تراجع إيرادات قناة السويس.. كيف يؤثر على مداخيل مصر الدولارية واقتصادها؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

شهدت قناة السويس خلال الشهور الماضية تراجعا في إيراداتها قدرها صندوق النقد الدولي بين 55 و60 بالمئة بسبب انخفاض حركة المرور عليها.

وتأتي تقديرات الصندوق عقب تصريحات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الذي أكد أن الإيرادات تراجعت بنسبة بين 40 و50 بالمئة.

وانخفضت حمولات الحاويات العابرة للقناة 82 بالمئة بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، الذي أشار إلى وجود تراجع في القدرات الاستيعابية للحاويات ومعدل عبور الناقلات وتحديدا المختصة بنقل الغاز بشكل كبير.

وتظهر بيانات الشحن العالمي تحويل مسار نحو 20 بالمئة من أسطول سفن الحاويات العالمي بواقع 364 ناقلة حاويات ضخمة بطاقة استيعابية تفوق مليونين ونصف المليون حاوية، بسبب هجمات الحوثيين ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل عبر مضيق باب المندب، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

واستقبلت قناة السويس خلال عام 2023 نحو 26 ألف سفينة، استحوذت سفن الحاويات على النصيب الأكبر منها بنسبة 43 بالمئة، تلتها ناقلات النفط بـ 23 بالمئة.

 وتشير تقديرات الأونكتاد إلى أن 22 بالمئة من تجارة الحاويات العالمية المنقولة بحرا عبرت من خلال القناة خلال 2023.   

عمق التأثير

وكشفت المنظمة البحرية الدولية (IMO) عن تغيير 18 شركة للشحن البحري مسار سفنها ضمن تجارة تبلغ قيمتها 200 مليار دولار بعيدا عن البحر الأحمر وقناة السويس، خشية الحوثيين.

وأعلنت شركة الشحن الأميركية، فليكس بورت، أن نحو 180 سفينة شحن غيرت وجهاتها حول إفريقيا، بعيدا عن مضيق باب المندب وقناة السويس بانتظار تعليمات من الشركات المشغلة لها.

ومع اتجاه شركات الشحن لوقف رحلاتها عبر البحر الأحمر واستخدام ممرات أخرى كرأس الرجاء الصالح فإن هذا التحول البعيد عن المسار الاعتيادي للسفن يضيف 13 ألف كيلو متر وما بين 10 إلى 14 يوما إلى جدولها الزمني، ما زاد من كلفة الشحن والتأمين وقلص من أعداد السفن الوافدة.

وتراجعت إيرادات قناة السويس خلال يناير/كانون الثاني 2024 بنسبة 46 بالمئة لتصل إلى 428 مليون دولار مقارنة بإيرادات قدرها 804 ملايين دولار خلال الشهر المماثل من العام 2023.

ويرجع ذلك إلى انخفاض أعداد السفن المارة بالقناة خلال يناير 2024 بنسبة 36 بالمئة لتصل إلى 1362 سفينة مقابل 1850 سفينة في نفس الشهر من عام 2023.

ويتراوح متوسط عدد السفن العابرة في القناة يوميا بين 72 إلى 74 سفينة في الوضع الطبيعي، بحمولات إجمالية 4.2 ملايين طن بضائع، بينما تراجعت أعداد السفن العابرة إلى ما دون الـ 40 يوميا.

ويرى الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أن تراجع الإيرادات الحاصل مؤقت وكان لشهرين ماضيين فقط وليس طوال العام، مشيرا إلى أن الحديث عن أن إيرادات القناة 10 مليار دولار سنويا ليس بالصحيح.

وأضاف ذكر الله لـ"الاستقلال"، أن إيرادات عام 2022 كانت حوالي 8 مليارات دولار وفي 2021 بلغت 6 مليارات فقط، وبالتالي ما تأثرت به القناة هو ما يقارب مليار إلى مليار ونصف دولار حتى الآن.

هذا فضلا عن أن المشكلة ليست في القدر بل في عمق التأثير لأن إيرادات قناة السويس هي أحد مصادر الإيرادات الدولارية الرئيسة في مصر، وفق تقديره.

فمصر تعاني منذ فترة طويلة من فجوة دولارية متصاعدة بالنقد الأجنبي لاسيما في ظل ضغوط أقساط وفوائد الديون عليها وعدم القدرة على جذب استثمارات مباشرة أو خلافه لسد تلك الفجوة، بجانب تراجع تحويلات العاملين بالخارج بنسب قد تقترب إلى 30 و40 بالمئة الفترة الماضية.

وهذا يجعل المليار وأكثر الذي فقدته قناة السويس مهما للغاية وله الكثير من التداعيات على الاقتصاد المصري، وفق تعبير ذكر الله.

