عبر "الجامعات المفتوحة".. هكذا يضيق وزير التعليم العالي المغربي آفاق الطلبة

عالي عبداتي | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تضييق حكومة عزيز أخنوش على المغاربة مستمر على مستويات عدة، ومنها حق استكمال التعليم في الجامعات، وسط اتهامات للوزارة الوصية على القطاع بخدمة الرأسمال، وتخريب التعليم العالي العمومي، ومخالفة القوانين ذات الصلة.

وترجع أصل القضية، إلى المفاجأة التي وجد الطلبة المغاربة أنفسهم أمامها، والمتعلقة باشتراط عدد من "الكليات ذات الاستقطاب/الولوج المفتوح"، الحصول على نقط محددة في البكالوريا للتسجيل في بعض التخصصات الدراسية.

وتضم هذه الكليات، الشعب الأدبية، وعلى رأسها دراسة اللغات والفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا، وكذا كليات الحقوق والعلوم الاقتصادية، والتي تضم دراسية الحقوق والاقتصاد.

والقسم الثاني من الدراسات العليا بالمغرب، يشمل "الكليات ذات الاستقطاب المحدود"، والتي تعلِن عن شروط التسجيل فيها كل سنة، وعن عدد المقاعد الدراسية المتوفر، ويوجد على رأسها كل من كليات الطب والصيدلة وكذا الهندسة والفلاحة والتكنولوجيا والمعلوميات.

ويعد اشتراط الحصول على نقط محددة للتسجيل في هذه "الكليات ذات الاستقطاب المفتوح" سابقة في تاريخ المغرب، حيث كان يحق للحاصلين على شهادة البكالوريا استكمال تعليمهم العالي في الشعب التي يختارون دراستها "دون أي قيد أو شرط".

وترى هيئات طلابية أن الهدف من هذه الإجراءات، هي "حرمان أبناء الشعب من حقهم التاريخي في التعليم المجاني، وتشجيع خصخصة التعليم، والخضوع للإملاءات الخارجية".

سابقة خطيرة

ويرى جامعيون وناشطون طلابيون أن الإجراء الجديد سيحرم آلاف الطلبة من التسجيل في الشعب التي يرون أنفسهم فيها، وسيحولهم قهرا إلى شعب "التكوين المهني".

ومرد النظرة الدونية من المجتمع لشعب "التكوين المهني" بالبلاد، يرجع إلى أنها توجد في آخر السلم الدراسي، حيث يلج إليها التلاميذ المتأخرون دراسيا، والمهددون بالطرد من النظام الأساسي، نظرا لضعفهم في الحصول على نقاط جيدة.

كما أن خريجو هذا التكوين، يندمجون في سوق الشغل في وظائف ذات مدخول محدود، وفي السلالم الدنيا من الوظيفة العمومية.

ويبلغ مجموع الطلبة المغاربة للموسم الجامعي 2023/2024 ما يناهز 1.3 مليون طالب وطالبة، منهم 94 بالمئة يتابعون دراستهم الجامعية بمؤسسات تعليم عالي عمومية.

وانتقد الأستاذ بكلية العلوم بمدينة الجديدة، وعضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي، عبد الحق غريب، دخول شرط المعدل في النقط حيز التنفيذ للتسجيل بالكليات ذات الاستقطاب المفتوح، ابتداء من سبتمبر/أيلول 2023.

وقال غريب لـ "الاستقلال" إن الإصلاح الذي جاء به وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، ينهي مع الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، ويعوضها بالكليات ذات الاستقطاب المشروط.

وأردف، "وكنت قد نبهت في مقال رأي سابق إلى أن العتبة أصبحت قانونية أي تم الشروع في العمل بها، ولم يعد من حق حامل البكالوريا التسجيل دون قيد أو شرط".

واسترسل غريب، كما "نبهت إلى أن الطلبة الذين يحصلون على البكالوريا بمعدل 10/20 أو أعلى بقليل، أي بعلامة متوسط، مهددون بالشارع أو مرغمون على التسجيل بالتكوين المهني وما يشبهه".

وشدد الأستاذ الجامعي على أن "حق الطلبة في التسجيل دون شروط بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، منصوص عليه في دفتر الضوابط البيداغوجية (التربوية) الوطنية لسلك الإجازة لسنة 2014، بمثابة قانون، لا سيما الضابطة (المادة) الثالثة منه، المتعلقة بشروط الولوج".

