الاعتداء على رجال الحكومة.. هل ينذر بانفجار قريب في الشارع المغربي؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

شهد المغرب مجموعة أحداث استثنائية، تمثلت في الاعتداء الجسدي على رجال السلطة وأعوان وزارة الداخلية من قبل مواطنين، وسط تحذيرات من إجراءات انتقامية من السلطة بغية الحفاظ على هيبتها.

كما حذر المتفاعلون من تناسي الأسباب الحقيقية لهذا الواقع، خاصة الاحتقان الاجتماعي الذي تسببت فيه حكومة عزيز أخنوش.

وتأتي هذه التحذيرات بعد أن أصدرت النيابة العامة بالعاصمة الرباط أمرا باعتقال مواطنة اعتدت بالصفع على قائد ملحقة إدارية بمدينة تمارة، بالإضافة إلى اعتقال مرافقيها؛ حيث تم إيداعهم سجن العرجات.

احتقان متفاقم

وذكر موقع "أنفاس"، في 24 مارس/آذار 2025، تمت إحالة المتهمة على المحكمة بتهمة الاعتداء على موظف عمومي أثناء أداء مهامه؛ حيث قامت بصفعه إثر خلاف حول حجز سلع تجارية لأحد أقربائها.

وفي تصريحات إعلامية، أكد المحامي عبد الرحمن الباقوري، أن الشابة ومن معها معرضون للحكم عليهم بجرائم تعنيف وإيذاء موظفين عموميين أثناء قيامهم بعملهم مع سبق الإصرار والترصد، وهو ما يعاقب عليه القانون الجنائي في الفقرة 2 من الفصل 267 منه بالحبس من 2 إلى 5 سنوات.

وتابع، "هذا فضلا عن جريمة العصيان المنصوص عليها بالفصل 301 من القانون الجنائي، وجرائم السب والقذف إن كان لهما محل، وجرائم التشهير المنصوص عليها بالفصول 447 مكررة".

كما تعرض ضابط أمني لاعتداء بالسلاح على مستوى العنق، من لدن ابن بائعة "عشوائية" بمدينة القصر الكبير، الأحد 24 مارس 2025. وجاء الاعتداء خلال عمل السلطات العمومية على تحرير ملك عمومي بالمدينة.

من جانبه، أمر وكيل الملك (النائب العام) بابتدائية مدينة الجديدة بوضع سائق دراجة ثلاثية العجلات أو ما يعرف محليا بـ (تريبورتور) تحت تدابير الحراسة النظرية على خلفية اعتدائه على قائد الملحقة الإدارية الأولى؛ حيث جره لمسافة تزيد عن 20 مترا أمام مقر الملحقة.

وبحسب موقع "هبة بريس"، في 24 مارس 2025، فإن القائد كان قد حاول منع السائق من رمي الأزبال في الشارع العام، إلا أن السائق رفض الامتثال وقرر الفرار، ما دفع القائد لمحاولة توقيفه، إلا أنه تعرض للسحل في الشارع، مما أدى لإصابته بجروح وصفت بالبليغة.

بدوره، نقل موقع "زنقة20"، في 26 مارس 2025، أن قائد قيادة سيدي موسى بن علي بمدينة المحمدية، تعرض يوم الثلاثاء 25 مارس لحادث اعتداء تسبب له في كسر على مستوى اليد.

ونقل الموقع أن الفاعل كان بصدد تشييد بناية عشوائية، ما دفع القائد إلى القيام بعملية هدم للبناء المخالف عدة مرات، وهو ما لم يتقبله المعتدي؛ حيث دخل في نقاش حاد مع القائد، ما أسفر عن الاعتداء عليه وإرساله إلى قسم المستعجلات.

وكانت مدينة تطوان، شمالي المملكة، قد شهدت اعتداء مماثلا على قائد من قبل طبيب، والذي تم الحكم عليه شهر أكتوبر/تشرين أول 2024، بثلاثة أشهر نافذة.

