عبد الحميد المهاجر.. معمم شيعي عراقي لم تمنحه الشهرة حصانة من مطاردته لاعتقاله

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

"دجال، ضال، مضل، مفسد، فاسق" كل هذه الألقاب تطلق على رجل الدين الشيعي العراقي، عبد الحميد المهاجر، الذي منعته السلطات من صعود المنبر وإلقاء الخطابة، وأصدرت بحقه أخيرا مذكرة قبض بتهمة تتعلق بخلاف على قطعة أرض في مدينة كربلاء.

المهاجر  (73 عاما) يعد أحد أبرز المعممين الشيعة الذين ظهروا في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، والذي طالما أثار الجدل في الخطب الدينية التي يلقيها سواء بالقنوات الفضائية أو في عدد من الدول العربية والأجنبية، ويحضرها الآلاف من أنصاره ومؤيديه.

مطلوب للقضاء

عاد المهاجر مجددا، عبر معركة قضائية بخصوص قطعة أرض في مدينة كربلاء يدعي أنها ملكه رسميا، وأنه كان ينوي بناء جامعة عليها باسم "الإمام الحسين" حتى يخدم فيها التشيع، لكن أناسا وصفهم بـ"السراق الملاعين" استولوا عليها وباعوها بنحو 40 مليار دينار (نحو 30.5 مليون دولار).

وخلال برنامج تلفزيوني تعرضه قناة "المهتدي" التي يمتلكها، قال المهاجر في 14 مارس/آذار 2023، إن "من سرقوا الأرض لم يكتفوا بالأموال التي حققوها بعد تقسيمها وبيعها، بل رفعوا ضدي قضية تعويض قدرها 35 مليار دينار (26.7 مليون دولار)".

وشن المعمم الشيعي هجوما لاذعا على القضاء والحكومة وإجراءاتها ووصفهم بأنهم "يحمون الفساد ويتسترون على السراق"، موجها شتائم إلى المحامين الذين يدافعون عن خصومه في القضية، وإلى العشائر التي لم تتحرك للوقوف معه ونصرته.

وادعى المهاجر بأنه "خطيب العراق وهناك ملايين البشر في العالم يتبعوننا"، مؤكدا أنه لن يطلب من رئيس حكومة ولا السياسيين التدخل في قضيته، لكن لأن رئيس الوزراء رفع راية محاربة الفساد، فرأى أن "الأرض التي أخذت منا هي أكبر قضية فساد في البلد واستهتار بالقانون".

وتابع: "هؤلاء السراق يأخذون المليارات، ونحن ليس لدينا أموال لدفع إيجار البيت، وبعنا السيارة الشخصية حتى نسدد هذا الاستحقاق، فهل يقبل أحرار العالم ورؤساء العشائر الذين لا صوت لهم، لأنهم يخافون من هذه  العصابات، وهذه الجهات اللعينة".

وأردف المهاجر قائلا: "القانون العراقي فوضى، وأنا والله العظيم قلت هذا الكلام لآل البيت (النبي صلى الله عليه وسلم) لأن هذه الأرض للإمام الحسين، فهؤلاء (السارقون) ليس لديهم شرف كونهم رفعوا دعوى ضدنا يطالبوننا فيها بمبلغ 35 مليار دينار (26.7 مليون دولار)، لأن وراءهم بعض المحامين الخونة".

وزاد: "مع أنهم أخذوا 40 مليار دينار عراقي عن بيع الأرض رغم أنها باسمنا إلى اليوم في الدوائر الرسمية، فإذا كانت باسمهم، لماذا لم تحوّل إلى الآن؟ وقد عرفت بهذا الأمر أخيرا لأني كنت خارج العراق لمدة 6 سنوات".

"بلا حصانة"

وعلى إثر استمرار المهاجر الحديث في القضية وتوجيه اتهامات للقضاء والحكومة، اقتحمت قوة أمنية منزله بمدينة كربلاء في 5 مايو 2023 لإلقاء القبض عليه تنفيذا لمذكرة قبض صدرت بحقه بعد رفضه الحضور إلى جلسات المحكمة.

