مع تصاعد الأحاديث عن التطبيع.. لماذا تخشى إيران لقاء أردوغان والأسد؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تتسارع خطوات تركيا نحو فتح "صفحة جديدة" من العلاقات مع النظام السوري، وإنهاء القطيعة المستمرة منذ عام 2011 على خلفية الجرائم الكبرى التي ارتكبها بشار الأسد ضد مئات آلاف السوريين.

إذ دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال يوليو/ تموز 2024 رئيس النظام السوري بشار الأسد أكثر من مرة إلى زيارة تركيا أو اللقاء معه في دولة ثالثة.

وبينما شجعت روسيا، مرارا لقاء الأسد بأردوغان، تبدو إيران حليفة الأسد الأولى، غير متحمسة لتصحيح العلاقات بين الجانبين، وفق مراقبين.

مسار جديد

وعلى متن طائرته وأثناء عودته من العاصمة الأميركية واشنطن، عقب مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، أكد الرئيس التركي في 11 يوليو أن وزير خارجية بلاده هاكان فيدان "يقوم حاليا بتحديد خارطة طريق" لعقد لقاء قريب مع الأسد.

لكن أردوغان لفت الانتباه وقتها بالقول إنه "لا ينبغي لأحد أن ينزعج من بناء مستقبل جديد وموحد لسوريا".

وأضاف: "يجب على الولايات المتحدة وإيران أن تكونا سعيدتين بهذه التطورات الإيجابية وتدعما العملية الرامية إلى إنهاء كل المعاناة (في سوريا)".

وذكر الرئيس التركي اسم إيران، أعطى دلالة واضحة على عدم وجود رغبة لدى طهران لترميم تركيا علاقتها مع النظام السوري.

لا سيما أن روسيا حليفة الأسد الثانية، أكدت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن "تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا"، يحظى بأهمية حيوية فيما يتعلق بالتوصل إلى حل شامل في سوريا وتعزيز الأمن الإقليمي.

وقالت زاخاروفا في مؤتمر صحفي في 12 يوليو: "نشجع شركاءنا على مواصلة الاتصالات بكل الوسائل الممكنة، كما اتخذت تركيا خطوات مهمة في الفترة الأخيرة فيما يتعلق بمسار التطبيع".

وأضافت: "هناك إشارات من تركيا، بما في ذلك من الرئيس أردوغان، حول استعدادهم لتطبيع العلاقات مع سوريا، ونحن نرحب بهذا الاتجاه".

اللافت أن إيران لم ترد على تصريحات الرئيس التركي التي دعاها فيها إلى أن "تكون سعيدة" لمساعي أنقرة في "عملية بناء السلام وبدء حقبة جديدة مع سوريا".

لا سيما أن إيران تدخلت عسكريا بسوريا عام 2012 لإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد من السقوط إثر ثورة شعبية كادت تطيح به في مارس 2011 واتخذت أنقرة منذ ذلك الحين موقفا داعما لها.

 واليوم يبلغ عدد أفراد مليشيات إيران بسوريا ما بين أجنبية ومحلية نحو 100 ألف، ينتشرون في دمشق وريفها ودير الزور وحلب وحمص وحماة والجنوب السوري.

وأمام ذلك، حافظت دمشق على شروطها الأساسية قبل الحديث عن إنهاء الخلاف مع أنقرة.

إذ كانت الأنظار مشدودة طيلة الأيام التي تحدث فيها الرئيس التركي عن عزمه لقاء الأسد، صوب دمشق للرد على الدعوات التركية.

وبالفعل  خرج نظام الأسد عن صمته، وأعلن في بيان نشرته وزارة الخارجية التابعة له في 13 يوليو  "الأسس" التي بموجبها تعود العلاقة مع تركيا.

وقالت الوزارة، إن “أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسس واضحة، ضمانا للوصول إلى النتائج المرجوة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية”.

وأضافت: "وفي مقدمة تلك الأسس انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضا".

