توافق ليبي على تعديل دستوري يمهد للانتخابات.. هل حقا ستُعقد في 2023؟

طرابلس - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

شهدت الساحة الليبية تطورا جديدا بعد موافقة المجلس الأعلى للدولة، على التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عبره.

وفي 2 مارس/آذار 2023، صوّت المجلس الأعلى للدولة بغالبية الأعضاء الحاضرين في جلسة طارئة على التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري.

وهذا القرار اتخذه مجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة في 7 فبراير/شباط 2023 ونشر في الجريدة الرسمية في الثالث والعشرين من ذات الشهر.

ويتكون التعديل الـ13 للإعلان الدستوري الذي يعد دستورا مؤقتا للبلاد وُضع بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي، من 34 مادة بشأن نظام الحكم.

ويتألف نظام الحكم وفق المادة الأولى من سلطة تشريعية مكونة من غرفتين وسلطة تنفيذية يترأسها رئيس منتخب مباشرة من الشعب، بالإضافة إلى مواد متعلقة بالأحكام الانتقالية والمرأة.

وبحسب التعديل الثالث عشر فإن السلطة التشريعية "مجلس الأمة" تتكون من غرفتين، الأولى هي مجلس النواب يكون مقره ببنغازي، والغرفة الثانية هي مجلس الشيوخ ويكون مقره بطرابلس. 

ويحدد الاختصاصات التشريعية للمجلسين وطريقة وشروط الترشح والانتخابات الخاصة بهما، أما السلطة التنفيذية فيرأسها رئيس منتخب مباشرة من الشعب يكلف رئيسا للوزراء أو يقيله. 

كما يحدد التعديل اختصاصات السلطة التنفيذية ومهامها وطريقة مساءلتها ومحاسبتها.

دعم دولي

التوافق على تعديل الإعلان الدستوري بين مجلسي "النواب" و"الأعلى للدولة" يأتي بعد أيام من إعلان المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، عن إطلاق "مبادرة" لتشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى تجمع كل أصحاب المصلحة، والمؤسسات، والشخصيات، وزعماء القبائل، والنساء، والشباب، مهمتها الوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية 2023.

وفي 27 فبراير 2023، قال باتيلي، في إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي، إنه "استنادا إلى المادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، وبناء على الاتفاقات التي توصل إليها الأطراف الليبيون في السابق قررت إطلاق مبادرة تهدف إلى التمكين من إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال عام 2023".

ولاقت مبادرة باتيلي دعما دوليا من مختلف مندوبي الدول لدى مجلس الأمن، باستثناء مندوب روسيا، الذي حذر من أن أي تسرع لإنجاز الانتخابات في ليبيا لن يحل مشاكل البلاد.

توافق مجلسي "النواب" و"الأعلى للدولة" في ظل التأكيد الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات في سنة 2023، عدّه مراقبون خطوة مهمة لتجاوز تعطيل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة.

فهل يمكن أن يدفع هذا الزخم المحلي والدولي إلى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال سنة 2023؟ 

أم أن الخلافات أعمق من الاتفاق على قاعدة دستورية جديدة لإجرائها خاصة في ظل المصالح المتشابكة بين أطراف إقليمية وأخرى دولية؟

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي أحمد محمد، أكد أن التوافقات التي حدثت أخيرا بين مجلسي النواب الأعلى للدولة حول إقرار التعديل الدستوري الـ13 يمكن البناء عليها.

وفي 28 فبراير 2023، رأى محمد خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر" على قناة "الجزيرة"، أن المحاولات الليبية لإيجاد حل يمكن أن يكتب لها النجاح.

وفي تعليقه على مبادرة عبدالله باتيلي، يرى محمد، أن المبادرة الأممية لا تختلف عن سابقاتها التي لم تتوصل إلى نتيجة حقيقية بسبب فقدانها آليات واضحة لحل الأزمة الليبية، معلنا رفضه فرض الحلول من الخارج.

توافق هش

من جهته، قال عضو المجلس الأعلى للدولة بليبيا علي السويح، إن مصادقة الأخير كان يجب أن تكون قبل التعديل 13 وأن تتضمن الملاحظات التي أبداها عدد من الأعضاء.

وأضاف السويح، في حديث لـ"الاستقلال"، أن حل المشكلة السياسية في ليبيا بيد أطرفها؛ إذ لو جرى دفعها للتوافق فإننا سنرى انتخابات قبل نهاية سنة 2023.

ورأى أن إيجاد أي حل بين الأطراف السياسية في ليبيا لن يتحقق دون دعم البعثة الأممية وإيجاد آليات التنفيذ ومعاقبة المعرقلين والحد من التدخلات الأجنبية إلى أن نصل إلى إجراء الانتخابات.