ووفق غريب، فإن "الجديد الإقصائي الذي جاء به الوزير ميراوي، يتمثل فيما ورد في الضابطة الرابعة من دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة الجديد، والذي قال إن التسجيل في أي تخصص بالفصل الأول من السنة الأولى بجميع الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، بات يتطلب ابتداء من سبتمبر 2023 شروطا وإجراءات".

وتأسف المتحدث ذاته لـ"غياب الاهتمام والنقاش بين الطلبة حول موضوع يهم مستقبلهم ومستقبل الجامعة العمومية، في وقت كان فيه الطلبة بالأمس القريب يناقشون هموم الطلبة، ويهتمون في الآن نفسه بأحوال الشعب والشعوب المضطهدة".

في المقابل، يرى كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، خالد الصمدي، أن "تفاصيل النقاط والمواد ذات الأولوية لكل تخصص، توكل إلى الجامعات، وإلى طبيعة كل تخصص دراسي على حدة".

واسترسل الصمدي لـ"الاستقلال"، بمعنى أن "الإقبال وارتفاع العدد قد يدفع بالكليات إلى تغيير معايير قبول أو انتقاء الطلبة، لولوج بعض التخصصات الدراسية، ومن بينها الكليات ذات الاستقطاب المفتوح".

وشدد على أن "الأصل في معالجة مشكل الاكتظاظ أو قلة المقاعد الجامعية يكمن في توفير المتطلبات المالية والبشرية من لدن الوزارة، وليس بحرمان الطلبة من الولوج إلى التخصص الذي يريدون دراسته".

وتابع الصمدي: "وهذا يتطلب أن يكون للوزارة مخططات عمل على هذا المستوى، كما يتطلب من الجامعات أن تكون لها إستراتيجيات متوسطة المدى، بخصوص كيفية الاستجابة للطلب المتنامي على تخصصات معينة، بما يضمن حق الطلبة في اختيار المسلك الذي يريدون، وفي الوقت نفسه، يضمن جودة التكوين والتأطير الجامعي".

تفاعل كبير

أمام هذه المستجدات الدراسية، وجهت النائبة البرلمانية عن حزب "التقدم والاشتراكية" المعارض، نادية التهامي، سؤالا كتابيا لوزير التعليم العالي حول "حرمان طلبة من التسجيل في الكليات ذات استقطاب مفتوح".

وكشفت النائبة البرلمانية، وفق موقع "زنقة 20" المحلي في 22 سبتمبر 2023، أن "جامعة ابن طفيل بالقنيطرة عمدت إلى تجاوُزِ معيار (الاستقطاب المفتوح)، في معاكسةٍ للتوجهات الرامية إلى توسيع استقطاب حاملي البكالوريا إلى الجامعة المغربية".

وقالت التهامي إن "قرار الجامعة المذكورة، يهم الامتناع عن تسجيل عدد كبير من الطالبات والطلبة في شعبة الدراسات الإنجليزية، بما أثار حفيظة فعاليات متعددة، فضلا عن الطلبة المعنيين وأسرهم".

وذكرت أنه "من أجل إضفاء طابع (المشروعية) المغلوطة على قرار المنع، لجأت الكلية المعنية بالجامعة المذكورة إلى فرض معدلات ونقط عالية وإقصائية من أجل انتقاء المؤهلين للدراسة بشعبة الإنجليزية، فيما يُحول هذه المؤسسة عمليا إلى جامعة ذات استقطاب محدود".

وشددت النائبة البرلمانية على أن "هذا الأمر غير مفهوم، لا سيما إذا استحضرنا واجب وزارة التعليم في توفير البنيات والموارد البشرية والمادية القادرة على استيعاب الطلبة في الجامعات ذات الإقبال المكثف، بجميع أصنافها".

واسترسلت: "وذلك عوض اللجوء، بأساليب غير متكافئة، إلى حرمان الطلبة من التسجيل في الشعب التي يختارونها ويلمسون في أنفسهم الرغبة والقدرة على متابعة الدراسة فيها".

وطالبت عضو مجلس النواب من وزير التعليم العالي "توضيح وتفسير حيثيات الموضوع، والكشف عن التدابير التي ستتخذها الوزارة من أجل احترام الكليات كافة لمجانية وعمومية التعليم العالي، والحفاظ على طابع الاستقطاب المفتوح في الجامعات التي تكتسي أصلا هذه الصفة".

بدورها، عبرت حركات طلابية عن تنديدها بتحويل تخصصات ذات استقطاب مفتوح، إلى استقطاب محدود، ونظموا وقفات احتجاجية في عدد من المواقع الجامعية، في عدة مدن منها، القنيطرة وفاس (شمال).

