لماذا طرح لبنان خريطة طريق "لتنظيم الوضع القانوني للاجئين للسوريين"؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تواصل السلطات اللبنانية الضغط على اللاجئين السوريين عبر إقرار المزيد من الخطط والبرامج التي تهدد وجودهم على الرغم من التحذيرات الأممية بأن العودة غير آمنة بعد إلى بلدهم الأم.

وفي خطوة جديدة، أعلن وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، في 5 مارس/آذار 2024 إطلاق "خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للسوريين"، تهدف إلى تطبيق القوانين اللبنانية فيما يخص السكن وشرعية العمل في المؤسسات.

وقال مولوي إن "الدولة اللبنانية لا تقبل بتهجير أولادنا وأن يحل مكاننا النازحين السوريين، فاللبنانيون لا يجدون فرص عمل لهم ونحن مسؤولون عن الحفاظ على الهوية".

ولفت إلى إصدار تعليمات إلى البلديات اللبنانية من أجل "تطبيق القوانين داخل المناطق اللبنانية فيما يخص شرعية العمل داخل المؤسسات، والتحقق من صلاحية إقامة النازحين السوريين".

وأعرب الوزير اللبناني عن استعداد لبنان للتفاوض مع المجتمع الدولي والعربي، من أجل الوصول إلى خطة عودة واضحة للاجئين السوريين خلال فترة زمنية معينة.

تضييق جديد
 

وماتزال حكومة لبنان التي تسيطر عليها جماعة "حزب الله"، تحمل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات التي تعصف بهم.

وبحسب بيانات رسمية، يوجد حوالي مليوني لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، نحو 830 ألفا منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة منذ توقف لبنان عن استقبالهم رسميا عام 2015 بعدما بدأ السوريون يفرون من بطش أجهزة نظام بشار الأسد الأمنية عام 2011 إبان اندلاع الثورة السورية.

ومنذ سنوات، بدأ لبنان في رفع صوته عاليا إزاء وجود اللاجئين السوريين، إذ طالب المجتمع الدولي بإعادتهم إلى مدنهم، بغض النظر عن تحقيق انتقال سياسي وبيئة آمنة ومستقرة كما تنص القرارات الأممية.

إلا أن بيروت طلبت من المفوضية الأممية نهاية عام 2022 الحصول على بيانات اللاجئين بحجة "تنظيم الوجود السوري" في لبنان، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن تسليمها في أغسطس/ آب 2023.

ويعيش اللاجئون السوريون في لبنان ظروفا صعبة خصوصا منذ بدء الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ خريف 2019.

وزادت الأزمة الاقتصادية من الخطاب العدائي تجاه اللاجئين الذين يتلقون مساعدات من منظمات دولية، في وقت بات أكثر من 80 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر.

وكثير من هؤلاء اللاجئين يشكون من الضغط المادي والنفسي الذي يعانونه داخل خيم بمخيمات منسية.

إذ تنفذ الأجهزة الأمنية اللبنانية منذ عام 2023 حملات توقيف وترحيل للاجئين سوريين إلى بلدهم بذريعة عدم حصولهم على المستندات القانونية اللازمة.

كما عرقلت حكومة تصريف الأعمال أخيرا برنامجا لتوزيع مساعدات نقدية بالدولار على اللاجئين من الأمم المتحدة.

ومحاولة لبنان "شيطنة وجود اللاجئين السوريين" على أراضيه، عبر دفعهم بشكل غير مباشر للمغادرة، مستبقا الحل السياسي المعطل في سوريا يعد بمثابة "ترحيل قسري".

إذ إن جميع المناطق السورية المقابلة للحدود اللبنانية هي تخضع لسيطرة قوات الأسد، وأخرى لحزب الله اللبناني، خاصة أن كثيرا من شباب تلك العوائل مطلوبون لأجهزة النظام السوري.

