قبل عقدها بأسابيع.. ماذا يعني تعيين السيسي رئيسا جديدا لهيئة الانتخابات؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أصدر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بشكل مفاجئ، قرارًا جمهوريًا بتعيين رئيس جديد للهيئة الوطنية للانتخابات، ومعه أربعة أعضاء آخرون، بعدما فتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة من 10-12 ديسمبر/كانون الأول 2023.

قرار تعيين نائب رئيس محكمة النقض، حازم بدوي، بداية من 9 أكتوبر 2023، ليشرف على انتخابات الرئاسة، وبالتالي عزل الرئيس الحالي لهيئة الوطنية للانتخابات المستشار وليد حمزة، جاء بعد أسبوع من بدء العملية الانتخابية، وطرح تساؤلات حول أسبابه.

سياسيون وناشطون استغربوا قرار السيسي، لأنه بصفته رئيس الجمهورية، والمرشح للمنصب ذاته، صدّق على اختيار الهيئة القضائية التي ستتولى البت في إجراءات ترشحه للمنصب، ورأوا أن ذلك يثير علامات استفهام عن مدى استقلالية الهيئة، ونزاهة الانتخابات.

بعضهم أرجع القرار لرغبة السيسي في تنظيم حبكة تزوير الانتخابات الرئاسية، والتي تردد عبر جهات سيادية أنه سيفوز فيها بنسبة 70 بالمائة، و30 بالمائة لكل المرشحين أمامه، وخبرة الرئيس الجديد للهيئة في ذلك.

البعض الآخر أرجع عزل رئيس الهيئة السابق وتعيين بديلا له، إلى نشر صحفيين تفاصيل فضيحة سابقة تكشفت في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي لبعض القضاة ومنهم وليد حمزة، بالاستيلاء على أراضٍ للدولة ورصد الجهاز المركزي للمحاسبات ذلك، ليجري التخلص منه.

فريق ثالث رجح أن الأمر له علاقة باستجابة رئيس الهيئة السابق بطلبات قدمها معارضون بالنظر في إبعاد بلطجية النظام عن مقرات توكيلات المرشحين ونشر الشرطة.

عزل أم إكمال؟

حين توفي رئيس هيئة الانتخابات الأسبق المستشار لاشين إبراهيم عام 2020، والذي أشرف على التعديلات الدستورية السيئة لمد حكم السيسي في أبريل/نيسان 2019، وانتخابات مجلس الشيوخ الصورية 2020، عين السيسي مكانه وليد حمزة في يونيو/حزيران 2023.

ثم وبموجب القرار الجمهوري الصادر 4 أكتوبر 2023، جرى تعيين المستشار حازم بدوي بدلا من وليد حمزة.

وبررت صحف السلطة عزل "حمزة" بأنه جرى تعيينه لاستكمال مدة رئيس الهيئة المتوفى "لاشين" والتي تنتهي في 8 أكتوبر 2023، وفق ما نشرت صحيفة "الأهرام".

وقالت الصحيفة في 5 أكتوبر، إن العزل جاء "على اعتبار أن لاشين عُين عام 2017، وتنتهي فترته في 2023".

ونصت المادة 6 من قانون إنشاء هيئة الانتخابات على أن "يكون تعيين أعضاء المجلس عن طريق الندب الكلي لدورة واحدة مدتها ست سنوات، غير قابلة للتجديد"، ومن ثم يجري تغيير كل الهيئة برئيسها.

واكتفت صحيفة "الشروق" الخاصة 4 أكتوبر 2023 بتبرير التغييرات بتأكيد أنه "وفقا للدستور والقانون فإن السبب الوحيد لهذا التغيير هو أن رئيس الهيئة الحالي المستشار وليد حمزة، والأعضاء الخمسة الآخرين، قد أنهوا فترة عضويتهم بمجلس إدارة الهيئة الوطنية للانتخابات، والمقررة بـ 6 سنوات فقط غير قابلة للتجديد".

