محمد دعبول.. خازن أسرار عائلة الأسد ومفتاح قصر الحكم لنصف قرن

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 50 عاما في خدمة نظام عائة الأسد بسوريا، توفي "صندوق أسرار الأسدين"، محمد ديب دعبول، في 4 سبتمبر/أيلول 2021، تاركا وراءه "سجلا أسود" عصيا على النسيان.

وعاصر "دعبول" المعروف بـ"أبو سليم"، حافظ الأسد وكان مديرا لمكتبه بعد تولي حافظ منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع لعدة أشهر، بعد انقلابه الذي سماه "الحركة التصحيحية"، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970.

وحينما نصب حافظ نفسه في 22 شباط/فبراير 1971 رئيسا لسوريا، نقل دعبول معه إلى القصر، وذلك لخبرته السابقة حيث كان يعمل في بداية الخمسينيات ضمن رئاسة الحكومة وخاصة في عهد رئيسها خالد العظم.

وحينما تولى بشار حكم سوريا عام 2000 بالوراثة عن والده، أبقى على "أبو سليم" في منصبه كخازن أسرار "القصر الجمهوري"، وعراب تمرير الصفقات الكبرى لكبار تجار سوريا بموافقة الأسد الأب.

عنوان للخنوع

ولد "أبو سليم" المنتمي إلى عائلة سنية في مدينة دير عطية بريف دمشق عام 1935، ووصفته صفحة رئاسة النظام التي نعته بأنه كان "نموذجا في الانتماء الوطني والإخلاص والتفاني في العمل على مدى مسيرة حياته المهنية".

وقالت مصادر مقربة من عائلته لوكالة "DPA" الألمانية: إن "دعبول" فارق الحياة جراء مرض عضال دون أن تسميه، مشيرة إلى أنه سيدفن في مسقط رأسه التي عمل في بلديتها، قبل أن ينتقل للعمل موظفا في وزارة المالية.

ومنح بشار "أبو سليم" الذي توفي عن عمر يناهز 86 عاما، ما يسمى وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2021، وذلك لقاء خدماته في مجال الإدارة والوظيفة العامة والتي بدأت عام 1954 وامتدت لأكثر من سبعة عقود.

وفي حديث عن سيرته، يذكر الكثير من السوريين أن "أبو سليم" كان مثالا لترسيخ "نظرية الخنوع للحاكم" بين المواطنين الذين يقصدون حافظ في بعض المناسبات الاجتماعية أو لمطالب خاصة.

ونجح دعبول بأن يحول شخصيته لـ"مفتاح" القصر الجمهوري، ويصبح القبلة الأولى لكل تاجر أو صناعي أو صاحب ثروة يبحث عن الضوء الأخضر من ذلك "القصر".

ويعتبر معارضو نظامي الأسد الأب والابن، أن دعبول اعتلى هرم قائمة مفاتيح الفساد في البلاد، لمساهمته الكبيرة في تمرير الصفقات المشبوهة، والاستثمارات غير القانونية.

ومع اشتداد مرض حافظ عام 1998 ودخوله في غيبوبات كانت تستمر لأيام، بدأت تنتقل مقاليد الحكم بشكل فعلي إلى بشار، حيث لعب هنا "أبو سليم" دور "الخط الساخن" بين القصر والوزراء، حينما كان يعطيهم "أوامر" الوريث الجديد وتعليماته.

كما كان "أبو سليم" شريكا تجاريا لحيتان الاقتصاد السوري، بما يعني أنه واجهة القصر الرئاسي الاقتصادية، ولا سيما أن شراكة كبار الصناعيين معه تمنحهم فرصا لا تعوض من التهرب الضريبي والقرارات الوزارية المتعلقة بالمنشآت وإدخال المواد الأولية والحصول على إعفاءات كثيرة، مما يسهم في زيادة الأرباح وحصول "أبو سليم" على الحصة الكبرى.

رقم الأسد

وفي حادثة شهيرة لعب فيها "أبو سليم" دور عامل البريد بتكليف مباشر من بشار بوصفه مدير مكتبه، ذاع صيتها في الشارع السوري وفضحها مستثمرون رفضوا وقتها الانصياع للأسد الذي أراد نهب ما جمعوه من ثروات بجرة قلم.

