ملهى ليلي شهير في باريس.. لماذا يتردد الأمراء وأبناء الملوك العرب باستمرار عليه؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على مرمى حجر من قصر الإليزيه الرئاسي الفرنسي وبجوار السفارة الكندية، يزدحم شارع "فوبورج سانت أونوريه" في باريس برجال الأعمال وأبناء الوزراء والدبلوماسيين القادمين من أماكن بعيدة، مثل السعودية وبيلاروسيا وأرمينيا والغابون وعمان.

جميع هؤلاء جاؤوا إلى هذا الشارع لارتياد الكافيه أو الملهى الليلي المعروف باسم "Café Chic"، والذي يشهد حضور الكثير من الأمراء والدبلوماسيين العرب تحديدا السعوديين ليلا، رفقة النساء الشابات.

العصابات والأمراء

فإضافة إلى رائحة عطر العود التي تملأ الأجواء، يقدر رواد ملهى "Café Chic" السعوديون اهتمام المقهى بتأمين أجواء من السرية والخصوصية لهم.

إذ يفضلون إسدال إحدى الستائر السميكة لإنشاء مساحة خاصة لهم من الصالة، حيث يمكنهم الاستمتاع بـ "كوكتيل الويسكي" بقيمة 20 يورو.

كما يحوي المقهى متجرا صغيرا يبيع الواقي الذكري ومزيل العرق والسجائر الإلكترونية، وكذلك يمتلئ برواد انتقائيين أثرياء إلى حد كبير من مختلف دول العالم، والذين لا يغادرون حتى ساعات متأخرة من الليل. 

فلماذا يرتاد المسؤولون السعوديون هذا المكان تحديدا؟ ومن أبرز الوجوه السعودية التي تذهب إلى هناك بشكل منتظم؟

في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات أن "الملهى الليلي (Café Chic) أصبح المكان المفضل للمسؤولين السعوديين الشباب في باريس".

تكمن شهرة هذا الملهى لظهوره في سلسلة أفلام "جيمس بوند" الإنجليزية في الفترة من 1973 إلى 1985. 

وظهر الملهى ضمن اللقطات البارزة التي ظهر فيها الممثل الإنجليزي روجر مور، الذي كان يقوم بدور "جيمس بوند".

حينها وقف بجوار مصباح كلاشينكوف عند مدخل الملهى (Café Chic) الذي كان يفتح في وقت متأخر من الليل، ويلقي الضوء على الجواسيس وحياة الليل في حرب العصابات داخل باريس.

لكن يبدو أن وضعية الملهى الليلي الباريسي تغيرت خلال السنوات الأخيرة، وانتقل من عصابات جيمس بوند، إلى أمراء ومسؤولي القصر السعودي.

 وأوردت "إنتيليجنس أونلاين" أنه منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، تزايدت شعبية رائد الملهى الليلي الباريسي (Café Chic) بين شباب أسرة آل سعود.
 


حفيد الملك 

وأضافت المجلة الفرنسية أنه "داخل Café Chic وخلف الستائر الحمراء السميكة التي تسدل بعد منتصف الليل، يمكن للأمراء السعوديين الشباب في باريس الترويج لمعرض الرياض 2030".

وأتبعت: "كذلك يمكنهم تأمين صفقات خاصة بهم، والتفاوض خلف أبواب مغلقة، والاسترخاء حتى الساعات الأولى من الصباح، مما يجعل من Café Chic مكانا رئيسا للاطلاع على الأسرار السعودية".

وهناك ميزة أخرى للملهى الليلي وهو أنه يقع  بالقرب من شركة (Pricewaterhousecoopers) الاستشارية العملاقة التي لها تعاون وثيق مع الحكومة السعودية وأحد ركائز التعاون بين الرياض وباريس في السنوات الأخيرة.

وفي سبتمبر/ أيلول 2023 خصص عبد الله بن متعب آل سعود ملهى Café Chic له خصيصا لمدة شهر كامل تقريبا. 

وعبد الله نجل متعب بن عبد الله، نجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وقد شغل والده منصب وزير الحرس الوطني السعودي، وذلك حتى إقالته من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في نوفمبر/تشرين الأول 2017، 

إذ كان من ضمن المحتجزين في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض في إطار حملة ابن سلمان على الأمراء ولم يطلق سراحه إلا بعد تسوية كبيرة.

وقد رفع ولي العهد السعودي في مطلع العام 2023 جميع القيود المفروضة على حاشية متعب بن عبدالله آل سعود.

أعطى ذلك فرصة لعبد الله بن متعب أن يتحرك بحرية صوب باريس وباع فندق "De Crillion" الباريسي الفاخر الذي اشتراه والده عام 2010 مقابل ما يقدر بنحو 250 مليون يورو.

ساعده في ذلك وكيله اللبناني صلاح فستق، وسيط الأسلحة الرئيس السابق لدى الملك عبد الله والذي لا يزال مطلوبا من قبل حاشية محمد بن سلمان.

وأصبح الأمير الشاب ومعه عدد كبير من الأمراء يفضلون ارتياد ملهى Café Chic لأنه يؤمن لهم سياج السرية، ولقربه من مراكز صناعة القرار، والشركات الاستشارية الفرنسية. 



لماذا باريس؟ 

السؤال الذي يطرح نفسه يكمن في سبب ذهاب عدد كبير من الأمراء والمسؤولين السعوديين بكثافة إلى باريس في الآونة الأخيرة؟ 

وتكمن الإجابة في لوبي الضغط السعودي الذي يعمل ولي العهد محمد بن سلمان على تشكيله في باريس خدمة لتطلعاته وأهدافه المستقبلية. 