وتعاني مصر من فجوة دولارية تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار، وهي بذلك تحتاج إلى استثمارات بما يصل إلى 100 مليار دولار سنوياً حتى 2028 من أجل التعامل مع تلك الفجوة، حسبما أعلن السيسي، في فبراير/شباط 2023.

وتراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج خلال العام المالي 2022-2023، بنسبة 30.8 بالمئة على أساس سنوي، إلى 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في العام المالي الذي يسبقه.

بدوره، قال أستاذ الاقتصاد السياسي، عبد النبي عبد المطلب، إن هذا التراجع أدى إلى زيادة أزمة نقص النقد الأجنبي في مصر، مشيرا إلى الحكومة كانت تأمل أن تحقق القناة إيرادات سنوية تقترب من 10 مليارات دولار بنهاية عام 2024.

وأضاف عبد المطلب، لـ "الاستقلال"، أن قناة السويس تشهد تراجعا كبيرا في إيراداتها منذ مايو/أيار 2020، نتيجة تفشي جائحة وباء كورونا، وتوقف حركة التجارة عبر الحدود، وتراجعها عالميا، إضافة الى انخفاض أسعار النفط، فضلا عن أزمة جنوح سفينة "إيفر جرين" عام 2021، وبالتالي "كان من الممكن أن تسهم القناة في توفير المزيد من النقد الأجنبي".

وبلغت إيرادات قناة السويس خلال العام المالي 2019-2020 حوالي 5.8 مليارات دولار، كذلك حققت خلال العام المالي 2020-2021 حوالي 5.9 مليارات دولار، بينما حققت في العام المالي 2021-2022 حوالي 7 مليارات دولار.

قروض جديدة

وفي ظل تلك الفجوة الدولارية التي تعاني منها البلاد بالتزامن مع تراجع إيرادات قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج، عادت مصر لطاولة التفاوض مع صندوق النقد الدولي مرة أخرى بهدف تعظيم قيمة القرض الذي تعثرت المفاوضات حوله خلال العام 2023.

وفي 6 مارس/آذار 2024، أعلن صندوق النقد الدولي، توقيع اتفاق قرض مالي مع مصر بقيمة 8 مليارات دولار ضمن برنامج إصلاح اقتصادي، بدلا من اتفاقية القرض السابق الموقعة بين الجانبين في ديسمبر/كانون أول 2022 بقيمة 3 مليارات دولار.

ويرى ذكر الله أن الحكومة تتعامل مع قرض صندوق النقد الدولي على أنه شهادة ثقة جديدة بالاقتصاد المصري وسط معاناة تشهدها البلاد، وتخفيض التصنيفات الائتمانية.

وأشار إلى أن شهادة الثقة بمثابة ميلاد جديد للاقتصاد، يمكن من خلالها الحصول على مزيد من القروض بعد أن أغلقت أبواب الاقتراض تقريبا أمام الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية.

وخفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لمصر من B3 إلى Caa1، مع تغير في النظرة المستقبلية إلى سلبية، وهو تصنيف يرى أن مصر ذات وضع استثماري ضعيف مع مخاطر عالية جدا.

كما خفضت الوكالة تصنيف الودائع طويلة الأجل لثلاثة بنوك حكومية وهي: الأهلي المصري، وبنك مصر، وبنك القاهرة، وكذلك البنك التجاري الدولي إلى Caa1.

وأيضا خفضت تصنيف بنك الإسكندرية عند B3، مع تغير نظرتها المستقبلية لتصنيف الإصدارات الحكومية المصرية إلى سلبية من مستقرة.

من جهته، قال عبد المطلب، إن قرض الصندوق لن يحل مشكلة نقص النقد الأجنبي في مصر حتى وإن كان 12 مليار دولار، مشيرا إلى أن دعم صندوق النقد قد لا يكون كافيا للتغلب على تحديات الاقتصاد، مستدلا بالنظرة المستقبلية السلبية لوكالة موديز.

وبلغ إجمالي الالتزامات الخارجية على مصر بما في ذلك الأقساط وفوائد الديون نحو 42.3 مليار دولار خلال 2024، بينما تبلغ الديون الخارجية المستحقة للسداد خلال 2025 نحو 19.434 مليار دولار، مقسمة إلى نحو 11.155 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، وحوالي 8.28 مليارات دولار خلال النصف الثاني.

وخلال عام 2026، ستصل قيمة الأقساط والفوائد المستحقة للسداد إلى 22.94 مليار دولار، مقسمة إلى 11.458 خلال النصف الأول من العام، و11.482 في النصف الثاني.

