الجزائر تطلق تطبيقا للتذكير بالاستعمار الفرنسي.. خطوة مؤثرة أم إلهاء وشكليات؟

12

طباعة

مشاركة

بين مشيد بالخطوة ومن يرى أنها شكلية، انقسم رأي فاعلين ومراقبين جزائريين حول إطلاق وزارة المجاهدين وذوي الحقوق تطبيقا هاتفيا حول تاريخ الجزائر ونضالها ضد المستعمر الفرنسي.

الحدث يعود إلى الثاني من يوليو/تموز 2023، حين أشرف وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، بالجزائر العاصمة، على الإطلاق الرسمي لتطبيق الهاتف النقال "تاريخ الجزائر 1830-1962".

وجاء ذلك تزامنا مع اختتام سنوية ستينية استقلال الجزائر وإحياء للذكرى الـ61 لعيد الاستقلال الموسوم بشعار "جزائر الانتصارات.. مكاسب وإنجازات".

ووفق موقع "الحياة العربية" المحلي، يسمح التطبيق بالاطلاع على مراحل التاريخ الوطني ومعطياته من 1830 إلى 1962 من خلال الهاتف الذكي بمنهجية وأسلوب راق ومبسط.

وقال المصدر ذاته، إن الغاية هي تبليغ رسالة المجاهدين إلى كل الشباب الجزائري، عبر اعتماد أساليب تتأقلم مع متطلبات شباب اليوم.

والهدف هو أن تكون هذه المنصة الرقمية واجهة للجزائر من خلال محتوى تاريخي ذي دلالات رمزية، تعكس التاريخ المجيد للجزائر وحضارتها، وذلك تحت إشراف أساتذة باحثين وأكاديميين مختصين، وفق الموقع.

وأردف: "كما يهدف التطبيق الهاتفي إلى الإسهام في نقل قيم ثورة 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954 المجيدة، عبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات".

وهذه التكنولوجيا جرى المضي قدما فيها من خلال مشروع المنصة الرقمية "جزائر المجد" التي جرى إطلاقها في يناير/كانون الثاني 2022.

وكذلك عبر تطبيق الهاتف المحمول لتاريخ الجزائر 1830-1962، الذي يعد حاوية للذاكرة الوطنية ومرجعية تاريخية وعلمية وأكاديمية، بحسب الموقع المحلي.

متاجرة بالذاكرة

وبهذه المناسبة، أكد الوزير ربيقة في تصريح للصحافة أن التطبيق "كل متكامل حول حلقات تاريخنا الوطني، استخدمت فيه تكنولوجيات حديثة للمعلومة والاتصال حتى نفي للشهداء حقهم وللتاريخ الوطني حقه عبر إيصاله إلى الأجيال الصاعدة".

وأضاف أن مثل هذا الإنجاز يهدف إلى "صون تاريخنا الوطني بطريقة تقتضيها التكنولوجيا الحديثة لتمكين شبابنا من اكتساب معارف وثقافة تاريخية صحيحة".

وذكر أن هذا التطبيق يأتي في سياق تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بخصوص اعتماد الرقمنة كخطوة مهمة في مسار الحفاظ على الذاكرة الوطنية وصونها وتبليغ رسالة الأجداد وثورة نوفمبر خاصة للأجيال الصاعدة اعتمادا على مختلف الوسائط المتاحة.

وأوضح أن مهمة تطوير هذه المنصة أوكلت لمؤسسة مصغرة مكونة من شباب جزائري ذوي خبرة وكفاءة في مجال تكنولوجيات تطوير تطبيقات الويب والهاتف النقال، وكذا في مجال صناعة وتطوير تقنية الهولوغرام.

وأشار إلى أنه جرى تطوير وتصميم هذا التطبيق بطريقة عصرية ومتجاوبة مع مختلف أجهزة الهاتف، واستعملت فيه أحدث لغات البرمجة الموجهة لتكنولوجيات الهاتف النقال.

يرى الحقوقي والمعارض السياسي الجزائري وليد كبير، أن الخطوة المعلنة من لدن الحكومة بخصوص هذا التطبيق، هي إجراء من بين أخرى للمتاجرة بالذاكرة، وفق تعبيره.

وقال وليد لـ "الاستقلال": "هذا ليس بالأمر الجديد، إذ إن النظام مستمر بهذا النهج منذ ستة عقود، حيث يدعي الدفاع عن الذاكرة وحفظها في حين أنه ما يزال يرتبط في العديد من المجالات بالمستعمر السابق، ومن أبرز ذلك هيمنة اللغة الفرنسية في البلاد".

وذكر المتحدث ذاته، أن الهدف مما تفعله السلطة، هو ضمان بقاء الجزائريين حبيسي الماضي، وألا يترك لهم المجال للتفكير في كيفية بناء المستقبل.

واستدرك: "ليس معنى هذا أني ضد الماضي أو التاريخ، كلا، هذا التاريخ أفتخر وأعتز به، لكن في الآن نفسه أناضل من أجل نشر التاريخ الحقيقي، وربط النضال السابق ضد المستعمر بالنضال حاليا من أجل استكمال بناء الدولة المستقلة في كل قراراتها عن هذا الاستعمار".