ومنذ مارس/آذار 2022 تتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان إحداهما برئاسة فتحي باشاغا وكلفها مجلس النواب بطبرق (شرق).

والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.

وبخصوص مبادرة باتيلي لإنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى في ليبيا في أفق إجراء الانتخابات، قال السويح، إنه "يمكن إنشاء لجنة للدعم للإسهام في وضع حل للأزمة بصفة عامة على أن يشترط أن توضع معايير لاختيار هذه اللجنة".

 وتابع أن أول هذه الشروط هو "التأثير أو بمعنى آخر الذين لديهم القدرة على عرقلة أي توافق وهم كثر"، مضيفا أنه ينبغي أن يمتلك المبعوث الأممي آليات التنفيذ ومعاقبة المعرقلين في حالة عرقلتهم للحل المتوافق عليه.

وأشار السويح، إلى أن تدخل الدول الأجنبية من الأسباب المعرقلة للوصول إلى حل للأزمة الليبية، متسائلا: هل يمتلك باتيلي القدرة على إيقاف هذا التدخل أو أن يحصل على تعهدات من هذه الدول للإسهام في الحل؟ 

وخلص عضو المجلس الأعلى للدولة بليبيا، إلى أنه إذا توافرت هذه الشروط المذكورة مجتمعة فإن إجراء الانتخابات خلال هذه السنة يبقى تحصيل حاصل. 

أزمات ومخاوف

توفير الشروط المناسبة لحل الأزمة الليبية، هو ما أكد عليه أيضا الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، مشددا على أن هذا واجب أساسي للأمم المتحدة.

ويرى في تصريح لـ"الاستقلال"، أن إحاطة باتيلي بمجلس الأمن أشارت إلى بعض أسباب فشل التوصل إلى حل الأزمة من قبيل حديثه على ضرورة تسهيل سحب المرتزقة من ليبيا، مبينا أن هذه النقطة أساسية في توفير المناخ المناسب للحل.

ودعا نور الدين مبعوث الأمم المتحدة بليبيا إلى التركيز على حظر توريد السلاح إلى البلاد عبر إجراءات حقيقية كما فعلت من خلال حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وأضاف أن الأمم المتحدة يمكنها الاستعانة بالقوى الدولية لفرض حظر حقيقي لدخول السلاح إلى ليبيا، ثم تساعد الحكومة في طرابلس على التخلص من المرتزقة عن طريق الضغط بواسطة مجلس الأمن على الدول التي تدعمهم.

وأكد الخبير في العلاقات الدولية، أن فرض خروج هؤلاء المرتزقة هو السبيل الأول نحو توفير المناخ الملائم لإجراء الانتخابات، مبرزا أن هذا الأمر سيوفر الحد الأدنى للانتقال لحل الإشكال السياسي الذي يستلزم أرضية يتفق عليها الفرقاء الليبيون كافة.   

ورأى نور الدين، أن جوهر الأزمة الليبية الحالية هي أزمة تنازع الشرعيات الذي تحول إلى صراع حول السيطرة على السلطة وعلى المناصب في المؤسسات الإستراتيجية ثم تحول في مرحلة ثالثة إلى صراع قوى إقليمية ودولية داخل ليبيا. 

وعدّ أن الثابت الوحيد في هذه الأزمة هو أن ليبيا دخلت نفقا مظلما بسبب التناقضات الداخلية والأجندات الخارجية.

وأردف: "مع الأسف لا أريد أن أكون متشائما ولكن الأزمة الليبية تبدو بعيدة عن الحل في المدى القريب خاصة أن المحيط الإقليمي لا يزداد إلا قتامة".

وشدد نور الدين، على أن نقطة البداية لحل الأزمة هي التوافق الليبي على أرضية واحدة تجد فيها كل الأطراف نفسها، مبينا أن الكرة في الملعب الليبي لأن المصالح الإقليمية والدولية لا تزيد الأزمة إلا اشتعالا. 

وخلص إلى أن مفتاح الحل يملكه الليبيون أنفسهم لو وجدوا دعما من إحدى الدول الفاعلة لتجميع الآراء والخروج بخارطة طريق لحل سياسي يجد فيه الجميع نفسه ولا يكون فيه أي إقصاء.  

وختم كلامه متسائلا: هل ستترك القوى الإقليمية والدولية الأطراف الليبية للتوافق على أرضية موحدة للوصول إلى حل سياسي نهائي، أم أنها ستستمر في دعمهم ودفعهم إلى المواجهات حماية لمصالحها؟