30 نائبا يواجهون تهما مخلة بالشرف.. ماذا يحدث في البرلمان المغربي؟

14816 | منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تقارير

بارونات فساد

شبكات سياسية

اختلاسات مالية

30 نائبا يواجهون تهما مخلة بالشرف.. ماذا يحدث في البرلمان المغربي؟ 

فساد على أعلى مستوى.. لماذا تتزايد التحقيقات ضد نواب البرلمان المغربي؟

نخب مؤسفة.. هل تحول البرلمان المغربي لمؤسسة تحمي الفاسدين من العقاب؟

 

أعادت إحالة عدد كبير من النواب البرلمانيين على المحاكمة، في الآونة الأخيرة، بتهم متعددة، النقاش حول أهمية تعزيز نزاهة العمل البرلماني في ظل التحديات التي تعترضه بالسنوات الأخيرة.

ويبلغ عدد البرلمانيين المتابعين أمام القضاء المغربي، حوالي 30 نائبا ينتمون لأحزاب الأغلبية الحكومية.

وهي التجمع الوطني للأحرار الذي يقود رئيسه عزيز أخنوش الحكومة رفقة حليفيه حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، إضافة لحزب الاتحاد الدستوري الذي يعد من تحالف الأغلبية رغم أنه لا يملك أي وزير.

أما عن المعارضة فيتابع برلمانيون من أحزاب الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، والحركة الديمقراطية الاجتماعية.

وتم اعتقال ومتابعة أغلب البرلمانيين بتهم التورط في اختلالات مالية وإدارية واختلاس وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ والارتشاء والنصب والتزوير في محررات رسمية إضافة لمتابعة برلمانيين في قضية تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات.

حكم فاسد

وعن أسباب وخلفيات تزايد حالات اعتقال ومتابعة البرلمانيين، قال القيادي بحزب العدالة والتنمية (معارض) عبد العزيز أفتاتي، إن تزايد هذه المتابعات "نتيجة طبيعية للتدبير الممنهج والحكم بالفساد".

وأضاف أفتاتي لـ"الاستقلال"، أن الجميع يعرف خلفيات وظروف وشروط تأسيس حزب الدولة الجديد "البؤس" في إشارة لحزب الأصالة والمعاصرة الذي يترأسه وزير العدل عبد اللطيف وهبي في حكومة رجل الأعمال أخنوش.

وفي 7 أغسطس/آب 2008، أشرف الشخصية النافذة فؤاد عالي الهمة (صديق العاهل المغربي محمد السادس) على تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة امتدادا لـ"حركة لكل الديموقراطيين"، قبل أن يقدم استقالته منه سنة 2011 ويُعيَن مستشارا للملك.

وأكد أفتاتي، أن تأسيس هذا الحزب جاء "قصد التحكم في الحياة السياسية واستتباع المؤسسات والقضاء على الأحزاب الحقيقية"، مضيفا أن هذا الأمر "تطلب "الاستثمار" في الكائنات الفاسدة".

وسجل أنه "لما مرت عاصفة 20 فبراير/شباط 2011 وخاصة مع اقتراب 2015 و2016 (انتخابات الجماعات والجهات والبرلمان) تمت العودة لتطعيم أحزاب الدولة الإدارية بالمفسدين مجددا".

وأضاف أن هذه العودة "شجعت عتاة الفساد بمختلف أشكاله إلى اقتناص الفرصة والدخول لهذه الأحزاب لتقديم خدمة للتحكم وقضاء المآرب من اختباء في هذه الأحزاب وكذا حماية مكتسبات الفساد والمتحصل منه".

ولفت إلى "تورط الكثير في بشاعات تدبيرية، وبعضهم لم يكن ممكنا التستر عليهم من فرط جرائمهم، وبحكم بعض المبادرات كذلك الناتجة عن نشطاء مناهضة الفساد".

ورأى أن وصول هذه العينة من المفسدين للبرلمان والجماعات الترابية يأتي في السياق المشار إليه، حيث تسابقت "أحزاب" معروفة وخاصة حزب "البؤس" (الأصالة والمعاصرة) و"البؤس الرديف" (حزب التجمع الوطني للأحرار) وكذا حليفهم (الاستقلال) المشكل معهم للحكومة الحالية في استقطاب واستحطاب واحتضان بارونات الفساد.

وتابع أنه "مادام الوضع القائم يشجع على ذلك بهدف مواجهة حزب العدالة والتنمية تحديدا" فإن "الانتخابات البرلمانية لـ 8 سبتمبر/أيلول 2021 كانت مناسبة لاستقدام أي كائن فاسد وبصرف النظر عن وسائله بما فيها الوسائل المافيوزية كما اتضح مما تفجر لحدود الساعة".

