رغم الاتفاق الداخلي.. من يقف وراء تعطيل استئناف ضخ نفط العراق عبر تركيا؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم اتفاق الحكومة العراقية والسلطات بإقليم كردستان في 4 أبريل/نيسان 2023، على إعادة استئناف ضخ النفط عبر ميناء جيهان التركي، فإن توقف تدفقه لا يزال قائما، مما يخسر العراق بسببه نحو مليار دولار شهريا عن قيمة تصدير 450 ألف برميل يوميا.

وفي 25 مارس/آذار 2023، أوقفت تركيا صادرات العراق الشمالية البالغة 450 ألف برميل يوميا، بعد حكم غرفة التجارة الدولية في باريس، الذي أمر أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار عن صادرات غير مصرح بها من حكومة الإقليم بين عامي 2014 و2018.

اتفاق جديد

عقب التوقف الحاصل عبر ميناء جيهان التركي، وقعت الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق في 4 أبريل 2023 اتفاقا لاستئناف ضخ النفط من شمالي البلاد عبر شركة تسويق النفط العراقية (سومو).

وجرى الاتفاق بعد لقاء جمع رئيس وزراء كردستان مسرور البارزاني مع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، اتفقا فيه على استئناف تصدير النفط من الإقليم، وإجراء محادثات لتسوية نزاع مستمر منذ نحو 20 عاما بخصوص قانون "النفط والغاز" المعطل بالبرلمان منذ عام 2005.

وقال رئيس الوزراء العراقي -في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس حكومة إقليم كردستان ببغداد- إن هذا الاتفاق مؤقت وسيمهد إلى إقرار قانون النفط والغاز الاتحادي وفق الدستور ومعالجة جميع الشواغل في هذا القانون.

وأضاف السوداني أن هذا الاتفاق فيه مصلحة عامة للشعب العراقي، وأن أي تأخير في تنفيذه سيؤثر على مجمل الإيرادات النهائية من النفط، كما سيرفع معدل العجز في الموازنة الاتحادية.

وأفاد بأن هذا الاتفاق هو حصيلة حوار مهني ورغبة مشتركة لمعالجة ملف النفط؛ لأن الجميع متضرر من عدم التوصل إلى اتفاق بهذا الاتجاه، وأنه على الجميع الالتزام بالاتفاق وصولا إلى إقرار قانون النفط والغاز الاتحادي.

وتكمن أهمية القانون المختلف عليه في كونه يُنظم استخراج وتصدير وإدارة ثروات النفط والمعادن الطبيعية التي تُنتج في حدود الدولة العراقية وضمنها إقليم كردستان، فضلا عن تنظيم الإيرادات النفطية، ومن هي الجهة التي تذهب إليها الأموال والمخولة بإنفاقها.

وحالت الخلافات بين الأطراف السياسية دون تمريره، ما دفع إقليم كردستان إلى إصدار قانونه الخاص للنفط والغاز عام 2007.

لكن المحكمة الاتحادية العراقية العليا (أعلى سلطة قضائية في البلاد) أصدرت في 15 فبراير/شباط 2022، قرارا، وصفت فيه قانون نفط وغاز إقليم كردستان بـ"غير الدستوري"، وطالبت الإقليم بتسليم إيرادات النفط المنتج إلى بغداد، وهو قرار رفضته كردستان بشكل قاطع.

بدوره، قال مسرور البارزاني خلال المؤتمر "أنا واثق هذه المرة من أن الاتفاقية ستنفذ كما هي، وسيتم تعجيل تصدير النفط بشكل لا يلحق الضرر بجميع الشعب العراقي".

وأكد أن "هذا الاتفاق هو لجميع العراقيين، وسيكون أساسا للموازنة الاتحادية ولقانون النفط والغاز، لأن إيقاف صادرات نفط الإقليم يضر العراقيين".

وأضاف "نيتنا التوصل إلى اتفاق شامل من دون أن يترك حقوقنا الدستورية، والعمل على تمتين العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، ونحن سعداء بالتوصل إلى هذا الاتفاق الذي سيكون جيدا لجميع العراقيين".

وتمثل التدفقات المتوقفة نحو 0.5 بالمئة فقط من إمدادات النفط العالمية، لكن هذا التوقف أجبر شركات النفط العاملة في المنطقة على وقف الإنتاج أو نقله إلى صهاريج تخزين تمتلئ سريعا، وأسهم أيضا في ارتفاع أسعار النفط إلى نحو 80 دولارا للبرميل.

قرار بالاستئناف

في ذات اليوم الذي وقعت فيه بغداد وأربيل الاتفاقية، قالت مصادر رسمية لوكالة "رويترز" البريطانية، إن الحكومة العراقية والسلطات في إقليم كردستان وقعتا اتفاقا، لاستئناف تصدير النفط من الشمال.

ونقلت الوكالة عن مسؤول بالحكومة في بغداد (لم تكشف هويته) أنه جرى إرسال طلب رسمي إلى تركيا لاستئناف تصدير النفط عبر خط أنابيب بين العراق وتركيا، على أن يجري استئناف الضخ "في الساعات القليلة المقبلة".

