نظام السيسي يروج لنسبة مشاركة انتخابية عالية.. تمهيد لولاية رابعة؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

كما كان متوقعا، وعقب توجيهات عليا للتصويت بالإكراه وحشد المصريين بالترغيب والترهيب، أعلنت لجنة الانتخابات فوز المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي بنسبة 89.6 بالمئة، مقابل 10.4 بالمائة لمنافسيه الثلاثة الشكليين.

كان تركيز السلطة هذه المرة على "نسبة التصويت"، لا "الفوز" المحسوم سلفا، لإظهار أن السيسي لا يزال يحظى بشعبية، في وقت يعاني فيه نظامه من مخزون غضب شعبي قد ينفجر في وجهه ويمنعه من إكمال فترة رئاسته الثالثة.

كانت النسبة التي أعلنها قضاة الانتخابات، وتلقوا اللعنات بسببها من المصريين الذين رأوها تزويرا فاضحا، هي 66.8 بالمئة، وهي الأعلى في تاريخ الانتخابات في مصر منذ استقلالها.

وذلك بعد محاولات سابقة في انتخابات 2014 و2018 لإظهار أن نسب المشاركة أعلى من أول وآخر انتخابات حرة جرت عام 2012، وفاز فيها الرئيس الراحل محمد مرسي الذي انقلب عليه الجنرال السيسي عسكريا.

وانتخب السيسي للرئاسة عامي 2014، و2018، في عملية مُرتبة، بعد استبعاد أبرز خصومه الأقوياء وانتقاء من يسمون "كومبارس" (مرشحون شكليون) للنزول أمامه لإظهار وجود تعددية في المرشحين، وحصل في المرتين على 97 بالمئة من الأصوات.

وجرى تعديل الدستور خصيصا له في عام 2019، ليسمح له بفترة رئاسية ثالثة، لأنه كان يحدد الترشح بمدتين فقط، إضافة إلى تمديد فترة الرئاسة له من أربع إلى ست سنوات، ليفوز في الثالثة أيضا بعد ترشيح ثلاثة كومبارس دفعة واحدة.

وخاض السباق إلى جانب السيسي (69 عاما)، ثلاثة مرشحين غير معروفين، يصفهم المصريون بـ "الكومبارس" لتزيين الصورة وإظهار أن هناك انتخابات تعددية.

وهم حازم عمر من الحزب الشعبي الجمهوري واحتل المركز الثاني في عدد الأصوات بنسبة 4,5 بالمئة، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديموقراطي (يساري) بنسبة 4 بالمائة من الأصوات وجاء في المركز الثالث.

ثم عبد السند يمامة من حزب الوفد الليبرالي العريق، والذي حل في المركز الأخير بنسبة 1,9 بالمئة من الأصوات، وثلاثتهم كانوا يطلقون تصريحات تخديريه للمصريين يزعمون فيها أنهم قد يفوزون.

"أعلى مشاركة"

منذ بداية تمثيلية الانتخابات وقبل إعلان النتائج كان هناك تركيز من جانب قضاة الانتخابات وإعلام السيسي على نسبة المشاركة، حيث أعلنوا مبكرا أن نسبة المشاركة ستكون أكثر من 50 بالمئة.

قبل اعلان النتيجة رسميا، جرى تأهيل المصريين لهذه الصدمة بتسريب نتائج فرز أولية للأصوات للصحف، تزعم أن نسبة الأصوات التي حصل عليها السيسي بين 85 و95 بالمئة، وعدد من شاركوا بين 55 و65 بالمئة.

وضمن مسلسل التأهيل هذا، أعلن رئيس هيئة الانتخابات القاضي أحمد البنداري في اليوم الأول للتصويت، أن 5 ملايين ناخب أدلوا بأصواتهم، ثم في اليوم الثاني قال إن التصويت وصل 45 بالمئة، أي خمسة أضعاف الأول.