وبحسب تصريحات سابقة لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، فإن مهام رجل السلطة التي تتجلى بالأساس في تطبيق القانون، تجعله في احتكاك مباشر مع المخالفين للقانون، ومع كل من يسعى إلى استغلال حاجة المواطن إلى أغراض بعيدة عن المصلحة العامة، ما يجعله مستهدفا بسلوكيات تمس بشخصه وبوظيفته.

وأكد لفتيت أن وزارة الداخلية ترفض التحامل المجاني على رجال السلطة وأعوانهم ومحاولة المس بهيبة الدولة، في المقابل، فإن الداخلية تدعو رجال السلطة إلى تعزيز هيبة الدولة من خلال الابتعاد عن كل الممارسات التي من شأنها المس بمصداقية المؤسسات أو التشكيك في فعاليتها.

 

مسؤولية الحكومة

أكد الناشط السياسي والإعلامي حسن حمورو، أن الاعتداء على رجال السلطة وجميع المسؤولين المكلفين بإنفاذ القانون أمر مجرم ومرفوض وغير مقبول ولا يمكن تبريره.

وأضاف حمورو لـ "الاستقلال"، "وحتى إن اتسمت ممارسات بعض رجال السلطة بشبهة الشطط (تجاوز الحدود) في استعمال السلطة، فإن تصحيح هذا الوضع لا يكون بتجاوز القانون وبالاعتداء المجرم قانونا".

ورأى أن "توالي حوادث الاعتداء على رجال السلطة يكاد يكون ظاهرة يجب التصدي لها وبحث الأسباب التي يمكن أن تفسرها".

واسترسل: "هناك احتقان اجتماعي لا تخطئه العين، وهذا الاحتقان إذا لم يعالج فإنه لا شك يشجع على الانفلات بداعي الدفاع عن الحقوق ومواجهة الشطط"، مشددا على أن "المسؤول الأول عن الاحتقان تبقى هي الحكومة".

وأردف حمورو: "سواء من خلال قراراتها وإجراءاتها التي لا تؤتي النتائج المرجوة، وكذلك من خلال غياب التواصل مع المواطنين وبث الأمل بينهم وطمأنتهم".

وأضاف: "دون إهمال توجيه المسؤولين الذين لهم علاقة مباشرة مع المواطنين إلى مراعاة الوضعية الاجتماعية الصعبة، والتعامل بروح القانون وبالمرونة اللازمة".

ونبه حمورو إلى أن العجز الحكومي الواضح خاصة على المستوى الاجتماعي والتواصلي مكلف ولا بد له من حل.

وزاد، "ومن ذلك ما يتداول من تورط وزراء في شبهات استغلال النفوذ وتضارب المصالح وتبديد أموال عمومية، من خلال إجراءات استفاد منها لوبي مرتبط بأحزاب الحكومة، خاصة حزب رئيسها دون أن يكون لها أثر على المعيشة اليومية للمواطنين".

وذكر حمورو أن "معالجة هذه الظاهرة تتطلب تضافر الجهود، من خلال قيام الإعلام العمومي بدوره في التوعية والحث على احترام القانون من طرف الجميع".

وأضاف: "وكذا من خلال خطب الجمعة لتذكير المواطنين بقيم ومبادئ وأخلاق الإسلام في التعامل داخل المجتمع، وذلك للتغطية على العجز الحكومي والفراغ الذي تتركه في هذا المجال".

هيبة السلطة

راسلت “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد” كلا من رئيس المحكمة الابتدائية ووكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بمدينة تمارة، بخصوص تهجم أشخاص على قائد الملحقة الإدارية السابعة بتمارة والاعتداء عليه أمام المواطنين "في تحد سافر للقانون ولهيبة مؤسسات الدولة".

ودقت المنظمة في مراسلة بتاريخ 24 مارس 2025، "ناقوس الخطر على هيبة مؤسسات الدولة، نتيجة تصرفات غير مقبولة من قبل أشخاص خارجين عن القانون"، وفق تعبيرها.

