كتائب شيشانية تقاتل ضد موسكو وأخرى ضد أوكرانيا.. كيف قسمها بوتين؟ 

لندن - الاستقلال | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على مدار 5 قرون، سطر التاريخ الشيشاني في أرض القوقاز أسماء بارزة عرفت بمقاومتها الاحتلال الروسي لبلادها قديما وحديثا وطلبها للاستقلال.

وبدأت هذه السلسلة على يد الإمام شامل (الداغستاني) وامتدت إلى جوهر دوداييف وأصلان مسخادوف وشامل باسييف والقائمة تطول.  

ولكن هذه القائمة انحرفت بوصلتها وخرجت عن مسارها بعد ظهور الرئيس الشيشاني الأسبق أحمد قديروف، والذي بدأ هو وابنه وخليفته رمضان حياتهما مع المجاهد القائد شامل باسييف.

وعين باسييف أحمد قديروف مفتيا لجمهورية الشيشان عام 1994، لكن الاتفاق لم يدم طويلا.

فقد اختلف قديروف الأب مع المجاهدين وأصبح عميلا لرئيس الوزراء الروسي وقتها فلاديمير بوتين الذي استطاع أن يجلس على كرسي الكرملين عام 2000.

وجاء ذلك بعد نجاحه في عمله كرئيس لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي في توظيف العملاء من أجل استعادة السيطرة على الشيشان والقضاء على المجاهدين المطالبين بالاستقلال بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مثل ما حدث مع عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة.

ويبدو أن الصورة لم تتغير كثيرا اليوم، فقد جرت الاستعانة بقوات أحمد الشيشانية أو "أخمات" كما يطلق عليها باللغة الروسية في خضم العدوان الروسي على أوكرانيا.

وجاء ذلك وسط تمرد نفذته قوات المرتزقة الروسية "فاغنر" والتي كانت تقاتل تحت إمرة موسكو وتنفذ مذابح وانتهاكات تتنصل منها الأخيرة وتعلن عدم تبعيتها رسميا لها.

وتعد هذه أول قوة تحارب خارج أراضيها بشكل رسمي لصالح دولة أخرى في الاعتداء الروسي على أوكرانيا.

مليشيات قديروف

وقرر الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، بُعيد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، تأسيس مليشيات عسكرية خاصة منحها اسم والده.

 وهي مكونة من 4 كتائب: كتيبة أحمد شرق وأحمد غرب وأحمد جنوب وأحمد شمال ويبلغ عددها 10 آلاف جندي. 

ويرأسها الجنرال آبتي علاء الدينوف، الذي نجا في فبراير 2023 من محاولة تسمم عبر تلقيه طرداً مشبوهاً.

وتتسلح مليشيات أحمد بأحدث وأقوى الأسلحة الروسية، كما أشارت بعض الصحف لامتلاكها دبابات ومركبات. وتحمل جميع المركبات شعار حرف "Z" بالإنجليزية، وهو شعار دعم القوات الروسية في أوكرانيا.

وقد وقعت مليشيات أحمد عقدا مع وزارة الدفاع الروسية بعد يوم واحد من رفض مليشيات "فاغنر" التوقيع على عقد مماثل 12 يونيو/حزيران 2023. 

وبموجب العقد، سيحصل المقاتلون على جميع المزايا والضمانات التي تتلقاها القوات النظامية الروسية. وتعد قوات أحمد، القوة الوحيدة من خارج روسيا وأوكرانيا المنخرطة في القتال داخل الأراضي الأوكرانية.

وتشتهر مليشيات أحمد ببعض الطقوس قبل دخولها أي معركة ومنها أداء ما يسمونها بصلاة "الفتح" ثم التهليل والتكبير.

ومن ثم الدخول في المعركة بضراوة وشراسة يتفاخر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند الحديث عن مليشياته الجديدة التي حققت ما عجزت عنه "فاغنر".

وقد ساهم هذا التحول على يد رمضان قديروف ومن قبله والده في حدوث انقسام حاد في صفوف المقاومة الشيشانية التي هربت من البلاد بعد الملاحقات والاغتيالات في عهد الابن لمعارضي التبعية لموسكو.

وبرزت أسماء كثيرة عملت موسكو على تكريمها في مليشيات أحمد، وتعد هذه الشخصيات الأذرع الطولى لقديروف، وأبرزها:

آدم سلطانوف دليمخانوف، وهو ابن عم الرئيس الشيشاني الحالي رمضان قديروف والذي وصفه الأخير بالشخص الذي يمكن أن يحل محله.