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 2023، أمر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بإيداع البرلمانيين عن حزب الأصالة والمعاصرة سعيد الناصري، وعبد النبي بعيوي، السجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء ومتابعتهم في حالة اعتقال في قضية تاجر المخدرات المالي المعروف إعلاميا بـ"إسكوبار الصحراء".

بدوره، اعتبر رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، أن هناك شبكات فساد ونهب للمال العام لها امتداد في الدولة وتستغل مواقع المسؤولية للتغطية على أنشطتها الإجرامية، محذرا من أن هذه "المافيات تدفع الدولة والمجتمع نحو المجهول وتقامر باستقرار الوطن".

وقال الغلوسي، في تدوينة عبر فيسبوك، إن "الملفات الأمنية والقضائية ذات الصلة بالفساد ونهب المال العام كشفت أن الأمر يتعلق بشبكات لها امتدادات في المجتمع والدولة، وأن هذه المافيات تمددت واستعملت أساليب مختلفة ضمنها الاحتماء ببعض المواقع العمومية للتغطية على أنشطتها الإجرامية".

وأكد أن "أفراد هذه الشبكات يحرصون على الظهور في بعض الأنشطة بمظهر الدفاع عن المصلحة العامة مع التسويق لتلك الأنشطة إعلاميا حتى يظهروا للجميع بأنهم يدافعون فعلا عن المصلحة العامة".

وأردف أن "منهم من يقوم بتمويل بعض الجمعيات وتوزيع بعض الإعانات في فترات مختلفة ليشيد الناس بسلوكهم وأخلاقهم المثلى !!كل ذلك بهدف التمويه والتغطية على انحرافهم".

وأشار إلى أن هذه "المافيا تتاجر في كل شيء لتجمع الثروة وتغتني على حساب آهات ومعاناة الناس وحقهم المقدس في التنمية والعدالة وتضع الوطن برمته أمام أزمات وتوترات اجتماعية".

ووصفها بكونها "شبكات متمددة ومعقدة لا تجد أي إحراج في ترك الوطن في مواجهة الاحتقان الاجتماعي وغلاء الأسعار والفقر والبطالة والتضخم والجفاف".

وفي تدوينة أخرى، أشاد الغلوسي، بقرار قاضية التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالرباط المكلفة بجرائم الأموال عقل (منع التصرف) أموال وممتلكات البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار محمد السيمو على خلفية شبهة تبديد أموال عمومية.

وعد الغلوسي، "عقل ممتلكات المتهمين في قضايا الفساد المالي تحولا إيجابيا في تعاطي السلطة القضائية مع جرائم المال العام".

وتابع "يبدو أن هناك توجها جديدا في مقاربة قضايا الفساد المالي إذ أن القضاء قد استشعر أخيرا خطورة الفساد وتداعياته الخطيرة على المجتمع والدولة بعدما كان يكتفي في وقت سابق بمتابعة المتهمين في حالة سراح دون إجراءات وتدابير قوية تحت ذريعة غياب نص قانوني يتيح للقضاء عقل ممتلكات المتهمين!!".

وصمة عار

ويأتي تزايد الاعتقالات والمتابعات للعشرات من البرلمانيين في سياق احتفال المغرب بالذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي (1963)، حيث تم تنظيم احتفالية بهذه المناسبة في 17 يناير/كانون الثاني 2024.

وبهذه المناسبة، دعا ملك المغرب محمد السادس، البرلمانيين والبرلمانيات إلى "ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية".

كما دعا العاهل المغربي في رسالته التي تلاها رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، إلى "تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم".

ويبدو أن الدعوة الملكية لإقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية تأتي للقطع مع تزايد حالات المتابعة التي تطال العديد من البرلمانيين جراء اقترافهم اختلالات مالية وإدارية وتبديد أموال ورشوة ونصب وتزوير.

أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات عبد الحفيظ اليونسي، قال إن "الرسالة الملكية، إنذار للمشهد السياسي الحزبي".

وأضاف أن الرسالة تأتي بالنظر إلى "ما عشناه هذه السنة وفي السنة الماضية من تحريك المتابعة في حق 23 برلمانيا، ذات بعد جنائي يمتزج فيها الأخلاقي بالجرمي وغيره".

وفي 20 يناير 2024، أوضح اليونسي، في تصريح لموقع حزب العدالة والتنمية المحلي، أن "هذه النخب هي مُحصلة ما وقع في الانتخابات البرلمانية والبلدية لـسنة 2021".

