القبة الفولاذية.. منظومة تعزز الدفاع الجوي التركي عسكريا وإستراتيجيا

داود علي | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رحلة شاقة وطويلة قطعتها تركيا في مسار تطوير قدراتها العسكرية والدفاعية، منتقلة من التبعية الكاملة إلى الإنتاج، لتنجح في إحداث نقلة نوعية مهمة في إستراتيجيتها التسليحية معتمدة على التطوير المتسارع والتكنولوجيا المحلية.

واستطاعت تركيا أن تقف اليوم موقفا دفاعيا أكثر حزما واستقلالية، مما يعكس طموحاتها الجيوسياسية الواسعة في عالم متعدد الأقطاب. 

ماهية القبة

وفي سياق هذه التطورات، أعلنت اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية في اجتماعها برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان في 6 أغسطس/ آب 2024، عن مشروع “القبة الفولاذية”.

وقررت اللجنة تطوير مشروع “القبة الفولاذية”؛ لتعزيز أمن المجال الجوي التركي والقضاء على أي تهديدات جوية تواجهها بأسلحة وأنظمة طورتها شركات الصناعات الدفاعية الوطنية.

ويقوم مشروع "القبة الفولاذية" الدفاعي على ميكانيزم تعمل من خلاله جميع الأسلحة والمستشعرات وأنظمة الدفاع الجوي متعددة الطبقات في شبكة واحدة بشكل متكامل، معتمدة على الذكاء الصناعي.

وبالإضافة إلى أنظمة الأسلحة، فإن أنظمة الرادار والأنظمة الكهربائية الضوئية التي تقوم بالتتبع الدقيق وتحديد وتصنيف الهدف ستعمل أيضا ككل داخل القبة الفولاذية.

وستتمكن جميعا من رسم صورة جوية مشتركة وإرسالها بواسطة الذكاء الصناعي إلى مراكز العمليات واتخاذ القرار.

وكذلك سيتم تصميم "القبة الفولاذية" لتكون بمثابة "مظلة أمنية" تغطي المجال الجوي التركي بأكمله.

وسيتم تصميمها للرد على التهديدات الجوية التي تتراوح من "الارتفاعات المنخفضة جدا إلى الأعلى" ومن "المدى القصير جدا إلى المدى الطويل".

وهو ما سيجعلها القوة الأهم والأبرز في حراسة المجال الجوي التركي بأكمله.

الشركات الفاعلة 

وعلى صعيد شركات الصناعات الدفاعية التركية التي ستتولى هذا المشروع وتنفيذه، تأتي "أسيلسان" و"روكتسان" و"إم كي إي"، ومعهد دراسات وتطوير الصناعات الدفاعية التابع لهيئة الأبحاث العلمية والتكنولوجية (توبيتاك ساغا).

وجميع هذه الشركات يعمل على تنفيذ مشروع القبة "الفولاذية" الذي يوصف بأنه "نظام الأنظمة" كونه يجمع عدة أنظمة وأسلحة ذات ميزات وقوى مختلفة داخل إطار واحد.

وسيتم دمج الأنظمة المحلية التي طورتها هذه الشركات بعضها مع بعض باستخدام الذكاء الصناعي.

وبحسب تقرير وكالة "الأناضول" التركية في 9 أغسطس 2024، فستستخدم في المشروع أنظمة الدفاع الجوي التي طورتها شركة "أسيلسان" التركية للصناعات الدفاعية مثل "كوركوت" و"حصار –أ+" و"غوكدمير" و"غوكار" و"غوكبرك" و"سيبر"، و"حصار –أو+".

وكانت شركة "أسيلسان" الرائدة قد طورت نظام "كوركوت" لغرض الدفاع الجوي الفعال للوحدات الآلية بعناصر متحركة.

أما نظام الدفاع الجوي الصاروخي "حصار –أ+" فيستطيع القضاء على التهديدات الجوية على ارتفاعات منخفضة من أجل توفير الدفاع الجوي للقوات أثناء التحرك.

ثم يأتي نظام الإطلاق "غوكدمير" مع صواريخ جو-جو التي يتم تطويرها على المستوى المحلي، ليهدف إلى تعزيز أغراض الدفاع الجوي الأرضي.

وأنتجت الشركة أيضا نظام "غوكار" لتلبية احتياجات الدفاع الجوي والبري الحالية على ارتفاعات منخفضة للغاية، ليتم نشرها في المنشآت الثابتة والمناطق الحدودية.

أسلحة فائقة

وسيدخل في منظومة "القبة الفولاذية" كذلك نظام الأسلحة الليزرية المحمول "غوكبرك" من خلال دعم الرادار وأجهزة الاستشعار الكهروضوئية وأجهزة تشويش الرادار.