ويروي موقع "اقتصاد مال وأعمال السوريين"، الحادثة والتي وقعت حينما التقى رأس النظام بشار بفريق رجال الأعمال السوريين، عندما زار الإمارات عام 2008، وطلب منهم بشكل مباشر العودة إلى سوريا والاستثمار فيها، بضمانته الشخصية.

ولزيادة الثقة من الأسد، وهنا مربط فرس "أبو سليم"، مد يده بشار إلى جيبه، وأخرج "كرت"، قرأ عليهم رقم هاتف يستطيعون الاتصال به، كلما اعترضتهم مشكلة من أجل حلها.

أما رقم الاتصال ببشار، فقد اتضح أنه كان رقما لمزيد من السمسرة بواسطة "دعبول"، الذين كان يخبر المتصلين من رجال الأعمال، بأنه يجب أن لا يجري إشغال "الرئيس" بما يطلبوه منه، ثم يتعهد هو بحلها، مقابل ما تجود به جيوبهم.

وأكد الموقع كذلك أن الكثير من رجال الأعمال تورطوا حينها بهذه "اللعبة الخبيثة من بشار".

قمع الثورة

سامي بديع، أحد أبناء ريف دمشق، أكد أنه في بداية المظاهرات السلمية للثورة عام 2011، تردد اسم "سليم" الابن الأكبر لصديق حافظ كما يسمه أهالي منطقته في "تمويل مليشيا الشبيحة لقمع المظاهرات في منطقة القلمون وملاحقة المعارضين بحكم أنه رجل أعمال بارز ولا شك أنها بإيعاز من والده كعربون صداقة على الخدمات التي سهلها لهم الأسد الأب ومن بعده ابنه".

وأضاف بديع لـ"الاستقلال" أن "أهالي المنطقة يعرفون أن عائلة دعبول كانت فقيرة، وفجأة أصبحوا من أكثر العائلات الثرية ليس في ريف دمشق بل في سوريا، وخاصة في مسألة منح الترخيص والموافقات المطلوبة لأي مشروع اقتصادي صعب مقابل مبالغ طائلة، إلى أن وصل بهم الحال لفتح جامعة القلمون الخاصة وشركات تجارية ضخمة".

وفي السياق، أكد موقع "مع العدالة" (خاص)، أن دعبول أسس مشاريع جديدة تصب في خدمة مصالح النظام، وخاصة في قطاع الجامعات الخاصة.

وبين الموقع أن "سليم أقنع بشار بالسماح بمنح تراخيص لافتتاح جامعات خاصة في سوريا، وحصل على ترخيص لمشروعه جامعة (القلمون الخاصة) الواقعة في مدينة دير عطية، وشيدها بتمويل من بشار ومجموعة من أثرياء الطبقة الحاكمة".

قالوا عنه

الكاتب والباحث السوري البارز، رضوان زيادة كتب على حسابه في تويتر: "توفي دعبول، كان مديرا لمكتب الديكتاتور الأب 30 عاما ثم الابن 20 عاما، نصف قرن في خدمة الديكتاتورية وهنا يكمن موقع الإثارة بهذه الشخصية المختلة نفسيا حتى يجرد نفسه من كل حدود الكرامة ويحولها لخدمة سيده، والطريف أنه أسس جامعة لتربية الأجيال فأية أجيال سينشئها هذا العبد الذليل".

كما كتب المغرد منصور عبد الله محمد عبر حسابه: "مدير مكتب الرئيس بعد إقصائه منذ أشهر من وسام استحقاق رئاسي.. اليوم تنعيه صفحات نظام الأسد المجرم، وأنباء عن تصفيته وإخفاء ما تبقى من أسرار يحملها معه".

وعلق نعمان أبو حسين على وفاة "أبو سليم" بقوله: "خادم آل الأسد الأب والابن ماذا قدم لسوريا وشعبها غير نشر فساد آل الأسد والتغطية على جرائمهم بحق الدولة السورية ومؤسساتها..!!".