"عبد الفتاح المكسيكي".. لماذا بدأ داعمو السيسي في القفز من سفينة الانقلابي؟

داود علي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

"العائدون من المكسيك"، مصطلح جديد استحدثه المعارضون لنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، ليثير جدلا كبيرا ساد منصات التواصل الاجتماعي.

وفي 6 سبتمبر/ أيلول 2023، تصدر وسم "العائدون من المكسيك" منصة "إكس" تويتر سابقا، وشارك فيه عدد كبير من النشطاء والسياسيين من مختلف التيارات.

ويرمز الوسم لمؤيدي النظام الذين راجعوا مواقفهم، وتبدلت لهجتهم إلى نقد السيسي ومعارضته.

وتأتي هذه المراجعات على وقع التدهور الاقتصادي وتردي مستوى المعيشة، ومواقف السلطة السياسية الأخيرة المثيرة للجدل.

وأعرب كثير من المشاركين عبر الوسم المذكور عن خيبة أملهم المطلقة، وبعضهم طالب بضرورة إنهاء حكم السيسي وإيجاد البديل له. 

لماذا المكسيك؟ 

استوحى صانعو "الوسم" فكرة "العائدون من المكسيك"، لمقطع مصور للقاء ميداني مع شاب مصري في 22 أبريل/ نيسان 2022، كان يوجه فيه رسالة لرئيس النظام بسبب الأسعار والغلاء. 

لكن الشاب تلعثم وبدلا من أن يقول عبد الفتاح السيسي قال "عبد الفتاح المكسيكي"، وهو ما لاقى موجة من التفاعل الواسع والسخرية آنذاك. 

ومن هذا المنطلق تم استحضار فكرة "العائدون من المكسيك" لربط الوسم بالمقطع الشهير للشاب المصري. 

ومن الذين غردوا تحت هذا الوسم وعبروا عن ندمهم تأييد السيسي، الدكتورة هدى صالح، وقالت: "على فكرة تعليق أنا ندمانة ده مش معناه أبدا إني في أي وقت أختار أمثال واكد والبرادعي. أنا ضد كل دول، أنا مع مصر وبس".

وعلق حساب باسم "سي سلامة عبد الحميد" قائلا: وإذ فجأة. وبعد أكتر من 10 سنين من دعمه ومشاركته ولو بالصمت في جرائم قتل واعتقال وظلم ونهب وسرقة وتفريط وتدمير. اكتشف بعضهم إنه فاشل وضيعهم والبلد رايحة في داهية بسببه". 

وعلى مدار السنوات الماضية، تزايدت رقعة المنسحبين من دعم السيسي أو من الذين أطلق عليهم "تحالف 30 يونيو" الذي كان يمثل القاعدة الشعبية لدعم رئيس النظام. 

ومن الشخصيات البارزة التي أعلنت ندمها الفنان عمرو واكد حيث غرد واكد عبر حسابه على "تويتر" في 25 مايو/أيار 2021، قائلا: "أعتذر وبشدة لكل ضحايا رابعة والنهضة الأبرياء عن كلامي".

وأضاف: "بعدما قرأت تقرير لجنة تقصي الحقائق بتاعهم (منظومة الانقلاب) الذي ورد فيه أن عدد السلاح المحرز كان حوالي 15 قطعة أرى أن قتلهم لقرابة الألف مواطن يجعل هذه أسوأ مذبحة للأبرياء في تاريخ مصر".

وأشار واكد إلى تصريحات سابقة له في مقابلة تلفزيونية برر فيها مذبحة رابعة، ومؤيدا السيسي فيما أقدم عليه.

وعلق على المقطع: "سيظل كلامي في هذا الفيديو وصمة عار علي ما تبقى لي من العمر".

واختتم حديثه مبديا الندم الشديد: "أتمنى أن يسامحني الضحايا وأهاليهم وأن ربي يقبل توبتي".

وبسبب مواقفه المعارضة من رئيس النظام، يواجه واكد أحكاما عسكرية بالسجن تصل إلى 8 سنوات.

ففي 9 سبتمبر/أيلول 2019، شن هجوما على السيسي مشاركا عبر هاشتاغ "كفاية بقى يا سيسي". 

وتساءل واكد حينها عن جدوى الضرائب التي يدفعها المواطن لـ"تبددها مجموعة من الضباط دون رقابة".

تحولات مهمة 

وعلى نفس النموذج، مضى الفنان خالد أبو النجا، الذي كان مؤيدا للانقلاب العسكري، والإطاحة بالسلطة المنتخبة عام 2013. 

وقال أبو النجا في 13 أغسطس/ آب 2015، إن "ما حدث في رابعة العدوية مثل نقطة تحول أساسية في الأحداث بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي"،

وأضاف: "رغم اختلافي في الرأي مع المتظاهرين في رابعة العدوية، إلا أن فض الميدان بالقوة مثّل خطوة إلى الوراء، وأنه لا حل حاليا إلا بتنحي السيسي".

وذكر في تصريحات صحفية أنه "لا يرى ضوءا في آخر هذا النفق المظلم الذي جرنا إليه السيسي، سواء بالفض أو الفكر الأمني الفاشل، ثم بلوى تكميم الأفواه لأي رأي مخالف".

وشددا في الوقت ذاته أن "على السيسي التنحي، والاعتراف بفشل فكرة رجوع العسكر إلى سدة الحكم". 

ويرجع تحول قطاع من حلفاء السيسي السابقين عليه إلى خيبة الأمل التي شعروا بها، بسبب الفشل الذريع الذي واكب سياسة النظام في العديد من الملفات، والاصطدام الشرس بكثير من الفئات والقطاعات.