وكان ملفتا أن هذا الرقم (45 بالمئة) هو نفسه الذي حدده الشيخ علي جمعة مفتي مصر السابق الداعم للسيسي، في اليوم الأول للانتخابات، ما يثير تساؤلات حول وجود رقم معين لنسبة المشاركة موزع على أنصار السلطة.

أريد أن يشرح لي أحدهم تلك المفارقة بشكل عقلاني ومنطقي ومقنع، كيف أعلن الشيخ علي جمعة ـ صديق السيسي وبطانته ـ ظهر اليوم الأول للانتخابات ، يوم الأحد أن نسبة التصويت وصلت 45%، وفي مساء اليوم الثاني للانتخابات ، يوم الاثنين ، يعلن القاضي أحمد البنداري مدير الانتخابات أن نسبة التصويت… pic.twitter.com/UowLZQORIt

— جمال سلطان (@GamalSultan1) December 12, 2023

أيضا تغزل القاضي أحمد بنداري، في إقبال الناخبين المزعوم وقال إن "وجود 4 مرشحين يتنافسون على منصب الرئيس، أدى إلى حراك على الأرض"، حسبما نقلت صحف حكومية.

وزعم أن "أحداث غزة (العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول) دفعت المواطن إلى الالتفاف حول بلده ودعمها ودعم الموقف السياسي .. الناس لما قلقت نزلت".

كما زعمت لجان السيسي الإلكترونية مبكرا، أن كل المؤشرات من رصد نتائج اللجان ومحاضر الفرز تؤكد أن نسبة التصويت في الانتخابات الرئاسية ستزيد عن 65 بالمئة.

أي ستكون نسبة المشاركة هي الأكبر في تاريخ مصر منذ أول انتخابات رئاسية تعددية في 2005، وستزيد حتى عن انتخابات 2012 الحرة التي تمثل "عُقدة" للسيسي على ما يبدو يسعى لتجاوزها، وهو ما حدث.

لذلك حين جرى الإعلان الرسمي عن النتائج في 18 ديسمبر/كانون أول 2023، وأكد قضاة الانتخابات، مشاركة أكثر من 44.8 مليون ناخب، من بين أكثر من 67 مليونا لهم حق التصويت، بنسبة مشاركة 66.8 بالمئة، لم يكن الأمر مفاجأة كبيرة.

حازم بدوي رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية ونائب رئيس محكمة النقض، زعم أن "نسبة التصويت كانت الأعلى في التاريخ"، لأن ما أعلنه هو بالفعل أعلى نسبة مشاركة للمصريين في الانتخابات منذ الاستقلال.

ووصف الصحفي جمال سلطان رئيس تحرير "المصريون" ما جرى، بأنه "تزوير عيني عينك، وفجاجة في الكذب والتزوير".

كما وصف رئيس لجنة الانتخابات بـ "القاضي الفاسد الفاجر الذي اختاره السيسي ليخرج له مسرحية انتخابات الرئاسة في أجواء فقر وسخط شعبي يعاني فيها الجنرال أسوأ فترات حكمه".

التزوير عيني عينك ، القاضي أحمد البنداري مدير جهاز هيئة الانتخابات ورئيس غرفة عملياته الذي يسهل في الدعاية الرخيصة كناشط في حزب مستقبل وطن، صرح نهاية اليوم الأول، الذي كان فيه أقصى طاقات الحشد، أن التصويت اقترب من 5 مليون ناخب ، اليوم الثاني ظهرا قال أن التصويت وصل 45% ، يعني 31…

— جمال سلطان (@GamalSultan1) December 11, 2023

وقال ناشطون عبر مواقع التواصل إن ما يؤكد التزوير هو أن إعلان من انتخبوا 45 مليون مصري تقريبا، يؤكد التزوير.

فبالقسمة على عدد لجان الانتخابات (11500) وافتراض دقيقتين لكل صوت معناه أنهم صوتوا في 130 ساعة، أي 43 ساعة يوميا من أيام الانتخابات الثلاثة.

ولهذا اتهم القاضي السابق "وليد شرابي" قضاة الانتخابات الذين اختارهم السيسي لإدارتها بأنهم "أغبياء"، ودعا لمحاكمتهم "ليس فقط بتهمة التزوير، ولكن أيضا بتهمة الغباء".