وشددت على أن "عودة العلاقة الطبيعية بين سوريا وتركيا تقوم على عودة الوضع الذي كان سائدا قبل عام 2011، وهو الأساس لأمن وسلامة واستقرار البلدين". 

الوزارة أضافت أيضا أن "سوريا تعاملت مع المبادرات الخاصة بتصحيح العلاقة السورية التركية، وترى أن نتيجة تلك المبادرات ليست غاية إعلامية، وإنما هو مسار هادف يستند إلى حقائق قائمة، ويبنى على مبادئ محددة تحكم العلاقة بين الدولتين، أساسها احترام السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي".

ويرى مراقبون أن بيان النظام السوري حول العلاقة مع تركيا أعاد مسار التطبيع إلى “نقطة الصفر”، كونه تمسك بالانسحاب العسكري التركي من الشمال السوري والذي يصفه بشار الأسد بـ "الاحتلال التركي".

ووفقا لـ "مركز جسور للدراسات" السوري (معارض)، فإن الوجود التركي في شمال سوريا يتركز في 129 موقعا عسكريا ونقطة أمنية في أرياف إدلب وحلب والرقة والحسكة.

فضلا عن وجود 14 مركزا تركيا للخدمات المدنية للسكان، و27 مركزا للخدمات الإنسانية، ودعم بشبكات الكهرباء والاتصالات والشحن، وفق المركز. 

ويعيش في شمال غربي سوريا (الشمال السوري) الخارج عن سيطرة الأسد 5 ملايين نازح، وتدخل المساعدات الإنسانية الدولية إليهم عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، بينما هناك 3.3 ملايين لاجئ سوري في الأراضي التركية.

"الحزام الأمني"

نظام الأسد ركز منذ بدء الاجتماعات غير المباشرة مع تركيا نهاية عام 2022 على الوجود العسكري التركي بالشمال السوري ودعا أنقرة لسحب قواتها منه قبل أي مناقشات حول الملفات الأخرى.

وفي نبرة تصعيدية، قال الأسد خلال مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية" الإماراتية في 9 أغسطس/آب 2023 : "لماذا نلتقي أنا وأردوغان؟ لشرب المرطبات؟ نريد تحقيق هدف واضح”. 

وتابع أن هدفه هو "سحب القوات التركية من الأراضي السورية، في حين أن هدف أردوغان شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا". ومضى الأسد يقول: "لذلك لا يمكن عقد الاجتماع في ظل شروطه".

اللافت أن إيران توافق على وجهة نظر النظام السوري في الانسحاب التركي من سوريا.

ففي خضم الجهود المبذولة لتقريب وجهات النظر ما بين أنقرة ودمشق، اقترحت طهران قبل فترة خطة عمل بشأن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.

وقال وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبداللهيان، في 19 سبتمبر 2023 إنه اقترح أن تلتزم تركيا أولا بسحب قواتها العسكرية من الأراضي السورية، وثانيا أن تلتزم سوريا بنشر قواتها على الحدود حتى لا تتعرض الأراضي التركية للتهديد، مؤكدا حينها أن إيران وروسيا ستكونان ضامنتين في هذا الاتفاق.

وتشير الأحداث إلى أن إيران لم تكن تتحدث بشكل جدي حول لعبها دور الوسيط في تحسين العلاقة بين أنقرة ودمشق عقب اندلاع الثورة، كما تفعل روسيا.

إذ كانت المرة التي تحدثت فيها طهران بأنها تعمل إلى "تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا"، حينما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 29 مايو/ أيار 2022، عزم بلاده استكمال "الحزام الأمني" الذي تعمل على إقامته على طول حدودها مع سوريا في "أسرع وقت ممكن" وشن عملية عسكرية من شمال شرقي إلى شمال غربي سوريا ضد فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" التي تحلم بإنشاء كيان انفصالي هناك.

