مافيا متنفذة.. كيف تدار عمليات تهريب منتجات النفط من العراق للإمارات؟

يوسف العلي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم إعلان رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تفكيك أكبر شبكة تهريب للنفط بمحافظة البصرة جنوبي البلاد، لكن العمليات من هذا النوع لا تزال تدر ملايين الدولارات للمافيات المختصة، وفق برلمانيين عن المدينة ذاتها.

الحديث عن تهريب المنتجات النفطية من العراق مجددا، فتح باب التساؤل واسعا عن الجهات التي تدير هذه العمليات، وأسباب عدم تحرّك السلطات الأمنية لإيقافها، خصوصا أنها تجرى على مسمع ومرأى من أجهزة الحكومة، وكل أهالي المدينة يعرفون من وراءها.

"معركة البحر"

في 3 مارس/آذار 2024، كشف عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، النائب عن محافظة البصرة مصطفى سند، عن عمليات تهريب تشهدها المدينة لمادة "زيت الغاز" المعروفة محليا بـ"الكاز"، والتي ينتهي بها المطاف إلى الإمارات.

وقال سند خلال مقابلة تلفزيونية، إن "مهربين إيرانيين يهربون الكاز، إلى الإمارات عن طريق العراق، وإن السلطات الإماراتية تغض النظر عن ذلك، بل هي من تسمح برسوّها في موانئها، لرخص ثمنه، لذلك أنشأت منطقة حرة في البحر لمثل هذه العمليات".

وأوضح سند أن "الممر الوحيد لهذا التهريب هو عن طريق العراق، وأن المهربين الإيرانيين يقفون في منطقة (أم الثلاث)، وأن الوسطاء العراقيين هم من ينقلونه إلى الإمارات، وفي الجانب العراقي تكمن حرب طاحنة ذهبت فيها رؤوس كبيرة ورتب عسكرية، وخفضت أناسا ورفعت آخرين".

وأكد النائب أن "جميع المشاريع التي تنفذ في قضاء الفاو بمحافظة البصرة، مثل ميناء الفاو الكبير، وكاسر الأمواج وغيرهما، غايتها التغطية على عمليات التهريب تلك".

وأوضح سند أن "بعض الجهات والعوائل المسيطرة على البحر في الفاو تحصل على مبالغ تقدر بـ10 ملايين دولار شهريا من أعمال التهريب، وهذه هي سبب المعارك الطاحنة، التي ذهب ضحيتها أعداد كبيرة من الأشخاص وتسببت بصعود شخصيات وامتلاكهم ثروات طائلة".

وبحسب معلومات النائب، فإن "12 ألف طن من الكاز تهرّب شهريا إلى دبي، إذ يشتري المهرّب العراقي الطن الواحد من الإيرانيين بمبلغ 330 دولارا، في حين يجرى ببيعه على الإمارات في دبي مقابل 560 دولارا للطن عبر زوارق الصيد والتي تمتلكها عائلات معروفة في الفاو بالبصرة".

وأوضح سند أن "تلك الزوارق تحمل أسماء (أم الحسن)، وهو نفس اسم الحسينية (مسجد للشيعة) التي تمتلكها تلك العائلة والأخرى اسمها (البقيع)، والثالثة تحمل اسما دينيا أيضا، ثم يجرى بعدها إفراغ الكاز بناقلتين أكبر حجما وإيصاله إلى الإمارات".

وشدد النائب على أن "هناك أيضا تهريبا للكاز المحلي، والذي يأتي من الدولة التي تعطي كميات منه إلى المشاريع بأسعار تنافسية، وهذه تذهب أيضا إلى عمليات التهريب ذاتها".

وعن موقف الحكومة، قال سند: "حذرت رئيس الوزراء العراقي في أحد الاجتماعات، بخصوص هؤلاء المهربين، وأن الشخصيات التي تقوم بالتهريب قد تتقرب منه وتلتقط صورا معه إذا زار هذه المنطقة البحرية، وبالتالي تستغلها في تعزيز نفوذها".

تفنيد برلماني

في المقابل، نفى النائب عامر الفايز، رئيس كتلة "تصميم" في البرلمان، التي ينتمي إليها محافظ البصرة الحالي أسعد العيداني، علمه بالمعلومات التي طرحها سند، مقترحا عليه التوجه إلى هيئة النزاهة أو المحاكم من أجل رفع دعوى ضد المهربين.

وقال الفايز لـ"الاستقلال" إن "موضوع تهريب النفط أسمعها لأول مرة عن النائب مصطفى سند، لكن على أرض الواقع لا نعرف أي شيء عن هذا الأمر، فإذا كان هناك تهريب فكيف عرفها الأخير ولم تعلم بها القوات الأمنية".

وأضاف، قائلا: "إذا كان سند يعرف موضوع التهريب، وهو نائب بالبرلمان ومسؤول عن مراقبة أداء الدوائر الرسمية، فإن عليه متابعة الأمر وكشف الحقائق وليس التصريح في وسائل الإعلام".

وتابع: "إذا عرف النائب بوجود سلبية ما ولم يتحرك عليها، واكتفى بالتصريح بوسائل الإعلام، فما هو واجبه إذا في مجلس النواب، أليس دوره رقابيا وعليه متابعة مثل هذه الخروقات".

