رمضان 2024.. كمية المساعدات تكشف حجم العوائل المسحوقة في الشمال السوري

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

"إذا لم نبع العصير للناس على الطريق في شهر رمضان فلا أحد يؤمّن لنا ثمن خبزنا الذي نأكله"، هذه كلمات قالتها طفلة بمدينة إدلب شمال غربي سوريا اضطرت للعمل وشقيقتها لتحصيل لقمة العيش خلال الشهر الفضيل.

وانتشر تسجيل مصور لطفلتين سوريتين من أحد مخيمات ريف إدلب وهما يبيعان العصير في رمضان تحت المطر وفي البرد الشديد لكي يتمكنا من شراء ثمن حزمة الخبز لعائلتهما.

عجز العوائل 

ومنذ دخول شهر رمضان لعام 2024، بدأ يتكشف حجم العوز المعيشي الحاد لأهالي شمال غربي سوريا الخارج عن سيطرة نظام بشار الأسد، لدرجة انعدام أي مواد غذائية تعينهم على الصيام.

وقد ظهرت هذه الحالات في رمضان الحالي بشكل غير مسبوق بعد تكثيف ناشطين صحفيين وأفراد منظمات إغاثية تفقد أحوال العوائل النازحة في الشمال السوري مع دخول شهر رمضان.

ولا سيما أن رمضان 2024 يمر في وقت يواجه فيه الملايين من النازحين السوريين انخفاضا في المساعدات الغذائية؛ بسبب نقص التمويل الدولي.

إذ أنهى برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة برنامج مساعداته الرئيس في سوريا منذ يناير/كانون الثاني 2024، وهو ما عمق حالة الفاقة المعيشية وانعدام الخيارات البديلة للنازحين.

ويعيش في شمال غربي سوريا (الشمال السوري)، 5 ملايين نازح، كانت تدخل المساعدات الإنسانية الدولية إليهم عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثتهم بموجب قرار مجلس الأمن، قبل أن يجرى فتح معبري باب السلامة والراعي بتفويض أممي (حتى 13 مايو/ أيار 2024) عقب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا فجر 6 فبراير/شباط 2023، والذي أدى إلى مصرع 2172 شخصا بمناطق المعارضة.

وأكدت منظمة "منسقو استجابة سوريا"، أن حدود الفقر والجوع في مناطق شمال غرب البلاد ارتفعت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق مقارنة بالأعوام السابقة. 

وقالت المنظمة إنها رصدت مطلع مارس/ آذار 2024، أدنى انخفاض في عدد الشاحنات الإغاثية الدولية الواردة عبر المعابر الحدودية إلى الشمال السوري منذ أشهر عدة.

ووصلت معدلات البطالة ضمن المجتمع المحلي في شمال غرب سوريا إلى 88.74 بالمئة بشكل وسطي، وفق المنظمة المذكورة. 

وقد طالب آدم عبد المولى المنسق الأممي للشؤون الإنسانية المقيم في سوريا بتوفير أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات المنقذة للحياة لأكثر من 10 ملايين سوري، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 7 ملايين شخص مشردين داخليا.

وقال عبد المولى للصحفيين في جنيف في 22 مارس 2024: "إن الأزمة المنسية إلى حد كبير في البلاد لا تزال واحدة من أكثر الأزمات فتكا بالمدنيين في العالم".

وشدد بالقول: "اليوم، نواجه وضعا غير مسبوق في سوريا، لا يمكننا أن نتجاهله.. إن التقاعس عن العمل سيكون مكلفا بالنسبة لنا جميعا وسيؤدي حتما إلى معاناة إضافية".

في مشهد آخر لحجم المعاناة الإنسانية التي يمر بها النازحون في الشمال السوري، انتشرت تسجيلات مصورة لعوائل بينهم أطفال أيتام فقدوا آباءهم وأمهاتهم بقصف قوات النظام أظهرت غياب الوجبات الغذائية عن موائد إفطارهم.

ووصل عسر الحال إلى افتقاد هؤلاء الأطفال إلى الطعام والشراب الصحي، واللباس الذي يقيهم برد الشتاء أو يجعلهم يفرحون بلباس جديد خلال أيام العيد.

ونشرت منظمة الاستجابة الطارئة تسجيلات مصورة من الشمال السوري تصف المعاناة الكبيرة التي يعيشها الآباء وهم يسعون لتأمين الطعام لأطفالهم، مؤكدة غيابه وقت السحور والإفطار.

مشاهد قاسية

ونشرت المنظمة في 22 مارس 2024 تسجيلا مصورا لرجل من داخل أحد المخيمات في الشمال السوري قال: "أصعب شيء في الحياة أن ترى طفلك جوعان وليس لديك ما تسد به جوعته، لدي 7 أولاد، ونحن صائمون منذ 16 ساعة وليس لدي ما أقدمه لهم كي يفطروا عليه".

كما نشرت المنظمة تسجيلا مصورا لطفلة من داخل أحد المخيمات بالشمال السوري تروي فيها حوارا جرى بين والديها عن صعوبة تأمين مستلزمات الإفطار في رمضان.

