"مدن محتلة".. كيف أثارت تصريحات مسؤول مغربي عن سبتة ومليلية حفيظة إسبانيا؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أثارت التصريحات الأخيرة لرئيس مجلس المستشارين المغربي، النعم ميارة، صدى كبيرا في الصحافة الإسبانية بعد دعوته مواطني بلاده لتشكيل "لوبي" يساعد في الدفاع عن وطنهم. 

وقالت صحيفة الإسبانيول إن النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين المغربي وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، صرح في 7 أبريل/نيسان 2023 بأن "حزبه دائما ما يردد أنه سيأتي اليوم الذي يستعيد فيه المغرب مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين". 

وتقع سبتة ومليلة وعدة جزر في أقصى شمال المغرب، حيث تخضع للإدارة الإسبانية، وتعتبرهما الرباط "ثغورا محتلة".

سبتة ومليلية

ولم يغفل المسؤول المغربي التأكيد على أن هذه العملية "ستكون دون ابتزاز"، وفقا لما أكدته مواقع مغربية. 

وفي اجتماع للجمعية النسائية لحزب الاستقلال، لبحث مختلف القضايا الداخلية والخارجية في البلاد، قال ميارة: "في يوم من الأيام سنستعيد المدينتين المحتلتين من خلال الحوار والمفاوضات الإيجابية مع إسبانيا المجاورة دون اللجوء إلى استخدام السلاح". 

وبالمثل، خلال مؤتمر "عام واحد على دخول العلاقات الإسبانية المغربية مرحلة جديدة ... الأسس والفرص" في يناير/كانون الثاني 2023، حثّ ميارة مواطني المغرب المقيمين في إسبانيا "على الاندماج السياسي في الأحزاب الإسبانية".

كما حثهم على "المشاركة في الانتخابات، سواء كانت بلدية أم برلمانية، للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين البلدين وتشكيل قوة ضغط تساعد في الدفاع عن جميع القضايا المتعلقة بالوطن، وكذلك لجذب الجمعيات الإسبانية للدفاع عن مسألة وحدة الأراضي". 

ونوهت الصحيفة إلى أن خطة ميارة لتقريب المواقف حول مختلف القضايا سترتكز على "تشكيل مجموعات ضغط داخل المشهد السياسي الإسباني قادرة على تغيير مواقف كثيرة لصالح المملكة المغربية".

في السياق ذاته، يرى ميارة أن "المملكة تمنح الجالية المغربية جميع الحقوق التي يتمتع بها المواطن، وبنفس الطريقة، يجب دعم أفراد هذا المجتمع ليكونوا برلمانيين في البلد الذي يحملون جنسيته، وذلك للدفاع عن مصالح وطنهم عند الضرورة؛ لأن دور الجالية المغربية في إسبانيا سيكون مهما في السنوات المقبلة". 

وأوردت الصحيفة الإسبانية أن أعضاء حزب الاستقلال هم تحديدا جزء من المخزن، وهو مصطلح له دلالة خاصة في العامية المغربية، ويشير إلى النخبة الحاكمة في المغرب التي تمحورت حول الملك أو السلطان سابقا.

وقد ابتكر هذا التشكيل فكرة "الصحراء المغربية" وبدأ في نشرها منذ عام 1955. علاوة على ذلك، يجمع هذا التشكيل البرجوازيين المغربيين، الذين استقروا في دوائر حكم المملكة المغربية. وقد تناقلوا المناصب من جيل إلى جيل منذ عهد الملك الحسن الثاني". 

وبهذه الطريقة، على الرغم من إجراء الانتخابات كل خمس سنوات، وتغيير الحكومات، تظل بعض المناصب التي يشغلها حزب الاستقلال داخل الوزارات. وخارج حدود المملكة، لديهم أيضا أعضاء حزبيون في القنصليات والغرف التجارية. 

ملكي إسلامي

وأشارت الصحيفة إلى أن كون ميارة صحراويا يدافع عن خطة الحكم الذاتي المغربي يمنحه مكانة مهمة ليس فقط على المستوى الوطني، بل على المستوى الدولي أيضا. 

في الحقيقة، يسعى المغرب إلى تقديم صورة للاندماج من أجل الاعتراف العالمي بخطته للحكم الذاتي كحل للصراع مع الصحراء الغربية. 

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها في الصحراء الغربية، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وهكذا، في الثاني من مارس/آذار، جرى انتخاب ميارة بالإجماع رئيسا للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط (منظمة دولية تضم 34 برلمانا عضوا من المنطقة الأورومتوسطية والخليجية) للفترة الفاصلة بين 2023 و2024، ليحل محل البرتغالي بيدرو روك. 