ولم ينف وليد أهمية هذه الخطوة بإنجاز تطبيق لتبسيط الولوج إلى هذه الخدمة، لكن، يؤكد أنها خطوة كان يجب أن تكون من بين أخرى لإعادة قراءة التاريخ بحلوه ومره، وذلك في ظل شروط التجرد من العاطفة، وعدم الانتقائية أو ذكر ما يخدم مصلحة النظام فقط.

وأشار الناشط إلى أن القصد من ذلك، هو الاعتراف بالأخطاء السياسية التي وقعت فيها الدولة ما بعد الحصول على الاستقلال، والتي أفرزت ما عُرف بالعشرية السوداء خلال تسعينيات القرن الماضي، وأعاقت الجزائر عن بناء دولة ديمقراطية حقيقية.

في المقابل، يرى الأستاذ الجامعي بجامعة عنابة الجزائرية، محمد سيف الإسلام بوفلاقة، أن كل جهد يسعى إلى التعريف بالثورة الجزائرية لدى فئة الشباب هو محمود ويستحق التقدير والشكر.

وذكر بوفلاقة لـ "الاستقلال"، أن هذه الخطوة حافلة بالدلالات الرمزية الواضحة، والتي تتمثل في ربط الأجيال الجديدة بتاريخ الثورة الجزائرية، وجعلهم يدركون التضحيات الكبيرة التي قدمها شهداء الوطن من أجل استقلال وحرية البلاد.

وفي الاتجاه نفسه، يقول الأكاديمي وأستاذ التاريخ لزهر بديدة، إن استعمال كل الوسائل التقنية الحديثة، من تطبيق إلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إيصال حال الجزائر والجزائريين خلال الحقبة الاستعماري إلى أكبر شريحة ممكنة في البلاد وخارجها أمر محمود.

وشدد بديدة لـ "الاستقلال"، أن هذا التعريف بالحقبة الاستعمارية من شأنه الكشف عن الوجه القبيح للاستعمار على البلاد والعباد.

وتابع: "كما أنه، من جهة أخرى، يسهم في تبيان تضحيات ومقاومة الجزائريين في شتى الميادين لهذا الاستعمار ومشاريعه وخططه".

الحقبة الاستعمارية

شكل الاستعمار الفرنسي محطة تاريخية حاملة للعديد من المآسي، وعلى رأسها استشهاد مليون ونصف جزائري دفاع عن حرية البلد واستقلاله، ورغم ذلك، ما تزال فرنسا تجدد رفضها الاعتذار عن جرائمها بحق الجزائريين.

وكان آخر تأكيد من فرنسا على هذا الرفض، ما صدر على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون، في 12 يناير 2023، والذي شدد أنه لن يطلب "الصفح" من الجزائريين عن استعمار فرنسا لبلدهم.

ووفق موقع "فرانس 24"، أكد ماكرون أن "عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب وأنه يعني الاعتراف بأن في طيّات ذلك أمورا ربما لا تُغتفر".

وعبر عن أمله في مواصلة العمل مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على ملف الذاكرة والمصالحة بين البلدين.

وقال ماكرون "لست مضطرا لطلب الصفح، هذا ليس الهدف"، موضحا أن "أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول: نحن نعتذر وكلّ منّا يذهب في سبيله".

ومسألة اعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري في الجزائر (1830-1962) هي في صميم العلاقات الثنائية والتوترات المتكررة بين البلدين.

وفي 2020، تلقّت الجزائر بفتور تقريرا أعده المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا بناء على تكليف من ماكرون، دعا فيه إلى تنفيذ سلسلة مبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين البلدين. 

وخلا التقرير من أي توصية بتقديم اعتذار أو بإبداء الندم، وهو ما تطالب به الجزائر باستمرار.

وضاعف ماكرون المبادرات في ملف الذاكرة، معترفا بمسؤولية الجيش الفرنسي في مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني علي بومنجل خلال "معركة الجزائر" عام 1957.

كما ندد بـ"جرائم لا مبرّر لها" ارتكبها الجيش الفرنسي خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961.

لكن الاعتذارات التي تنتظرها الجزائر عن استعمارها لم تأت أبدا، ما أحبط مبادرات ماكرون وزاد سوء التفاهم بين الجانبين.

غير أن الناشط الحقوقي الفرنسي فرانسوا دوروش رد سبب عدم مبادرة فرنسا إلى الاعتذار من الجزائر بقوله إنها لا يمكنها أن تعتذر إلا للأقوياء.

وأضاف دوروش في لقاء مع برنامج "المسائية" على "الجزيرة مباشر"، 13 يناير 2023، أن ماكرون تعرض لانتقادات شديدة اللهجة عقب تصريحات أدلى بها عام 2017 خلال الحملة الانتخابية أكد فيها ضرورة اعتذار فرنسا للجزائر عن الحقبة الاستعمارية.