إذ قالت الطفلة إنها تظاهرت بالنوم داخل الخيمة حيث سمعت والدها وهو يتحدث لأمها عن عجزه بتأمين الطعام للأطفال لدرجة أنه أجهش بالبكاء من قلة ذات اليد.

وقالت الطفلة إنها تعيش منذ عشر سنوات في الخيمة، وتمنت أن "ينتقم الله من بشار الأسد ويعيش مثلهم في الخيام؛ لأنه هو السبب في تهجيرهم من بيوتهم".

وفي يوليو/ تموز 2023، قال برنامج الأغذية العالمي إنه اضطر إلى قطع المساعدات عن نحو نصف 5.5 ملايين سوري يدعمهم في البلاد بسبب قيود الموازنات.

وعلى الفور، انعكس ذلك على لقمة عيش النازحين، فبحسب بيان لوكالات إغاثة ومنظمات سورية نشر مطلع يناير 2024 فإن نحو 4.5 ملايين شخص، بينهم 4.1 ملايين في حاجة ماسة إلى المساعدات، فيما 3.7 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

وقال البيان إن أوضاع المدنيين شمالي سوريا "تتفاقم بسبب التخفيضات في تمويل المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي، مما يعرض السوريين الضعفاء لخطر الجوع الوشيك".

وفي السياق، أكد محمد العابر وهو ناشط من ريف حلب، أن "هناك مناطق فيها عوائل نازحة معدمة بشكل كامل ولا تتلقى أي مساعدات نهائيا وكأنها مدن منسية وخاصة تلك التي تفصل بين مناطق الأسد وقوات المعارضة السورية".

وأضاف العابر قائلا لـ "الاستقلال": "هناك الآلاف من ضحايا الحرب من مبتوري الأطراف أو المقعدين أو الأيتام يعيشون في ريفي إدلب وحلب ويحتاجون لمساعدات عاجلة".

ولفت إلى أن "النازحين لا يستطيعون شراء المواد الغذائية نظرا لارتفاع أسعارها، إذ يعتمدون على بعض الخضراوات التي تزرع في الشمال السوري لتحضير الوجبة الرئيسة".

ومضى يقول: "إذا كان هناك شاب قادر على العمل فلا تتجاوز أجرته في اليوم الواحد 75 ليرة تركية (2.3 دولار) وهذه لا تكفيه لإعداد وجبة غداء لأسرته".

وأردف قائلا: "يعتمد النازحون في المخيمات في شهر رمضان على مواد غذائية مثل الزعتر والدبس لسد رمقهم، ويطهون بوسائل بدائية بسبب عدم توفر الغاز المنزلي".

وألمح العابر إلى "أن هناك منظمات إغاثية تجتهد في توزيع وجبات طعام عند الإفطار على بعض المخيمات لكنها غير قادرة على تغطية كامل الاحتياجات في الشمال السوري".

"جيل ضائع"

وأمام هذا الوضع الإنساني المأساوي الذي يعانيه نازحو الشمال السوري خاصة عقب نقص التمويل الدولي لاحتياجاتهم، تتوالى التحذيرات من المسؤولين الأمميين لمنع تدهور الوضع أكثر.

فخلال جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع السياسي والإنساني في 21 مارس 2024 قال غير بيدرسون الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في سوريا، إن 16.7 مليون شخص في هذا البلد يحتاجون حاليا إلى مساعدات إنسانية، وإن هذا الرقم هو الأعلى منذ 13 عاما.

وأضاف بيدرسون بأن جميع التطورات بالبلد تسير في "الاتجاه الخاطئ"، وأن هناك انتكاسات في الأمن والوضع الإنساني وحقوق الإنسان والمجالات السياسية.

وشدد على ضرورة خفض التوتر في سوريا واتخاذ إجراءات لوقف إطلاق النار على المستوى الوطني وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر عام 2015، والممهد لخارطة الحل في البلاد.

لكن إلى الآن يعطل النظام السوري العملية السياسية التي تنطلق من أربع سلال تتمثل بالترتيب، بتهيئة الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن حوالي 7,5 ملايين طفل في سوريا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية أكثر من أي وقت مضى.

وفي وقت يعيش نحو 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خطر الفقر، نبه نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية بسوريا، ديفيد كاردن في مارس 2024 إلى أن الأمم المتحدة تواجه صعوبات في جمع الأموال الكافية لبرنامج المساعدات الخاص بالبلاد.

وقال كاردن، خلال زيارة أجراها أخيرا إلى شمال غرب سوريا، إن خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة لعام 2023، والتي دعت إلى جمع أكثر من 5 مليارات دولار، لم تتلق سوى 38 بالمئة من الأموال المطلوبة – أدنى مستوى منذ أن بدأت المنظمة إصدار النداءات.

وراح يقول: "هناك 4.2 ملايين شخص محتاج في شمال غرب سوريا، منهم مليونان من الأطفال"، منهم مليون لا يذهبون إلى المدارس.. هذا جيل ضائع".

وفي وقت يعتمد فيه معظم السكان شمال غربي سوريا على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، تكافح وكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لتمويل البرامج التي توفر شريان الحياة في سوريا، وتلقي باللوم على إرهاق المانحين.

ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن أكثر من 12 مليون سوري يفتقرون إلى الوصول المنتظم إلى الغذاء.