ويحشد ابن سلمان قوته الدبلوماسية في العاصمة الفرنسية باريس لاستضافة معرض "إكسبو 2030". 

وفي سبيل هذا الهدف أجرى ابن سلمان زيارة مطولة استغرقت عشرة أيام إلى العاصمة الفرنسية في 16 يونيو/حزيران 2023، ضمن حشده القوة الناعمة لاستضافة حدث عالمي.

وكانت استضافة السعودية إكسبو 2030، من أهم الملفات على مائدة قصر الإليزيه بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وابن سلمان، ويتمثل بأن تستضيف السعودية "إكسبو 2030".

وفي 19 يونيو 2023 شارك ابن سلمان بنفسه في حفل استضافة المملكة معرض "إكسبو 2030" الذي أقامته "الهيئة الملكية لمدينة الرياض" في قصر Grand Palais بباريس.

واستضاف الحفل مندوبي 179 دولة من أعضاء المكتب الدولي للمعارض (المنظمة المسؤولة عن معرض إكسبو الدولي) في سعي حثيث لإقناعهم بترشيح الرياض لإقامة "إكسبو 2030".

وفي 16 مايو/أيار 2023 قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن "محمد بن سلمان أصبح واثقا من أن النصر صار في متناول يده".

وقد بدأ ابن سلمان الحشد مبكرا، ففي يونيو 2022، عين الدبلوماسي الفرنسي السابق موريس جوردولت مونتاني لبدء حملته في باريس.

وجاء ذلك بعد أن ترك الأخير منصبه كرئيس للجنة الأخلاقيات في شركة Avisa Partners ليصبح مستشارا أول لمجموعة بوسطن الاستشارية.

وفي 12 يونيو 2023 اختارت الرياض مجموعة "Hopscotch" الفرنسية، وهي شركة للعلاقات العامة مقرها باريس، للإشراف على لوبي الضغط السعودي، لإدارة حملة ترشيح الرياض لمعرض "إكسبو 2030".

حينها أرسل ولي العهد السعودي عددا من الأمراء والوزراء إلى باريس، على رأسهم وزير الاستثمار خالد الفالح، كجزء من الجهود المبذولة لوضع شراكة ثنائية إستراتيجية مع فرنسا لهذا الحدث.


شاطيء الريفيرا

ولطالما عرفت فرنسا وضعية خاصة لدى المسؤولين السعوديين بما فيهم الملك سلمان بن عبد العزيز نفسه. 

وفي 16 يوليو/تموز 2015، شهدت بلدة فالوريس الساحلية، الواقعة في محافظة ألب ماريتيم (جنوب شرق فرنسا)، جدلا كبير على وقع وصول الملك سلمان وعائلته إلى مقر إقامتهم الصيفية وإغلاق شاطئ عام على ساحل الريفيرا الشهير في محيط الإقامة بوجه السكان والسياح.

حينها وقع أكثر من 100 ألف مواطن فرنسي من سكان المنطقة عريضة احتجاج ضد غلق الشواطئ للسماح للملك السعودي بقضاء عطلته الخاصة هناك.

وذهب دور بعض المسؤولين السعوديين إلى أبعد من قضاء العطلات والتنزه، ففي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، تقريرا تحدثت فيه عن زيارة مسؤولين سعوديين بارزين للكنيس اليهودي بباريس.

وعنونت الصحيفة الخبر بـ "في لفتة تاريخية لإسرائيل، زار مسؤولان سعوديان معبدا يهوديا في باريس".

ثم كشفت عن هوية المسؤولين السعوديين، وهما رئيس رابطة العالم الإسلامي "وزير العدل السعودي السابق"، محمد عبد الكريم العيسى، والسفير السعودي بباريس آنذاك "وزير التعليم السابق" خالد بن محمد العنقري.

وبدأت قوة العلاقة الدبلوماسية بين الرياض وباريس تشتد ويصبح لها وضعية خاصة، بسبب دعم ماكرون لابن سلمان عقب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ففي الوقت الذي عانى فيه ولي العهد السعودي من كونه "منبوذا دوليا" زادت الارتباطات بين النظامين السعودي والفرنسي، وهو ما ظهر بشدة في 30 نوفمبر من العام نفسه.

فعلى هامش قمة مجموعة العشرين التي أقيمت في الأرجنتين وقتها، وجد ابن سلمان نفسه معزولا عن جميع القادة والرؤساء، إذ تجنب معظمهم التقاط الصور أو الحديث معه بشكل منفرد.

ولكن كان ماكرون استثناء، فقد تقرب من ابن سلمان وعقد معه محادثة لنحو 5 دقائق، طمأنه خلالها بأنه سيتعامل مع قضية خاشقجي، بينما اكتفى ولي العهد بالابتسام.

بعدها بدأ تعاون من نوع خاص في جوانب عدة، أهمها ما يتعلق بالأسلحة الفرنسية الموردة إلى القوات المسلحة السعودية، تحديدا عقب تحفظ واشنطن عن إعطاء مزيد من صفقات السلاح إلى المملكة.

ثم التعاون الدبلوماسي الرفيع الذي سمح لكثير من الأمراء والمسؤولين السعوديين أن يتوافدوا على باريس تحديدا بشكل مستمر، وتكون واجهتهم المفضلة.