حرب التوكيلات في رئاسيات مصر.. لماذا يقطع السيسي الطريق على منافسيه؟

داود علي | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

وسط أجواء عامة مليئة باليأس والترقب، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية في 26 سبتمبر/ أيلول 2023 عن موعد الانتخابات الرئاسية.

وقررت الهيئة الوطنية، فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على أن تكون الجولة الأولى للاقتراع داخل البلاد في 10 ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، لمدة 3 أيام، فيما ستجرى بالخارج في الأول والثاني والثالث من الشهر نفسه.

معركة التوكيلات

بعد يوم واحد فقط من إعلان الهيئة الوطنية، توجه المواطن سيد صابر رفقة 200 شخص من معارفه إلى مكتب "الشهر العقاري" بمدينة نصر في العاصمة القاهرة، لتحرير توكيلات للمرشح المحتمل، أحمد الطنطاوي. 

لكن يقول صابر في مقطع فيديو نشره على موقع "فيسبوك" في 27 سبتمبر، "فوجئنا بالموظف (عقب: أشك أنه موظف) لما علم أننا سنختار الطنطاوي يقول لنا السيستم (النظام) واقع (لا يعمل)".

وأضاف: "ثم فوجئنا بالمكان يمتلىء بالبلطجية الذين أحاطوا بنا، ما اضطر العائلات أن ينسحبوا سريعا خشية أن يصيبهم مكروه". 

واستطرد صابر: "بدأوا يراقبوننا كلما تحدثت في التليفون تنصتوا علينا، حتى جاء شاب لا أعرفه ونصحني بالانصراف سريعا حتى لا أتعرض لضرر، وقال نصا (أعينهم عليك ويريدون إيذاءك)".

وتابع: "اضطررنا للمغادرة، فوجدناهم يراقبوننا ويصوروننا ويصورون لوحات السيارة.."، متسائلا: "هل هذا يحدث في أي انتخابات أو أي بلد في العالم؟!". 

قصة المواطن المصري مثلت اختصارا لمعركة التوكيلات الشاقة في عهد النظام القائم، مع طرح تساؤلات كبيرة أهمها حول نزاهة لانتخابات مادام مجرد الحصول على توكيل صار أمرا صعبا.

ما وقع مع صابر، لم يختلف كثيرا عن ما حدث مع المواطنة رانيا الشيخ، التي ذهبت مع زميلها وسيدة أخرى لتحرير توكيل في الشهر العقاري بمنطقة "روض الفرج" في القاهرة.

وتروي في شهادتها على "فيسبوك" في 26 سبتمبر 2023، أن "القائمين بمجرد ما علموا أنهم قادمون لتوكيل الطنطاوي، أوقفوهم داخل الممر بالمؤسسة الحكومية، وفوجئوا بأكثر من 75 بلطجيا من الرجال والنساء". 

وبالفعل بدأوا في الاعتداء عليهم والتحرش بهم، مضيفة: "وجدت السيدات يجذبونني من شعري بقوة، إضافة إلى لكمات في وجهي ورأسي، واستطعنا النجاة بأعجوبة من الهجوم غير المبرر أو المفهوم". 

من جانبها، أعلنت مؤسسة "دعم القانون والديمقراطية" الحقوقية المحلية بالقاهرة، أنه في اليوم الأول لمرحلة جمع التوكيلات، قامت السلطات برفض تحرير توكيلات دعم المرشح الطنطاوي في 11 مكتب شهر عقاري وسفارتين.

واشتكى عدد من المصريين بالخارج من رفض السفارات تحرير توكيلات لهم، حيث قال المواطن، بيشوي عادل، عبر فيسبوك، "طيب أنا لسه خارج من السفارة في برلين ورفضوا يعملوا توكيل بحجة أن التعليمات لم تصل بعد". 

وهو نفس ما نقله حساب باسم "بطوطة" على منصة "إكس" قائلا: "ذهبت إلى السفارة المصرية في الرياض حتى أعمل التوكيل، قالوا لي أصلا ليس عندنا نموذج الترشيح لم يصلنا بعد والله انتظر قليلا، انتظرت ساعتين ومكنتش لوحدي في كذا حد كان يريد يعمل توكيل للطنطاوي وبردوا معرفناش نعمله ومشينا".

ضربة استباقية

وكان النظام المصري قد وجه ضربة استباقية لحملة المرشح المحتمل الطنطاوي، تحسبا لمعركة التوكيلات الانتخابية.

وفي 26 سبتمبر 2023، أعلنت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" ارتفع عدد أعضاء حملة الطنطاوي المقبوض عليهم، إلى 73 مواطنا.

وأعلن الطنطاوي في 27 سبتمبر عن تعليق حملته الانتخابية بشكل مؤقت لمدة 48 ساعة، بسبب ما وصفه بـ"التضييقات الأمنية الشديدة" التي تعرضت لها.

وذكر في بث مباشر عبر حسابه على "فيسبوك" أن "جميع من حاول عمل توكيل بهدف ترشيحه تمت مطاردته أو منعه أو رده عن مكاتب الشهر العقاري دون أسباب وجيهة".

ودخلت المرشحة المحتملة، جميلة إسماعيل، على خط الاعتراضات، حيث أصدرت بيانا في 28 سبتمبر، قالت فيه: "تم منع عدد من مؤيدينا من تحرير توكيلات لنا في عدد من مقرات الشهر العقاري بالقاهرة و المنوفية و الدقهلية ولم يكن المنع فقط بالمماطلة و التضييق بل وصل للتحرش والعنف الجسدي تجاه إحدي السيدات".

