عملاق الورق "راكتا".. حلقة جديدة بمسلسل مصانع مصر التي دمرها السيسي

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

أسدل الستار في 21 مارس/ آذار 2024، على الشركة العامة لصناعة الورق في مصر، المعروفة باسم “راكتا”، إذ قررت الجمعية العامة غير العادية، حل الشركة التابعة لوزارة قطاع الأعمال وتصفيتها نهائيا.

و"راكتا" واحدة من أعرق شركات قطاع الأعمال العام في مصر، وتم تدشينها بمحافظة الإسكندرية في مطلع يناير/ كانون الثاني 1958، خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. 

وكان الغرض من تأسيس "راكتا" أن تكون قلعة صناعة الورق الوطنية الأولى في مصر والشرق الأوسط، لكن بعد 66 عاما انتهت قصتها بالتصفية المباشرة بعد سنوات من الخسائر، وفشل الحكومة في تطويرها. 

فكيف وصلت الشركة المصرية إلى هذه المرحلة؟ ولماذا لم تنتشلها الحكومة من أزمتها؟ وهل كان وصولها إلى نقطة النهاية متعمدا من قبل نظام عبد الفتاح السيسي؟ 

راكتا في سطور 

بدأت راكتا إنتاجها عام 1961، باستخدام خامة قش الأرز لإنتاج لب الورق وتصنيع ورق الكتابة والطباعة وتصنيع الكرتون الدوبلكس.

وحتى تاريخ تصفيتها كانت الشركة مستمرة في صناعة ورق الكتابة والطباعة من المخلفات الزراعية، وكذلك إنتاج الكرتون متعدد الطبقات. 

وأضافت مع تطورات العصر منتجات كتابة وطباعة أبيض وألوان، وورق فلوتنج، وورق تست لاينر، وورق كرافت تغليف، وكرافت لاينر، ومانيلا، ودوبلكس ملون، ودوبلكس النيل.

واستهدفت الشركة في عصرها الذهبي خلال الستينيات والسبعينيات، تحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق المحلي والتصدير إلى بعض الدول العربية والإفريقية.

وكان عدد العاملين في راكتا عند تأسيسها نحو ألفين و500 موظف، وتقلص العدد قبيل التصفية مباشرة إلى 692 موظفا. 

سنوات الإخفاق 

بحسب تقرير لصحيفة "الشروق" المصرية المحلية في 21 مارس 2024، بدأت سلسلة الخسائر تضرب شركة "راكتا" عام 2007، وقتها أصبحت منتجات الشركة غير قادرة على منافسة موجة الورق المستورد التي ضربت الأسواق. 

وذكرت أن المنتجات المستوردة خاصة الواردة من الصين، كانت أعلى في الجودة وقليلة التكلفة مقارنة بمنتجات الشركة الحكومية.

 ما تسبب في خسائر فادحة للشركة التي كانت تعاني من تقادم ماكينات الإنتاج وعدم تطويرها، إذ يعود آخر تحديث لها إلى منتصف ثمانينيات القرن العشرين.

وبحسب الصحيفة المصرية تستهلك مصر حوالي 450 ألف طن من ورق الكتابة والطباعة سنويا، كانت تنتج منها نحو 150 ألف طن محليا، وتستورد الجزء المتبقي من الخارج.

فرغم تصفية الشركة في عام 2024، إلا إنها متوقفة عن الإنتاج فعليا منذ 25 سبتمبر/ أيلول 2019، بعدما تقادمت ماكيناتها.

فوفقا للإفصاح المالي للشركة قبل توقفها عن الإنتاج بأيام زادت أعداد ساعات الأعطال بمصنع شركة "راكتا" حتى بلغت في أغسطس/ آب 2019، إلى نحو 744 ساعة أعطال شهرية بالنسبة لماكينة إنتاج الورق رقم 3.

وكذلك زادت أعطال ماكينة إنتاج الكرتون إلى 734 ساعة، لكن النقطة أيضا التي أسهمت في مسيرة إخفاق الشركة خلال السنوات الأخيرة، حجم معاناتها بعد تحرير سعر صرف الجنيه في 2016.

إذ ارتفعت أسعار "لب الورق" وهي المادة الخام التي تستورد من الخارج لتضاف لقش الأرز لصناعة الورق، وذلك نتيجة لارتفاع التكلفة بعد انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار. 

خطة إنقاذ فاشلة 

وكانت هناك بعض المحاولات الظاهرة لإصلاح راكتا، بدأت في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2022، عندما فاجأ محمود عصمت وزير قطاع الأعمال العام المصري، الشركة في زيارة تفقدية.

وكان الهدف المعلن مراجعة الوزير المصري صيانة الماكينات وخطوط الإنتاج، تمهيدا لوضع خطة تقضي بإحياء صناعة الورق بالشراكة مع مستثمر إستراتيجي. 

لكن الوزير وجد أن حالة المباني والورش والعنابر وغيرها متردية، والإهمال تسبب في انهيار أجزاء من المباني، إضافة إلى سوء حالة خطوط الإنتاج، وعدم انضباط أطقم عمال وأمن الشركة. 