وعقب ذلك سافر عبداللهيان، إلى تركيا في زيارة استغرقت 4 أيام بدأت في 27 يونيو وقال وقتها “نتفهم بشكل جيد جدا المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا، وطرحها تنفيذ عملية عسكرية خاصة هناك بالوقت نفسه”.

وآنذاك توجه عبداللهيان إلى طهران، ثم ذهب إلى دمشق، وفي تصريحات أدلى بها قبيل مغادرته إلى هناك، في 2 يوليو 2022 إن "أحد أهداف زيارتي إلى دمشق هو السعي للتقدم في مسار استقرار السلام والأمن، من خلال تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا".

لكن عقب ذلك لم يحدث أي تطور بجهود إيرانية لتطبيع العلاقة بين دمشق وأنقرة. إذ كثيرا ما كانت روسيا وتركيا تجريان مشاورات ثنائية حول ترميم علاقة أنقرة بالنظام السوري، بغياب إيران.

فأعلنت وزارة الدفاع الروسية في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أن جلسة ثلاثية انعقدت، بين وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا في العاصمة الروسية، موسكو لبحث إعادة العلاقات.

وحينها الاجتماع الذي حصل كان بغياب إيران مما ترك علامات استفهام كبيرة، حول عدم ضم طهران.

وعقب ذلك أكد أردوغان، في نهاية يناير/ كانون الثاني 2023 إمكانية مشاركة طهران في المحادثات الثلاثية بين موسكو ودمشق وأنقرة لإعادة علاقات بلاده مع سوريا.

وتزامن ذلك مع قول بشار الأسد، على هامش لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في مطلع يناير 2023 إن "اللقاءات مع الجانب التركي يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبّقين بين سوريا وروسيا كي تكون مثمرة، من أجل الوصول إلى النتائج الملموسة التي تريدها سوريا".

وسبق أن حدد وزير الدفاع التركي ياشر غولر مطلع يونيو 2024، شروط بلاده لإمكانية سحب قواتها بقوله: "ضمان بيئة آمنة وأن تكون الحدود التركية آمنة، واعتماد دستور شامل لسوريا، وإجراء انتخابات حرة".

وحديث تركيا عن ضرورة اعتماد دستور جديد لسوريا وإجراء انتخابات حرة يشير إلى عدم تخلي أنقرة عن تطبيق قرار 2254 الصادر عام 2015 عن مجلس الأمن الدولي والممهد للحل السياسي في البلاد عبر أربع سلال وهي الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

مخاوف إيران

وتعليقا على هذا المشهد، رأى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، أن "نظرة إيران للعلاقة بين تركيا ونظام الأسد معقدة حيث أن طهران تتمنى عودة علاقات الأسد مع جميع الدول والذي يعني القضاء على الثورة وعودة الأسد إلى علاقاته الدولية ما يعني أن قوة هذا الحليف تعود بالنفع لها".

وأضاف جلو لـ"الاستقلال": "سبق أن مارست إيران دورا لتحسين العلاقة بين تركيا ونظام الأسد عام 2022، لكن إيران تدرك بعمق أن أي علاقة طبيعة بين تركيا والنظام السوري يهدد مصالحها لأسباب عديدة".

وعلى رأسها وفق جلو "أن طهران غير ضامنة لبشار الأسد حيث تنظر له كحليف ولكن حليف غير مضمون كونه ينظر لمصلحته الذاتية أولا إذا تعارضت مع مصالح إيران".

ورأى جلو أن "لدى تركيا الكثير لتقديمه إلى نظام الأسد في حال تطبيع العلاقات مع أنقرة بمقابل أن إيران لا تستطيع أن تقدم للأسد سوى المليشيات وقليل من النفط المهرب وخدمات ثانوية وعدا ذلك لا تملك شيئا". 

ودلل على ذلك بالقول: "تركيا في مجال الاقتصاد يمكن أن تقدم للأسد وهذا ما تشير له التقارير حول وجود البضائع والسلع التركية في أسواق مناطق النظام السوري رغم انقطاع العلاقات".