وفي هذا الصدد، انتقد "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، في بيان حول بداية الدخول الجامعي الجديد، نشره عبر حسابه على فيسبوك في 21 سبتمبر 2023، التضييق على "ولوج التخصصات ذات الاستقطاب المفتوح".

وقال الاتحاد الطلابي إن "الطلبة يعانون هذه السنة من دخول جامعي متعثر، ومزيد من التدابير الإقصائية، من قبيل وضع شروط تصفوية، وإغلاق التخصصات في وجه الطلاب".

وذكر البيان أن الهدف من هذه الإجراءات، هو "حرمان أبناء الشعب المغربي من حقهم التاريخي في التعليم المجاني"، وتشجيع خصخصة التعليم، والخضوع للإملاءات الخارجية.

وشدد الاتحاد الطلابي على أن "رقعة الانتقاء اتسعت لتشمل جامعات تطوان والقنيطرة وفاس وغيرها"، مؤكدا أن "الطلبة واجهوا هذه الإجراءات برفض كبير وغضب واسع".

ورأى أن "الإصلاح البيداغوجي (التربوي) الجديد، هو رأس المشكل القائم حاليا، خاصة وأن تنزيله يتم دون تقييم ولا نقاش للمخطط السابق"، داعيا جميع الطلبة إلى "الوحدة لأجل مواجهته وإسقاطه، دفاعا عن الحق في تعليم عمومي جيد ومجاني وشغل كريم".

عناصر الإصلاح

رؤية الحكومة لإصلاح القطاع أفصح عنها وزير التعليم العالي خلال ندوة صحفية في 20 سبتمبر 2023، حيث أعلن انطلاق "مجموعة من الأوراش(البرامج) المُهيكلة المندرجة ضمن تفعيل المخطط الوطني لتسريع تحول المنظومة".

وقال الوزير، وفق موقع "هسبريس" المحلي، إن هذه الإستراتيجية تتعلق بمحاور واضحة، هي "إرساء نموذج بيداغوجي (تربوي) جديد والنهوض بالبحث العلمي والابتكار"، بالإضافة إلى "تعزيز حكامة المنظومة".

وذكر ميراوي أن مشروع الإصلاح الذي أطلقته وزارته "يروم استعادة هيبة ومكانة الجامعة المغربية، بعد أن ساد الاعتقاد بأن مؤسسات الاستقطاب المحدود (هندسة وطب…) هي الأفضل".

وقال إن الوزارة تعوّل على "الرفع من قابلية الشغل لدى الخريجين وتعزيز قدراتهم لمواكبة المتطلبات المتسارعة للقطاعات السوسيو-اقتصادية".

غير أن كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، خالد الصمدي، يرى أن "ما يقوم به وزير التعليم العالي الحالي لا يستند على أي أساس قانوني أو تشريعي".

وذكر الصمدي لـ"الاستقلال"، أن "كل الإجراءات القائمة هي مؤقتة، ويمكن أن تتغير بمجرد المصادقة على الصيغة الجديدة لقانون 01.00، وبالتالي نحن الآن أمام تناقض وارتباك على مستوى البنية التشريعية والقانونية للإصلاح المعلن".

وأردف المسؤول الحكومي السابق متسائلا: "كيف لنا أن نبني إصلاحا جديدا على أساس إصلاح قديم؟" مشددا على أن "ما تقوم به الحكومة الحالية، يسقطنا في دوامة الإصلاح وإصلاح الإصلاح، وهو الأمر الذي جاء القانون الإطار ليقطع معه".

وأوضح الصمدي أن "مجال النصوص القانونية والتشريعية التي تؤطر المنظومة فيها تأخر كبير جدا، ما لم يصدر القانون المنظم للتعليم العالي 01.00 والذي يعود إلى سنة 2000".

وتابع: "سبق لحكومة سعد الدين العثماني 2017/2021 أن اشتغلت عليه، وتمت إحالته على المجلس الأعلى للتربية والتكوين، ثم أعيد بعدها إلى الحكومة".

واسترسل: "كان من المفروض أن تدخل ملاحظات المجلس إلى القانون القديم ويتم بعدها إخراج صيغته الجديدة إلى حيز التنفيذ، لأنه قانون مؤطر للإصلاح ككل"، منتقدا "عدم قيام الحكومة الحالية بهذا الأمر".