لكن قرار السيسي الذي نشره موقع "هيئة الانتخابات" تحدث عن "قرار جمهوري" بتعيين وليد حمزة رئيسا للهيئة منذ 2020 ولم يذكر أنه استكمال لمدة المستشار الراحل لاشين إبراهيم، ما يعني أنه جرى عزل "حمزة" لأن مدته تنتهي في 2026.

ويرى حقوقيون أنه جرى التحايل بفكرة استكمال "حمزة" مدة "لاشين" لعزله، لأن المادة رقم 26 من "قانون إنشاء الهيئة الوطنية للانتخابات" تنص على ضمانات لرئيس وأعضاء المجلس وأعضاء الجهاز من العزل.

كما تؤكد أنه "لا يجوز إنهاء ندب رئيس وأعضاء المجلس، إلا في حالات بسيطة منها طلب إنهاء الندب أو تقديم الاستقالة كتابة.

أو "فقد أحد شروط الصلاحية لوظيفته الأصلية" أو "الإخلال بأي من واجبات وظيفته المنصوص عليها في هذا القانون، أو القيام بأي عمل من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد.

وفي جميع الأحوال، لا يجوز إنهاء الندب إلا بعد صدور قرار من مجلس القضاء الأعلى أو المجالس الخاصة أو العليا للجهات والهيئات القضائية التي ينتمي إليها العضو، بثبوت مسئوليته أو فقده أحد شروط الصالحية.

وتتشكل "الوطنية للانتخابات" من عشرة قضاة يختارهم المجلس الأعلى للقضاء ومجالس الهيئات القضائية العليا الخمسة (محكمة النقض، محاكم الاستئناف، مجلس الدولة، النيابة الإدارية، وقضايا الدولة) بواقع قاضيين من كل جهة، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية.

لماذا الآن؟

لذلك قال الإعلامي حافظ المرازي في تغريدة على موقع "إكس"، إن تغيير رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات بعد أسبوع من بدء العملية الانتخابية "يعطي إشارة سلبية عن استقلالية الهيئة، خصوصا توقيت تغيير رئيس هيئة تحكيم السباق وليس فقط بعض أعضائها".

وسبق أن طالب مدير مؤسسة دعم العدالة، ناصر أمين، في سبتمبر/أيلول 2023 بضرورة إعداد قانون جديد للهيئة يضمن استقلالها وحيادها ونزاهتها، ويحدد اختصاصاتها وطريقة اختيار أعضائها بما يمنع رئيس الجمهورية من تعيين أهم المناصب بها.

وقال "أمين" لموقع "مدى مصر" 23 سبتمبر 2023 إن الحديث عن "الإشراف القضائي الكامل يمثل في بعض الأحيان تضليلًا للرأي العام في حالة عدم نزاهة الانتخابات".

وشدد على أن "السلطة التنفيذية تمتلك الكثير من أدوات التأثير على نتائج الانتخابات قبل وأثناء وبعد عملية الاقتراع".

قال إن "ذلك من بين أسباب تخلي الدستور الحالي عن نظام الإشراف القضائي الكامل، واستبداله بنظام الإدارة المستقلة للانتخابات الذي تتولى خلاله الهيئة الوطنية للانتخابات الإدارة والإشراف على (العملية الديمقراطية) والاستفتاءات من خلال أعضاء تابعين لها".

بدوره، عد رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان عزل السيسي "حمزة"، بأنه للتغطية على فضيحة سبق أن أشار إليها، تتعلق باستيلائه على أراضٍ واتهام جهاز المحاسبات له بذلك.

وكان جهاز المحاسبات قد طالب بمحاسبة القضاة المتورطين في تلك الواقعة ومنهم أيضا القاضي محمد شيرين فهمي، قبل عدة أعوام، لكن هذا الملف جرى التكتيم عليه بعد عزل رئيس جهاز المحاسبات السابق المستشار هشام جنينة وحبسه.

وأُطلق على حمزة لقب "مهندس الانتخابات الرئاسية عام 2014"، وهي الأولى التي خاضها السيسي، وأُجريت في وقت عصيب في ظل تشكيك منظمات حقوقية ودولية حول شرعيتها وضمانها ونزاهتها ومدى قانونيتها وسيرها. 

