رغم تأثر سفنها.. لماذا لم تتدخل الصين ضد الحوثيين في أزمة البحر الأحمر؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

منذ أواخر عام 2023، شكل الحوثيون في اليمن تحديا كبيرا للشحن العالمي بعد منعهم للسفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى إسرائيل من العبور واستهدافها.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة بهذا الممر التجاري الحيوي، نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مئات الضربات الجوية ضد مواقع الحوثيين في اليمن.

ومع ذلك، وقفت الصين، التي تشكل تجارتها العالمية الضخمة جزءا كبيرا من حركة المرور في البحر الأحمر، موقف المتفرج إلى حد كبير، وفق مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية.

ونتيجة للهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر -للضغط على واشنطن وحلفائها بشأن الحرب الإسرائيلية في غزة- اضطر العديد من كبريات شركات الشحن الدولية إلى إعادة توجيه سفنها حول إفريقيا، لتتجنب البحر تماما.

نتيجة لذلك، ارتفعت تكاليف الشحن من آسيا إلى أوروبا بنحو 300 بالمئة في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى مارس/آذار 2024.

إستراتيجية اللافعل

ووصف مقال مشترك، نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، سلوك الصين في الشرق الأوسط بأنها "إستراتيجية اللافعل".

شارك في كتابة المقال، الباحثة في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، لورين بارني، والباحث في "أكاديمية هارفارد للدراسات الدولية ودراسات المناطق"، آرون جلاسرمان.

وجاء فيه أن "بكين ترسل بضائع بقيمة 280 مليار دولار سنويا عبر مضيق باب المندب على البحر الأحمر، وهو ما يمثل حوالي 20 بالمئة من إجمالي التجارة البحرية للصين".

ونتيجة لهجمات الحوثيين، تواجه الصين تكاليف شحن تتزايد سريعا، وتعطلا في سلاسل التوريد، في وقت يتعرض فيه الاقتصاد الصيني بالفعل لضغوط متعددة.

كما أن الضرر الذي يلحق بالاقتصاد المصري -وفي القلب منه حركة المرور في قناة السويس شريان الحياة له في السنوات الأخيرة- يعد أيضا من الأخبار السيئة بالنسبة للصين.

ذلك أن بكين أصبحت رابع أكبر دائن لمصر، ولديها مليارات الدولارات في البلاد على المحك.

واستدرك المقال: "مع ذلك، لم تقدم بكين سوى القليل للرد على هذا التهديد، ففي العلن، اقتصر المسؤولون الصينيون على التأكيد على أهمية أن تكون الملاحة البحرية آمنة".

علاوة على ذلك، فقد حاولوا سرا التفاوض مع الحوثيين، ومؤيديهم الإيرانيين لتأمين المرور الآمن للسفن المرتبطة بالصين، على الرغم من تعرض العديد من هذه السفن للهجوم.

ضبط النفس هذا الذي تمارسه الصين في البحر الأحمر -وفق المقال- يثير تساؤلات مهمة حول إستراتيجيتها الأكبر في الشرق الأوسط.

"فقبل الحرب الحالية في قطاع غزة، بدا أن بكين عازمة على لعب دور متزايد في المنطقة، بما في ذلك من خلال التوسط في التطبيع الدبلوماسي بين إيران والسعودية، وتوسيع العلاقات التجارية مع دول الخليج".

ويرى بعض المراقبين أن تردد بكين في مواجهة الحوثيين يُعزى إلى مسعى انتهازي لتعزيز نفوذها الإقليمي.

ويوضحون ذلك بأنه "في الوقت الذي تتحمل فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها العبء والتكاليف التي قد تترتب على سمعتها نتيجة للتدخل العسكري في اليمن، فإن الصين قادرة على الظهور بمظهر البطل في الجنوب العالمي".

بينما ذهب مراقبون آخرون إلى أبعد من ذلك، مشيرين إلى أن الصين توافق ضمنيا على هجمات الحوثيين وتُمكّنهم عمدا من خلال استمرار تجارتها مع إيران -الداعم الرئيس للجماعة- كجزء من خطة أوسع لإثارة الفوضى في النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وفي أبريل/نيسان 2024، قال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، مات بوتينجر، وعضو الكونغرس الأميركي السابق، مايك غالاغر، إن تقاعس بكين فيما يتعلق بهجمات الحوثيين هو جزء من "سياسة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لإثارة الفوضى العالمية".

ووفقا لهذا المنظور، فمن المفترض أن تستفيد الصين من الأزمات العالمية التي تتورط فيها الولايات المتحدة وتسعى إلى تأجيجها، حتى تتمكن من كشف ضعف واشنطن في إدارة النظام الدولي بقيادة الغرب.

لكن يرى الباحثان أن "كلا هذين التفسيرين يتجاهل أولويات بكين الأعمق في المنطقة".

“فرغم أن قادة الصين سعداء بتجنب التورط العسكري، وتسجيل نقاط دبلوماسية سهلة مع الحكومات الإقليمية جراء ذلك، فإنهم يرغبون ألا تستمر الهجمات في البحر الأحمر”.