طبعا أنا كنت متأكد أنهم حيزوروا النتيجة
لكن لم أتوقع إنهم حيكونوا أغبياء للدرجة دي .
٤٤ مليون مواطن شاركوا في الإنتخابات يا ظلمة ؟!
وبنسبة مشاركة أعلى من الانتخابات الأمريكية ؟!
أعضاء لجنة التزوير التي أعلنت النتيجة يجب محاكمتهم ليس فقط بتهمة التزوير ،ولكن أيضا بتهمة الغباء .

— Waleed Sharaby (@waleedsharaby) December 18, 2023

وأكد المركز المصري لدراسات الرأي العام "تكامل مصر" أن حجم المشاركين هم أربعة ملايين ناخب، وإجمالي المشاركين خلال اليومين الأول والثاني 4.55 بالمئة من حجم المصريين الذين يحق لهم الانتخاب.

لكن حاول إعلام السلطة وأنصاره إظهار أن هناك حفاوة بفوز السيسي في الشارع المصري، وأطلق بعضهم صواريخ وألعاب نارية في الهواء في ميدان التحرير، احتفت بها الصحف والفضائيات المملوكة للسلطة.

احتفالات وألعاب نارية في ميدان التحرير بعد إعلان فوز السيسي برئاسة الجمهورية pic.twitter.com/u96cN4HlrR

— صدى البلد ���� (@ElBaladOfficial) December 18, 2023

وقالت صحيفة "اليوم السابع" الموالية للسلطة 18 ديسمبر إن "العشرات من المواطنين" احتشدوا في ميدان التحرير "للتعبير عن فرحتهم بفوز السيسي"، ونشرت غالبية صحف السلطة ذات الخبر بنفس الصياغة.

تفويض بالعافية!

وخلال الأيام الثلاثة للانتخابات الرئاسية، كانت العديد من الجهات الحكومية في الدولة تشجع بشكل كبير على المشاركة في الانتخابات، وتحشد الموظفين وتنقلهم في حافلات إلى اللجان الانتخابية. 

وقال موظفون حكوميون إن رؤساءهم أبلغوهم أن "الحكومة تريد نسبة تصويت عالية جدا في الانتخابات".

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 18 ديسمبر 2023 عن معلمة أن المديرة في مدرسة حكومية أجبرت المعلمين على التصويت رغما عنهم، وأمرتهم بركوب أتوبيسات للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وحصلت بالمقابل على 200 جنيه مصري (حوالي 4 دولارات).

قالت إنهم هددوا المدرسين بأنه "سيتم إبلاغ وزارة التعليم عنهم، وحرمانهم من الإجازة مدفوعة الأجر وخصم أجر ثلاثة أيام" حال رفضوا التصويت للسيسي.

وأبلغ مواطنون "الاستقلال" أنهم تعرضوا للخداع، حيث جرى وعدهم بما بين 200 و300 جنيه مقابل التصويت وكراتين طعام، لكن عقب الإدلاء بأصواتهم اختفى من وعدوهم وتنكر لهم آخرون.

وشهد مراسلو وكالة "رويترز" البريطانية في 18 ديسمبر 2023 على نقل السلطة للناخبين بالسيارات لمراكز الاقتراع، وتوزيع أكياس الطعام عليهم.

ونقلوا عن بعضهم أنهم "حصلوا على أموال مقابل أصواتهم"، رغم إعلان لجنة الانتخابات أن تقديم أموال أو سلع مقابل الأصوات يعد جريمة جنائية.