وأنتجت "أسيلسان" نظام صواريخ الدفاع الجوي متوسط ​​الارتفاع "حصار –أو+" لأداء مهمة الدفاع الجوي للقوات الثابتة والمنشآت الحيوية ضد الطائرات الحربية والمروحيات والمسيرات وصواريخ كروز وصواريخ جو-أرض.

كما ابتكرت نظام "سيبر" ليكون نظام دفاع جوي وصاروخي بعيد المدى.

ثم تأتي شركة "روكتسان" الوطنية، لتسهم في "القبة الفولاذية" بنظام أسلحة الطاقة الموجهة "ألكا" الذي يستطيع باستخدام نظام ليزر تحييد أسراب المسيرات الصغيرة والصغيرة جدا في نطاق آمن.

كذلك ستقدم نظام الدفاع الجوي المحمول "برج" وهو من أنظمة الجيل الجديد التي تجمع بين الديناميكيات المطلوبة للاشتباك ضد جميع التهديدات الجوية الحالية والمستقبلية في ساحة المعركة من خلال أجهزة الاستشعار النشطة والخاملة.

ومن خلال تلك الشركة، سيستخدم نظام صواريخ الدفاع الجوي "سونغور" لاستخدامه في الدفاع الجوي قصير المدى للوحدات والمرافق المتنقلة والثابتة في ساحة القتال والمناطق الخلفية.

وأيضا نظام الدفاع الصاروخي قريب المدى "لفنت" لحماية الوحدات والمركبات البحرية ضد الطائرات والمروحيات والمسيرات المسلحة والأخرى المستخدمة لأغراض المراقبة، والصواريخ الموجهة، والتي يمكنها التحليق قرب السطح أو على ارتفاعات عالية بسرعة أقل أو أكثر من سرعة الصوت في نطاق راداري منخفض.

وجدير بالذكر أنه تم تطوير نظام "لفنت" من قبل ليكون مضادا للهجمات الإلكترونية.

وتأتي صواريخ نظام الدفاع الجوي "حصار" التي ستسهم في حماية القواعد والموانئ والمرافق والوحدات العسكرية من التهديدات الجوية مثل الطائرات والمسيرات ذات الأجنحة الثابتة والدوارة وصواريخ كروز وصواريخ جو- أرض.

ومن الأنظمة الفائقة داخل "القبة الفولاذية" نظام الدفاع الجوي والصاروخي بعيد المدى “سيبر”، وهو نظام يهدف لتحييد الأهداف المتنفسة للهواء، أي "ذات محركات تتطلب الهواء لاحتراق الوقود"، مثل صواريخ كروز والهجمات بقذائف جو أرض، ومع مداه الطويل سيلعب دورا قويا في الردع الاستباقي.

“توبيتاك ساغا”

من المؤسسات التي ستدخل في تعزيز منظومة "القبة الفولاذية"، معهد دراسات وتطوير الصناعات الدفاعية التابع لهيئة الأبحاث العلمية والتكنولوجية التركية "توبيتاك ساغا".

وسيشارك المعهد في "القبة الفولاذية" بصواريخ "غوكدوغان" و"بوزدوغان" التي يصنعها.

كما سيقدم أيضا حزمة الأنظمة الإلكترونية مثل نظام تحديد المواقع العالمي "كاشف" ذي الميزات العسكرية وهوائي "كي كي أس" وكلاهما يلعب دورا نشطا في الدفاع عن سماء تركيا.

ومن خلال المعهد ستلبي شركة "أم كي إي" للصناعات الميكانيكية والكيماوية التابعة له، احتياجات القوات المسلحة التركية المشاركة في "القبة الفولاذية"، بجميع أنواع الأسلحة والذخيرة والصواريخ والمركبات.

بنية متكاملة

وعن منظومة “القبة الفولاذية”، تحدث مدير مركز أبحاث الاقتصاد والسياسة الخارجية التركية (EDAM)، سنان أولغن،  لصحيفة "بي بي سي" البريطانية في 8 أغسطس 2024، 

وقال أولغن: "يجب أن يُنظر إلى هذه الخطة، التي تم الإعلان عنها في الاجتماع الأخير، على أنها عقيدة وليست مشروعا واحدا فقط".

وأضاف أن "القبة الفولاذية تمثل في الواقع بنية متكاملة تشكل عقيدة الدفاع الجوي والصاروخي طويلة المدى لتركيا، ومع هذا البعد، ستكون أيضا بمثابة دليل إرشادي لتعميق الاستثمارات في صناعة الدفاع".

