قيادة موحدة.. لماذا قررت العشائر العربية تشكيل ألوية لمواجهة “قسد”؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

دون تحقيق نتائج، دخلت العشائر العربية شرقي سوريا "حربا مفتوحة" ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من واشنطن، بعد انتفاضة شعبية أخفقت في إنهاء نفوذ المليشيا هناك.

ففي 27 أغسطس/آب 2023، اشتعلت انتفاضة حقيقية هي الأولى من نوعها من قبل العشائر العربية بمحافظة دير الزور شمال شرقي سوريا ضد هيمنة وانتهاكات "قسد" ورفضا لإدارتها تلك المناطق.

.وقد حمل أبناء العشائر السلاح الخفيف ضد قوات "قسد" وطردوها من عدد من القرى والبلدات على الضفة اليسرى من نهر الفرات بدير الزور

إلا أن هذا الحراك المحدود، سرعان ما تلاشى وتمكنت قوات "قسد" من استعادة المناطق التي خسرتها، عقب تجاهل الولايات المتحدة للمطالب الشعبية العشائرية الهادفة لوضع حد لسياسات المليشيا الدخيلة وانتهاكاتها بحق الأهالي، وسرقتها لخيرات المنطقة من النفط والغاز الذي يتركز 90 بالمئة من مجمل ثروات سوريا من هاتين الثروتين.

وطالبت العشائر العربية آنذاك التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بإنشاء "إدارة مدنية مستقلة تتخذ سياساتها بشكل مستقل لإدارة المنطقة دون تأثير من قسد وغيرها، وتمثل المنطقة بفعاليات بعيدا عن تحكم قيادات حزب العمل الكردستاني (بي كا كا) في الملف الأمني بالمنطقة وضمان عدم فرض أيديولوجيتهم على السكان".

وكذلك "إقامة مجلس عسكري مستقل تحت إشراف التحالف الدولي، لتمثيل المنطقة بدلا من تسييرها من قبل قسد"، وفق بيان للعشائر نشر عقب اندلاع الحراك في دير الزور.

وتسيطر قسد على قرى وبلدات في دير الزور، حيث تعد المليشيا العمود الفقري لقوات "ي ب ج" الكردية، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني "بي كا كا".

"قيادة موحدة"

وتعاني تلك المناطق من نقص الخدمات وتعرض شبابها للاعتقال من قبل المليشيا. وأمام هذا الواقع، أصر شيخ قبيلة العكيدات في سوريا، إبراهيم الهفل، الذي قاد الحراك الشعبي الأخير والتف حوله مقاتلو العشائر، على المضي قدما حتى طرد قسد من دير الزور وتسليمها لإدارة مدنية من أهلها.

وقد توارى الهفل الذي لا يتجاوز الـ40 من عمره، في الضفة اليسرى، ويبدأ ببعث رسائل تؤكد على تواصل الحراك ضد "قسد" عسكريا.

وأعلن في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عن تشكيل "قيادة موحدة" تضم كتائب وألوية من مقاتلي العشائر في منطقة شرقي سوريا، بهدف قتال "قوات سوريا الديمقراطية".

وقال "الهفل" في تسجيل صوتي متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، إن الألوية تهدف إلى قتال "مرتزقة قسد ضمن معارك كرّ وفرّ".

وأشار إلى أن ضربات الألوية والكتائب ستكون "نوعية"، تحت مسمى قوات العشائر التي "لا تنتمي إلى أي جهة أو حزب معين، وتهدف إلى تحرير الأرض من الغرباء من كوادر قنديل ([ي كا كا) الذين يسرقون خيرات البلاد".

ودعا "الهفل" أبناء العرب العاملين ضمن قوات "قسد" إلى الانشقاق، على افتراض أن الألوية العسكرية الجديدة "لن ترحم أي موقع تابع لهم"، بحسب وصفه.

ورفض الهفل مغادرة سوريا، بعد ملاحقته من قبل "قسد"، حتى إنه رفض دعوة قائدها مظلوم عبدي، خلال لقاء مع صحيفة "المونيتور"، بتاريخ 10 سبتمبر 2023 إلى إجراء حوار مباشر معه.

ورد الهفل بعد ساعات قليلة على "عبدي" داعيا مقاتلي العشائر إلى التصعيد العسكري ضد "قسد"، والأهالي إلى التظاهر السلمي.

وأدت الاشتباكات في دير الزور حينها إلى نزوح 6500 عائلة، وأسفرت عن 96 قتيلا وأكثر من 100 جريح، بحسب الأمم المتحدة، إلا أن ارتدادات المعركة مازالت مستمرة حتى الآن.

وضمن هذا الإطار، أكد المتحدث الرسمي لمجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة مضر حماد الأسعد، أن "مليشيا قسد مرفوضة في دير الزور منذ قيامها قبل سنوات بتدمير كثير من البلدات بحجة محاربة الإرهاب وقتل المئات من الشباب بزعم محاربة تنظيم الدولة، على الرغم من أن هؤلاء هم من حاربوا الأخير والنظام السوري معا".

وأضاف الأسعد لـ "الاستقلال": "كما أن سرقة قسد للثروات الباطنية والزراعية هي ما تدفع أهلها لرفض إدارتها للمنطقة العربية الخالصة مئة بالمئة في دير الزور".