بعد اعلان #الهييه_الوطنيه_للانتخابات عن نتيجة الانتخابات الرئاسية
توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالشكر لـ شعب مصر على انتخابه وتجديد عقد 6 سنين كمان في ظل العمليه الانتخابيه المشرفة اللي العالم كله كان متفاجئ بنتيجتها الغير متوقعة، كما توجه سيادته بالشكر لحزب مستقبل وطن وحماة وطن… pic.twitter.com/VvOi5cHp4a

— عائشة السيد - Aisha AlSayed (@aishaalsayed9) December 18, 2023

ويرى خبراء سياسيون مصريون أن حرص السيسي على رفع نسب المشاركة في هذه الانتخابات واهتمامه بها أكثر من نسبة فوزه المحسوم، ترجع لرغبته في الحصول على "تفويض بالعافية" من المصريين، بحجة إدارة أزمات مصر الداخلية والخارجية.

أوضحوا أن الهدف أيضا هو محاولة السيسي "إظهار أنه لا يزال مرغوبا فيه بشدة لدى المصريين ولا يزال له شعبية، وخاصة أمام الأوساط الخارجية".

وذلك تزامنا مع تقارير تتوقع انهيار حكمه في ظل حالة الغضب الشعبي الكبيرة على التدهور الاقتصادي وارتفاع الديون.

كما أنه يحاول، منذ أول انتخابات حرة في تاريخ مصر، أن يرفع نسب المشاركة تدريجيا في كل انتخابات رئاسية يشارك فيها، بحيث يتفوق على انتخابات 2012، التي كانت 47 بالمئة فقط، والتي يبدو أن لديه عقدة منها.

وقد أشار بعض من يديرون لجان النظام الإلكترونية لهذا الهدف مؤكدين أن نتيجة الانتخابات والمشاركة الضخمة فيها تعد "تفويضا للسيسي" و"دعما قويا للإدارة السياسية الحاكمة خلال الـ 6 سنوات القادمة".

كل المؤشرات من رصد نتائج اللجان ومحاضر الفرز تؤكد أن نسبة التصويت في الانتخابات الرئاسية المصرية ستزيد عن 65 % وستكون هذه النسبة هى الأكبر في تاريخ مصر منذ أول انتخابات رئاسية تعددية في 2005، وستزيد حتى عن انتخابات 2012. هذه النتيجة التي تعكس مشاركة واسعة وغير مسبوقة بلا أدتى شك…

— Mohammed Maree محمد مرعي (@mar3e) December 14, 2023

وكتبت "كلير باركر" مديرة مكتب القاهرة لصحيفة "واشنطن بوست" 18 ديسمبر 2023، تقول إن إصرار حاشية السيسي على فوزه وبنسبة مشاركة كبيرة، هدفه عد ذلك "تفويضا لست سنوات أخرى من الحكم الحديدي".

وعكس الخطاب الذي ألقاه السيسي عقب إعلانه فوزه بولاية رئاسية ثالثة نفس نغمة التخويف للمصريين من مخاطر ما يجري في غزة وأنه "المنقذ" لمصر، ويعد تصويتهم له تفويضا.

وذلك رغم تواطئه في حصار أهالي قطاع غزة ومنع المساعدات عنهم، وعدم فعل شيء أمام خطط التهجير.

زعم أن "اصطفاف المصريين في هذه الانتخابات وهذه الحشود غير المسبوقة، كان تصويتا للعالم كله من أجل التعبير عن رفضهم لهذه الحرب وليس لمجرد اختيار رئيسهم لفترة رئاسية".

وقال إن "الدولة المصرية تواجه حزمة من التحديات على المستويات كافة، يأتي في مقدمتها، الحرب الدائرة في غزة".

وأكد أن "الحرب الدائرة على حدودنا الشرقية، تستدعى استنفار كل جهودنا للحيلولة دون استمرارها"، لأنها "تمثل تهديدا للأمن القومي المصري بشكل خاص، وللقضية الفلسطينية بشكل عام".

قالت وكالة "رويترز" 18 ديسمبر إن السلطات المصرية وإعلامها الرسمي الخاضع لرقابة مشددة "بذلوا جهودًا حثيثة من أجل زيادة نسبة الإقبال رغم عدم اهتمام المصريين بالانتخابات، لأن النتيجة مفروغ منها".