ثم وجه الوزير محمود عصمت بمراجعة موقف الشركة فنيا وماليا وإداريا، وكذلك حصر المعدات وخطوط الإنتاج وإعداد تقرير فني حول صلاحيتها للعمل، ومحاسبة المقصرين الذين تسببوا في وصول الشركة لوضعها الراهن.

بعدها مباشرة أعلنت وزارة قطاع الأعمال عن بدء تطوير الشركة بتكلفة 200 مليون دولار، وفق دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية التي أعدها المكتب الاستشاري الهندي "C2C" الذي تعاقدت معه الوزارة لتطوير الشركة.

انهيار راكتا 

محاولات انتشال راكتا وتطويرها فشلت تماما أمام كم الخسائر الهائلة التي ضربت الشركة، فبحسب تقرير لجريدة "المال" المصرية في 20 مارس 2024، بعد توقف الشركة عن الإنتاج عام 2019، ارتفع صافي الخسارة بأكثر من 100% دفعة واحدة.

 حيث ارتفع صافي خسائر "راكتا" من إجمالي حقوق المساهمين "إجمالي رأس المال، من 342 مليون جنيه في العام 2019 إلى 654 مليون جنيه بنهاية الربع الثاني من العام المالي الحالي 2023/ 2024.

كذلك ارتفعت الخسائر المرحلة من 426.3 مليون جنيه في 2019 إلى 969.1 مليون جنيه في 2023 بنسبة زيادة 127 بالمئة.

كما زاد إجمالي الخسائر من 123 مليون جنيه في 2019 إلى 385 مليون جنيه بنسبة ارتفاع 212.6 بالمئة.

المشكلة الأكبر التي واجهتها "راكتا" تمثلت في ارتفاع معدلات قيمة الاقتراض بعد توقف النشاط التشغيلي وانعدام الإيرادات وزيادة معدلات الخسائر.

إذ زاد حجم الاقتراض من 310.7 مليون جنيه في 2019 إلى 764 مليون جنيه بنهاية العام 2023.

وبلغ حجم الاقتراض لسداد أجور العاملين قرابة 4 سنوات من التوقف إلى 145.7 مليون جنيه، وزاد حجم الاقتراض لإنهاء خدمة العاملين عبر إجبارهم على التقاعد المبكر، من 15.4 مليون جنيه في 2019 إلى 318.4 مليون جنيه في 2023.

كما زادت فوائد القروض بأكثر من 1500 بالمئة بعدما ارتفعت من 10.3 ملايين جنيه في 2019 إلى 157.4 مليون جنيه.

ولا يمكن إغفال مجموعة من الضربات التي تعرضت لها الشركة وزادت من الطين بلة، ففي 2021 تم بيع 80 فدانا مملوكة للشركة في الإسكندرية، للهيئة العامة للبترول في إطار تسوية مديونية للشركة القابضة عند الهيئة.

أما الضربة الأخيرة للشركة فجاءت في 16 فبراير/ شباط 2024، حينما أعلنت ارتفاع خسائرها بنسبة 720 بالمئة، على أساس سنوي.

وأرجعت "راكتا" ارتفاع خسائرها إلى خروج بعض العاملين إلى المعاش المبكر بتكلفة 315.8 مليون جنيه، حيث تم اقتراض قيمة المعاش المبكر من القابضة للصناعات الكيماوية بفوائد.

متلازمة التصفية 

وتعليقا على هذه الحالة، لفت الباحث الاقتصادي المصري أحمد يوسف في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن “هناك خطوات ثابتة يتبعها النظام المصري لتصفية الشركات مثل راكتا”.

وأضاف: "حيث تبدأ بتجميدها سنوات في وضع فاشل، ثم استفاقة ظاهرية ينتج عنها إقالة الإدارة المدنية وتوغل المقربين من الجيش، ثم تفشل الإدارة الجديدة بسبب الفساد وعدم الخبرة، ثم تبدأ الإعلان عن سلسلة من الخسائر في الشركة، مع اقتراض الشركة من جهات أخرى تثقل كاهلها بالديون".

ومضى يوسف يقول: "ثم تأتي مرحلة إفلاس الشركة وعجزها ماليا وتسريح العاملين، والتواصل مع (مستثمر أجنبي) لبيع الأصل الجديد، وصولا إلى إعلان تصفية الشركة الوطنية بعد عقود من عملها". 

الباحث المصري أشار إلى أنه "في مارس 2022 بدأت خطة تطوير راكتا بـ200 مليون دولار، وفي مارس 2024 تمت تصفية الشركة بعد استمرار الخسائر، وكذلك القومية للإسمنت بعد رحلات تطوير واستشارات وإعادة هيكلة، بدأت من 2012 إلى 2016، وتم التطوير بقيمة مليار و100 مليون جنيه، بعدها في 2017 جاءت لجنة عليا تحت بند التطوير وإعادة الهيكلة، وفي 2018 تمت التصفية".

واختتم بالقول: "حدث هذا أخيرا في العديد من المصانع والشركات القومية المصرية العريقة منها مصنع 54 الحربي، وشركة الحديد والصلب، والشركة العربية المتحدة للشحن والتفريغ، فيما يبدو كأنه مسلسل مستمر من إهدار الصناعة الوطنية وتدمير مقدرات البلد".