مهارة عالية.. كيف استطاعت قطر تعزيز صورتها كوسيط موثوق في الشرق الأوسط؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أكدت قطر مجددا موقعها كوسيط مفتاح في منطقة الشرق الأوسط بدورها في التوصل إلى اتفاق هدنة بين حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" والاحتلال الإسرائيلي.

وانطلقت الهدنة الإنسانية لمدة أربعة أيام في البداية في 24  نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بهدف تسهيل تبادل الأسرى، وذلك قبل تمديدها لأيام إضافية.

وتهدف فترة الهدنة هذه أيضا إلى تسهيل دخول القوافل الإنسانية وإمدادات الطوارئ إلى غزة بعد حرب مدمرة شنتها إسرائيل على القطاع أسفرت عن عشرات الآلاف من الشهداء والإصابات.

بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الدوحة في التفاوض على إمكانية خروج الأجانب المحاصرين في قطاع غزة عبر معبر رفح إلى مصر.

القوة الناعمة

وقال معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي إن هذه النتيجة "كانت ثمرة دبلوماسية قطر التي أثبتت مجددا قدرتها على التوسط واستغلال تحالفاتها لتثبت بذلك نفسها كنقطة محورية وفاعل رئيس في الهدنة إلى جانب مصر".

وأوضح أن "القيادة القطرية استفادت على وجه الخصوص من العلاقات القوية مع مختلف الجهات الفاعلة المتداخلة في الصراع".

 من جهة حركة حماس، التي تستضيف مكتبها السياسي في الدوحة، وأيضا الولايات المتحدة التي لديها قاعدة عسكرية كبيرة في البلاد، وعلى الطرف المقابل من الصراع، إسرائيل التي تقيم معها علاقات تجارية بشكل رئيس.

وبحسب المعهد الإيطالي، يعد تحقيق هذه النتيجة مثالا آخر على قدرة أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد، على "شق طريقه إلى السياسة الدولية من خلال استخدام القوة الناعمة للدبلوماسية وتعزيز مكانته كلاعب رئيس في الديناميكيات الإقليمية".

وشدد على أن "الدولة الخليجية أثبتت قدرة ملحوظة على الاستفادة من عناصر مختلفة، وذلك رغم صغر حجمها الجغرافي وموقعها الصعب، الواقع بين إيران والسعودية، القوتين الرئيستين في منطقة الخليج العربي اللتين تتنافسان للسيطرة على المنطقة".

ومن بين هذه العناصر، يذكر في البداية أن الدوحة تمتلك ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم خلف كل من روسيا وإيران بما يقدر بنحو 890 ألف مليار متر مكعب أي ما يعادل 15 بالمئة تقريبا من الاحتياطيات العالمية. 

علاوة على ذلك، تمتلك قطر إلى جانب إيران، أكبر احتياطي للغاز في الحقول البحرية.

ويعد الغاز الطبيعي حاليا ثالث مصدر للطاقة الأكثر استخداما في العالم، وهو المادة الخام الرئيسة لأنظمة التدفئة في المنازل.

 لذلك، امتلاك البلاد لاحتياطيات مهمة من هذه المادة "يمنحها أهمية جيوسياسية لا جدال فيها"، وفق تعبير المعهد الإيطالي.

وشدد على أن مكانتها كلاعب رئيس في قطاع الغاز الطبيعي "لا يوفر لها دورا مهما في أمن الطاقة العالمي فحسب، بل يشكل رافعة لنفوذها في العلاقات الدولية".

بالإضافة إلى ذلك، نوه المعهد بدور النخبة التي قادت البلاد والتي عملت باستمرار على تحقيق التنمية الاقتصادية والثقافية وتمكنت من خلق تحالفات متضاربة مع مرور الوقت.

وضرب مثالا على ذلك بأن "أمير قطر يحافظ على صداقة طويلة الأمد مع إيران وفي الوقت نفسه يقيم علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة تتضح خاصة من احتضان البلاد لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط"، في إشارة إلى قاعدة "العديد" الجوية.

كما أن البلاد تشكل أيضا داعم رئيس للقضية الفلسطينية بمنحها حوالي مليار جنيه إسترليني سنويا للقضية الفلسطينية، وتستضيف مكتب حماس السياسي في الدوحة حيث يعيش العديد من القادة المنفيين، بحسب المعهد.

وسمحت لها مهارتها على إدارة العلاقات الودية مع مختلف البلدان بالظهور كطرف فاعل في العديد من المفاوضات الدولية.

براعة دبلوماسية

كما نوه المعهد إلى أن "هذه القدرة على تحقيق التوازن بين التحالفات المتباينة، تعكس مرونة قطر وبراعتها الدبلوماسية في المشهد الجيوسياسي، مما يسمح لها بلعب دور مهم في المفاوضات الإقليمية والعالمية".

وعلى مر السنين، سمح النشاط الدبلوماسي لها بالظهور كوسيط في العديد من الصراعات الدولية، من التعامل مع الحروب الأهلية في لبنان واليمن إلى التدخل في النزاع الحدودي بين إريتريا وجيبوتي .

كما لعبت دورا حاسما في تسهيل الحوار بين الجهات الفاعلة المتصارعة، كما هو الحال في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.

وبحسب المعهد الإيطالي، اختيار قطر لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022 "كان بمثابة شهادة ملموسة على أهميتها الجيوسياسية". 

ومن خلال كونها أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف مثل هذا الحدث الكروي المرموق، اكتسبت الدوحة اعترافا دوليا وأكدت قدرتها على حسن تنظيم الأحداث العالمية الكبرى. 

وتمثل الرياضة، وخاصة كرة القدم، ظاهرة عالمية لا توفر لقطر رؤية واسعة النطاق فحسب، بل توفر أيضا الفرصة لإضفاء الشرعية على مكانتها الدولية من خلال حدث شاركت فيه دول من جميع أنحاء العالم.

ولذلك، نوه المعهد الإيطالي إلى أن "الدوحة أظهرت قدرة ملحوظة على التغلب على العقبات مثل موقعها الجغرافي وصغر حجم مساحة أراضيها وبرزت كلاعب ذي أهمية كبيرة في الجغرافيا السياسية الإقليمية والعالمية".

وتتجلى قدرة قطر على التموضع كلاعب رئيس في الوساطة والحوار بين الجهات الفاعلة المتنازعة في مشاركتها في المبادرات الدبلوماسية الحاسمة، مثل الهدنة الأخيرة التي اتفقت عليها فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. 

وأعاد المعهد التأكيد على أن هذه "البراعة" الدبلوماسية كانت حاسمة في تعزيز نفوذ البلاد والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.

ولفت إلى أن "الدوحة استفادت من قدرتها على البقاء خارج الصراعات الإقليمية، مستغلة حالة عدم الاستقرار الشديد في المنطقة لصالحها". 

وأضاف أن "هذا الموقف ساعدها في الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتعزيز صورتها كوسيط موثوق ومحترم، كما عرفت كيف تحول التحديات إلى فرص".

وخلص المعهد إلى التأكيد أن "امتلاكها لموارد طبيعية كبيرة وقدرتها على إدارة التحالفات واستغلال الفرص الدبلوماسية أسهم في تموضعها كلاعب رئيس على الساحة الدولية ما أثر بشكل مهم وإيجابي على الاستقرار الإقليمي والعالمي".