إلياس العماري.. رمز الدولة العميقة بالمغرب وخصم الإسلاميين المتهم بالاتجار بالمخدرات

عالي عبداتي | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

نموذج الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، شكّل قبل سقوطه مصدر إلهام للعديد من الشخصيات المغربية النافذة، والتي حاولت تكرار التجربة التونسية في المملكة، حيث يتحكم النظام وأجهزته في كل مفاصل الدولة والمجتمع.

والعنوان الأبرز لهذا المسعى، كان عبر "حركة لكل الديمقراطيين" عام 2007، التي قادها فؤاد عالي الهمة، صديق الملك محمد السادس، والرجل القوي في صناعة القرار بالبلد، وهي الحركة المدنية التي تحوّلت إلى حزب "الأصالة والمعاصرة" عام 2009.

وخَلف الهمة كانت ألسن أهل السياسة والاقتصاد والإعلام، تتداول اسم "إلياس العماري" (56 عاما) بكثير من الحذر، لما اشتهر به من سلطة كبيرة ونفوذ مترامي الأطراف، جعله محل ترهيب للنخبة.

وبعد عقد من الصراع السياسي من داخل حزب "الأصالة والمعاصرة"، غادر العماري المغرب عام 2019، عقب استقالته من مهامه الرسمية والحزبية، دون الإفصاح عن مكان وجوده، ليعود في يونيو/حزيران 2023، ويخلق الجدل من جديد، بل قال بعضهم إنه "عاد لإنعاش الحياة السياسية".

النشأة والمهام

إلياس العماري من مواليد 1967 بإقليم الحسيمة، الواقعة بمنطقة الريف شمال المغرب، وكان والده فقيها يؤم الناس في أحد مساجد قرية "آمنود".

تلقى العماري تعليمه الأساسي والثانوي بالحسيمة، وانتقل إلى مدن وجدة وفاس والرباط لاستكمال تعليمه الجامعي، غير أن نشاطه الطلابي وانضمامه لليسار حالا دون استكمال مشواره الجامعي، وفق مقربين منه.

شغل الرجل مهام حزبية ورسمية متعددة، آخرها انتخابه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة في يناير/كانون الثاني 2016، ورئيسا لإقليم طنجة تطوان الحسيمة، عقب تشريعيات أكتوبر/تشرين الأول 2015.

كما تقلد العماري عضوية مؤسستين دستوريتين، ويتعلق الأمر بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عام 2002، والمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري عام 2003.

وكانت له علاقات قوية بصفوف اليسار، واستثمر صداقاته مع رموز هذا التيار للمصالحة مع النظام الملكي والانخراط في الحياة السياسية والحقوقية، حيث كان العديد من اليساريين في سبعينيات القرن الماضي يناوئون الحكم الملكي، خاصة خلال حكم الملك الحسن الثاني، والد الملك محمد السادس.

غير أن اسم العماري تصدر "حراك 20 فبراير" عام 2011، إبان موجة الربيع العربي، كأحد رموز الفساد، ودعا المحتجون إلى رحيله، ليغادر إبانها المغرب نحو فرنسا، فيما تم تعيين فؤاد عالي الهمة مستشارا بالديوان الملكي، في خطوة حما بها الملك صديقه المقرب من غضب الشارع.

وكان يُنظر للعماري خلال "حراك 20 فبراير" كأحد رموز الدولة العميقة، وأنه يستغل نفوذه وقربه من مراكز صنع القرار للتحكم في المشهد السياسي والحزبي بالمغرب.

وأصبح لحزبه المعروف اختصارا بـ"الجرار"  الأغلبية في البلديات أو القرى خلال عام 2009، حيث اكتسح المشهد السياسي بـ6015 مقعدا في أول انتخابات بلدية له، واحتكر ما نسبته 21.7 بالمئة من المقاعد.

وعام 2015، أطلق العماري إمبراطورية إعلامية تضم موقعا إلكترونيا وصحيفة وإذاعة، وسعى للحصول على ترخيص لقناة تلفزيونية، مما جعل الأصوات ترتفع من ناشطين وسياسيين للكشف عن مصدر تمويل هذه المشاريع.