ومن الذين دخلوا في صدام مبكر مع السلطة بعد الدعم المطلق، الاستشاري المعماري العالمي، المهندس ممدوح حمزة، الذي كان في طليعة مؤيدي الانقلاب، ثم تحول إلى المعارضة، وجرى استهدافه وتقييد مشاريعه فهرب من مصر للخارج.

وفي عام 2015، اعترض حمزة على إعلان السيسي شق تفريعة قناة السويس بالمخالفة لكل الدراسات التي أكدت عدم جدواها في ظل تراجع التجارة العالمية، وعده مشروعا فاشلا بلا جدوى. 

لكن وصل إلى ذروة خلافه، عندما رفض اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي مع إثيوبيا بشأن سد النهضة عام 2015، وعده اتفاقا خطيرا على حساب مصر وأمنها المائي.

وفي حوار مع موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 19 يونيو/ حزيران 2021، أكد حمزة أن "ثورة شعبية قادمة ستهز عرش الطاغية".

يأتي كذلك الملياردير نجيب ساويرس، وكان من الذين أعلنوا دعمهم بشدة للسيسي لقمعه الإخوان الذين سعت أول حكومة في عهدهم لإجباره على دفع مليارات الجنيهات من أموال التهرب الضريبي.

لكن عقب تضرره من "بيزنس" الجيش الذي تغول على القطاع الخاص، بدأ يهاجم النظام علانية.

ومن أبرز انتقاداته ما جاء في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية في 21 نوفمبر 2021، حيث انتقد الوضع الاقتصاد، وتغول شركات الجيش في البيزنس، مؤكدا أن "الشركات المملوكة للحكومة أو للجيش لا تدفع ضرائب".

تفكك طبيعي

كان أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حازم حسني، من أكبر مؤيدي انقلاب 3 يوليو 2013، ومن الذين ساهموا في تنظيم مظاهرات 30 يونيو التي سبقته، ومن داعمي السيسي نحو الرئاسة.

قبل أن يتحول في السنوات التالية إلى انتقاد سياساته، وفي عام 2018، أصبح متحدثا باسم حملة ترشح رئيس أركان الجيش سابقا، الفريق سامي عنان، لانتخابات الرئاسة.

وذلك قبل أن يتم القبض على عنان نفسه لاحقا بتهمة خرق القوانين العسكرية بإعلانه الترشح للرئاسة.

وفي سبتمبر/أيلول 2019، وجد حازم حسني نفسه رهن الاعتقال وواجه اتهامات مشاركة جماعة إرهابية والترويج لأغراضها، ونشر شائعات وأخبار وبيانات كاذبة. وقد أفرج عنه لاحقا في فبراير/ شباط 2021، وبعدها قدم استقالته من جامعة القاهرة في أبريل/ نيسان 2021، احتجاجا على دورها السلبي وعدم الاهتمام باعتقاله، ثم انزوى عن الحياة العامة. 

أما حازم الآخر الذي انقلب على السيسي، وأصبح من ألد خصومه هو حازم عبد العظيم، الذي كان من أبرز مؤيدي الانقلاب العسكري.

وأكثر من ذلك أنه عمل منسقا للجنة الشباب في الحملة الرسمية لترشيح السيسي لرئاسة الجمهورية عام 2014. 

لكنه أخذ منحى مختلفا عام 2015، عندما تمرد وفضح دور المخابرات في تشكيل البرلمان، فاستبعد من جميع المهام. 

اعتقل عبد العظيم في 26 مايو/أيار 2018، بسبب التشكيك والهجوم المستمر على سياسة السيسي، ورغم الإفراج عنه عام 2020، إلا أنه أجبر على الصمت والابتعاد عن العمل العام والسياسي.

الباحث المصري بجامعة "آيدن" التركية، أحمد زكريا، وصف وسم "العائدون من المكسيك" بـ"الفكرة العبقرية" وأنه يأتي في سياق إبداع المصريين في السخرية، ومواجهة أعتى الظروف بـ"النكتة" وهي من سمات الشعب الأصيلة. 

وقال زكريا لـ"الاستقلال" إن "ما يحدث من تراجع في قطاع مؤيدي السيسي يرجع لعدة عوامل رئيسة، الأول أن السلطة كلما بقيت كلما كثر أعداؤها حتى من داخل بيتها".

وأضاف "العامل الثاني، خطايا النظام خاصة الاقتصادية وزيادة رقعة الفقر وتساقط الطبقات إلى الأدنى على رأسها الطبقة المتوسطة، إضافة إلى الفشل في الحفاظ على الأمن القومي مثلما حدث في قضية سد النهضة". 

واستطرد: "من العوامل المهمة أيضا أن نظام السيسي اصطدم بالعديد من الفئات كالموظفين ورجال الأعمال والأطباء والمهندسين وغيرهم، وهذا ساهم في خلق كتلة عريضة ترفضه شكلا وموضوعا، ومنهم من كانوا مؤيدين له بالفعل، لكنهم تراجعوا على وقع الضرر البالغ الذي لحق بهم". 

وأوضح زكرياأن "النظام في الأساس يعتمد على كتل بعينها كعمود الخيمة لبقائه، أهمها دوائر الجيش والأمن والقضاء، ذلك المثلث هو مقصد السيسي منذ البداية، وطالما يراه ثابتا فلا مشكلة لديه". 

واستدرك: "لكن ذلك لا يجعله في مأمن مطلقا من انفجار شعبي أشرس من ثورة 25 يناير، كما توقعت العديد من التقارير الدولية، وقتها ستظهر المعادلة الصفرية إما أن يرحل أو تنتهي الدولة، على غرار ما حدث مع الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك".