قضية "سرقة القرن" تعود إلى الواجهة بالعراق.. لماذا الآن؟

يوسف العلي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

عادت قضية "سرقة القرن" إلى الواجهة مجددا في العراق، مثيرة تساؤلات عدة عن أسباب تصدرها مرة ثانية، وظهور متورطين جدد فيها.

وترافق ذلك مع مطالبة المتهم الأول بالقضية، نور زهير، بإجراء محاكمة علنية له لـ"فضح مسؤولين ونواب حاولوا ابتزازه ماليا".

وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، كشف وزير المالية بالوكالة، إحسان عبد الجبار، عن هذه القضية التي تتعلق بسرقة 2.5 مليار دولار أميركي.

ونفذت السرقة خلال المدة من سبتمبر/أيلول 2021 وحتى أغسطس/آب 2022، من حساب الأمانات التابع لدائرة الضرائب بتعاون 5 شركات مع فاسدين معنية بالملف.

عودة للواجهة

وعادت القضية إلى صدارة وسائل الإعلام والرأي العام في العراق منذ مطلع أغسطس 2024، بعدما أعلنت السلطات منذ نحو عامين أنها اعتقلت المتهم الأول بالسرقة، ويدعى نور زهير، واتفقت معه على إعادة الأموال التي سرقها، خلال مدة زمنية.

في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، استعادة 182 مليار دينار (نحو 121.3 مليون دولار)، وهو جزء من مبلغ 1.6 ترليون دينار سرقت من قبل رجل أعمال عراقي اسمه، نور زهير.

وأكد السوداني حينها، أن السلطات توصلت إلى تسوية مع زهير يمنح من خلالها إفراجا بكفالة مقابل إرجاعه المبلغ المسروق "خلال فترة أسبوعين"، وأن القضاء سيشرف على بيع أصول مالية يمتلكها الأخير يفترض أن قيمتها "أكبر من المبلغ".

لكن في 8 أغسطس 2024، أعلنت هيئة النزاهة الحكومية عن ارتفاع نسبة المبالغ المسروقة إلى الضعف، بالتزامن مع ارتفاع أعداد المتهمين بالسرقة إلى أكثر من 30 شخصا.

وكشف رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون عن تفاصيل جديدة، مبينا نجاح الهيئة في استعادة بعض المتهمين من أصحاب الشركات الضالعة في السرقة.

بين هؤلاء قاسم محمد الذي كان يشغل منصب المدير المفوض لشركة "الحوت الأحدب" والذي ألقي القبض عليه في إقليم كردستان العراق.

وبين حنون في مؤتمر صحفي عقده في الأول من أغسطس 2024 أن السرقات المسجلة باسم محمد 988 مليار دينار (نحو 7 ملايين دولار)، مشيرا إلى أنها ليست أرقاما نهائية.

وبينما أكد حنون أن رئيس الوزراء يتابع بشكل يومي قضية الأمانات الضريبية، دعا مدير هيئة الضرائب إلى الإعلان عن كمية الأموال المسروقة في غضون 15 يوما، في مؤشر على عدم معرفة هيئة النزاهة إجمالي المبلغ المسروق.

وفي يونيو/حزيران 2024، قال حنون في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "هيئة النزاهة لديها تطور مهم هو العمل على استرداد اثنين من المتهمين في جريمة سرقة الأمانات الضريبية من إحدى الدول".

وأشار إلى أن "أحد المتهمين سرق 2.6 ترليون دينار، والآخر 500 مليار دينار، وعندما نتمكن من استردادهما سنعلن عنهما؛ كي يتمكن القضاء من إصدار حكمه العاجل والعادل في القضية التي ستعد نصرا كبيرا على الفساد".

وفي 20 أغسطس، أفادت وكالة "السومرية نيوز" العراقية، بأن "هيئة النزاهة تتواصل مع الشرطة الدولية (الإنتربول) لاعتقال وزير النفط السابق وزير المالية بالوكالة سابقا، إحسان عبد الجبار لتورطه بسرقة القرن".

وفي مارس/ آذار 2023، أصدر العراق مذكرات اعتقال بحق أربعة مسؤولين سابقين اتهمهم بـ"سرقة القرن"، هم: وزير المالية السابق علي علاوي، والسكرتير الخاص أحمد نجاتي، والمستشار مشرق عباس، إضافة إلى رائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.

"مشهد مميت"

قبل موعد محاكمة نور زهير بـ10 أيام، ظهر الأخير بمقابلة تلفزيونية في 18 أغسطس 2024، أكد فيها أن الأموال التي حصل عليها ليست للدولة، داعيا القضاء العراقي إلى محاكمته بشكل علني، حتى يكشف كل الحقائق المتعلقة بالقضية.

وأرجأت محاكمة المتهم الأول في "سرقة القرن"، نور زهير، الذي يقيم حاليا في دولة الإمارات العربية المتحدة، من 14 أغسطس الحالي إلى 27 من الشهر نفسه لعدم حضوره في الموعد الأول. 

وقال زهير خلال المقابلة، إن الأموال التي كانت بحوزته تعود لـ"صكوك ومعاملات مدققة من هيئة النزاهة، وهي ليست أموال دولة"، مشددا بالقول: "ولا دينار واحد يعود لها".

وأضاف، أن هذه "يجب أن تسمى كذبة الأموال الضريبية"، لافتا إلى أن "أحد النواب ممن يهرجون الآن طلب مني منزلا بمساحة أرض تبلغ 1200 متر وبشرط أن يكون في شارع الأميرات (منطقة المنصور ببغداد)".