ودعت المنظمة إلى "رد الاعتبار للقائد، وكذا لضمان وترسيخ الحفاظ على هيبة الدولة المغربية وحقوق المواطنين الذين شهدوا هذا الفعل الشنيع".

وشددت على أن "هذه التصرفات غير المقبولة مرفوضة جملة وتفصيلا، وتعد مساسا بكرامة رجال الدولة الذين يقدمون الغالي والنفيس خدمة الوطن والمواطنين".

غير أن تقديم القائد المذكور لشهادة طبية تضمنت عجزا لثلاثين يوما، أثار انتقادات من متفاعلين، خاصة أن صفعة واحدة من امرأة لا يمكن أن تبرر عجزا جسديا لشهر كامل.

وفي هذا الصدد، قالت الأستاذة الجامعية والناشطة الحقوقية لطيفة البوحسيني، إن الهدف من عدد الأيام المنصوص عليها في الشهادة إياها يكمن في استعادة هيبة السلطة، ووضع حد للتسيب، ومعه مختلف أشكال العنف المتجه لرجال السلطة وأعوانها.

وأضافت البوحسيني لـ "الاستقلال"، غير أن أخوف ما أخاف منه، هو احتمال أن ينطوي القرار على إضعاف هذه السلطة.

وتابعت: "فالهيبة ليست رديفة التسلط، ولم تكن أبدا كذلك.. بل الهيبة تفرض نفسها حينما تنجح السلطة في غرس هيبة القانون في النفوس وتبذل جهدا للتشبث بروح القانون القائمة والمتلازمة والمتسقة بالعدل".

وخلصت البوحسيني للقول إنه "لا هيبة ممكنة ولا سلطة راسخة إلا بسلطان العدل".

نقاش مجتمعي

قال الكاتب الصحفي ياسين المصلوحي، إن الاعتداءات التي شهدتها البلاد هذه الأيام تعيد قضية الاعتداءات الجسدية والمعنوية على الموظفين العموميين بشتى أشكالهم، ورجال القوات العمومية على وجه الخصوص، إلى ساحة النقاش الاجتماعي.

وذكر المصلوحي في مقال نشره موقع "أخبارنا"، في 27 مارس 2025، أن من أسباب هذا الوضع حالة الاحتقان التي قد يغذيها شطط أحد رجال السلطة أو تجاوزه في استعمال السلطة الموكلة إليه، في حالات استثنائية شاذة عن العادة، ما يولد اعتراضا وانتفاضة في وجه السلطة ككل، وحالة من العصيان.

وأردف، "كما يكون ذلك بسبب الإفراط في التشبع بالإيمان بالحقوق، والاعتقاد بأن المواطن فوق كل مساءلة، وأنه منصور في مواجهته للسلطة، ظالما أو مظلوما، خصوصا مع الدعم والتحفيز العشوائي، والترافع المزيف الذي يتلقاه البعض من حقوقيين أو إعلاميين".

وأشار الكاتب إلى أن "من بين مخلفات الاستعمار الثقافي التي نشرها في المجتمع، زرع الفتنة والتفرقة بين المواطن العادي والمواطن المسؤول، وذلك من خلال اختيار سلطات الحماية بدقة لمن يعينونهم في مناصب المسؤولية؛ حيث كانوا يتصفون بالخنوع وخدمة المصلحة الشخصية، وفعل أي شيء في سبيل الحفاظ على امتيازاتهم وتقربهم من المستعمر".

وأردف المصلوحي، "وقد بقيت هذه الصورة النمطية عند العديد من المغاربة، وتناقلوها فيما بينهم كحكم مطلق على رجال السلطة والأعيان، وكل من يختلف معهم في الطبقة الاجتماعية، على أنه خصم إن لم نقل عدوا".

وشدد أنه "يجب نشر ثقافة سيادة القانون على الجميع، وأن الحق والحرية يجب أن يُمارسا بمسؤولية، فمن حق المواطن أن يحتج على قرار أو تصرف سلطة ما، لكن دون التجاوز في استعمال الحق ليصل إلى درجة الاعتداء على الغير".

