كيف يهدد قانون إعفاء اليهود المتشددين من التجنيد مستقبل حكومة نتنياهو؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع أميركي أن قانون الإعفاء الشامل من الخدمة العسكرية لليهود الأرثوذكس المتشددين، الذي يناقشه الكنيست، خلال مايو/ أيار 2023، يهدد إسرائيل بمزيد من الانقسام.

وفي تقرير له، أوضح موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي أن مشروع القانون هذا أدى إلى سقوط الحكومة الإسرائيلية في عام 2019، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الإضرابات والاحتجاجات.

وأشار الموقع إلى أن مناقشة القانون المثير للجدل ستتم في جو سياسي مشحون بالفعل؛ بسبب أزمة "الإصلاحات القضائية" المثيرة للجدل التي تسعى حكومة بنيامين نتنياهو، لإقرارها.

دراسة التوراة

"وفي حين أن الخدمة العسكرية في إسرائيل إلزامية لكل من الرجال والنساء عند بلوغ سن 18 عاما، فقد أُعفي اليهود الأرثوذكس المتشددون أو ما يعرفون بـ"الحريديم" من هذا الواجب منذ تأسيس الدولة"، حسب وصف الموقع الأميركي.

فقد سمحت سلسلة من الترتيبات للرجال الأرثوذكس المتشددين بالحصول على إعفاء من التجنيد، من خلال إثبات انخراطهم في دراسات دينية بدوام كامل.

بينما يمكن لجميع النساء المتدينات في إسرائيل - بمن فيهن اللواتي يعتنقن الأرثوذكسية المتشددة- الحصول على إعفاء تلقائي دون الحاجة إلى إثبات أنهن يدرسن كما الرجال.

"واستند إعفاء الرجال من الخدمة إلى الاعتقاد بأن دراسة التوراة تقدم قيمة للدولة مساوية للخدمة العسكرية، إن لم تكن أعلى منها"، حسبما أورد التقرير.

"لكن عندما طُبق هذا الاستثناء لأول مرة، كان عدد سكان "إسرائيل" أقل بكثير مما هو عليه اليوم، كما كانت نسبة اليهود الأرثوذكس المتطرفين في السكان قليلة أيضا"، يضيف التقرير.

فاليوم، يشكل اليهود الأرثوذكس المتطرفون حوالي 13 بالمئة من سكان إسرائيل البالغ عددهم 9 ملايين، مقارنة بـ 1 بالمئة فقط في عام 1948.

"ومع مرور السنوات، أصبح المجتمع الإسرائيلي العلماني محبطا بشكل متزايد من إعفاء هذه الفئة من الخدمة العسكرية"، وفق الموقع الأميركي.

وقالت الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، عيديت شفران غيتلمان: "لقد أدى القانون الحالي إلى وضع مخالف لما كان مقصودا به في الأساس".

وتابعت: "بدلا من أن يخدم الجميع سواسية في الجيش، فإن الأمر بخلاف ذلك، إذ إن المجتمع الأرثوذكسي معفى من أقسى الالتزامات التي يمكن أن تفرضها دولة على مواطنيها".

وأردفت: "من الواضح أن هناك ظلما، إذ إن أحد الجانبين يخاطر بحياته، بينما نجد الآخر معفى من تلك المخاطرة".

ومن جانبه، وصف رجل الأعمال الأرثوذكسي، مؤلف كتاب "عندما سيكون الحريديم أغلبية"، إسحاق كرومبي، هذه القضية بأنها "معقدة".

"فمن ناحية، نجد الجيش غير مناسب للحريديين، إذ إن لديهم قلقا من أن تبعدهم الخدمة العسكرية عن عالمهم الأرثوذكسي الملتزم دينيا"، يضيف كرومبي.

" ومن ناحية أخرى، فإن هناك ألما حقيقيا يعانيه الآخرون، ويتحملون العبء في سبيله، بينما الحريديون ليسوا كذلك".

وأوضح "ذا ميديا لاين" أن الأوامر التي نصت على إعفاء الحريديم مؤقتة، وأن الأمر الحالي من المقرر أن ينتهي هذا الصيف، مما سيجبر الحكومة على تقديم مقترح لتجديده.

تنازلات مؤلمة

وصرح الباحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، عساف مالشي، أنه "سيُطلب من كلا الجانبين تقديم تنازلات ضخمة ومؤلمة، ما يعني في النهاية أنه لن يكون أحد راضيا تماما".

وفي الوضع الراهن، يُعفى اليهود الأرثوذكس المتدينون الذين يدرسون التوراة من الخدمة العسكرية حتى سن 26 عاما، وعندها تنتهي صلاحية سن التجنيد.

"فعلى سبيل المثال، يجب على اليهودي الأرثوذكسي الذي يترك دراسته الدينية في سن الخامسة والعشرين الالتحاق بالجيش"، حسب الموقع.

"لذلك، يواصل بعض اليهود الأرثوذكس دراساتهم الدينية حتى سن 26 عاما فقط بهدف تجنب قضاء فترة الخدمة العسكرية"، حسبما أفاد التقرير.

وفي محاولة لإشراك المزيد من اليهود الأرثوذكس في القوى العاملة، سيخفض اقتراح الحكومة الجديد الحد الأدنى لسن الإعفاء من التجنيد لهذه الطائفة إلى 21 عاما.

