أكبر الخاسرين.. ما علاقة الإمارات بالمعارك المتصاعدة في الكونغو الديمقراطية؟

"الإستراتيجية الإماراتية الطموحة في إفريقيا تمر عبر الكونغو الديمقراطية"
أعربت دولة الإمارات في 29 يناير/ كانون الثاني 2025، عن قلقها الشديد حيال التطورات التي تشهدها جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودعت إلى "إحلال السلام واستعادة الاستقرار".
وأرجع معهد "الدراسات السياسية الدولية" الإيطالي هذا القلق إلى أن الإمارات هي أكبر مستثمر بالكونغو الديمقراطية، ولديها حاليا مخاوف جدية بشأن القتال المستمر بين قوات الجيش ومتمردي حركة 23 مارس/ آذار، المدعومين من رواندا.
وفي الأيام الأخيرة تمكنت هذه الحركة المسلحة من تعزيز سيطرتها على غوما، أكبر مدينة في شرقي الكونغو الديمقراطية، وعاصمة إقليم "شمال كيفو" الذي يضم مناجم الذهب والمعادن الثمينة.
ويرى المعهد أن الإمارات ستكون أكبر الخاسرين من المواجهات المسلحة في هذه الدولة الإفريقية؛ حيث إن التصعيد يهدد إستراتيجيتها الاقتصادية والجيوسياسية في إفريقيا.
وهذا لأن كينشاسا تشكل، بحسب تعبيره، "إحدى ركائز إستراتيجية أبو ظبي في إفريقيا، والتي تتميز باتفاقيات في مجال البنية التحتية والتعدين والدفاع".
وهي أيضا ثاني أكبر دائني هذا البلد بعد الصين التي تستحوذ على استخراج معدن الكوبالت.
يذكر أن أبو ظبي تستورد المعادن المعالجة من الكونغو الديمقراطية، ومنذ عام 2022 وقعت اتفاقيات لاستكشاف واستيراد الذهب والمعادن من المناجم التي تقع في شرق الكونغو، مسرح التوترات الحالية.
وأشار المعهد إلى أن قوات الجيش الكونغولية تسلحت منذ بداية عام 2024 بمدرعات إماراتية الصنع لحماية مدينة غوما، التي باتت تحت سيطرة متمردي حركة 23 مارس.
وعلى غرار ما حدث في صراع إقليم تيغراي الأثيوبي في 2020-2022، قال: إن على أبو ظبي أن "تتعامل مع الاستقرار الهش للحكومات التي تدعمها في مواجهة انتشار الجماعات المسلحة والصراع الداخلي على الموارد، في سياق يعرض استثماراتها للخطر".

الموانئ والمعادن
وفي مطلع تقريره، أشار المعهد الإيطالي إلى أنه خلال الفترة من 2017-2022، ارتفع حجم التجارة بين البلدين بنسبة تزيد عن 30 بالمئة سنويا. وفي عام 2022، بلغت واردات أبوظبي من كينشاسا 1.3 مليار دولار، معظمها من النحاس المعالج، والماس وأكسيد الكوبالت.
وأضاف أن البلد الإفريقي يقع في مركز منطقة يشهد فيها الوجود الاقتصادي والإستراتيجي لدولة الإمارات نموا سريعا، يشمل أنغولا، زامبيا، تنزانيا وموزمبيق.
وأشار إلى أن "التغلغل الجيوسياسي لأبو ظبي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كان في البداية يتعلق بالساحل الشرقي المطل على المحيط الهندي في ارتباط بالوجود الإماراتي في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر والتجارة مع آسيا".
ولاحقا، ركزت الإمارات على الساحل الأطلسي للقارة، "نقطة الانطلاق الإستراتيجية نحو أميركا اللاتينية، التي تمثل الحدود الجديدة للعلاقات الاقتصادية-الطاقية لأبوظبي".
ففي عام 2018، فازت شركة موانئ دبي العالمية بامتياز مدته 30 عاما لتطوير ميناء بنانا بالمياه العميقة المطل على المحيط الأطلسي وإدارته من خلال مشروع مشترك مع الحكومة الكونغولية.
وفي عام 2022، وقعت جمهورية الكونغو الديمقراطية عقدا مدته 25 عاما في ديسمبر مع شركة "بريميرا جروب" الإماراتية بشأن حقوق تصدير بعض الخامات المستخرجة يدويا.
وبموجب الاتفاق، حصلت مجموعة بريميرا الإماراتية على حصة الأغلبية في مشروعين مشتركين هما "بريميرا غولد" و"بريميرا ميتالز"، وبالتالي الحصول على تصدير الذهب والكوبالت والقصدير والكولومبيت-تانتاليت (الكولتان) والتنتالوم والتنجستن بأسعار تفضيلية.
وفي يوليو من عام 2023، وقعت الإمارات صفقة بقيمة 1.9 مليار دولار مع شركة تعدين حكومية في نفس الدولة الإفريقية؛ لتطوير 4 مناجم على الأقل في مقاطعتي كيفو الجنوبية ومانييما.
وتدرس الدولة الخليجية من خلال شركة "العالمية القابضة" للأمير طحنون بن زايد آل نهيان (مستشار وشقيق الرئيس محمد بن زايد)، الاستحواذ على حصة في شركة "ألفامين ريسورسز كورب"، التي تدير مناجم القصدير في شمال كيفو.