ولفت أولغن إلى أن "صناعة الدفاع المحلية في تركيا تتمتع بالكفاءة اللازمة لتحقيق مثل هذا المشروع العظيم".

ثم عقب: "قبل خمس سنوات، لم تكن هذه القدرات موجودة، لكن حاليا هناك أنظمة محلية لأنظمة جوية ودفاعية منخفضة ومتوسطة الارتفاع، وهناك طائرات بدون طيار، وهناك أقمار صناعية تمتلكها تركيا".

واستطرد: "لذلك وفرت هذه البنية الأكثر تكاملا الفرصة لتركيا لإنشاء العديد من الأنظمة، مثل القبة الفولاذية".

وخلال تقييمه العام للمشروع، قال أولغن إن "اسم المنظومة التركية يشبه إلى حد ما (القبة الحديدية الإسرائيلية)، ومن المعروف أن إسرائيل (دولة الاحتلال)، هي إحدى الدول التي تنفذ هذا المفهوم بشكل أفضل في العالم".

وأكمل: "بالنظر إلى المرحلة التي وصلت إليها تقنيات الحرب، وخاصة التوتر الإسرائيلي الإيراني في الشرق الأوسط، فقد زادت أهمية الدفاع الصاروخي والجوي، لأننا نرى أن هناك كثافة كبيرة في الهجمات الجوية والصاروخية في الحروب قصيرة المدى".

قلق اليونان 

وفي 8 أغسطس 2024، نشرت "وكالة أنباء تركيا" الخاصة تقريرها الذي تحدثت فيه عن أن منظومة الدفاع الجوي التركية الجديدة "القبة الفولاذية"، التي تم الكشف عنها أثارت اهتماما كبيرا في وسائل الإعلام اليونانية.

وذكرت أن "الصحف والقنوات التلفزيونية اليونانية الرئيسة، تناولت هذا النظام بالتفصيل، مسلطة الضوء على قدراته المتقدمة وتأثيره المحتمل على التوازن الإقليمي".

وأضافت أن "مصادر إعلامية يونانية وصفت قدرات القبة الفولاذية، أنها متطورة لدرجة أنه لن يطير طائر في سماء تركيا دون رصده، ما يشير إلى مستوى عال من الحماية للمجال الجوي التركي".

أزمة "إس 400"

ومع اعتماد منظومة "القبة الفولاذية" محلية الصنع، فإن تركيا ستصبح أكثر استقلالية فيما يتعلق بحماية أمنها القومي، عبر الدفاعات الجوية. 

وهو ما يذكر بأزمات عاشتها أنقرة من قبل بسبب خطوات كهذه، منها أزمة شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس 400" التي أغضبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وبلغ الأمر في 14 يوليو/ تموز 2019، أن قامت إدارة الرئيس الأميركي (آنذاك) دونالد ترامب، بفرض مجموعة من العقوبات ضد تركيا ردا على شرائها نظام "إس 400".

ومنها أن قامت إدارة البيت الأبيض بإنهاء برنامج تدريب الطيارين الأتراك الذين يتدربون في الولايات المتحدة.

وفي 10 مارس/ آذار 2020، قالت صحيفة “ستار” التركية إن "رد واشنطن السلبي تجاه طلب أنقرة شراء أنظمة الدفاع الجوي (باتريوت) دفع تركيا لشراء صواريخ إس 400 الروسية، الأمر الذي أثار حفيظة واشنطن وجعلها تهدد تركيا".

وتناولت الصحيفة أسباب إرادة الدولة التركية الحصول على أنظمة دفاع جوي متطورة ورادعة، حيث قالت إن "تركيا تقع تحت تهديد الصواريخ البالستية، ولذلك طلبت نظاما للدفاع الجوي من حلف الناتو، وفي العام 2013 نصبت أنظمة صواريخ من طراز (سام بي-تي) في كل من أضنة وكهرمان مرعش".

واستدركت الصحيفة: "لكن هذا الحل من وجهة نظر تركيا كان مؤقتا، وهي تريد حلا دائما وإستراتيجيا، لذا فإن نصب صواريخ الناتو في هاتين المدينتين لم يقنع أنقرة كثيرا".

ولفتت إلى أنه "نظرا لتلك العراقيل، جاءت الفكرة في بدء العمل بإنتاج وتطوير نظام دفاع جوي، بحيث لا يمكن أن يكون القرار التركي رهين قرار بلد آخر". 

وبعد سنوات جاء قرار تدشين منظومة "القبة الفولاذية" محلية الصنع، ليحدث طفرة في منظومة الأمن القومي التركي، ويجعلها متميزة عن التجاذبات الشرقية والغربية، وأقدر على حماية أمنها بنفسها.