مستفيدا من زخم حرق المصحف.. هكذا يخطط الصدر للعودة للمشهد السياسي بالعراق

يوسف العلي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم اعتزاله العمل السياسي منذ نحو عام، لم يمتنع زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، عن حثّ أتباعه في 29 يونيو/ حزيران 2023 للخروج باحتجاجات منددة بحادثة حرق نسخة من القرآن الكريم، والتي انتهت باقتحام سفارة ستوكهولم في بغداد.

وفي 28 يونيو 2023، أقدم السويدي من أصل عراقي سلوان موميكا، وتحت حماية السلطات الرسمية بتمزيق وحرق المصحف الشريف خارج المسجد الرئيس في العاصمة السويدية ستوكهولم أمام نحو 200 شخص، ما أثار موجة غضب عارمة في العالم الإسلامي، وتنديدا دوليا واسعا.

مؤشرات العودة

قيادة التيار الصدري للاحتجاجات، واستئناف النشاط الإعلامي لما يعرف بـ"وزير الصدر" صالح محمد العراقي، الذي انتقد وسائل الإعلام المرتبطة بالمليشيات الموالية لإيران، لعدم وقوفها مع هذه المظاهرات، فسّرها مراقبون بأنها مؤشرات تمهد لعود الصدريين للمشهد السياسي.

وقال "وزير الصدر" خلال تغريدة على "تويتر" في الأول من يوليو/تموز 2023، إن "قنوات دولية تنشر وتبث أخبار تظاهرات العراقيين من أجل القرآن ووقف الفاحشة، أما القنوات المليشياوية والحكومية ولا سيما الشيعية منها فقد غضّت بصرها عنها، ألا فتعسا لتلك القنوات التي تغض بصرها عن نصرة الدين".

وتابع: "لو أن أسيادها تظاهروا أو أغلقوا سفارة السويد في بلدانهم لغطّوها إعلاميا وبكثافة، لكن.. للحق رجال وقنوات وأنتم لستم منها في شيء، فتعسا لكم وأضلّ أعمالكم وذلك لأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم، فتبا للّات والعزى ومناة الثالثة.. ودمّر الله أمثالها"، وفق تعبيره.

وعلى ضوء ذلك، رأى الباحث والأكاديمي العراقي، مؤيد الدوري، أن "عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية وشيكة، وأن ظهوره بكثافة خلال الاحتجاجات في حادثة حرق القرآن، في ظل صمت القوى الممثلة لباقي التيارات السياسية الشيعية، ولاسيما الإطار التنسيقي، يؤكد ذلك".

وأوضح الدوري لـ"الاستقلال" أن "الصدر يتربص ويترصد هفوات الإطار التنسيقي، ويستثمر الأحداث الكبيرة للتعبير عن مواقفه السياسية، وإظهار قوته في الميدان، وإعادة ثقة جمهوره بنفسه استعدادا لانتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2023".

ولفت إلى أن "التيار الصدري متوقع دخوله سباق انتخابات مجالس المحافظات، بقوائم متعددة تمثله يقودها نواب سابقون وقيادات صدرية، من دون إعلان الصدر صراحة موافقته على مشاركتهم الانتخابية، وهذا ما صرح به منتمون للتيار".

وفي 20 يونيو 2023، قال عضو التيار الصدري، عصام حسين، خلال مقابلة تلفزيونية، إن مشاركتهم في الانتخابات المحلية أمر وارد، وأن القرار يكون مركزيا بيد مقتدى الصدر، ويصدر وفقا للمعطيات السياسة على الساحة العراقية.

وأشار إلى أن "الصدر منزعج من طريقة إدارة الدولة، خصوصا بعد إقصاء أعضاء في التيار من درجاتهم الوظيفية، والتي وصلت أخيرا إلى إقالة 10 مديرين عامين من مناصبهم، لكن الصدريين لم يرسلوا رسائل إلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني تعبر عن انزعاجهم".

رسائل سياسية   

وعلى الصعيد ذاته، رأى المحلل السياسي العراقي سرمد البياتي، أن تظاهرات التيار الصدري من أجل نصرة القرآن لا تخلو من رسائل سياسية، فيما رجح أن تكون بوابة لعودة التيار الى المشهد.

ونقلت وكالة "بغداد اليوم" عن البياتي في 3 يوليو 2023، قوله إن "عودة التظاهرات الشعبية للتيار الصدري، من أجل نصرة القرآن الكريم لا تخلو من الرسائل السياسية بكل تأكيد".

فهذه التظاهرات تشير إلى أن الصدريين ما زالوا في الساحة ولا يمكنهم تركها بشكل نهائي، وأن هناك تطورات داخلية وخارجية تتطلب نزولهم للشارع، وفق قوله.

وأوضح أن "التظاهرات الشعبية الأخيرة للتيار الصدري في بغداد وباقي المحافظات العراقية، ربما تكون أحد أبواب عودة الصدريين للمشهد السياسي العراقي".