ولد عام 1969 في دليمخانوف في مدينة بينوي بمقاطعة نوازي-يورتسكي الشيشانية. دخل منذ شبابه في صفوف الجيش الأحمر "السوفيتي" حتى عام 1989.

ولا يذكر له أي قتال ضد الجيش الروسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمحاولات الشيشانية في التحرر والاستقلال. 

انضم سلطانوف إلى روسيا بعد أن أصبحت قوات أحمد قديروف تحت مظلة الكرملين عام 1999. وكانت أولى مناصبه مدير قسم التحليل والتخطيط في وزارة الداخلية وكانت مهمته ملاحقة المقاتلين الشيشانيين المطالبين بالحرية والانفصال عن موسكو. 

كما تولى منصب النائب الأول لرئيس الوزراء في الحكومة الشيشانية بين عامي 2006 -2007. ثم أصبح لاحقا عضوا في مجلس الدوما الروسي كممثل لحزب روسيا المتحدة التابع لبوتين.  

أسهم سلطانوف في التخطيط والإشراف على عمليات اغتيال المعارضين السياسيين لبوتين، فقد اتهمته إمارة دبي الإماراتية بأنه العقل المدبر لعملية اغتيال القائد العسكري الشيشاني السابق سليم يماداييف.

 والذي اغتيل بعد إطلاق النار عليه بمرآب للسيارات بالإمارة في 28 مارس/آذار 2009. 

وقد اتهمه صحفيون وناشطون في حقوق الإنسان في روسيا بارتكاب انتهاكات وجرائم ضد حقوق الانسان. ففي عام 2014 فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بسبب تورطه مع جماعة "براذرلي سيركل - Brotherly Circle" المحظورة.

وفي 15 فبراير 2022 اتهمت السلطات التركية سلطانوف بقيادة فريق والتخطيط لاغتيال زعيم شيشاني يعيش في تركيا، قاتل ضد النظام الروسي في سوريا. 

وبحسب صحفية "صباح" المحلية، فقد تمكنت المخابرات التركية من اعتقال خلية روسية مكونة من 6 أشخاص يعملون لصالح موسكو، وهم 4 روس وشخص أوكراني وآخر أوزباكستاني.

حصل سلطانوف على لقب بطل الاتحاد الروسي في أراضي دونيتسك ولوهانسك وأوكرانيا وذلك للدور الذي لعبه في احتلال مدينة ماريوبول الأوكرانية.  

ومن الرجال حول قديروف، يأتي آبتي علاء الدينوف، وهو رئيس أركان مليشيات أحمد في أوكرانيا ولد في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1973 في قرية غورني، بمنطقة بريدغورني الشيشانية. 

تخرج في عام 2001 من جامعة ولاية الشيشان بدرجة في القانون. وبين عامي 2004/2002 شغل مناصب مختلفة في وزارة الشؤون الداخلية للجمهورية. 

في 2009 كان علاء الدينوف رئيس قسم وزارة العدل لجمهورية الشيشان. وبين عامي 2011 /2022 كان نائب وزير الداخلية ورئيس الشرطة. وأصبح في عام 2022 مساعد رئيس الجمهورية.  

وفي عام 2022 حصل علاء الدينوف على لقب بطل الاتحاد الروسي، وذلك للخدمات المقدمة للدولة الروسية والتي ظهرت خلال العملية العسكرية الخاصة على أراضي لوهانسك.  

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، جرى تعيينه نائبا لقائد العمليات القتالية في فيلق الجيش الثاني لمديرية المليشيات الشعبية التابعة لوزارة الدفاع الروسية. 

الكتائب الشيشانية

في المقابل، ظهرت كتائب شيشانية تقاتل إلى جانب أوكرانيا وضد الروس منذ عام 2015.

وتبرز هنا 3 مجموعات مسلمة جرى تشكيلها في إطار "كتائب المتطوعين الأوكرانية" لمواجهة الحركات الانفصالية الأوكرانية ومواجهة الغزو الروسي الذي انتهى باحتلال جزيرة القرم وانفصال إقليمي دونيتسك ولوغانسك.

ويتكون معظم مقاتلي الكتائب الشيشانية ممن فروا بعد سقوط جمهورية الشيشان إلى دول أوروبية عديدة، بعدما خاضوا لسنوات معارك ضارية مع روسيا خلال الحرب الشيشانية الأولى والثانية التي انتهت عام 2009 بسيطرة حكومة قديروف الابن المدعومة من موسكو على البلاد، حيث تدفق مئات الآلاف منهم نحو أوروبا وتركيا ومناطق أخرى.   