وأشار الفايز إلى أن "المهربين لا يحتاجون للاكتفاء بتبليغ رئيس الوزراء عنهم، لأنه كيف وصلت إليه المعلومة بالتأكيد لديه وثائق تثبت ذلك، لذلك عليه التوجه إلى هيئة النزاهة أو المحكمة لإقامة دعاوى على من يهرّب النفط".

وختم النائب حديثه بالقول: "أنا لا أنفي موضوع التهريب ولا أثبته، لكن إذا كان حقيقيا وعلى أرض الواقع فإني أسجل على النائب سند عدم تحركه لمعالجة هذه القضية، فشخصيا ليس لدي معلومة، ولم يكن هناك أي تحرك رسمي لذلك أشك في وجوده أساسا".

وفي أغطس/ آب 2018، نقلت صحيفة "العربي الجديد" (مقرها الدوحة) عن وزير عراقي وصفته بـ"البارز" (لم تكشف هويته)، قوله إن "حكومة بغداد فاتحت الجانب الإماراتي إزاء ملف تهريب النفط العراقي عبر مياه الخليج العربي ومساعدة أطراف إماراتية لعصابات ومافيات التهريب بطرق مختلفة". 

وبحسب الوزير، فإن "جهات إماراتية، بينها شيوخ معروفون في أبوظبي والفجيرة والشارقة ورأس الخيمة، متورطون بالتعامل مع شبكات ومافيات نفط عراقية معظمها مرتبطة بمليشيات سبق لأبوظبي أن أدرجتها على لائحة الإرهاب، مثل حزب الله والنجباء وبدر والعصائب، وأحزاب أبرزها الفضيلة والمجلس الأعلى والدعوة والتيار الصدري".

وكشف أن "الأموال التي تحصل عليها شبكات تهريب النفط في العراق، يجرى إيداعها في بنوك إماراتية، وأنه تمّ ضبط نماذج وأذونات قطع ومرور جمركي بأختام شركات إماراتية لها مكاتب في موانئ إماراتية، مثل شركة العهد الجديد وشركة جبل علي، حيث وجدت بحوزة مهربي النفط بالعراق".

"تخادم إقليمي"

لكن مصدرا خاصا في إحدى الشركات النفطية العاملة بمدينة البصرة، أكد أن "تهريب النفط والكاز عبر البحر إلى الإمارات أمر قديم منذ زمن الرئيس الراحل صدام حسين في فترة التسعينيات حيث فرضت على العراق عقوبات قاسية إثر غزوه للكويت عام 1990".

وأوضح المصدر لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته، أن "عمليات التهريب في حقبة التسعينيات كانت تجرى تحت سمع ومرأى من الحكومة، لأنها كانت مصدر دخل مباشر لخزينة الدولة خارج نطاق مذكرة التفاهم مع الأمم المتحدة (النفط مقابل الغذاء والدواء)".

وأشار إلى أن "مافيا متنفذة تدير عمليات التهريب في الوقت الحالي، وهي أيضا من تتحكم في وزارة النقل من خلال نفوذها للتأثير على من يتولى المناصب الإدارية العليا، بل وحتى الضغط من أجل تعيين شخصية معينة في أحد هذه المناصب".

وبحسب المصدر، فإن "أبرز هذه المافيات في محافظة البصرة، هي عائلة الشايع التي تم تهريب أحد أفرادها من السجن قبل فترة قريبة وهو المتهم أحمد الشايع، وهذا يؤكد أن مستوى النفوذ لديها طال حتى الدوائر الأمنية في المحافظة".

وأكد أن “عمليات التهريب تحدث في المياه الإقليمية خوفا من التبعات القانونية التي قد يتعرض لها العراق، وهذا يجرى بالتخادم بين الدول الثلاث، إيران والعراق والإمارات، حيث تغض الطرف عن المهربين وعمليات التهريب لكونها تجارة مربحة لجميع الأطراف”.

وفي فبراير/ شباط 2024، جرى تهريب أحمد الشايع صاحب شركة "الدويب" المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير، المتهم بجرائم قتل وإرهاب في البصرة، حسبما أعلن جهاز الأمن الوطني العراقي.

وذكرت قناة “وان نيوز” العراقية، في 11 مارس 2024، أن “الهارب أحمد الشايع نقل بطائرة خاصة إلى الإمارات، وهو موجود حاليا في مدينة دبي، وأعلن ذلك بنفسه عبر نشر صورة له في حالة تطبيق إنستغرام أثناء تجواله في دبي مول”. 

وفي 3 نوفمبر 2023، أفادت وكالة الأنباء العراقية "واع" نقلا عن جهاز الأمني الوطني، بالقبض على "أكبر شبكة تهريب للنفط الخام في البصرة"، موضحة أن شبكة التهريب التي يقودها "أحد التجار"، ضمت "ضباطا برتب عالية وموظفين كبارا"، اعتقلوا بموجب مذكرات صادرة عن القضاء.

وكشفت "واع" أن شبكة التهريب "قامت بإحداث ثقوب بخطوط تصدير النفط الخام بحقل الزبير النفطي حيث كانت تهرب بحدود 5-7 صهاريج بسعة 50 ألف لتر يوميا، وبما يصل إلى 75 مليون لتر شهريا".

ومن بين المعتقلين ضمن شبكة تهريب النفط، كان مدير عام شرطة الطاقة في وزارة الداخلية اللواء غانم الحسيني، ومدير شرطة الطاقة في محافظة البصرة وعدد من الضباط والمنتسبين.