كما أن الأيام المقبلة ربما تكشف هذا الأمر بوضوح، خصوصا مع عودة نشاط وزير الصدر عبر مواقع التواصل الاجتماع، بحسب البياتي.

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي علي البيدر، إن "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، يحاول من خلال تحركه الأخير بشأن تظاهرات رفض حرق القرآن الكريم الوصول إلى العالمية، وأن يكون رقما في المعادلة الإقليمية، ويبعث برسائل إلى المجتمع الدولي والإقليمي، والداخل العراقي".

وأوضح البيدر خلال حديث لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 2 يوليو 2023، أن "الصدر شعر بالعزلة السياسية، ولذا جاءت تظاهرات نصرة القرآن كواحدة من أدوات تحريك القواعد الشعبية للتيار".

ولفت الخبير العراقي إلى أن الصدر يستطيع العودة للمشهد السياسي تحت أي ذريعة كانت بهذه التظاهرات أو غيرها.

ورجح أن "تشهد المرحلة المقبلة أحداثا سياسية قد تجبر الصدر وتياره على مغادرة العزلة السياسية والعودة مجددا وبقوة"، من دون الإفصاح عن طبيعة هذه الأحداث.

وفي هذه النقطة، أكد عصام حسين أن "مشاركة التيار الصدري في الانتخابات المحلية باتت قضية ضرورية جدا لإيقاف مخطط تحويل المحافظات إلى مقاطعات مليشياوية وحزبية، والتي من المقرر أن تحصل بعد فوزهم".

وبيّن حسين أن "دخول التيار في قوائم معرّفة في الانتخابات المحلية تقودها قيادات صدرية لا تحظى بدعم صريح من الصدر أو وزيره، قد تأتي بنصف الأصوات ولا تحرز المرتبة الأولى، لأن أي إشارة من الشخصيتين للمشاركة تمثل دفعة معنوية للصدريين القائمين على الملف السياسي".

قرار بالمشاركة

وفي ظل التكهنات الحاصلة بخصوص مشاركة التيار الصدري من عدمه في انتخابات مجالس المحافظات، نقلت وكالة أخبار محلية عراقية عن قيادي صدري بارز (لم تكشف هويته) عن وجود توجه لمشاركة الصدريين في الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية عام 2023.

وقال القيادي، لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 22 يونيو 2023، إن "قيادة التيار الصدري قررت المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، والماكنات الانتخابية له في بغداد ومدن الوسط والجنوب، بدأت تعمل بشكل غير معلن من أجل إكمال الترتيبات الفنية واللوجستية".

وأكد أن "التيار الصدري سيخوض انتخابات مجالس المحافظات، عبر ثلاث قوائم انتخابية، وستكون هناك قائمة للعاصمة بغداد وثانية لمدن الجنوب وأخرى ثالثة لمدن الوسط".

وأوضح القيادي الصدري أن "هذه القوائم ليست بالضرورة أن تحمل اسما أو توجها رسميا من التيار، لكنها ستكون تابعة له بشكل حصري".

ويأتي هذا الإجراء في أول تحرك سياسي بعد قرار مقتدى الصدر، بالانسحاب من العملية السياسية نتيجة تعثر تشكيل الحكومة العراقية، قبل أن يصار تشكيلها إلى خصومه في الإطار التنسيقي.

وانسحبت الكتلة الصدرية من البرلمان في يونيو 2022 بتوجيه من زعيم التيار مقتدى الصدر، وذلك بعد خلافات امتدت لأكثر من عام حول تشكيل الحكومة، حيث كان الأخير يطالب بحكومة أغلبية بعد فوزه بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (73 مقعدا)، فيما تمسك الإطار التنسيقي بالتوافق.

وفي 15 يونيو 2022 أعلن الصدر خلال بيان له أن انسحابه من السياسة جاء "احتجاجا على الفساد"، مقررا "عدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة الفاسدين".

ووصف زعيم التيار الصدري الخطوة بأنها "تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهما من المصير المجهول"، مضيفا: "أريد أن أخبركم، في الانتخابات المقبلة لن أشارك بوجود الفاسدين".

وقرر الصدر في 29 أغسطس/آب 2022 "الاعتزال النهائي" هذه المرة، وعدم التدخل في الشؤون السياسية بشكل نهائي وإغلاق المؤسسات التابعة له، باستثناء "المرقد الشريف" و"المتحف الشريف" و"هيئة تراث آل الصدر".

وقال في تغريدة: "الكل في حل مني، وإن مت أو قتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء"، مضيفا: "لم أدعِ يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة وإنما آمر بالمعروف وناه عن المنكر".

وحول مسيرته السياسية السابقة، قال الصدر: "ما أردت إلا أن أقوّم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه القوى السياسية الشيعية بصفتها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".