وبعدها خرج المهاجر على قناة "المهتدي" في اليوم نفسه وشن هجوما حادا على الحكومة ورئيسها محمد شياع السوداني ووصفه بـ"الحجاج" وشبه رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بـ"شريح القاضي"، مؤكدا أنهم لا يستطيعون إسكات صوته بإرسال "أزلامهم" لاعتقالي.

وتابع المهاجر حديثه باللهجة العامية، قائلا: "خلي ابن شريفة يتقدم إلي ويعتقلني وليرى ماذا يصنع به العباس (ابن علي بن أبي طالب)، فأنتم منحرفون ذيول وخونة".

لكن رئاسة محكمة استئناف كربلاء، أصدرت بيانا في اليوم نفسه اتهمت "المهاجر" برفض الاستجابة إلى مذكرات استقدام صادرة بحقه، في توضيح عقب اقتحام منزله في المدينة.

المحكمة قالت في بيان، إن "حميد كزار عبد الرضا"، المعروف بـ"عبد الحميد المهاجر"، رفض الاستجابة مرتين في قضية شكوى رفعها محاميان تتعلق بـ"إساءة" المهاجر لهما و"التهجم عليهما"، مشيرة إلى أنه ارتكب أيضا "إساءة للقضاء برفض الحضور أمام المحكمة وتقديم ما لديه من أقوال".

وحول القضية، أوضح البيان أن المحامين رفعا "دعوى تتلخص بأن المشكو منه المهاجر باع أحد العقارات لموكلهما ثم نكل عن البيع، لذا قدم المشتري الدعوى أمام محكمة البداءة (الابتدائية)، ومن هنا بدأ المشكو منه المهاجر يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي ويسيء للمحامين والقضاء مخالفا بذلك القانون".

المحكمة اتهمت المهاجر أيضا بـ"إيواء مسلحين في داره اعتدوا على مختار المنطقة الذي صحب المفرزة (القوة الأمنية) التي تنفذ واجبها القانوني، لذا تم القبض على اثنين منهم، كما أن المسلحين وجهوا أسلحتهم النارية غير المرخصة صوب القوات الأمنية لمنعهم من أداء واجبهم".

وتابعت: "المهاجر كان يستطيع الحضور بنفسه أو إرسال من ينوب عنه من المحامين إلى المحكمة لتقديم دفوعه بخصوص العقار الذي باعه ونكل عن بيعه، بدل مخالفة القانون والإساءة للمحامين والقاضي الذي ينظر الدعوى، والظهور في القنوات ومواقع التواصل وإثارة أمور جانبية غير صحيحة ليست لها علاقة بأصل الموضوع".

وشدد البيان على أن المهاجر "ليست لديه حصانة دستورية أو قانونية، وأن مجرد كونه خطيبا لا يعني أنه فوق القانون، وكان عليه بصفته رجل دين الاقتداء بسلوك أمير المؤمنين علي عليه السلام، عندما قبل مقاضاة أحد الأشخاص وحضر أمام القضاء مثله مثل أي مواطن عادي يدفع ما نسب إليه".

شيرازي الفكر

ولد حميد كزار عبد الرضا عبد الواحد الشمرتي عام 1950 في مدينة الرميثة بمحافظة المثنى جنوب العراق، وأكمل دراسته الثانوية في كربلاء، ثم التحق بالحوزة العلمية فيها عام 1963.

ومن أساتذته في العلوم الإسلامية، رجل الدين الشيعي عبد الزهراء الكعبي، وحسن الشيرازي، وشقيقه مجتبى الشيرازي، وجعفر الرشتي، ومحمد علي الطباطبائي ومحمد حسن الشخص.

وينتمي المهاجر فكريا إلى المدرسة الشيرازية التي تجهر بتكفير صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك يدافع عن طقوس دينية تثير الخلاف بين فقهاء الشيعة، مثل الدفاع عن التطبير (ضرب الرأس بالسيف في مراسم عاشوراء وإدماؤه).

يجيد المهاجر الإنجليزية والفارسية، إضافة إلى لغته الأم العربية، وكان يتولى التدريس الديني في كربلاء بمدارس تحفيظ القرآن، كما كانت له حلقة من الطلاب يلقي عليهم بعض الدروس العربية والإسلامية كالشرائع والمنطق والنحو وغيرها.

