خلف الرميثي.. معارض إماراتي غدر به الأردن وسلمه لنظام ابن زايد ليسجن 15 سنة 

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في 7 مايو/أيار 2023، قرر المعارض الإماراتي خلف الرميثي، مغادرة تركيا التي يحمل جنسيتها، إلى العاصمة الأردنية عمان بهدف البحث عن مدرسة لتعليم ابنه اللغة العربية.

لم يكن يعلم الرميثي أن السلطات الأردنية تنتظره، وقد أوقفته في المطار بدعوى وجود مذكرة اعتقال بحقه بناء على طلب إماراتي. 

ورغم أن السلطات الأردنية أطلقت سراحه في نفس اليوم بكفالة من المحكمة، فقد أعادت اعتقاله في اليوم التالي مرة أخرى، ثم رحلته قسرا إلى الإمارات، دون اتخاذ أي إجراءات قانونية ودون عرضه على المحكمة.

وفي 17 مايو 2023 أعلنت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) عن تسليم المعارض خلف الرميثي للسلطات من قبل الأردن، وذلك بالرغم من رفض المحكمة الأردنية الطلب الإماراتي، لكن الإرادة الأمنية والسياسية غلبت. 

من الرميثي؟ 

وخلف عبد الرحمن الرميثي، رجل أعمال، ومسؤول إماراتي سابق ولد عام 1965، وينحدر من عائلة لها باع في العمل الحكومي والتجاري.

كان والده من كبار رجال الأعمال في الإمارات، وشغل منصب رئيس المجلس الوطني الاستشاري في عهد الرئيس الإماراتي الأسبق، ومؤسس الدولة، الشيخ زايد آل نهيان. 

وقطع خلف الرميثي مسيرة علمية ومهنية مميزة، إذ حصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة الإمارات عام 1988.

ثم حصل على الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ساوث إيسترن في واشنطن عام 1994، وبعدها نال الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة ليل نورد دي فرانس في فرنسا عام 2012.

وبالتوازي مع تلك المسيرة العلمية والأكاديمية، تولى الرميثي العديد من المناصب الحكومية البارزة، حيث تدرج في الوظائف الحكومية العليا.

فجرى تعيينه وكيلا مساعدا في دائرة الأشغال، ثم رئيسا لمكتب ديوان ولي العهد آنذاك والرئيس الحالي محمد بن زايد آل نهيان،  لعلاج المرضى في الخارج.

كما شغل الرميثي عضوية مجلس إدارة شركة أبوظبي القابضة في جهاز أبوظبي الوطني للاستثمار.

وانتدبه جهاز أبوظبي للاستثمار لإدارة استثمارات الجهاز في جمهورية مصر العربية.

وعرف عن خلف الرميثي حضوره البارز في المجال الخيري والثقافي الإماراتي، إذ كان عضوا مؤسسا في هيئة أبوظبي الخيرية، وعضوا مؤسسا في نادي تراث الإمارات.

الإمارات 94

كانت الأمور على ما يرام بالنسبة لخلف الرميثي، حتى جاء العام 2012، في ذروة الربيع العربي، وقيادة بلاده للثورة المضادة الرامية إلى إفشال حراك الشعوب العربية نحو الديمقراطية. 

حينها شنت السلطات الإماراتية موجة اعتقالات تعسفية واسعة وغير مسبوقة استهدفت مجموعة من الأكاديمين الإماراتيين والمحامين والناشطين بسبب توقيعهم على عريضة تدعو إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية وتعرف إعلاميا باسم "عريضة الثالث من مارس".

والعريضة وقعها في مارس/آذار 2011 مجموعة من المثقفين يصل عددهم إلى 133 شخصا، من بينهم أعضاء في جمعية الإصلاح الإماراتية، طالبوا من خلالها الرئيس الإماراتي الراحل الشيخ خليفة بن زايد بإجراء إصلاحات سياسية ودستورية.

وجاء اهتمام الإمارات بشخصية مثل خلف الرميثي وإصدار مذكرة اعتقال بحقه، ومطاردته خارجيا، حتى إسقاطه في الأردن، مثيرا للتساؤلات عن الخطورة التي قد يشكلها هو أو أي من معتقلي قضية "الإمارات 94". 

كانت تلك الخطوة هي بداية المنعطف بالنسبة للنظام الإماراتي، حيث رأى أن وثيقة الإصلاحات هي أول خطوة عملية للتحالف بين الإسلاميين والليبراليين.

وقد استوجبت دق ناقوس الخطر ضد الجمعية التي رأى النظام أنها هي المهندس الأول لهذه المطالبات التي "تهدد نظام الحكم".

سعت السلطات، عقب ذلك، لشن حملة واسعة ضد جمعية الإصلاح، ولفقت لأعضائها تهما بالسعي للانقلاب على نظام الحكم، ومحاولة إفساد نظام البلاد.