وقال مسؤولان في الحكومة العراقية إنه بموجب الاتفاق ستكون شركة تسويق النفط العراقية المملوكة للدولة (سومو) مسؤولة عن تسويق وتصدير نفط حكومة إقليم كردستان العراق، وسيتم إيداع العوائد في حساب بالبنك المركزي العراقي، تديره حكومة إقليم كردستان، وفقا للوكالة.

بدوره، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في 17 أبريل 2023، أن استئناف تصدير النفط من حقول إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي خلال الأسبوع الحالي، لكنه لم يصل ذلك حتى يوم 24 من الشهر ذاته.

وأكد السوداني خلال مقابلة تلفزيونية محلية أن "مشتري النفط سيوقعون العقد مع شركة النفط الوطنية (سومو) اليوم (تاريخ التصريح)"، في إشارة إلى النفط المُصدر من حقول إقليم كردستان.

وأضاف السوداني أن "مسائل فنية فقط بقيت فيما يخص صادرات النفط (لإقليم كردستان)، وجرى إرسال خطاب إلى تركيا بهذا الصدد".

وفي السياق ذاته، كشف مصدر سياسي عراقي أن "السوداني أبلغ أعضاء اللجنة المالية البرلمانية، خلال اجتماع جمعه بهم في 15 أبريل، أنه خلال يوم أو يومين ستُستأنف عمليات ضخ النفط عبر ميناء جهان التركي".

وأوضح المصدر في حديث لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته أن "السوداني أكد للجنة المالية أنه أخذ وعدا من الجانب التركي باستئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان خلال يومين بالكثير".

وتوقع المصدر ذاته، أن "تركيا لن تستأنف ضخ النفط في الوقت الحالي، إلا بعد أن تتنازل بغداد عن مبلغ 1.5 مليار دولار، التي فرضتها عليها المحكمة الدولية كتعويضات عن تصديرها نفط الإقليم دون مواقفة السلطات العراقية".

وفي 6 أبريل 2023 نقلت وكالة "بلومبيرغ" الدولية عن مسؤولين تركيين (لم تكشف هويتهما) قولهما، إن تركيا تريد التفاوض مع العراق بشأن التعويضات التي فرضتها هيئة التحكيم الدولية كتعويضات، والتي تبلغ 1.4 مليار دولار، قبل استئناف عملية تصدير النفط من إقليم كردستان.

وكانت وزارة الطاقة التركية، أصدرت في  28 مارس 2023، بيانا أكدت فيه أن غرفة التجارة الدولية أمرت العراق بدفع تعويض إلى أنقرة في قضية تحكيم طويلة الأمد تتعلق بصادرات النفط من كردستان عبر تركيا.

وأشارت إلى أن "المحكمة الدولية اعترفت بأغلبية مطالب تركيا"، لافتة إلى أن "المحكمة الدولية ألغت 4 من 5 مطالب تخص العراق".

وبيّنت الوزارة أن "المحكمة الدولية أمرت العراق بدفع تعويض إلى تركيا"، دون الكشف عن المبلغ المطالبة بغداد بتسديده إلى أنقرة.

خسائر كبيرة

تأخر استئناف ضخ النفط عبر تركيا بات يكبد العراق خسائر مهولة يوميا، فقد كشف الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل المرسومي، عن فقدان البلد مليار دولار شهريا بسبب توقف صادرات كُردستان النفطية، حسب تدوينة له نشرها على "فيسبوك" في 11 أبريل 2023.

وأكد المرسومي أن العراق يخسر نحو 25 مليون دولار يوميا بسبب توقف الإنتاج في كردستان، لافتا إلى أن "ارتفاع سعر خام برنت الى 78 دولارا يرتبط إلى حد كبير  بانخفاض صادرات النفط من الإقليم وكركوك (محافظة عراقية)".

وأضاف، أن الصادرات "كانت تصل إلى نصف مليون برميل يوميا تشكل 0.5 بالمئة من الانتاج العالمي للنفط"، مؤكدا أن "التوقف في الصادرات سيؤدي الى خسارة صافية للعراق بنحو 25 مليون دولار يوميا".

عزا ذلك إلى أن "400 ألف برميل يوميا من صادرات كردستان تدخل ضمن الإيرادات النفطية في الموازنة فضلا عن أقل بقليل من 100 ألف برميل يوميا من صادرات نفط كركوك".

من جهته، قال عضو اللجنة المالية في برلمان إقليم كردستان، صباح حسن، إنه بالرغم من عدم استئناف تصدير نفط كردستان، فإن الحكومة العراقية هي التي ستتحمل الخسائر المالية الناتجة من عدم التصدير.

وأوضح خلال تصريحات لصحيفة "العربي الجديد" في 10 أبريل 2023، أن "الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل في قانون الموازنة، ينص على أن تسلَّم بموجبه حكومة كردستان الحكومة العراقية 400 ألف برميل من النفط يوميا، وترسل (الأخيرة) المستحقات المالية كافة إلى الإقليم".

وشدد حسن على أن "الأضرار المالية لعدم استئناف تصدير نفط كردستان إلى تركيا ستتحملها الحكومة العراقية، لحين حل جميع الإشكاليات واستئناف التصدير بشكل طبيعي".

ورأى المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، في تصريحات أعقبت التوقيع أن تنفيذ اتفاق استئناف تصدير نفط إقليم كردستان سيحل أكثر من 60 إلى 70 بالمئة من "المشاكل" بين بغداد وأربيل.