أما "وكالة الأنباء المغربية"، فقالت في افتتاحية يوم 24 مارس 2025، إن هذه الاعتداءات "تعيد طرح أسئلة مقلقة حول حدود احترام هيبة الدولة وأهمية تقدير المؤسسات الرسمية في المجتمع".

وذكر الموقع أن الاعتداء كشف عن "ثقافة الاستهتار بالقانون" التي تتفشى في بعض الفئات المجتمعية التي تعامل ممثلي الدولة ليس كحماة للعدالة والنظام، بل كخصوم يجب التغلب عليهم.

ورأى أن الاعتداء حوّل الشارع إلى مسرح مفتوح لـ "مهزلة عنف" تؤكد استهانة فئة من المجتمع بكل ما يمثل السلطة والنظام، في خطوة متعمدة تسخر من قيم الاحترام وأسس التعاون بين المواطن والدولة.

وشدد أن التحرك السريع من النيابة العامة في وقائع الاعتداء، يعد رسالة قوية بأن القانون سيأخذ مجراه دون تهاون.

وخلص إلى أن هذه السرعة في التدخل تعكس التأكيد على أن العدالة لا تتسامح مع أولئك الذين يستهينون بمؤسسات الدولة ويُخضعون احترامها للعبث والفوضى.

عوامل متداخلة

في تحليله لأسباب تنامي حالات العنف ضد رجال السلطة وأعوان وزارة الداخلية والجهات المكلفة بالأمن، أكد موقع "أشطاري" (ماذا وقع؟)، 28 مارس، أن العامل الأول لما يجرى هو سلوك الحكومة تجاه المواطن، والعامل الثاني هو الدفع الذي تمارسه مواقع التواصل الاجتماعي.

وأوضح الموقع في مقال تحليلي أن الحكومة تعرف أن المغرب يعيش وضعا اقتصاديا واجتماعيا مأزوما، وتعرف أن جزءا كبيرا من المغاربة يعيش على مهن غير منظمة.

وأضاف، وكان يمكن معالجة هذا الأمر عن طريق المقاول الذاتي وإدماج الجميع في النظام الضريبي، وليس عن طريق حرمان العديد من الأسر من مصدر الدخل دون طرح البديل المناسب.

وشدد أنه "لن يكون هناك بديل إلا من خلال تقديم نموذج اقتصادي قادر على استيعاب المغاربة بمختلف فئاتهم، مع مراعاة القدرات التعليمية والتكوينية لكتلة مهمة من المغاربة".

ونبه الموقع إلى أن الحكومة تعرف أن حوالي خمسة ملايين مغربي ما بين 15 و34 سنة هم خارج المدرسة وخارج التكوين وخارج منظومة الشغل.

واسترسل، "وبالتالي فإنها هي المسؤولة الأولى عن انتعاش الحرف الهامشية التي لا يمكن أن تنتعش إلا في الشارع، كما أن القدرة الشرائية للمواطن، التي أضعفتها الحكومة تميل إلى اقتناء البضاعة المتوفرة في الشارع بصفتها منخفضة التكلفة".

وبخصوص وسائل التواصل الاجتماعي، قال المصدر ذاته، إنها تعد "كارثة أخرى وقعت على رأس المغاربة"، مشيرا إلى "مسؤولية الحكومة في ذلك، فهي التي تعمل على محاربة الإعلام الجاد والصحافة الجادة وتشجع الرداءة وتشجع المواقع التافهة".

واستدرك: "نعرف أنه لا يمكن القضاء على الرداءة في الإعلام كما في مواقع التواصل الاجتماعي، ولن يتم ذلك بأي شكل من الأشكال، لكن من أجل أن يكون صوت الحقيقة مسموعا ينبغي تشجيع الإعلام ذي المصداقية، حتى لو كان قليلا".

وخلص إلى أن الحكومة تضع رجل السلطة في مواجهة المواطن، مشددا أن "في ذلك خطورة على المؤسسات كافة".