اللاجئون الأفارقة في مصر.. انتهاكات وصعوبات وحقوق ضائعة

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

فتحت مأساة المواطن التشادي، ألفريد كاموس، ملف أزمة اللاجئين الأفارقة في مصر ومعاناتهم من صعوبات جمة في المعيشة، وانتهاكات مختلفة تصل إلى حدود تهدد الحياة والأمان الشخصي والنفسي.

وفي 24 مايو/ آيار 2023 أعلن كاموس وصوله إلى رواندا بعد ترحيله قسريا من مصر، إثر توقيفه بتهمة عدم حيازة تصريح إقامة أو لجوء.

وكان كاموس يعيش في مصر منذ 10 سنوات كطالب لجوء، ويترأس "مبادرة حقوق اللاجئين الأفارقة في مصر".

آخر ما تداوله اللاجئ التشادي قبل توقيفه وترحيله، صور ومقاطع فيديو لوقفة احتجاجية نظمها لاجئون أفارقة في مصر أمام مكتب مفوضية شؤون اللاجئين، مطالبين بالحماية والرعاية وإعادة التوطين.

وذلك تحديدا قد يكون السبب الرئيس للتنكيل بكاموس وترحيله من القاهرة، خاصة وأن مصادر مقربة منه صرحت لموقع "مدى مصر" المحلي أن كاموس "أزعج السلطات قبل ذلك عندما طلب تصريحا لمظاهرة أمام مقر مفوضية اللاجئين، تطالب بحقوق الأفارقة". 

رحل كاموس إلى خارج البلاد، وبقي الآلاف من الأفارقة يعانون الأوضاع الصعبة والأزمات المعيشية والحقوقية. 

جدلية العدد 

موقع مصر الجغرافي في المفترق بين القارات الثلاث (إفريقيا وآسيا وأوروبا) جعلها قبلة أساسية لكثير من المهاجرين الأفارقة، لا سيما الفارين من ويلات الحروب الأهلية، والفقر المدقع والمعاناة في بلادهم.

وفي السياق يعدها كثير منهم معبرا نحو أوروبا عن طريق البحر المتوسط، ومراكب الهجرة غير النظامية.

ويغيب الحصر الدقيق والواضح لأعداد المهاجرين واللاجئين في مصر، خاصة الأفارقة منهم، وفي 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أعلن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، أن أعداد اللاجئين يقدر بنحو 6 ملايين إنسان.

لكن مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أعلنت في آخر إحصاء لها صدر في يونيو/ حزيران 2022، أن عددهم يقدر بنحو 290 ألف لاجئ من دول مختلفة، وهم المسجلون بأوراق رسمية، وحاصلون على إقامات لجوء شرعية.

وفي 11 أغسطس/ آب 2022، نشرت "اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر" (حكومية)، بيانها عن أعداد اللاجئين، وقالت: "اتفق معنيون بشؤون اللاجئين على وجود مبالغة في الأرقام المعروضة، وعدوها "مسيسة" بهدف الحصول على مساعدات وإعانات دولية.

وذكرت أن غالبية اللاجئين في مصر من دول سوريا تليها السودان وجنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال.

وأوضحت أن الأرقام الحكومية المصرية عن أعداد اللاجئين تشير إلى مغالطة واضحة، يتم فيها الخلط بين المهاجرين واللاجئين أو طالبي اللجوء.

ووفقا للقانون فإن اللاجئين رسميا هم من سجلوا أسماءهم لدى مفوضية اللاجئين الدولية.

الترحيل القسري 

وشهدت السنوات الأخيرة تعرض اللاجئين الأفارقة تحديدا لعدد من الحوادث المؤسفة، منها ما كان في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2021، عندما قامت السلطات بترحيل 25 لاجئا إريتريا بشكل قسري، بعد أن لجؤوا إلى مصر هربا من التجنيد الإجباري المفتوح المدة في بلادهم.

حينها أعلنت منظمة العفو الدولية "أمنستي" أن أجهزة الأمن رحلت الإريتريين من مطار القاهرة الدولي إلى العاصمة أسمرة، وأنهم بذلك أصبحوا معرضين لخطر الإخفاء القسري والسجن والتعذيب وسوء المعاملة الجسيمة التي تؤدي للقتل أحيانا.

