"الشجاع"، متناسيا أن تبون اتهم، قبل سبعة أشهر، فرنسا بارتكاب مذبحة راح ضحيتها "أكثر من نصف السكان الجزائريين"، تقول لوموند.

وسلط إلغاء زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جون كاستيكس للجزائر في أبريل/نيسان 2021، وسط بيان مناهض لفرنسا لأحد أعضاء الحكومة الجزائرية، الضوء على "هشاشة رهان ماكرون على تبون".

ومما لا شك فيه أنه وفي محاولة للتعويض عن حالة الشعور بالإحباط عن ذلك المأزق، هز انتهاز الرئيس الفرنسي فرصة مأدبة غداء بقصر الإليزيه، في 30 سبتمبر/أيلول 2021، مع "أحفاد" الحرب الجزائرية لوصف "النظام السياسي العسكري" في الجزائر بأنه "متعب" وأنه في نفس الوقت "متصلب جدا"، لأنه "مبني على ريع الذاكرة"، وفق الصحيفة الفرنسية.

ومن الطبيعي أن تثير هذه التصريحات حفيظة السلطات الجزائرية، مما أدى لاستدعاء السفير الجزائري في باريس ومنع الطائرات الفرنسية العاملة في منطقة الساحل من التحليق فوق الجزائر.

اضطرابات عميقة

وندد رئيس الدبلوماسية الجزائرية رمضان لعمامرة، من مالي، بـ"الإفلاس التذكاري، للأسف، بين عدد معين من الفاعلين في الحياة السياسية الفرنسية، وأحيانا على أعلى المستويات".

وقالت لوموند إن "المعارضة ليست أقل شدة ضد الرئيس الفرنسي الذي تساءل أيضا في 30 سبتمبر/أيلول 2021: هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟". 

أضافت أن "هذا التساؤل عن وجود أمة جزائرية بحد ذاته، والذي لم يكن ليحققه إلا المستعمر الفرنسي، أدى إلى إجماع ضده في الجزائر".

وهذه هي الطريقة التي ينتقد بها رئيس الحراك، كريم طابو، "العبث الأكيد"، نتيجة "الفزع العميق لرجل، بعد أن فشل في الفوز بمعارك كبرى، يأمل على الأقل في كسب معركته الانتخابية".

فيما استنكر السفير الأسبق عبد العزيز الرحابي، المنخرط في الحراك، من جانبه "انتهازية" الرئيس الفرنسي و"أكاذيبه التاريخية".

وقالت لوموند: "هكذا قد حقق ماكرون إنجازا في توحيد كل الحساسيات الجزائرية ضده، ومن خلاله ضد فرنسا".

وأضافت "قد كان لعناد رهانه على تبون، الذي كان يعتقد أنه سيعوضه من خلال تصريحاته الأخيرة عن النظام السياسي العسكري وزن كبير في مثل هذا الفشل الذريع".

واستدركت لوموند: "لكن الشك الذي ألقاه الإليزيه على العمق التاريخي للأمة الجزائرية لا يمكن مقارنته بمحاولة استرضاء الذاكرة".

وشددت على أن "الأمر سيستغرق بعض الوقت لتقييم الضرر الذي لحق بالعلاقة الفرنسية الجزائرية من خلال مثل هذا التسلسل المروع".

وأشارت لوموند إلى أنه "في هذا السياق، ينتظر الناس بفارغ الصبر الكلمات التي سيلقيها ماكرون في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2021".

وقالت: "يمكن بالفعل الاحتفال بالذكرى الستين لمداهمات الشرطة في العاصمة باريس، والتي قتل فيها عشرات الجزائريين (عام 1961)، ببوادر تذكارية بعيدة المدى".

وختمت تقريرها بالقول: "يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الذكرى ستكون كافية لتهدئة الاضطرابات العميقة السائدة الآن في العلاقات الفرنسية الجزائرية".