وأكد زهير، أنه في حالة محاكمته فسيكشف كل الأسماء المتورطة في القضية خاصة إذا كانت المحاكمة علنية، مبينا أن قضيته وطرح اسمه المتكرر في وسائل الإعلام هدفه التغطية على مواضيع سياسية في البلد.

ولفت إلى أن "صكوك الضرائب التي اشتراها من إحدى الشركات، دفع أموالها بالكامل، وأن الدولة اليوم تطالبه بأموال أخرى من حسابه الشخصي التي هي بالأساس ليست للدولة وإنما لشركات أجنبية وأرادت سحبها بعدما أنجزت مشاريعها في البلاد".

وبعد ستة أيام من مقابلته التلفزيونية، أثار نور زهير الجدل بعد تداول صور له تظهر تعرضه إلى "حادث سير مميت" كاد يودي بحياته في منطقة الحدث بالعاصمة اللبنانية بيروت، ونقل على إثر الحادث إلى المستشفى حيث تلقى الإسعافات الأولية، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية.

وبحسب مقطع صوتي منسوب للإعلامي العراقي، أمين ناصر، جرى تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي في 23 أغسطس، قال فيه إنه موجود في لبنان وهو يتحدث عن أن حادث نور زهير مفتعل وإن الأخير اتفق مع أحد المستشفيات الأهلية في لبنان على هذه القصة.

وأوضح الإعلامي العراقي، أن "زهير سافر في اليوم التالي عقب انتشار خبر الحادث من دون معرفة وجهته".

من جهتها، قالت البرلمانية العراقية سروة عبد الواحد على منصة "إكس" في 23 أغسطس، إن "الطبيب الذي زوَّر التقرير الطبي لنور زهير في مستشفى سان تريس أُحيل إلى التحقيق".

وأضافت: "من خلال تواصلنا مع جهاز أمني في بيروت كشفوا لنا عدم تعرض الهارب (نور زهير) لأي خدش بسيط أو جرح وكل الصور التي نُشرت مفبركة وخارج المستشفى".

وأردفت: “خلال تواصلنا مع الإعلامي أمين ناصر الذي تابع الموضوع بصفته صحفيا استقصائيا أكد كذب الادعاءات التي نُشرت”.

وتابعت: "لولا وجود الصديق أمين (ناصر)، لربما نجحت خطتهم وكان (نور زهير) الآن في عِداد الموتى. مسرحياتكم فاشلة".

صرف الأنظار

وبخصوص عودة "سرقة القرن" إلى المشهد الإعلامي والسياسي، رأى الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي، أن "الموضوع لا يبتعد عن محاولات أطراف سياسية إعطاء القضية زخما كبيرا في وسائل الإعلام من أجل التغطية على قضايا أخرى".

وقال العبيدي لـ"الاستقلال" إن "تفجر الجدل بخصوص سرقة القرن جاء بالتزامن مع إعلان العراق تأجيل موعد انسحاب قوات التحالف الدولي من البلاد لأسباب مجهولة، والتزام قوى الإطار التنسيقي، والمليشيات المرتبطة به الصمت المطبق، بعد حديثهم السابق عن ضرورة إخراج هذه القوات".

وخلال بيان صدر عن وزارة الخارجية العراقية في 15 أغسطس، أعلنت أنه جرى تأجيل موعد إعلان انتهاء مهمة التحالف بسبب "التطورات الأخيرة"، من دون الكشف عن تفاصيل.

لكن في 17 أغسطس، أكد ضياء الناصري مستشار رئيس وزراء العراق خلال مقابلة تلفزيونية أن "الاستهداف الأخير لقاعدة عين الأسد والتطورات الأمنية في الأسبوع الأول من هذا الشهر (أغسطس 2024)، تسبب في تأجيل الإعلان عن خروج التحالف الدولي".

وفي 6 أغسطس، تعرضت قاعدة "عين الأسد" العسكرية في محافظة الأنبار غرب العراق، إلى قصف صاروخي أسفر عن إصابة خمسة جنود من القوات الأميركية الموجودين فيها، والتي أعلنت جماعة غير معروفة سابقا، تطلق على نفسها "الثوريون" تبنيها العملية.

ولفت العبيدي إلى أن "القضية الأخرى هي الصراع السياسي على منصب رئيس البرلمان المخصص للسُنة، والذي لايزال شاغرا منذ 10 أشهر، وثمة إرادة شيعية وراء هذا التعطيل".

وبيّن الباحث أن "الاتهامات تطال الإطار التنسيقي الشيعي بإعاقة وصول أي شخصية سُنية إلى منصب رئيس البرلمان، وذلك من أجل الإبقاء على النائب الأول الشيعي، محسن المندلاوي، لإدارة السلطة التشريعية حتى انتهاء الدورة الحالية عام 2025".

وفي مايو/ أيار 2024، فشلت القوى السياسية في حسم انتخاب رئيس جديد للبرلمان، بعد جلسة ماراثونية شهدت ثلاث جولات تصويت لأربعة مرشحين، انحسر التنافس فيها بين محمود المشهداني مرشح حزب "تقدم" السني، وبين سالم العيساوي مرشح كتلتي "السيادة" و"العزم" السنية.

وتقدّم العيساوي على المشهداني، بـ158 صوتا، مقابل 137 لمنافسه، لكن ولعدم حصول أحدهما على أكثر من نصف أصوات أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائبا، كان من المقرر الذهاب إلى جولة حاسمة، إلا أن عراكا نشب بين نواب من الطرفين تسبب برفع الجلسة إلى إشعار آخر.