خالد اليحياوي.. جنرال تونسي مشهور بالمكائد يسيطر على أروقة قصر قرطاج

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

قصر قرطاج الواقع على ضفاف البحر المتوسط، بالقرب من العاصمة التونسية تونس، لطالما كان بيت الحكم ومطبخ السياسة في البلاد. 

مؤامرات ودسائس، انتصارات وانقلابات، أيام مجد وسنوات عجاف، صعود لحكام وسقوط لآخرين، شهدها القصر الذي يحكمه حاليا الرئيس التونسي قيس سعيد.

لكن هذا القصر بات يتحكم فيه رجل واحد، يدير أروقته، ويتحكم من خلاله في سائر مفاصل الدولة، وهو خالد اليحياوي مدير عام الأمن الرئاسي. 

وخلال حديثها عن استعدادات قيس سعيد للانتخابات الرئاسية التونسية، المزمع إجراؤها ما بين سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول 2024، سلطت  مجلة "جون أفريك" الفرنسية الضوء على اليحياوي.

وقالت في تقرير بتاريخ 5 يونيو/ حزيران 2024، إن "سعيد يعتمد نهجا براغماتيا في إدارة الحكم، ويعتمد على دوائر ضيقة من الرجال الأساسيين في البنية المؤسسية التي شكلها منذ 25 يوليو/ تموز 2021".

وأضافت المجلة الفرنسية أنه يقبع على رأس تلك الدوائر رجل استثنائي، يحافظ على منصبه منذ 2019، وهو مدير الأمن الرئاسي خالد اليحياوي.

من اليحياوي؟ 

ولد خالد اليحياوي عام 1969 بمنطقة ماطر التابعة لولاية بنزرت التونسية، على بعد 66 كلم شمال غرب العاصمة تونس.

تلقى اليحياوي تعليمه العسكري، بالأكاديمية العسكرية التونسية من عام 1993 إلى عام 1997.

ثم درس في “الأكاديمية العسكرية بفندق جديد” عام 1997، والمدرسة الوطنية لتكوين إطارات الأمن الوطني والشرطة الوطنية بصلامبو (حي يقع بمنطقة قرطاج) عام 1998.

في نفس العام تولى اليحياوي مهمة بالإدارة العامة لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، ثم عمل في الفوج الوطني لمكافحة الإرهاب "BAT" بين أعوام 2007 و2011.

عقب الثورة التونسية في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، والتي أطاحت برئيس البلاد زين العابدين بن علي، كان اليحياوي من رجال الأمن الذين تم تصعيدهم ليشغلوا مناصب قيادية رفيعة.

وتدرج اليحياوي في المهام، حتى وصل إلى منصب مدير إدارة المرافقات والقوات الخاصة "GIP" إلى حدود يوم 31 أكتوبر 2019.

بدأت مسيرة اليحياوي تختلف جذريا داخل دولاب الدولة، عندما صعد الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد إلى سدة الحكم في 23 أكتوبر 2019، وأدى القسم ليكون سابع رئيس للجمهورية التونسية.

وعقب أيام قليلة من دخول سعيد إلى قصر قرطاج، أصدر مرسوما في نوفمبر 2019 بتعيين خالد اليحياوي، مديرا عاما لوحدة الأمن الرئاسي، وهو القرار الذي جعله بمثابة أقوى رجال تونس، بل ومن المتحكمين الرئيسين في الحياة الوزارية. 

وأصبح اليحياوي يتمتع بثقة لا مثيل لها من الرئيس التونسي، ووصل الأمر أن تجاوزت صلاحياته واجباته الرسمية.

وتمت ترقيته إلى رتبة جنرال في عام 2021 بناء على طلب سعيد، وبات يشكل هو وضباط آخرون يتمتعون بثقة الرئيس مجموعة متماسكة. 

حتى إن قيس سعيد، كلفه رسميا في يوليو/ تموز 2021، بالإشراف على وزارة الداخلية التونسية لفترة قصيرة، بعد قرارات تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، التي عُدّت انقلابا دستوريا من الرئيس، ووجهت أصابع الاتهام إلى اليحياوي أنه كان من مهندسي تلك العملية. 

مؤامرات اليحياوي 

وفي 3 يونيو، ذكرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" أن اليحياوي هو الذي شجع، من خلال مكانته المتميزة لدى رئيس الدولة، على إقالة وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي ووزير الداخلية كمال الفقي في 25 مايو 2024 وكان القرار مفاجئا. 

وأضافت المجلة الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات أنه من المعروف أن كلا الرجلين قريب من سعيد وكانا إلى جانبه خلال الحملة الانتخابية لعام 2019. 

ومن خلال انفصال سعيد عنهما مباشرة بعد عودته من جنازة الرئيس إبراهيم رئيسي في إيران، زاد من الفجوة بينه وبين الدوائر اليسارية التي تحرك فيها قبل أن يصبح رئيسا.

وذكرت المجلة أن سعيد لم يقدم سببا رسميا لهذا القرار، لكن عددا من العوامل المختلفة مجتمعة جعلت موقف الوزيرين محفوفا بالمخاطر بشكل متزايد. 

فقد عارض الفقي الاعتقال القسري للمحامية سونيا الدهماني من دار المحامين بتونس العاصمة يوم 11 مايو.