وفقًا لمتبني هذا المقترح، فإن خفض السن إلى 21 عاما سيسمح لمزيد من اليهود الأرثوذكس المتدينين بترك دراستهم، والبدء في الدخول لسوق العمل دون خوف من التجنيد الإلزامي.

وفي ظل النظام الحالي، سُجّل العديد من اليهود الأرثوذكس المتدينين على أنهم يرتادون المؤسسات الدينية، رغم أنهم في الواقع ليسوا كذلك.

والجدير بالذكر أن هذه المؤسسات تتلقى تمويلا من الحكومة الإسرائيلية، بل ويتلقى الطلاب أنفسهم راتبا شهريا أيضا.

وأكد الموقع الأميركي أن هذه الديناميكية تكشف عن الطبيعة العميقة الجذور لمشكلة تجنيد اليهود الأرثوذكس.

فالأمر لا يقتصر على أنهم لا يخدمون في الجيش فحسب، بل إنهم يشاركون أيضا بشكل أقل في القوى العاملة، ويدفعون ضرائب أقل مما يدفعه باقي الإسرائيليين.

ويرى كرومبي أنه "ببساطة لا يوجد حل لهذه المشكلة، فالجميع يعرف أنه ليس واقعيا تجنيد كل السكان الحريديم، أو إجبارهم على ذلك".

وأفاد الموقع بأن عدد الرجال اليهود الأرثوذكس الذين يتطوعون للخدمة العسكرية ضئيل، حيث يدخل بضع مئات منهم الجيش كل عام، بينما يستمر عشرات الآلاف في الحصول على إعفاءات.

واللافت هو أن "اليهود الأرثوذكس المتطرفين هم الشريحة الأسرع نموا في المجتمع الإسرائيلي، بمعدل 4 بالمئة سنويا، فلدى كل أسرة منهم 6 أطفال، أي ضعف عدد أفراد الأسرة اليهودية العلمانية"، حسب التقرير.

وهناك سبب آخر للتوترات بين اليهود العلمانيين والمتدينين، وهو أن مشاركة الأرثوذكس في القوى العاملة منخفضة نسبيا، إذ إن ما يقرب من 80 بالمئة من النساء الأرثوذكس المتدينات يعملن، لكن حوالي نصف الرجال المتدينين فقط يعملون.

ووصف "ذا ميديا لاين" هذه القضية بأنها "سيكون لها تأثير كبير على مستقبل إسرائيل؛ لأن هناك فجوة بين الإسرائيليين فيما يتعلق بتحمل العبء المالي والعسكري".

وأوضح الموقع الأميركي أنه "إذا استمر الذكور الأرثوذكس المتشددون في البقاء خارج قوة العمل، فإن آفاق الاقتصاد الإسرائيلي تبدو قاتمة".

وأكد كرومبي على وجوب معالجة مسألة توظيف اليهود الأرثوذكس أولا، لكنه أقر بأهمية مناقشة التجنيد أيضا، قائلا إن "الإعفاء من الخدمة من سن 21 يعني في الواقع التخلي عن مشاركة الحريديم في الجيش كليةً".

"الإصلاح القضائي"

ومنذ تشكيل نتنياهو لحكومته أواخر عام 2022، دخلت إسرائيل في أزمة سياسية، حيث اندلعت موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات ردا على الإصلاحات القضائية المخطط لها. 

وقد كانت مسألة التجنيد جزءا لا يتجزأ من هذه الأزمة، إذ أصرّت الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية المتشددة المشاركة في الائتلاف الحاكم على قانون التجنيد الجديد، وربطته بالإصلاح القضائي.

وألمح التقرير إلى أن جزءا كبيرا من الإصلاح القضائي يتمثل في بند يسمح للكنيست بإلغاء قرارات المحكمة العليا.

"وبالنظر إلى أن المحكمة العليا قد طعنت سابقا في محاولات إعفاء اليهود الأرثوذكس من التجنيد الإجباري، فإن تمرير الإصلاح القضائي سيسمح للأحزاب المتطرفة المتحالفة مع نتنياهو بتمرير مخططهم، بغض النظر عما إذا كانت المحكمة تعتقد أنه دستوري أم لا"، حسب التقرير.

"وحاليا، جُمد الحديث عن الإصلاح القضائي نتيجة للاحتجاجات الجماهيرية الهائلة، ولكن قد تحدث أزمة سياسية لنتنياهو إذا اختار التخلي تماما عن الإصلاح بشكل نهائي"، وفق الموقع.

وأشار التقرير إلى أن "الخدمة العسكرية تشكل جزءا مهما من هويات العديد من الإسرائيليين، لكن يرى المجتمع الأرثوذكسي المتطرف أن الجوانب التعليمية والثقافية للخدمة العسكرية تشكل تهديدا لمجتمعهم المنغلق على نفسه".

بدورها، أضافت غيتلمان أن تمرير قرار الإعفاء "سيؤدي إلى انهيار النظرة للجيش كممثل للشعب"، مؤكدة أن الخدمة العسكرية تقع في قلب موجة الاحتجاجات الراهنة.

وختم التقرير بالإشارة إلى أنه "مع افتتاح الكنيست لجلساته الصيفية في الأسبوع الأول من مايو، من المتوقع أن يهيمن هذا الموضوع الحساس على جدول الأعمال، وربما يكون بمثابة وقود لحركة الاحتجاج ضد الحكومة".