باحث بالشأن الإفريقي: ما يحدث بالسودان وإثيوبيا وراء تطوير أميركا علاقتها مع إريتريا (خاص)

عمرو حبيب | منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رأى الباحث المختص بالشأن الإفريقي “عبد القادر محمد علي”، أن نظام أسياس أفورقي في إريتريا مازال يوظف سياسيا التراث النضالي للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، لتثبيت أقدامه في الحكم بوصفه ممثلا ثوريا للشعب.

وأضاف علي في حوار مع "الاستقلال" أنه رغم ذلك، توجد عوامل عديدة تجعل وتيرة المطالبة بالتغيير في تصاعد داخل إريتريا، لا سيما مع انتهاء الحرب مع إثيوبيا والتي كانت ذريعة للنظام لسيطرته على الشأن السياسي بالبلاد. 

علي لفت أيضا إلى وجود عوامل عديدة جعلت الولايات المتحدة تنتقل أخيرا في شكل علاقتها بإريتريا من مرحلة العداء إلى الاحتواء، على خلفية الحروب الداخلية التي تهدد كلا من إثيوبيا والسودان، فضلا عن نشاط حركة الشباب في الصومال.

ومنذ نيلها استقلالها عن إثيوبيا في مايو/أيار 1993، تعيش إريتريا حكم الحزب الواحد (الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة) بقيادة أفورقي مع عدم السماح بنشاط أي حزب آخر داخل البلاد، كما يجرى اعتقال المعارضين، بمن فيهم قيادات سابقة في الحزب الحاكم.

وعبد القادر محمد علي (46 عاما) محلل سياسي مختص بشؤون القرن الإفريقي ينشر تحليلاته بشكل دوري في مراكز دراسات ومواقع متنوعة.

واقع معقد

  • كيف يتعامل النظام في إريتريا مع الدعوات المستمرة للتغيير؟ هل سينجح في إعادة إنتاج نفسه أم سيستسلم للمطالبات الشعبية؟

دعوات التغيير في المرحلة الحالية تتصاعد بالطبع نتيجة لعدد من العوامل أهمها انتهاء الخطر الذي كان يتعذر به النظام الإريتري لتجميد الحياة السياسية بشكل كامل في البلاد.

فعلى إثر حرب 1998- 2000 وتداعياتها جمد النظام الحاكم في البلاد كل مظاهر الحياة الدستورية وتم تغييبب دور المؤسسات الرقابية والتشريعية لصالح حالة من الطوارئ الممتدة، بحجة استهداف إثيوبيا سيادة إريتريا واستقلالها وحالة اللا حرب واللا سلم بين البلدين.

لكن مع توقيع اتفاق السلام بين البلدين عام 2018 تزايدت الآمال باقتراب إجراء إصلاحات أو تغييرات داخل إريتريا وهو  ما لم يحدث تحت التهديد بخطر الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.

والآن بعد حرب تيغراي وتصفية القوة العسكرية للجبهة، يبدو من المنطقي المطالبة بالإصلاح أو التغيير لا سيما أن ذلك ترافق مع تفكك الحصار الدولي على أسمرة والاعتراف الظاهر أو الضمني بدورها في الإقليم، وهي معضلة يجد النظام الحاكم نفسه في مواجهتها 

وربما تمنحه مطالبات إثيوبيا بميناء سيادي على البحر الأحمر وحالة التوتر بينها وبين أسمرة ذريعة جديدة لمحاولة إطالة أمد الحالة غير الطبيعية في البلاد.

إذ تنظر الأنظمة السلطوية من هذا النوع إلى أي تغيير أو إصلاح بصفته تنازلا لا يجرى إلا بضغط لا يجد النظام نفسه في مواجهته حتى الآن، فلا المعارضة ولا القوى الخارجية قادرة على الضغط عليه بشكل جدي لاتخاذ خطوة في هذا الاتجاه.

كما أن السنوات المتتالية أنشأت مراكز قوى وشبكات مستفيدة من الأوضاع الحالية ولن تخدم أي تغييرات مصالحها وهو ما يزيد من التعقيدات أمام أي تفاؤل بحدوث إصلاحات حقيقية في البلاد، وأقصى ما يمكن توقعه هو إجراءات شكلية لا تمس جوهر القضايا والمطالبات الشعبية.

  • النظام يروج لنفسه على أنه امتداد للتراث النضالي للجبهة الشعبية.. ما العلاقة بين مبادئ الطرفين؟ أم أن الأمر مجرد توظيف سياسي؟

الحقيقة أن هناك حالة من التوظيف السياسي للتراث النضالي للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا والتركيز المستمر إعلاميا على مرحلة الكفاح المسلح وذلك لاصطياد مجموعة من العصافير.

أهمها استمرار التمسك بـ "الشرعية الثورية" بوصفها التنظيم الذي حرر البلاد من الاستعمار للتعويض عن التغييب الكامل للشرعية الدستورية التي كان يفترض أن تنبثق عن الدستور الذي أقر عام 1997.

من جانب آخر محاولة التركيز المستمر على الماضي تعمل على التذكير المستمر بالإنجاز الأكبر للحزب الحاكم وتغييب النقاش الجدي عن الأوضاع الحالية وأسر الجميع في حالة من الماضوية والسرديات الوطنية التي تؤكد على التهديدات المتعلقة بسيادة البلاد واستقلالها وصرف النظر عن تحديات دولة ما بعد الاستقلال.