ومع ذلك، على الرغم من أن هذه التصريحات دارت داخل حزب الاستقلال، فهي  لا تتماشى مع ما جرى الاتفاق عليه خلال الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب في فبراير/شباط 2023 في الرباط.

وفي البيان المشترك، تعهد رؤساء حكومة البلدين، الإسباني بيدرو سانشيز والمغربي عزيز أخنوش، بالاحترام المتبادل الذي يستلزم "تجنب كل ما من شأنه أن يسيء إلى الطرف الآخر، خاصة تلك المسائل التي تؤثر على مجالات السيادة الخاصة بالبلدين". 

ونقلت الإسبانيول أن الاستقلال حزب قومي تاريخي في الدولة المجاورة، تأسس عام 1943، ويتميز بكونه محافظا وملكيا وإسلاميا، وظل على الدوام قريبا من السلطان بن يوسف والملك الحسن الثاني. ويستمر حاليا في الحكم في الائتلاف الذي يحكم البلد المغاربي. 

يحتل حزب الاستقلال المركز الثالث في الحكومة الائتلافية المغربية، بعد فوزه بـ 78 مقعدا في الانتخابات العامة الأخيرة في سبتمبر/أيلول 2021. 

ومنذ عام 2017، كان أمينه العام هو وزير التجهيز والمياه الحالي، نزار بركة، حفيد علال الفاسي، مؤسس حزب الاستقلال. ويدعم الحزب مغربية الصحراء وحتى سبتة ومليلية، كما يوضح أحد أعضائه الآن. 

ونقلت الصحيفة أنه في أبريل 2022، حضر بركة المؤتمر الوطني العشرين لحزب الشعب الإسباني في إشبيلية.

 بالإضافة إلى ذلك، عقد لقاء افتراضيا مع بابلو كاسادو، عندما كان أمينا عاما لحزب الشعب، في مايو/أيار 2021، بعد الأزمة التي نجمت عن استقبال الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي. 

أزمات مشتركة

وبحسب البيان الذي أرسله المكتب الإعلامي لحزب الشعب، تحدث رئيس الحزب الإسباني مع نظيره المغربي عن "الحيطة" اللازمة في شؤون السياسة الدولية وكشف عن تصريحاته العلنية حول موقفه من العلاقات مع الجار الجنوبي. 

بعد ستة أيام فقط، في 17 و18 مايو/أيار 2021، سمح المغرب بمرور 12 ألف شخص - وهو رقم تقديري من السلطات - عبر حدود مدينة سبتة المتمتعة بالحكم الذاتي.

خلال نصف القرن الماضي، لم تشهد إسبانيا والمغرب نزاعات مسلحة؛ لكنها عاشت الكثير من الأزمات الدبلوماسية. وفي الغالب كانت المملكة الطرف المنتصر فيها. 

وتجدر الإشارة إلى أن توتر العلاقات الإسبانية المغربية بسبب مدينتي سبتة ومليلية ليس حديثا. 

ففي سنة 2007، شهدت المدينتان زيارة ملك إسبانيا وقتها خوان كارلوس، في أول مبادرة من نوعها بعد تلك الزيارة التي أداها في عام 1933 الرئيس الجمهوري، نسيتو ألكالا زامورا. 

وهنا، لم يمض وقت طويل على رد فعل الملك الحالي محمد السادس في شكل تصريح للصحافة.

وهدد الملك قائلا: "على السلطات الإسبانية أن تتحمل مسؤوليتها فيما يتعلق بالعواقب التي قد تهدد مستقبل وتطور العلاقات بين البلدين".

 كما جرى استدعاء السفير المغربي للتشاور وقتها، لكن الأزمة استمرت بضعة أسابيع فقط. 

كانت آخر أزمة بين البلدين مرتبطة بالصحراء الغربية، بعد أن أصدر الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، في ديسمبر/كانون الأول 2020، مرسوما بالاعتراف بسيادة المغرب عليها.

منذ تلك اللحظة، بدأ المغرب يطالب إسبانيا بـ "مزيد من الجرأة" في سياستها تجاه تلك المنطقة. 

وفي خضم هذا الجدل، عادت مدينة سبتة لتلعب دورا بالغ الأهمية في الضغط على إسبانيا، بعد أن سمح المغرب بدخول عدد هائل من المهاجرين غير النظاميين إليها وسط انتشار جائحة كورونا.