وتعد المخاوف الأمنية من أجهزة نظام الأسد الهاجس الأكبر من عودة اللاجئين في بيروت وسط اتهامات من منظمات حقوقية للنظام بتوقيف عدد من العائدين من لبنان.

وقد أكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في تقرير له صدر في 13 فبراير/شباط 2024 أن اللاجئين السوريين الذين فروا من بلدهم يتعرضون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كالتعذيب والخطف عند عودتهم لديارهم، بينما تتعرض النساء للتحرش الجنسي وأعمال عنف.

ويقول التقرير، إن الصعوبات الاقتصادية وسوء المعاملة والخطاب العدائي المتزايد والخطاب ضد اللاجئين والمداهمات والاعتقالات الجماعية في بعض البلدان المضيفة، أجبرت الكثيرين على العودة إلى سوريا.

وقالت إليزابيث ثروسل، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في مؤتمر صحفي بجنيف، إن التقرير الأممي الحديث "يرسم صورة مثيرة للقلق لمعاناة العائدين لا سيما النساء، وسط تزايد عدد عمليات ترحيل السوريين من دول أخرى".

وأضافت ثروسل: "هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن الظروف العامة في سوريا لا تسمح بعودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين السوريين إلى وطنهم".

استجلاب الدعم

ورغم كل تلك التحذيرات الأممية، إلا أن المدير العام للأمن اللبناني العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، قال في كلمة له بمؤتمر إطلاق "خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للسوريين" إن هدف الخارطة هو "ضبط ومعالجة أوضاع وتداعيات النزوح السوري، توصلا إلى عودة طوعية آمنة وكريمة، أو إعادة توطين الراغبين منهم في بلد ثالث".

وطالب البيسري اللبنانيين بـ"عدم إيواء، أو تأجير أي عقار لمخالفي أنظمة الإقامة والعمل".

وأشار إلى أنه في إطار الخارطة الجديدة سيتم زيارة أماكن تجمع السوريين، وتحديث بياناتهم وتحديد أماكن سكنهم.

ولفت البيسري إلى تسلم قاعدة البيانات فيما يخص السوريين في لبنان من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وشملت مليونا و486 ألف نازح سوري.

كما تحدث عن انطلاق "قافلة" من اللاجئين إلى سوريا "قريبا" من دون تحديد عددهم أو المناطق التي سيتوجهون إليها.

وضمن هذا السياق، قال الصحفي السوري المقيم في لبنان محمود كلاس لـ "الاستقلال" "إن حديث بيروت عن العودة الطوعية لهؤلاء اللاجئين تعد غير منطقية في هذا التوقيت إذ إن كثيرا من مدنهم مدمرة وبنيتها التحتية معدومة ولا فرص عمل تنتظرهم".

وأضاف كلاس: "الآن هناك موجة جديدة من التصعيد ضد اللاجئين السوريين في لبنان تقودها منظمات تتبع لأحزاب داخل الحكومة والبرلمان وتروج لها شركات إعلان وتلفزيونات محلية معروفة بعدائها لهم".

ولفت إلى أن "العوائل اللاجئة تنفذ أعمالا يومية شاقة مقابل مبلغ يصل لعشرين دولارا أسبوعيا مثل جني المحاصيل الزراعية لعدم كفاية المساعدات التي يحصلون عليها من الأمم المتحدة".

ورأى أن "طرح حكومة لبنان فكرة إعادة توطين الراغبين من اللاجئين السوريين إلى بلد ثالث هي رسالة مباشرة للدول الأوروبية لفتح برامج توطين تخص هؤلاء من بيروت أو زيادة الحزم المالية مقابل التراجع عن هذه الفكرة".

ومضى يقول: "السلطات اللبنانية المتذمرة من اللاجئين السوريين، تنفذ بين الفينة والأخرى عمليات ضغط على هؤلاء بغية استجلاب مزيد من الدعم المالي لها من المانحين الدوليين".