العودة المفاجئة

بعد غياب دام 4 سنوات، عاد العماري إلى المغرب في يونيو/حزيران 2023، عبر لقاء مع موقع "هسبريس" المحلي، أعلن فيها "العودة إلى الحياة وليس إلى السياسة"، وفق وصفه.

وفي لقائه الإعلامي الأول، تغزل العماري بغريمه الإسلامي، حزب العدالة والتنمية، قائلا إن ما وقع للأخير في انتخابات 2021 التشريعية "ليست انتكاسة انتخابية"، وأن للحزب "مشروعا مجتمعيا".

غير أن عضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية، حسن حمورو، قال إن عودة العماري هي محاولة "لإعادة تدوير قطع الغيار المهترئة والصدئة".

وأرجع حمورو هذه العودة في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 19 يونيو 2023، إلى "نجاح (رئيس الحزب، عبد الإله بنكيران) في تحريك المياه الراكدة والآسنة".

كما لم يتأخر بنكيران في الرد على تصريحات العماري، داعيا إياه إلى "الاعتذار عن ممارساته السابقة"، مردفا: "لقد أدخلت الروع إلى قلوب المغاربة، وهذا أمر غير سهل".

وخلال لقاء حزبي في يوليو/تموز 2023، قال بنكيران إن "العماري كان يشتم رجال الدولة حتى إنه وصف وزيرا بالحمار".

وتابع: "عندما كنت رئيسا للحكومة (2011-2017) كان يذهب عنده المسؤولون لإعطائهم التوجيهات، وكان الناس يتخوفون من إرسالهم إلى السجن، بذنب أو بدونه".

وخاطب بنكيران العماري قائلا: "غبت فجأة، وسط حديث عن أموال طائلة أخذتها معك للخارج، وعليك أن تقول لنا من أين أتيت بها؟".

وحمّل بنكيران مسؤولية مشاكل وقعت في المغرب إلى العماري، ومنها ما حدث بالحسيمة في إشارة لـ"حراك الريف" عام 2016 التي شهدتها المدينة، وقادها ناصر الزفزافي، الذي تم الحكم عليه في يونيو 2018 بـ20 سنة سجنا نافذة، بتهمة "تدبير مؤامرة للمس بسلامة الدولة الداخلية، والمشاركة في ارتكاب جناية المس بسلامة الدولة..".

كما سبق للمحامي إسحاق شارية، عضو هيئة الدفاع عن الزفزافي، أن اتهم العماري بـ"دعم احتجاجات الريف والسعي لتأجيجها".

وطلب شارية من المحكمة، خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2017، استدعاء العماري للشهادة في المحاكمة، وقال إن بعض المتهمين، ضمنهم الزفزافي، لديهم معلومات حول تورط العماري في دعم الاحتجاجات.

وأثناء تقديم ملتمساته للقاضي، قال شارية: "لقد أخبرني موكلي ناصر الزفزافي أثناء تخابري معه بأن العماري اتصل به مرارا، وحرضه هو ونشطاء الحراك على التآمر على البلاد، لكنه رفض".

محاربة الإسلاميين

لم يخف العماري حربه المعلنة على إسلاميي المغرب، حيث كان اسمه حاضرا بقوة في قضية القيادي بالعدالة والتنمية، عبد العلي حامي الدين، وما عُرف بمقتل الطالب بنعيسى أيت الجيد عام 1993 في جامعة فاس، خلال أحداث عنف طلابي.

لكن حامي الدين اتهم في بيان صدر عنه في أبريل/نيسان 2013، جهات وصفها بـ"المشبوهة"، وعلى رأسها العماري بالوقوف وراء هذا الملف "جاعلا عائلة أيت الجيد مجرد واجهة".

وقال حامي الدين إن العماري وظِّف في ذلك من وصفهم بـ"بعض الأقلام المأجورة" وبعض المحامين "الذين باعوا ضمائرهم للشيطان".

وذكر حامي الدين أن أول بيان صدر في هذا الموضوع منسوبا لعائلة أيت الجيد، خرج من مقر حزب "الأصالة والمعاصرة"، حيث كان العماري رئيسا له.

كما أن العماري، وبمجرد تقلده لمنصب الأمين العام لـ"الجرار"، أكد أن حزبه يسعى إلى "محاربة الإسلاميين"، بعد أن كان قد صرح بهذا المسعى مؤسس الحزب عالي الهمة منذ سنوات قبل أن يغادر الحزب.