وتابع أن "الجميع اليوم مُطالب بإجراء نقد ذاتي لما وقع سواء الأحزاب السياسية أو الحكومة التي أشرفت على تلك الانتخابات وأيضا الدولة"، مشيرا إلى أن "هذه المستويات الثلاثة معنية بالقيام بنقد ذاتي حتى لا نعيد تكرار ما وقع في 2021، لأن ذلك أساء ويسيء للديمقراطية المغربية".

ورأى اليونسي، أنه من الناحية الدستورية لا يمكن منع مواطن مغربي تتوفر فيه الشروط من أن يترشح للانتخابات البرلمانية، مستدركا: لكن يبقى السؤال المطروح: كيف يمكن أن نحسن من آليات إفراز هذه النخب؟

وتابع مؤكدا: أن المعول عليه في هذه العملية "هو أن تكون لدينا أحزاب سياسية قادرة على إعلاء المصلحة الوطنية كما جاء في الرسالة الملكية مقارنة مع المصلحة الحزبية، لأن المصلحة الوطنية تقتضي اليوم إفراز نخب برلمانية قادرة على أداء وظائفها البرلمانية".

إستراتيجية متكاملة

من جهتها، قالت البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد (يساري معارض) نبيلة منيب، إن "بلادنا بحاجة إلى إستراتيجية وطنية متكاملة وشجاعة لمحاربة الفساد".

وفي 24 يناير 2024، اعتبرت منيب، في تصريح مصور لقناة "مدار 21" على يوتيوب، أن وصول الفساد إلى المؤسسة التشريعية والمؤسسات المنتخبة أمر غير مقبول.

وسجلت القيادية اليسارية، أن "العديد من الناس وصلوا لمؤسسات منتخبة وبددوا أموالا عمومية واستغلوا مناصبهم ونفوذهم للوصول للبرلمان". 

وأوضحت أن "أزيد من 26 برلمانيا يتابعون اليوم في قضايا كثيرة"، مؤكدة أن "هذه وصمة عار ولا يمكن أن يُقبل في مؤسسة من المفروض فيها أن تكون عمودا فقريا في بناء دولة الحق والقانون وبناء المغرب الديمقراطي".

وبعد أن طالبت بمحاكمة عادلة للمتابعين، شددت على ضرورة أن "يوازي الحكم الجرم"، معتبرة أنه لا يعقل أن بعض المنتخبين اختلسوا الملايير، لكن تم الحكم عليهم بسنة غير نافذة و10 آلاف درهم (ألف دولار)، فهذا الحكم "تشجيع على السرقة"، حسب تعبير منيب. 

ولمواجهة وصول الفاسدين للمؤسسات المنتخبة، طالبت منيب، بإصلاح القوانين الانتخابية، مضيفة أنه لا يمكن أن نسمح غدا بترشح مرشحين "أميين" (لا يجيدون القراء والكتابة).

وتابعت أنه لا يمكن أيضا أن "نسمح بترشح ناس يعتبرون السياسة مرتعا للفساد والنهب والإفلات من العقاب، ولا يمكن أن نسمع أن برلمانيا لا يؤدي الضرائب أو سرق أموالا عمومية ومازال يتواجد بالبرلمان".  

كما طالبت منيب، بإصلاح قوانين الأحزاب للدفع بهذه الهيئات لتكون مستقلة بقراراتها وأن يكون التباري والتنافس حول المشاريع المجتمعية لهذه الأحزاب، مؤكدة أنه "لا يمكن أن نبقى نصنع أحزابا وندفع بها".

وأردفت أن هذه الأحزاب التي تُصنع يدخلها مثل هؤلاء الناس المتابعين -الذي يعتبرون المغرب "بقرة حلوب"- من أجل الاستفادة والاغتناء عبر تسخير مؤسسات الدولة لصالحهم ولصالح عائلاتهم. 

وخلصت منيب، إلى ضرورة حجز جميع أموال وممتلكات المتابعين بتهم اختلاس أموال عمومية، وأن يعيدوا كافة الأموال المسروقة إلى خزينة الدولة ثم بعد ذلك ينالوا العقاب المناسب. 

أما القيادي بحزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، فيرى أنه "لا حل سوى قطع وابتعاد الدولة عن الأساليب البائدة في التحكم، بما فيها التدبير بالفساد والمفسدين بغرض قتل السياسة وإنهاك الأحزاب".

ودعا أفتاتي، في حديثه لـ"الاستقلال"، إلى "التوجه الحقيقي وبدون تردد إلى إنجاز انتقال ديمقراطي فعلي والقبول بحكم الشعب والتجسيد الفعلي للملكية البرلمانية وحكم المؤسسات والقضاء على الفساد".