وربط بعض المراقبين خطوة طرح "خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للسوريين" بقرب انعقاد مؤتمر بروكسل الثامن تحت عنوان "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" في مايو/أيار 2024.

والمؤتمر هو تجمع دولي للمانحين يعقده الاتحاد الأوروبي في بروكسل، في ظل نقص تمويل غير مسبوق في إطار الاستجابة للسوريين داخل بلدهم وفي بلدان الجوار واللجوء.

حتى إن بيروت رفضت في 13 فبراير 2024 طلبا من قبرص لإعادة 116 مهاجرا سوريا جرى إنقاذهم في المياه الدولية على بعد 30 ميلا بحريا قبالة الجزيرة بعد مغادرتهم من لبنان على متن قارب.

وكانت قبرص وهي جزيرة في البحر المتوسط تبعد أقل من 200 كيلومتر عن لبنان، قد أبرمت منذ سنوات اتفاقا مع بيروت بشأن إعادة المهاجرين غير الشرعيين إليها.

ما يعني أن بيروت إما أخلت بالاتفاقية أو لديها مطالب لاستعادة هؤلاء المهاجرين الطامحين في بلوغ دول أوروبا بحثا عن حياة كريمة.

تحميل أزمات

وخلال الأسابيع الأخيرة اجتاحت شوارع لبنان لوحات إعلانية لحملة تحمل شعار  "تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان"، تستهدف اللاجئين السوريين.

ودعمتها قنوات تلفزيونية لبنانية وعدد من المنظمات ومنها مؤسسة "بيت لبنان العالم" غير الحكومية.

اللافت أنه خلال إطلاق "خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للسوريين" من قبل وزير الداخلية اللبناني، ألقت رئيسة مؤسسة "بيت لبنان العالم" بتي هندي كلمة لها.

وقالت هندي: "مقابل كل لبنانيين موجودين في لبنان هناك نازح سوري، ومقابل كل ولادة لطفل لبناني هناك 4 ولادات لأطفال سوريين من دون أوراق ثبوتية".

وتابعت: "اللبنانيون يزيدون واحدا بالمئة سنويا، بينما النازحون السوريون يزيدون 4 بالمئة. ووفق هذه النسب، ستتساوى أعداد النازحين السوريين بأعداد اللبنانيين في المستقبل المنظور".

وأشارت هندي إلى أن "كلفة النزوح المباشرة على لبنان بحدود مليار ونصف مليار سنويا وفق البنك الدولي، فيما الكلفة غير المباشرة 3 مليارات دولار أي ما مجموعه 4 مليارات ونصف مليار في السنة، أي خلال 13 سنة تقدر بـ 58 مليار دولار"، وسألت "هل علينا أن نسكت كي لا نتهم بالعنصرية؟"

وكثيرا ما يحذر لبنانيون من الأنشطة والأساليب التحريضية ضد اللاجئين السوريين، أو إفساح المجال للاستغلال السياسي لوجودهم؛ خشية من زيادة العنف والصراعات أو ارتكاب جرائم بحقهم.

وضمن هذه الجزئية، قالت الناشطة الحقوقية ديالا شحادة في تصريحات صحفية: إن "تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات التي يمر بها لبنان تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام".

واعتبرت شحادة أن "المسؤولية الحقيقية تكمن في الفساد المتراكم منذ عقود الذي اعتمد كأجندة أساسية من قبل من يصلون إلى الحكم، خاصة من قبل الأحزاب التي حكمت البلاد منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم".

ونوهت شحادة إلى أن "الوضع الاقتصادي لا يتزامن مع بداية أزمة السوريين وطفرتهم إلى لبنان، بل بالعكس، استدرج وجود هؤلاء أموالا ومنحا كثيرة خلقت فرص عمل وزادت من نسبة الاستهلاك المحلي وشغلت حيزا يصل إلى ربع السوق العقاري".