غير أن القصد كان هو تقييد الطموح السياسي لأعضاء الجمعية عبر الإخفاء القسري والاعتقال والتعذيب والحكم بالسجن لعدة سنوات، وحظر الجمعية وإدراجها على قوائم الإرهاب.

وأعلنت الصفحة الرسمية لمركز مناصرة معتقلي الإمارات عبر موقع "تويتر" في 16 مايو 2023 تعليقا على اعتقال الرميثي، والتنكيل بمعتقلي تلك القضية، بأن "الانتهاكات صاحبت القضية منذ بدايتها وشاركت فيها مؤسسات رسمية مختلفة كالنيابة العامة التي تورطت بالتستر على انتهاكات جهاز أمن الدولة".

وكذلك القضاء الذي رفض التحقيق في التعذيب الذي تعرض له المعتقلون في مقرات أمن الدولة، وفق قوله.

وأضافت: "طردت وزارة الداخلية ممثلين عن المنظمات الحقوقية، وعمل الإعلام الرسمي الحكومي على تشويه المتهمين وأهاليهم".

ووقتها طلبت أجهزة الأمن من الرميثي أن يقدم "شهادة زور" ضد معتقلي الرأي في القضية التي عرفت باسم "الإمارات 94"، لكنه رفض، وسارع إلى مغادرة البلاد واللجوء إلى تركيا.

تسبب ذلك في انتقام النظام الإماراتي بقيادة ولي العهد وقتها محمد بن زايد، من الرميثي وضمه للمتهمين في القضية.

وفي يوليو/ تموز 2013 حكمت المحكمة الاتحادية العليا غيابيا بالسجن لمدة 15 عاما، على خلف الرميثي، في المحاكمة الجماعية لقضية "الإمارات 94"، والتي تضمنت إدانة 69 أكاديميا وشخصيات عامة إماراتية بسبب ممارستهم السلمية بحقهم للتعبير عن رأيهم.

انتقادات حقوقية

ومن بين معتقلي تلك القضية أيضا، محمد الركن، الناشط الحقوقي الملقب بـ"مانديلا الإمارات"، وهو محام بارع وأستاذ في القانون الدولي، ويعمل ناشطا في مجال حقوق الإنسان، ولديه ماجستير ودكتوراه في القانون الدستوري من جامعة وارويك في المملكة المتحدة.

وتعرض هذا الرجل للانتهاكات والتعذيب النفسي، وحكمت عليه المحكمة بالسجن 10 سنوات. 

وكان الركن قد طالب، أثناء المحاكمة، بتلقي العلاج النفسي، بشكل عاجل، وأضاف أن المحامي العام الذي نصبته المحكمة كان طالبا لديه، لم يوفق في صياغة التهم.

ونموذج الركن هو الذي قد يواجهه خلفه الرميثي داخل سجون الإمارات القاسية، وهو ما تحذر منه مجموعات ومنظمات حقوقية دولية. 

وفي 17 مايو 2023 أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، تقريرا عن عملية اعتقال وترحيل الرميثي من الأردن إلى الإمارات. 

وقالت: "يبدو أن الترحيل الأردني الاستثنائي كان تحايلا على عملية الترحيل المعمول بها عادة في البلاد". وأتبعت: "ينبغي للسلطات في الإمارات كشف مكان الرميثي والإفراج عنه فورا".

وأعلنت جوي شيا، باحثة الإمارات في هيومن رايتس ووتش: "تنتهك السلطات الإماراتية منذ أكثر من عقد حقوق المتهمين في قضية (الإمارات 94)، ومن بينهم الرميثي، ويخاطر الأردن بالتواطؤ في هذه الانتهاكات إذا أعاده إلى اضطهاد شبه مؤكد".

وأضافت شيا: "يواجه خلف الرميثي نفس المصير الرهيب الذي ينطبق على العديد من المتهمين الآخرين في نفس القضية، ممن يقبعون ظلما في السجون الإماراتية".

وفي 19 مايو 2023 نشر مركز مناصرة معتقلي الإمارات عن الرميثي: أنه "آثر البعد عن السياسة لكي لا تتعرض عائلته للمضايقة، وكرس وقته للتجارة وتقلد العديد من المناصب الحكومية، لكن ذلك لم يمنع السلطات الإماراتية من ملاحقته دوليا واعتقاله". 

وغرد الناشط المصري عبد الله الشريف، معترضا على طريقة تسليم الرميثي لسلطات بلاده، قائلا: "سلمت الأردن إلى الإمارات المواطن خلف الرميثي المحكوم سياسيا بـ 15 عاما".

وأضاف: "أحب أن أذكركم بأن العرب في الجاهلية كانوا يجيرون من استجار بهم حتى إن ابن مسعود أجاره كافر من تعذيب قريش بينما كان يجلس في وسط مكة، وإلى اليوم لا زال الكفار على مروءتهم بينما يغدر المسلمون ببعضهم بعضا".