صفقات مشبوهة
كما أشار المعهد الإيطالي إلى أن صفقة الذهب لم تسرِ على ما يرام، في إشارة إلى شراء حكومة الكونغو الديمقراطية الأسهم الإماراتية في شركة بريميرا غولد في عام 2024.
وفي عام 2023، باع المشروع المشترك 5 أطنان من الذهب إلا أن الصادرات انهارت بعد ذلك بنسبة تزيد عن 50 بالمئة.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن العقد المبرم بين مجموعة بريميرا وحكومة كينشاسا قد خلق "احتكارا فعليا" لتصدير الذهب من المناجم الحرفية، فضلا عن استمرار الشكوك حول مصدر بعض الذهب المتداول.
ومن المنظور الإماراتي، هدفت تجربة "بريميرا غولد"، بحسب المعهد، إلى "تحسين صورة الإمارات في سوق الذهب، لا سيما بعد أن دخلت أبو ظبي قطاع الموارد المعدنية بإصرار كبير، خاصة في إفريقيا وفي أميركا اللاتينية وآسيا."
وأشار إلى أن معظم الذهب الذي يتم تصديره بصورة غير مشروعة من إفريقيا يصل إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث تتم معالجته وإعادة بيعه.
ولفت إلى إعلان أبو ظبي في عام 2023 عن واردات من الذهب بقيمة 885 مليون دولار من رواندا وهو ما يمثل قفزة بنسبة 75 بالمئة مقارنة بمتوسط السنوات الخمس السابقة.
ولاحظ أن رواندا، التي تدعم المتمردين في الكونغو الديمقراطية، ليست منتجا كبيرا للذهب الذي غالبا ما يتم تصديره بشكل غير قانوني، على غرار المعادن، من شرق الكونغو عبر الأراضي الرواندية.
ويعد الذهب السلعة المصدّرة الأولى من رواندا إلى الدولة الخليجية التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية جيدة مع كيغالي.

دعم الجيش الكونغولي
وفي هذا السياق، أردف المعهد الإيطالي أن الاستثمارات الإماراتية في البنية التحتية والمواد الخام تترافق مع اتفاقيات في قطاع الدفاع كما هو الحال في العديد من البلدان الإفريقية الأخرى.
وفي هذا الصدد، يشير إلى إعلان دولة الإمارات في عام 2021 عن حزمة استثمارية في الكونغو الديمقراطية، تضمنت صفقة تسليم ثلاثين مركبة مدرعة للقوات المسلحة.
وخلال اللقاء بين رئيسي الدولتين، أبدت الدولة الخليجية، بحسب الرئاسة الكونغولية، “إرادة قوية لمساعدة الكونغو الديمقراطية في مكافحة الإرهاب في شرق البلاد”.
وفي يوليو/ تموز 2023، أكد الحرس الجمهوري الكونغولي استخدام مركبات مدرعة إماراتية الصنع من طراز Calidus MCAV-20، ونشرها في شوارع كينشاسا.
ومنذ فبراير/شباط 2024، تستخدم القوات المسلحة نفس المدرعات في حربها ضد المتمردين في مدينة غوما، مسرح المواجهات في الآونة الأخيرة.
وبذلك، خلص المعهد الإيطالي إلى أن لدى الإمارات "العديد من الأسباب لتتابع بقلق خاص المواجهات التي تزعزع استقرار الكونغو الديمقراطية؛ لأن الإستراتيجية الإماراتية الطموحة في إفريقيا تمر عبر هذا البلد".