وتابع أن "تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق يعني انفتاح الجغرافيا السورية كنقطة عبور برية تجارية من تركيا نحو دول الخليج العربي، ما يخدم تركيا والخليج، وهما طرفان متناقضان مع إيران، خاصة أن تركيا هي المنافس الإستراتيجي الإقليمي لإيران بالمنطقة".

وبالتالي "هذا ما يدعو لطهران للتوجس خيفة من العلاقة بين دمشق وأنقرة إضافة إلى أن إيران تخشى من تلك العلاقة تهدد وجود مليشياتها المنتشرة على الأراضي السورية والقريبة من الحدود التركية"، وفق جلو.

وفي السياق ذاته، يرى تجمع "القبة الوطنية السورية" وهو تحالف للكيانات السياسية السورية المناهضة للنظام السوري، أن "إيران تدرك أن أي تقارب بين أنقرة ودمشق يمكن أن يؤثر سلبا على نفوذها في سوريا".

وقال التجمع في تقرير له نشر في 13 يوليو 2024 "بالنسبة لطهران، فإن التفاهمات التركية-الروسية قد تعني فقدان جزء من سيطرتها على الأراضي السورية لصالح موسكو".

لذلك، "تحرص إيران على أن تمنع روسيا من أن تكون هي الوسيط الرئيس في أي مفاوضات بين سوريا وتركيا، لضمان عدم تهميش دورها".

وأشار التجمع إلى أن "طهران تدخلت لعرقلة محاولات الحكومة العراقية لعقد لقاءات بين تركيا والنظام السوري، وهذا التدخل يعكس القلق الإيراني من تأثير هذه اللقاءات على نفوذها في سوريا، خاصة في ظل غياب تصور واضح لمستقبل هذه الاجتماعات".

و للمفارقة وبالتزامن مع توقيت محاولة تركيا تحقيق تقارب مع النظام السوري، أرسل الرئيس الإيراني بالإنابة، محمد مخبر، في 8 يوليو 2024 مسودة اتفاقية التعاون الاقتصادي الإستراتيجي الطويل الأمد لمدة 20 عاما بين إيران وسوريا إلى البرلمان الإيراني.

وتتضمن المسودة سداد سوريا ديونها إلى إيران، التي تزيد على 50 مليار دولار وأنفقتها الأخيرة خلال 10 سنوات على الحرب في سوريا، لمنع سقوط نظام بشار الأسد، وفق وثيقة نشرتها مجموعة "ثورة لإسقاط النظام" الإيرانية المعارضة بعد اختراقها لموقع الرئاسة الإيراني، وتداولتها وسائل الإعلام في 10 أغسطس/آب 2023.

وكان "تلفزيون سوريا" المعارض نشر في سبتمبر/ أيلول 2023 رسالة سرية سربتها مجموعة إيرانية معارضة مقربة من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، تحذر فيها استخبارات "الحرس الثوري"، الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي من أن "خصوم إيران الإقليميين، مثل تركيا والإمارات، يحاولون “الحد من نفوذ إيران الاقتصادي في مستقبل سوريا وخلال فترة إعادة إعمار”.

وشددت الرسالة على أن "إهمال فترة إعادة الإعمار السورية يمكن أن يؤثر على إنجازات إيران في العقد الماضي والنفقات التي تكبدتها في هذا المجال".

ومما كان ملاحظا في هذا السياق، هو سير إيران بشكل استعجالي في الاستحواذ على قطاعات حيوية بسوريا، ولهذا نجحت في توقيع عقود مع نظام الأسد أكثر من الروس، وجميعها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني.

وعلى سبيل المثال، وقعت إيران مع النظام السوري خلال عام 2019 نحو 35 اتفاقية، منها 23 فقط في يناير/كانون الثاني دفعة واحدة، وسبق ذلك عشرات العقود والمذكرات والتفاهمات الاقتصادية.