بشار الأسد نموذجا.. لماذا يسقط طغاة الشرق الأوسط واحدا تلو الآخر؟

"مع مرور الوقت تبدأ الطبقة الوسطى في تشكيل تهديد على استقرار النظام الديكتاتوري"
مع تواصل التفاعل في وسائل الإعلام الإيرانية مع سقوط حليف نظام الملالي، رئيس النظام السوري بشار الأسد، أجرى موقع "أرمان ملي" حوارا مع المحلل السياسي غلام علي دهقان، استعرض فيه أهم الأسباب التي أدت لسقوط حكم الأسد.
حيث يقف دهقان على أهم العوامل السياسية والاقتصادية التي أدت لسقوط عدد من الأنظمة الحاكمة في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أثر تنامي الطبقة الوسطى في المجتمع على سقوط تلك الأنظمة.
وتناول التقرير الحديث عن مستقبل سوريا؛ حيث تتعدد الاحتمالات على كل الاتجاهات، فبين الجنوح نحو الحكم العلماني أو الحكم الإسلامي "المتشدد"، أو بين اتباع نهج العراق أو نهج تركيا، تبقى الأمور غامضة.
كما تطرق الموقع كذلك، للحديث عن أثر سقوط الأسد، على ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، واحتمال تعرضه للضغوط والتحديات بشكل أكبر من الماضي.

عوامل مشتركة
يرى التقرير أن "هناك عوامل كثيرة، لكن مشتركة، تجمع كل الأنظمة التي سقطت خلال نصف قرن في الشرق الأوسط".
فالذي أدى لسقوط محمد رضا بهلوي في إيران، وصدام حسين في العراق، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وآخرهم صباح 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بشار الأسد في سوريا، هو غياب المشاركة السياسية للشعب بالمعنى الحرفي.
بقول آخر، لم يكن هؤلاء القادة يهتمون بعملية التنمية السياسية. ففي هذه البلدان، إذا وُجدت مشاركة، تكون مجرد مشاركة شكلية ومصطنعة.
وهذا الأمر بدوره يعرض بقاء النظام للخطر، فيقول التقرير: "وعندما تغيب التنمية السياسية ويُحرم الناس من دورهم في رسم سياسات بلادهم، فمن الطبيعي ألا يهبوا للدفاع عن النظام السياسي في الأوقات الحاسمة والمصيرية".
ولا شك أن شخصنة السلطة والابتعاد عن عامة الشعب يؤدي إلى زعزعة الأساس السياسي للدولة ويجعله هشا، بحيث تكفي عاصفة قوية لتدمير كل شيء، وهو ما حدث في تلك البلدان".
ولتجنب مثل هذه السيناريوهات، يعتقد الموقع أنه "يجب دائما إبقاء قنوات مشاركة الناس في السياسة مفتوحة، بدلا من إغلاقها بحجج وذرائع مختلفة".
كما أن إدراج نظام الانتخابات في دساتير الدول بمختلف أشكاله، بالإضافة إلى إشراك النخب ذات التوجهات المتنوعة، من شأنه أن يثري التنمية السياسية ويعزز النظام السياسي".
ومن أسباب السقوط الأخرى التي يراها التقرير، "تبني هؤلاء القادة نهجا أمنيا في إدارة البلاد، واعتمادهم على الإيرادات الناتجة عن اقتصاد ريعي، مما جعل الجماهير تعيش في حالة من الهدوء الزائف بعيدا عن عالم السياسة".