حتى على مستوى الوثائق والأدبيات فقد أقر البرنامج السياسي الصادر بعد المؤتمر الثاني للجبهة عام 1987 كفالة الحقوق الديمقراطية للشعب؛ والتي تتمثل في حرية الرأي وحرية الصحافة والنشر، وحرية الاجتماع والتظاهر والعقيدة، والسماح بتكوين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، فأين الأوضاع في إريتريا من كل هذا الآن!

ممارسات النظام

  • كيف ترى تدخلات النظام الإريتري في شؤون دول الجوار وتأثيراتها على الولاءات في الداخل؟

المعلومات الصادرة من داخل إريتريا شحيحة وبالنظر إلى المركزية الشديدة للسلطة في يد الرئيس أسياس أفورقي فإنه ليس من السهل الوصول إلى معلومات حول تأثير التدخلات الخارجية لأسمرة في الولاءات داخل المنظومة الحاكمة.

لكن المعلومات المتوافرة أن هناك قدرا من التفاوت في النظر إلى هذه التدخلات وجدواها وانعكاساتها على البلاد.

وبالنظر إلى التجربة التاريخية فلعل أكبر تحد واجهه الرئيس أفورقي كان عقب حرب 1998-2001 مع معارضة قيادات بارزة في الدولة والحزب لكيفية إدارة الحرب ورفعهم مطالب متعلقة بمنهجية إدارة الدولة ما أدى إلى تغييبهم في المعتقلات منذ ذلك الحين. 

إذ عُدّ ذلك شكلا من أشكال تغيير الولاءات، ولا شك أنه قد يقع العديد من الأنشطة في هذا المسار لكن التكتم الشديد والقبضة الأمنية الحديدية يحولان دون التعرف إلى ذلك على وجه الدقة.

  • ما موقف النظام من الصراعات الإقليمية لا سيما في إثيوبيا والسودان؟

 أسمرة كانت طرفا رئيسا وفاعلا مع الرئيس الإثيوبي آبي أحمد في حرب التيغراي، وأدت صفقة بريتوريا (جنوب إفريقيا) بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الإثيوبية إلى توتر العلاقات الإريترية الإثيوبية، حيث عدها الرئيس الإرتري صفقة أميركية.

وهناك العديد من التقارير التي تشير بناء على ذلك إلى تورط إريتري في دعم حركات الأمهرة المتمردة على الحكومة الإثيوبية وعلى رأسها الفانو.

وبالنسبة للحرب السودانية فأسمرة تقف عمليا إلى جانب الجيش السوداني، وتستضيف وتدرب على أراضيها مجموعات مسلحة سودانية داعمة له.

وهذه المواقف متوقعة من النظام في إريتريا حيث تنسجم مع طبيعة علاقاته مع تلك الأطراف.

من العداء إلى الاحتواء

  • على مستوى العلاقات الأميركية الإريترية.. كيف ترى واقعها الآن في ظل التقلبات في المنطقة عموما؟

تبدو إريتريا ضمن حالة السيولة الأمنية التي تعمّ القرن الإفريقي الكبير أشبه ما تكون بجزيرة وحيدة مستقرة، وسط حروب داخلية تهدد كلا من إثيوبيا والسودان بالتفتت والانهيار.

يضاف إلى ذلك تصاعد ملحوظ لنشاط حركة الشباب في الصومال في السنوات الأخيرة، حوّلها من خطر محلي إلى مهدد إقليمي، كما تشهد المنطقة توترا غير مسبوق بين إثيوبيا والصومال، منذرا بانفجار صراع عسكري بين الطرفين.

هذا الواقع يدعو الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في مقاربتها تجاه أسمرة، حيث لم تفلح سياسة العصا الغليظة والعقوبات في الضغط على إريتريا.

إذ إن إريتريا تمتلك العديد من الأوراق المؤثرة في ساحات الإقليم الملتهبة، ما ظهر في أجلى صوره ضمن مشاركتها الحاسمة في حرب التيغراي بإثيوبيا.

  • ما إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه إريتريا؟ وما مدى قبولها من طرف أسمرة؟

إستراتيجية الولايات المتحدة المحدّثة تقوم على محاولة الاحتواء ضمن ترتيبات إقليمية أميركية جديدة في تلك المنطقة.

وهو ما دفع إريتريا لاتخاذ خطوات عدة عام 2023، كتطوير علاقاتها بكينيا التي تمثّل أحد أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، وكذلك قرارها بالعودة إلى منظمة "إيغاد" بعد أن علَّقت عضويتها فيها منذ 2007.

وضمن توجهها الجديد، تضع واشنطن على رأس أهدافها دعم السلام والأمن الإقليميين، بما يتضمنه من تشجيع إريتريا على دعم المبادرات العالمية ذات القواسم المشتركة مع الولايات المتحدة، وتعزيز الدعم الإيجابي للحكومة الإريترية لمبادرات السلام والأمن التي تقودها المنطقة.

وظهور هذه الإستراتيجية الأميركية الجديدة قابله صمت إريتري رسمي مطبق، في حين رحبت حسابات الموالين للنظام الإريتري بها كونها انتصارا للسياسة التي اتبعها.

وبشكل عام يبدو نجاح هذه الإستراتيجية في إخراج البلدَين من مربع العداء مرهونا بقدرتهما على تجسير هُوّة عدم الثقة، وهو ما لا يبدو مهمة سهلة بالنظر إلى الصبغة العدائية، التي وسمت علاقاتهما طوال مدة تزيد على العقدين.