وأضاف المقال أن "قادة الصين يدركون أن استمرار تلك الهجمات يعني أن الكثير من المصالح الاقتصادية والعسكرية للصين ستكون على المحك".

وتابع: "فبدلا من أن تتفاقم الأزمة، يريد القادة الصينيون لها أن تنتهي، ولكن من دون الاضطرار إلى إنفاق مواردها الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية لتحقيق هذه النتيجة".

استقرار منخفض التكاليف

ويوضح المقال أنه: "لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، تعتمد الصين في نهاية المطاف على الاستقرار، وليس الفوضى، وهو الهدف الذي يحمل آثارا إستراتيجية مهمة بالنسبة للولايات المتحدة في سعيها لاحتواء الحرب في غزة".

وكشفت أزمة البحر الأحمر أيضا عن تناقض بكين بشأن وجودها العسكري في المنطقة.

ولفت إلى أنه "منذ عام 2008، نشرت بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني أسطولا من السفن في البحر، بما في ذلك مدمرة وفرقاطة، لمكافحة القرصنة وتعزيز مكانة بكين كقوة صاعدة في الإقليم".

"كما أن الصين تحتفظ بقاعدتها البحرية الخارجية الوحيدة في جيبوتي، على خليج عدن القريب".

وتابع المقال أن "من الناحية النظرية، يمكن للصين استخدام قواتها في المنطقة للرد على الحوثيين أو لمرافقة السفن التجارية داخل البحر الأحمر وخارجه".

واستدرك: "مع ذلك، فإن إحجام الصين عن حماية سفنها التجارية يسلط الضوء على نفورها العام من التدخلات العسكرية، حتى في ظل وجود قاعدة عسكرية لها قريبة من منطقة الصراع ومصالحها الاقتصادية الخاصة على المحك".

وأردف: "لا شك في أن بكين ترى نفسها قوة صاعدة، وقد أوضح القادة الصينيون أنهم غير راضين عن القيادة الأميركية للشؤون العالمية".

وتابع أنه "على المدى القصير، قد تجني الصين بعض الفوائد من البقاء على هامش التدخلات العسكرية الأميركية المثيرة للجدل".

واستدرك أن "هذا لا يعني أن الصين تريد تشجيع الصراع في جميع أنحاء العالم، ويصدق هذا بشكل خاص في الشرق الأوسط".

ذلك أنه "إذا تطورت أزمة البحر الأحمر أو الحرب في غزة إلى حرب أوسع نطاقا، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة تقلب التجارة والاستثمارات الصينية في جميع أنحاء المنطقة".

ويشدد المقال على أن "المنظور القائل بأن بكين تزرع الفوضى عمدا، يخطئ في فهمه للصعود الصيني".

وأضاف أنه "على الرغم من أن ضربات الحوثيين تهدد المصالح الصينية في المنطقة، إلا أن خيارات بكين محدودة".

"فهي تعلم أن أي رد عسكري قد تقوم به لن يكون أكثر نجاحا من رد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة"، وفق المقال.

كما أنها تحتاج إلى الحفاظ على دعم زعماء الشرق الأوسط في محاولتها لسد الفجوات التي خلفها الغرب في جميع أنحاء المنطقة.

ونتيجة لهذا فمن المرجح أن ترد الصين بالمزيد من الجهد، لكن في نفس الاتجاه، وهذا يعني السعي لحماية مصالحها الخاصة، وتجنب المزيد من التشابكات، والصمود في وجه الاضطرابات في المستقبل.

وتابع المقال أنه "تماشيا مع وجهة نظرهم بأن القوة الأميركية آخذة في الانحدار، فسيستمر القادة الصينيون في تسجيل نقاط دبلوماسية سهلة في الشرق الأوسط حيثما أمكنهم ذلك".

وكما يشير استطلاع أجرته “فورين أفيرز” أواخر عام 2023 وأوائل 2024، فقد تحسن رأي المواطنين العرب في الصين منذ 7 أكتوبر 2024، تاريخ بداية العدوان على غزة، على الرغم من أن قلة من المشاركين اتفقوا على أن بكين ملتزمة جديا بحماية حقوق الفلسطينيين.

وفي نهاية المطاف، تسعى الصين في الشرق الأوسط إلى ما تسعى إليه في أماكن أخرى: توسيع علاقاتها التجارية، وتنويع مصادر وارداتها من الطاقة والغذاء، والتأكيد على نفوذها المتنامي كقوة عظمى، في حين تتجنب التورط عسكريا.

ويدرك القادة الصينيون، أن المعارضة الخطابية للهيمنة الغربية في المنطقة هي وسيلة منخفضة التكلفة للحصول على دعم أوسع، وخاصة في الجنوب العالمي.

وأوضح المقال أن "الأولوية الكبرى للصين ليست نشر الفوضى، بل حماية مصالحها والتكيف مع البيئة الجيوسياسية المهددة، ولتحقيق ذلك، تستخدم أساليب انتهازية، لكنها تقوم على إدارة الأزمات، وليس خلقها".

وختم بالتأكيد على أن "الصين لن تكون على استعداد لبذل الكثير من الجهد من أجل السلام، لكنها في الوقت نفسه لن تحبط جهود التوصل للسلام".