آل فستق.. تجار سلاح بالسعودية انقلب عليهم ابن سلمان بسبب ثأر قديم

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

كان صعود محمد بن سلمان السريع إلى ولاية العهد في السعودية، إيذانا بتغيرات جذرية في بنية المملكة، تحديدا في النخبة الحاكمة القريبة من دوائر صنع القرار. 

أما الحرس القديم المتنفذون لعقود في دولاب الدولة فسحقهم ابن سلمان عبر الزج بهم في تهم متنوعة، واستبدلهم بصف جديد يوافق مزاج الأمير الشاب. 

ويأتي في مقدمة النخب المغضوب عليها، آل فستق، الذين حظيوا لسنوات طويلة بشأن عظيم في المملكة، لدرجة مصاهرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ومن ثم أصبحوا أباطرة لعقود التسليح بالمملكة. 

لكن ابن سلمان لم يعجبه ذلك فانقلب عليهم، وسلب مكانتهم، ولم يكتف بذلك، بل بات يطاردهم خارج المملكة، تحت لافتات واهية مثل "الحرب على الفساد".

آل فستق

وعن هذا الموضوع وتحت عنوان "محمد بن سلمان يطارد سمسار المعدات العسكرية"، نشرت مجلة "إنتليجنس أونلاين" المعنية بشؤون الاستخبارات تقريرا، بتاريخ 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وقالت المجلة الفرنسية: "إنه بناء على اتهامات بسوء التصرف المالي، تلاحق السلطات السعودية رجلي الأعمال الأخوين صلاح ومنصور فستق، اللذين لعبا لسنوات طويلة دورا رئيسا في عقود تسليح الحرس الوطني السعودي، وكانا مركز نفوذ الملك عبد الله بن عبد العزيز".

وكشفت أن السلطات السعودية أرسلت مذكرة اعتقال إلى منظمة الشرطة الدولية "إنتربول"، لتعقب الأخوين صلاح ومنصور فستق، مشيرة إلى أن ابن سلمان مصمم على اعتقالهما.

وأوضحت أن رجل الأعمال صلاح فستق هو والد زوجة منافس ابن سلمان السابق على العرش الأمير "متعب"، نجل الملك السعودي الراحل "عبد الله بن عبدالعزيز"، وكان لاعبا رئيسا في إبرام عقود الأسلحة الخاصة بالحرس الوطني السعودي لعقود.

وأضافت أن الحرس الوطني السعودي ظل حكرا على نفوذ الملك "عبدالله"، وأن دور "صلاح" في عقود تسليحه لم يكن محض مصادفة، إذ قاد الأمير "متعب بن عبد الله" الحرس حتى أطاح به "ابن سلمان".

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أدرج ابن سلمان الأمير متعب ضمن الأسماء المشمولة بحملة "التطهير" ضد الفساد، ولا يزال يعيش رهن الإقامة الجبرية ولا يمكنه مغادرة السعودية، فيما لا يعرف مكان الأخوين فستق.

شبكة متنفذة

لكن صلاح فستق ليس المتضرر الوحيد من ملاحقة ابن سلمان، بحسب المجلة الفرنسية، التي أشارت إلى أن "جميع رجال الصناعة الدفاعية الغربيين، الذين سبق أن باعوا أسلحة للحرس الوطني سيتعين عليهم مراجعة ملفاتهم، بسبب علاقتهم السابقة بفستق.

فعلى مدى عقود، أجرى فستق وأخوه اللذان ترجع أصولهما إلى سوريا، أعمالا تجارية مع الصناعيين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين الذين ينشطون في السعودية عبر شبكات مرتبطة بالاستخبارات.

ورسخا مكانتهما، في وقت مبكر من عام 1975، كسمسارين للمعدات العسكرية بعد أن أصبحا شريكين محليين للشركة العسكرية الأميركية الخاصة "فينيل كورب"، عبر شركتهما العائلية "المعمرون العرب للتجارة".

وفي المملكة المتحدة، شارك فستق البريطاني "بيتر أوستن"، الذي قاد شبكة مكنت شركة GPT Special Project  Management، التابعة لمجموعة إيرباص، من الفوز بعقود نظام الاتصالات الخاص بالحرس الوطني السعودي "SANGCom"، في صفقة أدانها المكتب البريطاني لمكافحة الاحتيال "SFO" عام 2021.

وفي فرنسا، امتدت شبكة "أوستن"، لتدير شركة "قيصر العالمية"، برئاسة "جورج فرانسيولي"، وهو صديق مقرب سابق لـ"بول فونتبون"، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات الفرنسية "DGSE".

ومن خلال شبكة "فستق" المتنفذة، ضاعفت شركتا "تاليس" و "نكستر" ومجموعة " أف أن هيرستال" عقودها في المملكة لسنوات.