وتقاتل "كتيبة الشيخ منصور" الشيشانية تطوعا مع الجيش الأوكراني ضد الغزو الروسي لأوكرانيا وذلك انتقاما لما فعلته موسكو في جبال القوقاز وتتار القرم على مدار تاريخها القديم والحديث. 

وقد ظهر اسم هذه المجموعة الشيشانية المناوئة لروسيا عام 2015، وذلك من أجل مواجهة الحركات الانفصالية المدعومة من روسيا في عام 2014 وصد التدخل العسكري الروسي.

  وفي حواره مع صحيفة "الغارديان" البريطانية عام 2015، يقول "مسلم تشيبرلوف" الذي يقود كتيبة الشيخ منصور في أوكرانيا، إنه قضى عقدين في قتال الروس في الشيشان بعدما دفن بيديه العديد من أفراد عائلته الذين قتلتهم روسيا، كجزء من التعبئة الشعبية التي قاومت القوات الروسية في حربين من أجل الاستقلال.

 ثم لاحقاً كجزء من الحركة المسلحة السرية، التي نفذت عدداً من الهجمات المسلحة الدامية ضد الروس حتى في قلب موسكو.  

وأكد تشيبرلوف أن كتيبته تقاتل منذ عام 2015 جنباً إلى جنب مع حركات اليمين المتطرف الأوكرانية مثل "القطاع الأيمن" و"كتيبة آزوف".

وأضاف: "لدينا علاقة جيدة للغاية مع كتائب المتطوعين الأوكرانية، بما في ذلك آزوف، نحن نقاتل معاً على الجبهة، ونتشارك في العديد من الصداقات، ولا نجادل أبداً حول العرق أو الدين".  

ومنها كذلك "كتيبة جوهر دوداييف" والتي سميت على اسم أول قائد شيشاني رفع لواء التحرر من الاحتلال الروسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وأيضا أول رئيس للجمهورية الشيشانية.

تتكون الكتيبة من متطوعين شيشانيين، حاربوا في الحرب الشيشانية الأولى والثانية من أجل إقامة الجمهورية. 

وتخضع الكتيبة لقيادة المواطن الشيشاني الذي تلقى تعليمه في بريطانيا آدم عسماييف منذ مطلع فبراير 2015، بعد مقتل عيسى موناييف في معركة دبالتسيف في شرق أوكرانيا. 

وبحسب تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية فإن كتيبة دوداييف تواجه الجيش الروسي في دونباس تحت قيادة أوكرانية، وذلك بهدف إضعاف موسكو وعلى أمل إحياء الجمهورية الشيشانية المستقلة.

 والثالثة عادت إلى الواجهة مجددا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي كتيبة "تتار القرم" بقيادة عيسى أكاييف.

ودعت هذه الأخيرة، إلى التوحد تحت سقف واحد، مع كتيبة "نعمان جيلبيتشان" التترية أيضًا، التي أُسّست في مدينة خيرسون التي تبعد 3 كيلومترات عن شبه جزيرة القرم.

إذ كان يقود كتيبة "نعمان جيلبيتشان"، لينور إسلاموف، وهو رجل أعمال وسياسي تتري معروف كان النائب السابق لرئيس وزراء القرم قبل أن تسقط بيد روسيا.

 وقد تأسست هذه الكتائب بعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014. 

ويعود تاريخ الأزمات الروسية من جهة والقوقازية والتترية من جهة أخرى إلى صراع النفوذ والتوسع بين الدولة العثمانية والإمبراطورية القيصرية.

 فبعد دخول مواطني هذه البلاد من تتار القرم والقوقاز والبحر الأسود في الإسلام أصبحت تبعيتهم للدولة العثمانية التي كانوا ينتمون لها. 

لكن الأطماع القيصرية في التوسع والوصول إلى المياه الدافئة ومضائق البوسفور والدردنيل. بالإضافة إلى إعادة تنصير سكان هذه المناطق من جديد كانت الدافع وراء بدء الصراع القيصري العثماني منذ عام 1568 وانتهى عام 1918.

ودارت بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية 13 حرباً ضروسا. وكان سكان مناطق القوقاز هم واجهة مدفع العثمانيين في وجه التوسع القيصري.

 ومع الأمراض التي توالت على الدولة العثمانية وأفول نجمها، بدأ الغرب الأوروبي من جهة والشرق الروسي القيصري من جهة أخرى في قضم الأطراف والأجزاء القريبة منهم مثل القوقاز وتتار القرم.