وعليه، يردف المتحدث ذاته، "تبقى مجموعة من الأوراش (البرامج) الحالية غير مستندة على أي إطار قانوني إجرائي، وستكون هذه الأوراش كلها مهددة بالمراجعة في حالة ما أقرت الحكومة مراجعة قانون 01.00".

إصلاح معطوب

وحمل الأستاذ الجامعي والقيادي النقابي، عبد الحق غريب، وزير التعليم العالي مسؤولية الاختلالات التي تقع بالجامعة المغربية، قائلا إن "ميراوي يَعد الجامعة العمومية ضيعته الخاصة، يقرر في شأنها ما يريد ومتى يريد".

واسترسل غريب لـ"الاستقلال"، "كيف لا، وهو الذي أعدّ (برنامج الإصلاح البيداغوجي) الذي يريد وأنزله في الوقت الذي يريد، بعد أن مرّغ أنف الأساتذة الباحثين في التراب وكسّر كبرياءهم، لمّا تجاهل تقارير الشعب وشبكاتها الوطنية وبيانات الفروع الجهوية للنقابة الوطنية للتعليم العالي".

ورأى غريب أن وزير التعليم العالي "مهووس بالعظمة والأنا، ويتعامل بكثير من التعالي والعناد"، وفق تعبيره.

وشدد على أنه أيضا "وزير منفصل عن واقع المجتمع المغربي وواقع الجامعة العمومية.. يقرر في شأن قطاع إستراتيجي وفي مستقبل أبناء وبنات الشعب من برج عاجي".

وقال غريب إن "الإصلاح البيداغوجي الذي جاء به الوزير كارثي، ولذلك رفضته جميع الشُّعب وشبكاتها الوطنية بالكليات ذات الولوج المفتوح في بيانات متعددة".

واستطرد: "لأنه إصلاح عنوانه الكبير إفراغ الجامعة العمومية من دورها الأكاديمي والعلمي والمعرفي"، معتبرا أن "معالم فشل ومشاكل هذا الإصلاح بدأت تطفو إلى السطح منذ الأيام الأولى من تطبيقه، كما هو حال القضية التي بين أيدينا".

وسبق أيضا للنقابة المغربية للتعليم العالي، أن أكدت أن "الضبابية تسود ملف تدبير الإصلاح البيداغوجي الذي أعلنت عنه وزارة التعليم العالي".

ووفق موقع "24 ساعة" المحلي في 12 يونيو/حزيران 2023، شددت النقابة ضمن تقرير رفعته إلى فرق برلمانية، أن الوثائق التي يفترض أن تكون مرجعية للإصلاح ومؤطرة لعملياته شابها ارتجال كبير، وصلت من غير قنواتها الطبيعية، مما يؤكد الاضطراب والارتجال.

وأردفت النقابة، هذا "دون الحديث عن الإشكال القانوني، المتمثل في الاشتغال بدفتر الضوابط البيداغوجية (القانون) لم يصادَق عليه".

وأكدت أن "إصلاح الجامعة المغربية لا يتم بـالترقيع، وأن الادعاء بالانطلاق من صفحة بيضاء كما يصرح بذلك وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، يدل على استخفاف كلي بالتراكمات التي حققتها الجامعة العمومية عبر مسارها، وتنكر لأبسط آليات الإصلاح، واستغفال للذكاء الجماعي".

ورأت النقابة أن "إصلاح المنظومة في شمولها وتنزيل مقتضياتها، رهين بالإشراك الفعلي لهياكل القرار بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، والتشاركية الحقيقية والفعلية والوضوح التام معها".

ونبهت إلى "غياب تقييم شامل للتجربة الحالية تكون منطلقا لبناء مشروع إصلاحي طموح، إضافة إلى غياب مبدأ التشاركية، واعتماد الإملاء الفوقي، الذي يضعف انخراط الفاعلين الأساسيين في عملية التنزيل (التطبيق)".

ورأت أن "مشروع الإصلاح المعلن عنه لم يأت بأي جديد كفيل بحل المعضلات الحالية، وعلى رأسها التراجع المهول في نسبة التأطير، الناتج عن تزايد أعداد الطلبة ومغادرة أفواج من الأساتذة الباحثين بسبب الإحالة على التقاعد، وشح صبيب إحداث المناصب المالية الجديدة الكفيل بتعويض تلك المغادرات".

ونبهت النقابة الوطنية للتعليم العالي، إلى "غياب الاهتمام بالهوية الوطنية، ومن ذلك إهمال استعمال اللغة العربية في التدريس والبحث".