وهو الأمر الذي استدعى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، للنشر على صفحتها في موقع فيسبوك، تذكيرا بأن المبدأ الأساسي لاتفاقية اللاجئين لعام 1951 هو عدم الإعادة القسرية، والتي تشدد أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يواجه فيه تهديدات خطيرة لحياته وحريته.

وأوردت أن من ضمن الحقوق التي يتمتع بها اللاجئون بموجب اتفاقية عام 1951، الحق في حرية التنقل (المادة 26)، والحق في عدم الإعادة القسرية (المادة 33)، والحق في عدم المعاقبة على الدخول غير القانوني إلى أراضي الدول الموقعة (المادة 31)، وتعد جميع الدول ملزمة بالتمسك بتلك المعايير كجزء من القانون الدولي العام.

لكن سلطات النظام المصري لم تلتزم بتلك القواعد وهذه المناشدات، حيث استمرت في عمليات ترحيل اللاجئين الإريتريين على مدار عام كامل. 

وفي 7 أغسطس 2022، سلطت "منصة اللاجئين في مصر" الضوء على ما وصفته بـ"انتهاكات شديدة" بحق اللاجئين وطالبي اللجوء الإريتريين، عبر ترحيلهم إلى بلدهم بالمخالفة للمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر.

ووثقت المنصة  70 عملية ترحيل قسري للاجئين إريتريين من القاهرة إلى أسمرا، وشملت تلك الأعداد أطفالا ونساء ومرضى، عبر 5 رحلات متفرقة رغم الخطورة المؤكدة على حياتهم.

الاغتصاب 

ويعد "الاغتصاب" من الجرائم البشعة التي يتعرض لها قطاع من اللاجئين خاصة الأفارقة في مصر. 

وفي 3 ديسمبر 2022 نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنها تلقت أكثر من 2300 طلب نجدة بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي لأكثر من 2300 لاجئ مسجل في مصر.

وأكدت المفوضية أن الاغتصاب هو الشكل الأكثر شيوعا للعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الاجتماع ، وأن الأشخاص القادمين من أفريقيا هم الأكثر عرضة له.

واتهمت المفوضية نظام السيسي بـ"الفشل في حماية اللاجئين وطالبي اللجوء من العنف الجنسي المتفشي". 

وذكرت أن الوضع لا يقتصر فقط على عدم حماية النساء والفتيات اللاجئات في مصر المعرضات لخطر العنف الجنسي، ولكن يبدو أن السلطات لا تهتم أيضا بالتحقيق في حوادث الاغتصاب وعرض المغتصبين إلى العدالة.

وفي 17 أكتوبر 2017، نشرت مؤسسة "تومسون رويترز" ومقرها كندا، تقريرا عن "أوضاع اللاجئين الأفارقة في مصر"، وأوردت أن القاهرة التي يعيش فيها أكثر من ثلث اللاجئين في مصر، هي من أخطر مدن العالم على النساء. 

وأتبعت: "يرتفع هناك معدل الجريمة والاغتصاب ضد اللاجئين، خاصة ذوي البشرة السمراء، وتحدث الجرائم بشكل أكبر في الأحياء الفقيرة، حيث يعيش العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء". 

تواطؤ الشرطة 

استفحال حالات التحرش باللاجئات الإفريقيات قابله تقاعس من الشرطة المصرية، وهو ما وثقته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في التقرير الذي نشرته في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تحت عنوان "لاجئات تعرضن للاعتداء الجنسي محرومات من العدالة.. لا تحقيقات أو متابعة من قبل الشرطة". 

وذكرت المنظمة الدولية أنها وثقت 11 حادثة عنف جنسي في مصر بين 2016 و2022 تعرضت لها لاجئات وطالبات لجوء من السودان واليمن، بينهن طفلة.

وفي تقرير آخر أتبعته المنظمة في 27 ديسمبر 2022، أكدت فيه أن الشرطة المصرية اعتقلت 24 لاجئا وطالب لجوء سودانيا، منهم نشطاء مجتمعيون معروفون، من منازلهم، والمقاهي، والشارع، ومراكز مجتمعية في مدينة نصر بالقاهرة.

البارز في تقرير "هيومن رايتس ووتش" هي رواية أحد اللاجئين الأفارقة المضطهدين، حيث قال: "الشرطة نقلتنا إلى منشأة أمنية على بعد حوالي 30 دقيقة من مدينة نصر، وأجبرتنا على تفريغ صناديق من شاحنات كبيرة إلى مستودعات مستخدمة الهراوات لضربنا".