اقتصاد ريعي
ويفصل التقرير في شرح كيف أسهم الاقتصاد الريعي الذي تبنته بعض الدول، في سقوط أنظمة الحكم بها.
وفي هذا السياق، يوضح أن "الدولة الريعية هي الدولة التي تعتمد على أكثر من أربعين بالمئة من دخلها، على تصدير سلعة واحدة".
ويطبق التقرير ذلك النموذج على عدة دول شهدت سقوط حكامها، فيقول "كان اقتصاد إيران في عهد بهلوي الثاني، واقتصاد العراق في زمن صدام حسين، واقتصاد ليبيا في عهد القذافي، جميعها اقتصادات ريعية".
وعن حكومة بشار، قال: "أما حكومة الأسد، فقد كانت أوضاعها جيدة قبل عام 2011 بفضل صناعة السياحة، لكنها واجهت أزمات اقتصادية بعد الربيع العربي".
ويوضح التقرير العلاقة بين نموذج الاقتصاد الريعي وسقوط الأنظمة قائلا: "بشكل عام، لا تولي الدول الريعية اهتماما بالتنمية السياسية".
ويتابع: "ومن المعروف أن الدول الريعية تمنح المال والمزايا مقابل الاحتفاظ بالسلطة، على عكس الدول المتقدمة التي تجمع الضرائب وتمنح المجتمع قوة وتأثيرا".
وأضاف: "عندما تنشأ الدولة الريعية، تصبح المجتمعات معتمدة على الدولة، ولا ترى الحكومات حاجة إلى مشاركة حقيقية للنخب السياسية أو الطبقة الوسطى".
مع ذلك، يوضح التقرير أنه "مع مرور الوقت، يبدأ المجتمع، وتحديدا الطبقة الوسطى، في تشكيل تهديد على استقرار النظام".
حيث يرى أنه "مع نمو الطبقة الوسطى في هذه الدول، تبدأ بالمطالبة بدور فاعل في السلطة، إلا أن النهج الأمني وشخصنة السلطة يحول دون تحقيق ذلك، وهو ما يفسر ترحيب سكان المدن الكبرى بسقوط النظام في هذه الدول".
ويكمل قائلا: "عامل آخر مهم في سقوط هذه الأنظمة، ألا وهو غياب طبقة اجتماعية داعمة للحكومة، فالدول النامية تحتاج إلى دعم جزء من المجتمع لعبور مرحلة الانتقال نحو التنمية الشاملة".
لكن الواقع يشير إلى أنه "لم تنشأ في هذه الدول أي طبقة داعمة تقف إلى جانب الحكومة في الأوقات العصيبة، مما أدى إلى انهيار كل شيء بين ليلة وضحاها عند أول عاصفة سياسية"، وفقا للتقرير.

مستقبل غامض
وعن أسباب الانهيار السريع لنظام الأسد، رأى التقرير أن "الأوضاع في سوريا كانت قد خرجت عن سيطرة النظام الحاكم، وسرعان ما تمكن معارضو الأسد من فرض سيطرتهم على مجريات الأحداث".
فعلى أرض الواقع، "كانت الظروف تتجه نحو تقدم قوات المعارضة يوما بعد يوم باتجاه دمشق، وفي المقابل، بدا وكأنه ليس لدى الحلفاء الدوليين للأسد ولا مؤيديه في الداخل العزم الكافي لدعمه"، بحسب الموقع.
ويتساءل عن شكل المشهد السياسي المستقبلي لسوريا، فيقول: “هل سنشهد نوعا من (طالبانية) تتناسب مع الظروف الداخلية في سوريا؟ أم أن المعارضة ستتبنى النموذج التركي في الحكم، وهو النموذج الذي تدعمه تركيا بقوة حاليا؟”
ويُقصد بهذا النموذج التركي، من وجهة نظر التقرير، أنه "نموذج يحافظ على الطابع الاجتماعي العلماني لسوريا كما كان في عهد الأسد، ولكنه يتجه سياسيا نحو المنافسة السلمية بين مختلف التيارات السياسية، على غرار المنافسة بين الأحزاب في تركيا".
ومع ذلك، يعتقد أن "التحول السياسي لسوريا إلى نموذج مشابه لتركيا يبدو موضع شك، إذ إن الأتراك وصلوا إلى هذه المرحلة بعد عقود من حكم الجنرالات وأزمات متعددة".
في ذات الوقت، يحذر الموقع من أن "تعدد الجماعات والتيارات داخل سوريا، سيُدخل البلاد في فترة من الصراعات السياسية".
وبالنظر إلى شكل أنظمة الحكم السياسية في دول الجوار الأخرى، يتحدث الموقع عن احتمالية أن "تستمر سوريا اجتماعيا كدولة علمانية، نظرا لموقعها الجغرافي وتاريخها. فحاليا، تعد لبنان والأردن، وحتى مصر، دولا علمانية نسبيا".
على الجانب الآخر، يشير التقرير إلى النموذج العراقي، "حيث نجح إلى حد ما خلال العشرين سنة الماضية في اعتماد نظام فيدرالي".
لكن يشكك في نجاح ذلك النموذج، بسبب وجود جماعات تقترب أيديولوجيا من فكر تنظيم القاعدة، حيث قال: "إن وجود مجموعات قريبة من فكر القاعدة بين القوى المسيطرة على دمشق، يثير مخاوف من أن تكون مرحلة ما بعد الأسد شبيهة بحكم طالبان".