وأضافت: "يدفعنا مشهد منع تحرير توكيلات للمرشح الطنطاوي والتعسف ضد من تطوعوا من أنفسهم لتحرير توكيلات لنا، لاعتبار أن عملية تحرير التوكيلات الشعبية أصبحت محطة هامة للغاية لاستطلاع نية السلطة فيما يخص الانتخابات الرئاسية وضماناتها ومناخها".

وشددت: "لهذا نحن نستعد لدخول معركة التوكيلات الشعبية بكامل طاقتنا، وندعو كل مؤيدينا للبدء في تحرير توكيلات شعبية لنا والتواصل مع ممثلي الحملة في المحافظات". 

تلك الحالة دفعت سياسيين مصريين للشجب والتنديد، حيث غرد نائب الرئيس الأسبق، محمد البرادعي، قائلا: "مشهد بائس ومهين، سيئ ومسيئ". 

وقال رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، محمد أبو الغار، إن "النظام يتصرف بغرابة أو غباء أو جهل  تجاه المرشح الطنطاوي، هل الأجهزة فاقدة الثقة في شعبية السيسي لتقوم بهذه التصرفات المخجلة والتي تظهر للمصريين ودول المنطقة والعالم كله أنهم مرعوبون من فشل الرئيس في الانتخابات".

ومع ذلك شهد يوم 29 سبتمبر 2023 أجواء ساخنة عندما شارك المرشح الطنطاوي، مؤيديه في بعض المحافظات، جمع التوكيلات المطلوبة لتمكينه من خوض الانتخابات الرئاسية.

ونظم جولات على مقرات "الشهر العقاري" بمحافظتي القاهرة والجيزة، في محاولة لطمأنة مؤيديه بعد أيام من منعهم من تحرير توكيلات التأييد، والانتهاكات التي تعرضوا لها.

لكن الملفت في الفيديوهات التي نشرها الطنطاوي ومؤيدوه على منصات التواصل الاجتماعي، أنها شهدت هتافات ميدانية تطالب برحيل رئيس النظام السيسي. 

كما شهدت إحدى التجمعات التي تواجد بها الطنطاوي، هتاف ثورة 25 يناير الشهير "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".

وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2011، اندلعت الثورة في مصر عبر احتجاجات شعبية استمرت 18 يوما حتى أجبرت الرئيس آنذاك، محمد حسني مبارك، على التنحي بعد ثلاثين عاما في الرئاسة (1981-2011).

خاسر خاسر 

وقال الناشط المصري، العضو السابق بحزب "الدستور"، عامر حسن: "رغم أن الانتخابات تبدو محسومة في ظل المنظومة الحالية بقبضتها الأمنية والاستخباراتية، لكن العملية الانتخابية وأجواءها تشكل قلقا بالغا للسيسي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية".

وأضاف حسن لـ"الاستقلال": "هي أشبه بمعركة في حرب طويلة، والسيسي لو فاز فيها فهو خاسر في جميع الأحوال". 

وتحدث عن مسألة جمع "التوكيلات" وسعي النظام لمنع المرشحين من إتمام توكيلاتهم الشعبية بالكامل (25 ألف توكيل) وسيكتفي بمن أريد له أن يكمل تمثيلية المنافسة، أن يحصل على تزكيات برلمانية فقط. 

ورأى حسن أن "ذلك يعود لنفسية (الجنرال) وعقدة الحاكم، فالأنظمة كلما تورطت في أزمات، كلما تشددت في إظهار نفسها أنها تحوز على شعبيات فائقة، وأن الجماهير والأمة ملتفة حولها". 

وأتبع: "مثلا لو نظرنا لخريطة تصويت الانتخابات الرئاسية المصرية عبر العصور، فسنجد أن الرئيس محمد أنور السادات عام 1970 حصل على نسبة 90 بالمئة وكانت نسبة تحاول أن تبرز فكرة الديمقراطية، خاصة أن جمال عبد الناصر في انتخابات 1958 و1965 حصل على نسبة 100 بالمئة". 

وأكمل: "لكن عندما بدأ السادات يدخل في سياق التطبيع وانحسرت شعبيته فعليا، فوجئنا في انتخابات 1976 بحصوله على 99.94 بالمئة ما جعله محل سخرية آنذاك". 

ولفت حسن إلى أن "الانتخابات الوحيدة في تاريخ مصر التي شهدت نسبة طبيعية هي انتخابات عام 2012 عندما حصل الرئيس المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي على 51.73 بالمئة".

وأضاف: "بينما كل الانتخابات التي تمت في عهد السيسي 96 بالمئة والثانية 97 بالمئة وتلك الثالثة لن يقل في تقديري عن 95 بالمئة، ومنافسه لن يدخل عن طريق التوكيلات، بل بالتزكية وفي إطار محدود". 

واستدرك: "ومع ذلك فإن الحرص على عمل توكيلات والسعي نحو حق التصويت والتمسك بالأمل معركة تستحق المضي قدما فيها، لأنها الحل الوحيد للتغيير وإن كان طويل الأمد".

وختم حسن حديثه بالقول: "غاية الديكتاتوريات أن يكفر الشعب بالسياسة، وأن تتحول العملية إلى مشاهد تمثيلية كما يحدث في مصر في ظل حكم العسكر، وكما حدث في سوريا والعراق في ظل حزب البعث، وفي النموذج العربي المؤسف للحكم ولصياغة الديمقراطية".