ونقلت الوكالة عن حسام بهجت، مدير "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهي منظمة حقوقية مستقلة تأكيده: "لم تكن هناك انتخابات، فقد استخدم السيسي جهاز الدولة بأكمله والأجهزة الأمنية لمنع أي منافس جدي من الترشح".

قال إن السيسي "اختار خصومه بعناية" في هذه الانتخابات كما فعل في الانتخابات السابقة التي ترشح لها.

وبين أن خصومه لم يكن لهم أي دور وعزفوا عن توجيه أي "انتقادات ولو صامتة أو شبه معدومة لسياساته الكارثية".

الولاية الثالثة

بحسب صحيفة "واشنطن بوست" 18 ديسمبر، لا تكمن المشكلة في فوز السيسي، وتمثيلية التفويض بالمشاركة الكبيرة، فهو أمر محسوم ومرتب سلفا.

لكن المشكلة هي في بقائه واستكمال رئاسته، في ظل المشكلات التي تعاني منها مصر، مؤكدة أن "إعادة انتخابه كانت هي الجزء السهل، لكن مصر على حافة الهاوية".

قالت: "تواجه البلاد اقتصادًا منهارًا وحربًا مستعرة في الجوار، وأصبح من الصعب العثور على وجبة بأسعار معقولة".

أكدت أن "الكثير من المصريين مكثوا في منازلهم ولم يخرجوا للتصويت، بسبب استيائهم من تراجع مستويات المعيشة وشعورهم بالعجز عن إحداث تغيير".

وضربت أمثلة على ذلك بشباب عاطلين التقت بهم في أحياء شعبية قالوا إنهم لا يهتمون بالانتخابات ولا يعتزمون التصويت لأن "السيسي دمر البلاد بالكامل، وجعل الأمور صعبة للغاية"، مؤكدين أن من يذهب للتصويت يفعل ذلك للحصول على المال.

أكدت أن "السيسي يواجه مجموعة من التحديات الصعبة المقبلة"، فهناك أولوية فورية تتمثل في إبقاء مصر خارج حرب غزة والحفاظ على معاهدة السلام التي وقعتها مع إسرائيل عام 1979، لمحاولة تهدئة الغضب الشعبي إزاء معاناة الفلسطينيين.

ونقلت عن محللين أن الاقتصاد، الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة والواردات، هو في أدنى مستوياته منذ عقود، متأثرا بكورونا والحرب في أوكرانيا والآن القتال في غزة، ومشاكل الإنفاق الباذخ المتهور على مشاريع بلا جدوى.

واقترضت الحكومة بكثافة لتمويل مشاريع ضخمة، بقيمة 58 مليار دولار في الصحراء خارج القاهرة، حيث العاصمة الإدارية التي يستفيد منها الجيش، المنخرط بشكل كبير في الاقتصاد في عهد السيسي.

ونقلت عن الباحث "تيموثي قلداس"، نائب مدير "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط" أن "فترة رئاسة السيسي بأكملها كانت عبارة عن سلسلة من الأزمات الاقتصادية ورهن البلاد بصورة مُذلة، لهذا يراقب المصريون انتهاء هذا النظام.

أيضا أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" 18 ديسمبر أن "السيسي يستعد لـ 6 سنوات أخرى في الحكم، متجاهلا أزمات المصريين"، و"يقدم نفسه عنوانا للاستقرار حتى في الوقت الذي يهتز فيه اقتصاد بلاده".

أوضحت أن الجنرال السابق (السيسي)، الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري وقتل في يوم واحد 800 متظاهر على الأقل مناهضين للانقلاب في مذبحة رابعة، يواجه نظامه انهيارا اقتصاديا غير مسبوق.

وأشارت لارتفاع الأسعار إلى عنان السماء، وكيف أن المقرضين والمصريين على حد سواء "بدأوا يفقدون صبرهم تجاه السيسي".

ذكرت أن السيسي يحاول الاستفادة، بجانب قبضته الاستبدادية على البلاد، من حرب غزة لتصوير نفسه على أنه القائد القوي في الداخل والخارج، كما فعل بعد الصراعات في ليبيا والسودان وسوريا وغيرها.