وأشار إلى أن "هناك رفضا لـ"قسد" بسبب سيطرتهم على التعليم ورفض الأهالي لمنهاجهم الهادف لتغيير العقيدة الإسلامية".

ومضى يقول: "لقد أزعج الأهالي بيع قسد النفط للنظام السوري وعدم دعم الأهالي الذين يعانون من شح المحروقات، إضافة إلى عدم توفير الطحين في مناطقهم".

خيار إجباري

ونوه الأسعد إلى أن "استمرار القسوة على أبناء القبائل والعشائر من قبل المجالس العسكرية التابعة لقسد بدير الزور، واعتقال الشباب واغتيال آخرين يشكل عامل ضغط على الأهالي مما أدى لحدوث انتفاضة شعبية خلال الأشهر الأخيرة".

وهو "حراك شعبي كبير وحاليا جرى تشكيل قيادة سياسية وعسكرية من أجل تنظيم العمل في المنطقة من أجل مواجهة تنظيم بي كا كا وإعطاء صورة حقيقية للتحالف الدولي حول ممارسات فروعه الممنهجة، حيث هناك مطالبة ملحة بتحقيق إدارة المنطقة من قبل أبنائها"، وفق الأسعد.

ورأى أن "الخيار العسكري ليس هو الحل الوحيد بل هناك تأكيد بأن العمل السياسي هو السبيل لعودة السلام للمنطقة وإدارة ثرواتها عبر الربط مباشرة في العلاقة بين العشائر والتحالف الدولي".

وأكد أن إدارة بي كا كا ترفض كل المطالب الشعبية من العشائر وتصر على سرقة خيرات المنطقة وتهريب الأموال إلى جبال قنديل والبنوك العالمية وبنوك بعض الدول العربية.

وختم الأسعد بالقول: "إن تشكيل الألوية يعني تنظيم العمل العسكري والسياسي الذي سيؤدي إلى تطوير العمل الثوري ضد مليشيا قسد حتى تلبية المطالب الشعبية وإدارة المنطقة من جديد بعيدا عن سلطة الأمر الواقع المتمثلة بفروع بي كا كا بدير الزور". 

وتلجأ العشائر العربية إلى أسلوب "الكر والفر" أمام مليشيات قسد، بسبب طبيعة المنطقة التي تمتد فيها القرى والبلدات حتى الحدود العراقية.

كما تلاصقها منطقة صحراوية واسعة يصعب فيها تحرك آليات "قسد" كون المنطقة مكشوفة وغير واضحة المعالم.

ومع ذلك، تنتشر القوات الأميركية في 11 قاعدة ونقطة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات "قسد" شمال شرقي سوريا، وكذلك بمحيط حقول النفط والغاز هناك.

فضلا عن كون تحركات آليات "قسد" مرصودة ومحصورة بمحيط بعض المقرات العسكرية التي تتخذها في تلك القرى والبلدات على الضفة اليسرى من نهر الفرات.

حرب العصابات

وفي السياق، أرجع الخبير العسكري السوري والعقيد السابق أحمد الحمادة، تشكيل الألوية العشائرية إلى "كون هجمات العشائر العربية السابقة ضد قسد لم تؤت أكلها، ولم تحقق النتائج الشعبية من نزع سيطرة المليشيا على طول خط الضفة اليسرى من نهر الفرات بدير الزور".

وأضاف الحمادة لـ "الاستقلال" قائلا إن "العشائر العربية تمتلك أسلحة خفيفة، أما قسد فهي مسلحة بتسليح وتدريب جيد ومدعومة بشكل كبير ومواد لوجستية من الولايات المتحدة".

ومضى يقول: "ولهذا فإن ما أعلن عنها شيخ قبيلة العكيدات من تشكيل ألوية عسكرية يعني أن هناك عملا منظما، ويشير إلى أن عناصر وقادة لهذه الألوية مدربين ومتمرسين وخاصة في حرب العصابات ولديهم فكرة جيدة بشأن القتال ضد قوات قسد".

وذهب الخبير العسكري للقول إن "معركة العشائر في دير الزور لن تتوقف بل هي مستمرة بهذا الشكل الذي أعلن عنه، وخاصة في ظل رفض قسد تحقيق المطالب الشعبية والإصرار على استغلال موارد المنطقة وإبقاء العلاقة مع الولايات المتحدة وحتى نظام الأسد من أجل مواصلة السيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا".

ومنذ عام 2015 فشلت مليشيا قسد في جمع العشائر العربية تحت مشروعها الانفصالي، رغم محاولاتها الكثيرة لاستمالتهم.

ويرى أبناء المنطقة أن الفرصة حانت لإنهاء تغول "قسد" هناك وارتكابها تجاوزات بحق الأهالي منها الاعتقال التعسفي للمخالفين لها، وفرض التجنيد الإجباري عبر استغلال ضعف الحالة المعيشية.

ولا سيما أن وعود "قسد" الفارغة بتحسين الواقع المعيشي الذي يزداد تأزما دفع العشائر أخيرا للانتفاضة ضدها لخلق معادلة جديدة بالسيطرة والنفوذ في دير الزور.