لكن نفوذ الشبكة، ومعها الأخوان فتسق، تراجع منذ عام 2017 ومع وصول فريق ابن سلمان إلى السلطة في السعودية، تم إقصاء فستق تدريجيا من جميع الشراكات المحلية الخاصة بعقود التسليح.

سنة فارقة

في عام 2017 أحدث محمد بن سلمان تحولات جذرية للسياسة السعودية، حيث تخلص من ولي العهد السابق محمد بن نايف، وفرض سيطرته على وزارة الداخلية معقل آل نايف بن عبد العزيز.

بعدها أقال الأمير متعب بن عبد الله من منصبه كقائد للحرس الوطني، ثم اعتقله في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وعين مكانه خالد بن عبد العزيز المقرن.

ابن سلمان أزاح أيضا الحرس القديم من دوائر الأعمال في السعودية خلال حملته المزعومة لمكافحة الفساد في نوفمبر 2017.

وبطبيعة الحال أصبح الصف الثاني من النخبة الذين كانوا تحت إمرة الأمراء المنكوبين، ومنهم الأخوان فستق، في مهب الريح. 

وعلى هذا النحو سيطر ابن سلمان على الجيش السعودي، والحرس الوطني، والحرس الملكي، ووزارة الداخلية.

بعدها فرض محمد بن سلمان سطوته على كافة قنوات التفاوض حول عقود التسليح والعقود الدفاعية التي تتعاقد عليها المملكة عبر مؤسستين. 

الأولى هي "الهيئة العامة للصناعات العسكرية"، وهي هيئة سعودية تطلب المعدات لجهات عسكرية وأمنية مختلفة بما فيها الجيش، ووحدات وزارة الداخلية، والحرس الوطني، ورئاسة أمن الدولة.

وترفع جميعها تقاريرها بشكل مباشر إلى ولي العهد محمد بن سلمان.

أما الثانية فهي "الشركة السعودية للصناعات العسكرية"، والمسؤولة عن تأسيس مشاريع مشتركة محلية مع شركات الدفاع الأجنبية.

وأعلن صندوق الاستثمارات العامة الذي يرأسه محمد بن سلمان عن تأسيسها في مايو/أيار 2017 بهدف توطين نسبة 50 بالمئة من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030.

سيطرة كاملة

لم يتسن لملك سعودي أو لولي عهد أن ينجز صفقات السلاح بنفسه، مثلما فعل محمد بن سلمان، عقب إطاحته بآل فستق وتبنيه إستراتيجية خاصة فيما يخص عقود التسليح. 

فمثلا في 5 أبريل/ نيسان 2018 أعطت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الضوء الأخضر لعقد جديد للأسلحة بقيمة 1.31 مليار دولار مع الرياض، في ختام جولة طويلة لابن سلمان بالولايات المتحدة.

حينها لم يكن الأمر مجرد صفقة أنجزها الأمير الشاب، لكنها حملت إرادة ترامب وخطته، لأن تلعب السعودية دورا عسكريا متقدما في المنطقة خصوصا في مواجهة إيران، وفق إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" في 6 أبريل/ نيسان 2018. 

وذكرت أن "إحدى إستراتيجيات ولي العهد السعودي لمواجهة الضغوط المتزايدة على شراء بلاده للسلاح كانت ربط المصالح الاقتصادية بالصفقات العسكرية، خاصة وأنه إثر توليه وزارة الدفاع ضم إلى سلطاته الإشراف على عملاق النفط أرامكو الذي يعد الذراع القوية في سياسة الخارجية السعودية". 

وذلك لأن فكرة السيطرة المطلقة لابن سلمان على عقود التسليح، وضخ كم هائل من الأسلحة للمملكة لم ترق لكثيرين. 

فخلال زيارته إلى باريس، في 11 أبريل/ نيسان 2018، طالب نواب فرنسيون ومنظمات حقوقية من الرئيس إيمانويل ماكرون وقف تزويد السعودية بالأسلحة الفرنسية. 

وقدم مشرع من حزب ماكرون طلبا رسميا بفتح تحقيق برلماني في مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف الذي تقوده السعودية للقتال في اليمن، والذي حمل انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان هناك. 

لكن محمد بن سلمان الذي أمسك بعقود التسليح حصريا، كانت له أفكار أخرى تتجاوز السيطرة فقط، إلى توسيع شراكات إستراتيجية لبلاده من نوع خاص، كعلاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإقدامه على شراء السلاح الروسي. 

وهو ما أثار قلق الحلفاء التقليديين للمملكة، وخصوصا بعد صفقة السلاح الهائلة التي عقدها ابن سلمان مع بوتين خلال الزيارة التاريخية للملك سلمان لموسكو في أكتوبر/ تشرين الأول 2017.

وفي السنوات التالية أصبحت تلك الجزئية تمكن ولي العهد السعودي من التلويح للغرب بأن هناك مصادر أخرى للسلاح إذا ما أغلقت أسواق السلاح الأوروبية.