واتهمت الغرب بمساعدته، بالتنازل عن أي ضغط عليه للإصلاح، في السياسة الاقتصادية وحقوق الإنسان.

وأكدت أن الأزمات الإقليمية خدمت السيسي حيث أدت إلى "تآكل أي ضغط (غربي) عليه للإصلاح"، ما أدى لاستمرار هيمنته هو والمؤسسة العسكرية على البلاد.

لكن الصحيفة الأميركية أشارت لتحذير المحللين والناشطين من أن "دعم مزيج السيسي من القمع السياسي الخانق وسوء الإدارة الاقتصادية سيكون استثمارا سيئا يؤدي إلى مخاطر على الاستقرار".

ونشر مركز "ستراتفور"، وهو مركز دراسات إستراتيجي وأمني أميركي في 5 ديسمبر/كانون أول 2023 تقدير موقف بعنوان: ماذا تعني ولاية أخرى للسيسي بالنسبة لمصر؟

أكد فيه أن "السيسي لن يكتفي بهذه الولاية الثالثة الجديدة بل سيعمل على تمديد فترة حكمه لفترة رابعة من خلال إجراء تعديلات دستورية جديدة تسمح بذلك"، وأنه  "من المرجح أن يبحث عن طرق أخرى للبقاء في السلطة".

"أو من خلال ترسيخ إِرثه عبر خليفة له يجري اختياره بعناية"، والذي قال المركز الأميركي إنه على الأرجح سيكون نجله "محمود" لتنفيذ السياسات التي تم سنها خلال إدارة أبيه.

ويفترض أن يؤدي السيسي القسم في 3 أبريل/نيسان 2024 استنادا للمادة 241 من الدستور حيث يكون الرئيس الفائز في انتخابات 2018 قد أكمل مدة الست سنوات.

وأكد المركز البحثي أن إعادة انتخاب السيسي لفترة ثالثة معناه منحه الحرية للمضي قُدماً فيما يسميه "الإصلاحات الاقتصادية"، أي مزيد من التعويم وإفقار المصريين و"العلاقات البراغماتية مع إسرائيل"

وقال "ستراتفور" إن هذا الفوز بإعادة انتخابه بفارق كبير "من شأنه أن يُمكن السيسي من الادعاء بأن لديه تفويضاً شعبياً لسن السياسات التي تعهد باتباعها مثل الإصلاحات المؤلمة التقشفية لاقتصاد البلاد المنهك".

وكان السيسي قال في خطاب ألقاه خلال حملته الانتخابية في سبتمبر 2023: "إذا كان ثمن تقدم الأمة وازدهارها هو الجوع والعطش، فلا نأكل ولا نشرب".

تقييم آخر لفترة ما بعد الانتخابات الرئاسية في مصر لـ "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية" 13 ديسمبر عن "تحديات ما بعد إعادة انتخاب السيسي" تناول سلسلة تطورات.

أبرزها: السياسة الخارجية المصرية في ظل الولاية الثالثة للسيسي، وحرب غزة والمعضلة التي فرضتها مصر على نفسها، وإستراتيجية رئيس النظام الاقتصادية وتدهور قطاع الطاقة في مصر لحد فرض الظلام على المصريين.

وضمن هذا الملف الذي أفرد له المعهد الإيطالي عدة موضوعات، جرى التركيز على "الدور المتغير للجيش المصري في عهد السيسي".

وذكر الخبير "يزيد صايغ"، خلال تقريره المنشور في 11 ديسمبر أن مشكلة تشابك السياسة والمال وذوي القربى في "جمهورية الضباط" ستدفع المجلس العسكري لدعم ترشيح السيسي لفترة رابعة.

أوضح أن مصر لن تفلت قريبا من دوامة الديون نظرا للترابط الوثيق بين المصالح الاقتصادية للجيش وبين دعمه اليومي لسلطة السيسي، لذا فمصيرهما بات مشتركا ولذلك سيظل العسكر يدعمونه للبقاء في الحكم.