ووقعت مصر، في 23 فبراير/شباط 2024، عقدا لتطوير مشروع رأس الحكمة في مصر بشراكة إماراتية، على أن يستقطب المشروع استثمارات تزيد قيمتها عن 150 مليار دولار خلال مدة تطويره وتتضمن 35 مليار دولار استثمارا أجنبيا مباشرا للدولة المصرية خلال شهرين.


 

وحصلت مصر حتى الآن على 10 مليارات دولار كدفعة أولى من الصفقة. ويدخل المشروع ضمن مخطط التنمية العمرانية لعام 2025، ويهدف إلى جلب نحو 8 ملايين سائح إضافي.

ويرى ذكر الله، أن الحصول على هذا المبلغ الكبير من الدولارات في هذه الفترة القصيرة سيسهم نوعا ما في الاستقرار.

 ولكن الاستقرار في الدولار سيكون استقرارا مؤقتا لأن هذه الـ 35 مليار ستذهب جميعها نحو سداد الديون.

وأشار إلى أن من بين أموال الصفقة 11 مليار دولار ودائع إماراتية سيتم تحويلها إلى شكل الاستثمار، وبالتالي ما سيتم ضخه من سيولة فعلية هو الـ 24 مليار دولار المتبقية من المبلغ.

ولفت إلى أن المبلغ سيذهب جميعه لسداد الديون وربما يتبقى ديون أخرى وبالتالي مصر مجبرة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي.

اقتصاد إنتاجي
 

ومن المتوقع أن تلجأ مصر إلى الأسواق الأجنبية عبر طرح سندات، وبالتالي ستؤدي كل هذه الأموال إلى سداد الفجوة التمويلية لعام 2024 فقط.

 ولكن تبقى الفجوة التمويلية كبيرة لاسيما في العجز التجاري الضاغط الأكبر على الدولار في مصر، خاصة في ظل تراجع بعض المصادر الرئيسة للدولار مثل عائدات قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج، ما قد ينذر بأن الوضع قد يصبح صعبا في عام 2025، بحسب ذكر الله.

وتستهدف مصر إصدار سندات دين طويلة الأجل تتراوح بين 20 إلى 30 سنة وتخصيص عائداتها لسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي للعامين الماليين 2023-2024 و2024-2025.

وذلك بحسب وثيقة صادرة من مجلس الوزراء بشأن "ملامح التوجهات الإستراتيجية للاقتصاد المصري خلال الفترة 2024- 2030" والمقرر عرضها على الحوار المجتمعي قبل العمل بها.

وفي ظل تلك المعطيات فإن المراقب للمشهد المصري يلحظ أن الحكومة ما زالت تعتمد على القروض وبيع الأصول في سد فجواتها الدولارية.

ويأتي ذلك دون العمل على حلول جذرية تمكن البلاد من الخروج من أزماتها الاقتصادية بشكل حقيقي بعيدا عن السياسات الترقيعية والاعتماد على المسكنات.

وارتفع عجز صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي للشهر الثاني على التوالي بنهاية شهر يناير 2024، ليسجل 29 مليار دولار من 27.2 مليار دولار في ديسمبر 2023 وفقا لبيانات البنك المركزي.

ويرى ذكر الله، أن على مصر الرجوع خطوات للخلف وبناء اقتصاد إنتاجي حقيقي يعتمد على طبقة رأس مالية متوسطة ومتنوعة وعميقة التوغل في المجتمع المصري تستطيع أن تنشئ مجتمعا اقتصاديا جديدا.

بحيث تكون رافعة لكل موارد المجتمع لا سيما الموارد البشرية منها، مشيرا إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية من قبل الحكومة.

ويعاني القطاع الخاص الذي يعد عصب الإنتاج في مصر من أزمات اقتصادية حادة تسببت في انكماشه على مدى 39 شهرا على التوالي حتى نهاية شهر فبراير/شباط 2024، الذي سجل فيه قراءة متدنية عند 47.1 نقط.

ويأتي ذلك مع انخفاض الطلبيات الجديدة بأسرع معدل لها منذ مارس/آذار 2023، وتراجع المبيعات المحلية وسط ضغوط الأسعار التضخمية والتحديات فيما يتعلق بالعرض.

وتباطأ معدل التضخم في مصر إلى 29.8 بالمئة على أساس سنوي في يناير 2024 من 33.7 بالمئة في ديسمبر 2023، وسجل أعلى مستوى تاريخي عند 38 بالمئة في سبتمبر/أيلول 2023، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

ورفع البنك المركزي المصري معدل الفائدة بواقع 600 نقطة أساس ما يعادل 6 بالمئة لتصل إلى مستويات 27.25 بالمئة.

ويرى البنك بحسب بيانه أن تلك الزيادة ستساعد في تقييد الأوضاع النقدية على نحو يتسق مع المسار المستهدف لخفض معدلات التضخم.