وقبل عزله من منصبه بيوم، اعترف المستشار وليد حمزة في بيان بأن "شكاوى وصلته عن صعوبة استخراج توكيلات مرشحين" خاصة المرشح أحمد طنطاوي، لكنه زعم أن تعطل أجهزة الكمبيوتر هو السبب.

من هو الجديد؟

كان ملفتا مع هذا أن القرار الجمهوري المنشور في الجريدة الرسمية برقم 426 لسنة 2023 الذي تضمن تعيين "بدوي" بدل "حمزة"، لم يشر إلى أن الرئيس الجديد لهيئة الانتخابات كان أيضا الرئيس السابق للجنة تظلمات اتحاد الكرة سابقا.

وهي اللجنة التي حققت في حادث استاد بورسعيد في 2012، الذي قتل فيه 72 من مشجعي النادي الأهلي وجرى اتهام مخابرات السيسي الحربية حينئذ بالمسؤولية عنه، وكان "بدوي" رئيسا لها.

ويقول الصحفي جمال سلطان إن المستشار حازم بدوي رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات التي ستدير انتخابات رئيس الجمهورية، هو أبرز رجال وزير العدل السابق أحمد الزند في نادي القضاة حين كان رئيسا له.

أكد، عبر تويتر، أنه "كان أول قاض ينتدبه الزند بجواره في وزارة العدل عندما تولاها، وهو المشرف على المحكمة التي قضت بسجن الحقوقي البارز هشام قاسم".

وكان مجلس أمناء الحوار الوطني طالب في مارس/آذار 2023، السيسي بتعديل قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، ليكون هناك إشراف قضائي كامل على الانتخابات

وبرر المنسق العام للحوار، ضياء رشوان، المقترح بأن الإشراف القضائي ضمانة لطمأنة المصريين أن لديهم "انتخابات حرة نزيهة أمام الجميع"، وهو ما رد عليه السيسي في اليوم التالي، بتوجيه للحكومة والأجهزة لدراسة المقترح.

لكن انتهى الحوار الوطني دون أن يوافق السيسي أو الحكومة أو البرلمان على ذلك أو تجري أي تعديلات تخص إشراف القضاة على الانتخابات.

ثم أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في 20 سبتمبر 2023 إجراء الرئاسيات بنفس الآلية التي جرت بها الانتخابات السابقة والاستفتاءات على التعديلات الدستورية.

وكان موقع "عربي 21" نقل في 24 مارس 2023 عن مصادر مصرية كواليس اجتماعٍ عقده مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل مع ممثلين للحركة المدنية الديمقراطية، لبحث اختيار مرشحين لمنافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية.

وأكدت المصادر أن "كامل" الساعد الأيمن للسيسي، طلب من ممثلي الحركة المدنية ترشيح 3 شخصيات مدنية لخوض انتخابات الرئاسة لعدم تكرار سيناريو 2018.

وأكد لهم أنه سيسمح للمرشحين الذين يجري الاتفاق عليهم، بالحصول على نسبة من الأصوات الانتخابية يمكن أن تصل إلى 30 بالمئة تتوزع على الأسماء الثلاثة.

وبالتالي يفوز السيسي بنسبة 70 في المئة فقط، حتى تظهر العملية الانتخابية أمام الدول الغربية، وكأنها جرت بطريقة ديمقراطية.

ووصفت المعارضة آخر انتخابات رئاسية في مصر بأنها "تمثيلية" بعد أن جرى اعتقال كل منافسيه وترشيح "كومبارس" (مرشح هامشي) أمامه من رؤساء الأحزاب الهامشية، ليفوز السيسي بولاية ثانية بنسبة 97 بالمئة.

وكان قد جرى إعلان فوزه أيضا في أول ولاية بـ 99 بالمئة، بعدما كانت مصر قد بدأت تتخلص من هذه النسبة المزورة وأجرت أول انتخابات حرة عام 2012 فاز فيها أول رئيس مدني هو الرئيس محمد مرسي بنسبة 51.73 بالمئة.