ونفذ عملية الاعتقال فريق يرتدي قلنسوات وبدون شارات، تم إرساله بناء على أوامر اليحياوي بالتعاون مع مكرم الجلاصي مستشار وزير العدل ورئيس الشرطة العدلية حكيم الهمامي. 

بعدها استدعي الفقي إلى "فرقة التحقيق في الجرائم المالية المتشعبة" التابعة للحرس الوطني بالعوينة، وتعين عليه في 13 يونيو الخضوع لاستجواب رسمي. 

ولم يتم الكشف عن الكثير عن أسباب التحقيق، ولكن من المفهوم أن واحدا أو أكثر من أعضاء طاقم الوزير السابق يشتبه في استفادتهم من مزايا غير مستحقة، وكان اليحياوي لهم بالمرصاد. 

أما الزاهي، فقد حافظ على الروابط بين الرئاسة واليسار، لكنه فشل في حشد الدعم الكافي للمظاهرة التي نظمت في 19 مايو لدعم السلطة،

ولم يحضر سوى بضع مئات من الأشخاص، وهو ما أغضب قيس سعيد واليحياوي في آن واحد. 

وعلقت "إنتيليجنس أونلاين" أنه سيكون بمقدور الوزيرين، بعد أن أسقطهما اليحياوي، وهما صديقان خارج الحكومة، الحديث مطولا عن سقوطهما المفاجئ من منصبيهما خلال اجتماعاتهما المنتظمة في مزرعة الزاهي في المرناقية أو في منزل الفقي في برج العامري، على بعد بضعة كيلومترات فقط. 

وأكملت أن إقالتهما عززت بقوة موقف خالد اليحياوي، الذي أصبح سيد قصر قرطاج بلا منازع.

ولا يمكن إغفال أن اليحياوي خطط طويلا وبدأب وبتدبير مكائد وتصيد أخطاء حتى يصل إلى هذه المكانة الرفيعة.

ففي مايو 2023، كان هو وراء إقالة المدير العام للحرس الوطني فاضل قزقز بعد هجوم بالقرب من الكنيس اليهودي في جربة. 

ضحايا اليحياوي 

وبالمثل، كان اليحياوي هو الذي اختار، مع جنرالات آخرين نشطين في قرطاج، حسين الغربي، الرئيس السابق للوحدة الخاصة بالحرس الوطني، خلفا له.

كما كان اليحياوي وراء استقالة وزير النقل ربيع المجيدي من الحكومة بعد أن لفت انتباه الرئيس إلى عدد من الإخفاقات المفترضة من جانب المجيدي. 

وقد بدأت مشاكل الوزير في نوفمبر عندما زار الرئيس مستودع شركة النقل التونسية (ترانستو) في باب سعدون. 

وبعد رؤية عدة حافلات مهجورة هناك، قال سعيد بغضب إنه يجب إعادة تسمية ترانستو إلى "شركة اغتيال النقل".

وحدد مصير المجيدي في مارس بعد زيارة قام بها سعيد إلى محطة للسكك الحديدية في جبل جلود، والتي رتبها أيضا اليحياوي. 

وأقيل الوزير في نفس اليوم، وخلف الكواليس، لعب يحياوي دورا مماثلا في إقالة نجاة الجوادي، المديرة العامة للجمارك التونسية، في فبراير، بعد أن أيد تعيينها أواخر عام 2021.

ومما تذكره وسائل إعلام محلية، أن اليحياوي يخطر الرئيس بأمور إشكالية، ولفت انتباهه أخيرا إلى مصير طائرة أميلكار، وهي طائرة مملوكة لشركة الطيران الوطنية الخطوط التونسية تم بيعها لشركة أميركية في عام 2017 بعد عدة سنوات من الخدمة. 

وزعم رئيس الدولة، الذي زار مطار تونس قرطاج الدولي في 1 أبريل/ نيسان 2024، أن الطائرة بيعت بسعر منخفض للغاية "بلغ 200 ألف دولار".

وبدعم من اليحياوي، بدأ الرئيس عملية إعادة تنظيم لجهاز الأمن في البلاد، وهو ما اقترحه عليه معارفه القدامى الذين خدموا في عهد زين العابدين بن علي.

أحدهم كان وزير العدل السابق الصادق شعبان، الذي أشرك سعيد في مراجعة الدستور عام 2004. وكان اثنان آخران، هما رفيق الشلي ومحمد علي القنزوعي، من كبار المتخصصين الأمنيين خلال تلك الفترة. 

وقد أيد الثلاثة خططا لإعادة تفعيل دور "كاتب الدولة للأمن الوطني"، والذي تولاه سابقا الشلي والقنزوعي.

ولعب القنزوعي الذي وضعه اليحياوي بين يدي الرئيس، دورا خاصا في إنشاء النظام الأمني الجديد من خلال دعمه لتعيين خالد النوري وزيرا جديدا للداخلية. 

وقد وقعت عينا القنزوعي عليه عندما كان عضوا شابا في التجمع الدستوري الديمقراطي التابع للرئيس السابق ابن علي.

وهكذا أصبح اليحياوي ورجاله النافذون هم الأوصياء على رئيس الجمهورية قيس سعيد، وباتوا هم أقوى رجال الدولة ومن لهم الكلمة العليا داخل قصر قرطاج.