وأضاف: "أحد عناصر الشرطة قال لي: أنت سوداني كسول يجب أن تعمل لأنك تسبب الكثير من المشاكل والضجة في مصر".

وعلقت المنظمة أن السلطات لم تقدم أي تعويض لأولئك اللاجئين، الذين ذكروا ملاحظة أن الصناديق الذين كلفوا بنقلها مكتوب عليها "تحيا مصر"، في إشارة إلى برنامج يوزع فيه الجيش مواد عينية في المناطق الفقيرة.

يذكر أنه في 14 مايو 2022 نظم نشطاء مجتمع اللاجئين السودانيين في مصر احتجاجات أمام مقر مفوضية اللاجئين وأمام السفارة السودانية بسبب الانتهاكات التي يتعرضون لها على يد السلطات المصرية.

وذكر 3 نشطاء سودانيين لمنظمة العفو الدولية "أمنستي" أن العناصر احتجزوهم أحيانا لمدة قاربت الثماني ساعات في المقر دون أي اتصال خارجي وهددتهم بالترحيل إلى إذا استمروا في حشد احتجاجات الجالية أمام مكتب المفوضية أو أبلغوا المفوضية عن الانتهاكات.

وقالوا إن الجهاز حاول تجنيدهم كمخبرين عن أنشطة الجالية السودانية، لكنهم رفضوا.

 

واقع مرير 

تعليقا على ما يحدث للاجئين الأفارقة في مصر، قال المحامي الحقوقي المصري، كريم اليعقوبي: "إنهم الفئة الأكثر بؤسا بين جميع اللاجئين المقيمين على الأراضي المصرية، فهم عرضة للانتهاكات المختلفة من قبل بعض الأفراد في المجتمع، ولضياع الحقوق من قبل الشرطة والجهات المسؤولة". 

وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "حتى يتسنى لنا فهم أدق لأزمة اللاجئين الأفارقة في مصر، يجب أن نعرف وضعهم القانوني والاجتماعي، وهم أقسام أولها قسم يعد مصر معبرا إلى أوروبا، ويحاول أن يجعل إقامته سريعة وغير مشوبة بالمشاكل، وقسم آخر على قائمة مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أما القسم الأخير فهو الذي جاء ولا يملك حق الإقامة ولا يستطيع العودة إلى بلاده وهو الأكثر عددا مع الأسف". 

وأتبع: "لكن الذي لا يمكن إغفاله أن جميعهم يستحقون المعاملة الإنسانية الكريمة، وعدم انتهاك إنسانيتهم وكرامتهم، ومراعاة أوضاعهم بشكل أفضل، فعلى سبيل المثال كثير من اللاجئين الأفارقة لا يستطيعون دخول النظام التعليمي".

وأكمل: "كما أن العمل بشكل قانوني بالنسبة لهم أمر مستحيل، لكن الأخطر هي المخاوف الأمنية الكبيرة، التي يواجهونها خاصة التحرش الجنسي واللفظي ضد النساء، والعنصرية، والعنف القائم على نوع الجنس".

وأورد اليعقوبي: "أما أصعب ما يواجهه الأفارقة تحديدا هو مسألة إجراءات إعادة التوطين فعادة ما يحدث فيها عملية تأخير كبيرة، ويضطر الوافدون الجدد إلى الإنتظار لمدة عامين على الأغلب لإجراء أول مقابلة لهم مع المفوضية".

وأوضح: "وإذا ما تم الاعتراف بهم كلاجئين، يستغرق الأمر عاما ونصف العام على الأقل لإعادة توطينهم، فأنت تتكلم عن ما يقرب من 3 سنوات ونصف، يعيش فيها اللاجئ الأفريقي في اضطراب، وهذه النقطة سبب كل المظاهرات التي تحدث". 

واختتم اليعقوبي حديثه بالقول: "هناك مشكلات أخرى أيضا تتعلق بالاندماج، فهم يختلفون عن اللاجىء السوري واليمني والعراقي، أولا لأن اللغة تساهم في تعقيد موقفهم، ثانيا الاختلاف الجذري في العادات والتقاليد يجعل من اندماجهم أمر صعب، وفي النهاية يبقى لهم القانون كحصن أخير، إضافة إلى الجوانب الإنسانية التي يجب أن تراعى معهم".