عاش المهاجر سنين طويلة خارج العراق في الفترة التي حكم فيها حزب "البعث"، ويعتقد أنه خرج مع اندلاع الحرب الإيرانية العراقية عام 1980 واستمرت إلى 1988.

عاد إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وأسس كلية الإمام الحسين للخطابة - تُعرف كذلك باسم كلية الإمام الحسين الجامعة - في حي الحسين بمدينة كربلاء، وتخصص هذه الكلية الرئيس هو تدريس "الخطابة الحسينية" وتخريج خطباء منها.

ظهر المهاجر على تلفزيون الكويت محاضرا ليلة عاشوراء من كل عام من سنة 1991 ولغاية 1995، وسجل له التلفزيون السوري حلقات لشهر رمضان تحت عنوان "من وحي التنزيل" واستمر قرابة ثلاث سنوات في صباح كل يوم جمعة خلال عقد التسعينيات.

وقبل ذلك، ألقى محاضرات ثقافية عبر التلفزيون اللبناني والإيراني بمناسبات مختلفة، فيما ظهر أيضا في شهر رمضان لعام 1988 على شاشة التلفزيون النيجيري، وسجلت معه عدة مقابلات في قناة "زائير" في جمهورية الكونغو.

كما ظهر محاضرا في التلفزيون الأميركي في ولاية ميتشيغان ومدينة لوس أنجلوس، فيما كان يلقي العديد من المحاضرات في الجامعات والكليات المختلفة، وأبرزها جامعة "بيروت العربية"، وجامعة "البني" في نيويورك.

ونشرت للمهاجر مقالات في العديد من الصحف العربية، منها، القبس والوطن الكويتيتين، ومجلة الشراع ومجلة العالم الإسلامي وغيرها، إضافة إلى مقابلات عدة أجراها مع مجلات، المواقف البحرينية، والبلاد اللبنانية، والبحار التي تصدر في لبنان للمغتربين اللبنانيين في إفريقيا والعالم.

"دجال ومفسد"

اعتاد المهاجر الظهور على المنابر في المساجد الشيعية ويلقي روايات وأحاديث لم يسمع بها أحد، كما أنه يدعي في كثير من الأحيان قدرته على إعطاء علاجات لأمراض مستعصية.

وأظهرت مقاطع فيديو بثت منذ نحو 10 سنوات على موقع "يوتيوب" وهو يقسم الأيمان المغلظة أمام الآلاف في كربلاء أن "جكليتة" (حلوى) واحدة من التي سيوزعها بينهم قادرة على شفاء عشيرة بأكملها.

وللمهاجر أيضا مقاطع أخرى يمسح عرق جبينه بالمنديل ويعطيه لأتباعه من أجل التبرك به، إضافة إلى بصقه في قنينة ماء المريض حتى يشربوه ويدعي أن "سؤر (بقيّة الشيء) المؤمن فيه شفاء للناس".

وتعليقا على ذلك، وصفه البرلماني العراقي السابق، فائق الشيخ علي، بـ"المهاجر في سبيل الشيطان وليس في سبيل الله" وأنه "ضال، مضل، مفسد، فاسق، يكذب، ويدجّل على الناس، ويأتي بروايات ما أنزل الله بها من سلطان".

وقال الشيخ علي وهو سياسي شيعي من النجف، خلال مقابلة تلفزيونية عام 2011 إن "المهاجر نجس ويربي الناس ويعلمهم على النجاسات والأكاذيب، فهو يروج لثقافة هزيلة ومريضة في المجتمع العراقي، وأن الناس لا يعرفون الحقيقة".

ويدعي المهاجر خلال حديث تلفزيوني في أغسطس/آب 2023 أن من منعه من الخطابة وحضور المجالس الدينية هم "عملاء وخونة وأذناب لجهات خارجية"، وأن "الإمام الحسين" (حفيد النبي محمد) أخبره، وقال لي بالحرف أن "تلك الجهة تعمل ضدك يا عبد الحميد".

ولم يكشف المعمم الشيعي عن أسباب منعه من الخطابة في العراق، متهما من أصدر القرار (دون تسميتهم) بأنهم عملاء للخارج، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن علي الأكبر (نجل الحسين بن علي) أخبره في المنام أن أربعين معمما في البلد هم "خونة" وضد فاطمة الزهراء (بنت النبي محمد).