وتابع أن طبيعة النظام الفرنسي لا تمنح لرئيس الجمهورية سلطة القرار في مثل هذه الملفات، ويظل الأمر بيد البرلمان الفرنسي، وتحت مراقبة نظيره الأوروبي.

ورأى أن "ماكرون لا يمكنه اليوم أن يجاهر ويقول بضرورة اعتذار فرنسا للجزائر"، مضيفا أن "أقصى ما فعله هو سماحه بفتح الأرشيف الفرنسي أمام الباحثين عن الحقيقة، وطلبه تقريرا خاصا عن هذا الملف الشائك من المؤرخ بنيامين ستورا".

رهانات المستقبل

وحول ما هو مطلوب من الحكومة الجزائرية لدفع فرنسا إلى الاعتذار، قال دوروش، إن الأمور تبدو بسيطة للغاية وتقتضي أمرين:

الأول أن يعتمد البرلمان الجزائري قانونا لتجريم الاستعمار الفرنسي وتأثير هذه بما يؤكد وجود جريمة ضد الشعب الجزائري.

وثانيا، المطالبة بالتعويض عن فترة الاستعمار والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلالها في حق أبناء الجزائر.

واستدل الناشط الحقوقي الفرنسي بالتجربة الهولندية، عندما اعتذرت الحكومة لجميع شعوب إفريقيا عن فترة الاستعمار والعبودية، دون أن يضعف ذلك من موقفها ومكانتها السياسية والاقتصادية في أوروبا.

وتقدم ملك هولندا فيليم ألكسندر في الأول من يوليو/تموز 2023، بالاعتذار رسميا عن ممارسة بلاده العبودية خلال الحقبة الاستعمارية، وذلك في الذكرى السنوية 160 للإلغاء القانوني للعبودية في هولندا.

ورأى الحقوقي الفرنسي أن حوالي ألفي مواطن جزائري لا يزالون ضحايا الإخفاء القسري بين عامي (1960-1969) وأن فرنسا مسؤولة عن مصيرهم.

وخلص إلى القول إن هناك خلافات قوية بين فرنسا والجزائر خلال السنوات الخمس الأخيرة.

ورأى أنه آن الأوان لكي يجلس الطرفان على مائدة المفاوضات لحل المشاكل العالقة على أن يبدأ الأمر أولا بالاعتذار لأنه سيسهم في حلحلة باقي القضايا الخلافية.

شدد الحقوقي والمعارض الجزائري وليد كبير أنه آن الأوان لطرح سؤال عن الواقع الجزائري ما بعد ستين سنة من الاستقلال.

وأردف في حديث لـ"الاستقلال": أليس من حق الجزائريين التطلع إلى المستقبل، والرفع من المستوى المعيشي، وضمان الاستغلال الأمثل للثروات التي حبانا بها الله.

وعبر عن اعتقاده بأن النظام لا يريد طرح هذه الأسئلة، كما أنه لا يريد تغيير أساليبه القديمة في التعامل مع المواطنين وتاريخ الوطن، تلك الأساليب التي انتهت صلاحيتها.

ودليل انتهاء هذه الصلاحية، وفق المتحدث ذاته، أن الشباب الجزائري لم يعد يصدق ما يقوم به النظام، حيث أدرك أنه يريد أن يبقي وصايته على الشعب.

واسترسل أن النظام يفعل ذلك من خلال استغلال الذاكرة، وعبر جعل الجزائريين يفقدون الأمل في تغيير حقيقي لبناء دولة المؤسسات والاقتصاد، لا أن يقتصر الكلام على ما وقع في الماضي.

من جانبه، يرى الأكاديمي وأستاذ التاريخ لزهر بديدة، أن الاحتفاء بذكرى الاستقلال يجعل من الضروري العمل على التخلص من بقايا الاستعمار ولغته، وإعادة الاعتبار للغة العربية واقعا لا تنظيرا.

ونبه بديدة لـ "الاستقلال" إلى ضرورة السعي للتخلص من لغة المستعمر الفرنسي وعدم استبدالها بلغة مستعمر آخر، في ظل السعي لإحلال الإنجليزية محل الفرنسية، أو على الأقل مزاحمتهما للغة الضاد.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أصدر في يونيو/حزيران 2022 قرارا باعتماد اللغة الإنجليزية في المناهج التعليمية بدءا من الطور الابتدائي، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في البلاد من تربويين وفاعلين.

ورأى بديدة أن الخروج من هيمنة لغة والدخول في هيمنة أخرى هو ضرب للغة البلد الأصلية والرسمية، أي العربية.

واستدرك المتحدث ذاته، "هذا لا يعني رفض لغات العلم والعالم الأخرى، بل الواجب معرفتها والاستفادة منها".

وينص الدستور الجزائري في مادته الثالثة على ما يلي: ‬"العربية هي اللغة الوطنية والرسمية".

وخلص بديدة إلى التأكيد على أهمية التخلص من الارتباط السياسي والاقتصادي بالمستعمر السابق، مشددا أنه هذا التحرر يستدعي امتلاك الإرادة والقرار والشجاعة في تنفيذه.