وفي ندوة صحفية عقدها خلال المؤتمر الثالث لحزبه عام 2016، هاجم العماري الإسلاميين دون التفريق بينهم، معتبرا أنهم "الخصم الوحيد" لحزبه.

وأردف: "نحن لا نقول أن هذا الحزب خط أحمر أوغيره، إنما الذي قلناه ومازلنا نقوله والذي يقال علينا، أننا جئنا لنسهم في مواجهة الإسلاميين".

وأضاف: "حزبنا جاء ليواجه الإسلاميين ويدافع عن المسلمين"، وأنه "يحارب الفكر الديني ويدافع عن الدين"، مشددا على فصل الدين عن السياسة "لكي لا تحدث أشياء سيئة".

تجارة المخدرات

خلال لقاء نقابي وحزبي، في سبتمبر/أيلول 2011ـ تلقى العماري اتهاما كبيرا يتعلق بتجارته في المخدرات، من عمدة مدينة فاس آنذاك والكاتب العام لنقابة "الاتحاد العام للشغالين" حينها، حميد شباط.

واتهم شباط كل من الشرقي الضريس، وهو وزير أسبق منتدب في الداخلية، وعالي الهمة والعماري، بالانتماء لشبكة تتاجر في المخدرات الصلبة "الكوكايين"، مطالبا بـ"فتح تحقيق معهم".

غير أن النيابة العامة لم تتحرك للتحقيق في اتهامات شباط للشخصيات الثقيلة التي ذكرها، كما أن الأخيرة لم ترفع عليه دعوى رد اعتبار أو تشهير.

وخلال الانتخابات التي جرت في سبتمبر 2015، جدد رئيس الحكومة حينها بنكيران، الدعوة للعماري لكشف "حقيقة متاجرته في المخدرات".

وقال بنكيران: "على العماري أن يجيب عن اتهامات شباط له بتلقي أموال المخدرات، واستعمالها في الانتخابات، وعليه أن يقول الحقيقة للمغاربة، ويوضح ما إذا كانت اتهامات شباط له صحيحة أم لا".

وحذر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من استعمال أموال المخدرات لـ"إفساد العملية الانتخابية"، مشددا على أن "استعمال المال محرم، بغض النظر عن مصدره".

لكن بعد العودة المفاجئة الأخيرة، ظهر العماري كمذيع لبرنامج عبر إذاعة "كاب راديو" الواقعة في مدينة طنجة، شمال المملكة، حيث لقي انتقادا كبيرا بسبب ضعفه في التقديم.

وفي هذا الصدد، قال الباحث الأكاديمي، إدريس الكنبوري، إن "العماري الذي استضاف في حلقة برنامجه الأولى الشاعر السوري أودنيس في يوليو 2023، بدا مثل تلميذ يقرأ في ورقة ويتلعثم وهو يمجد أدونيس حتى إنه قال إن الكرة الأرضية تعرفه".

ورأى الكنبوري في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، في 19 يوليو 2023، أن "الإعلامي الجيد لا يقرأ في ورقة وهو يحاور؛ وهذه بداية سيئة للبرنامج"، واصفا ما جرى بالحلقة بأنه "ثرثرة وكلام شوارع".

الثابت في سيرة العماري المثيرة للجدل، أن كل الاتهامات التي وجهت إليه، سواء بإهانة المسؤولين والوزراء وترهيبهم، أو المتاجرة في الممنوعات والمخدرات، أو إثارة الاحتجاجات في منطقة الريف، لم تجد من سبيل للوصول إلى القضاء وتحقيق النيابة العامة.

كما أن هذه الاتهامات، على خطورتها، كان أثرها عكسيا على مطلقيها، إذ عوقب شباب الريف بتهم المس بأمن الدولة، وتم منع بنكيران من تشكيل حكومته الثانية رغم صدارته لانتخابات 2016، ودُفع شباط إلى مغادرة المغرب لسنوات لأسباب مجهولة.

ويبقى العماري، وفق متابعين، بعد كل هذا، رجلا فوق الحساب والنقد، محسوبا على ما يوصفون بـ"الدولة العميقة" في المغرب.