بعد عشرية سوداء.. ماذا وراء دعوات الإفراج عن الإخوان المسلمين في مصر؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد 10 سنوات قاسية من حكم الانقلاب العسكري في مصر، برزت دعوات جديدة للإفراج عن قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين كما يحدث مع معارضين من أحزاب أخرى. 

وعندما وقع الانقلاب في 3 يوليو/تموز 2013 بقيادة وزير الدفاع (آنذاك) عبد الفتاح السيسي، كان إيذانا بدخول مصر عشرية قاسية، سحقت فيها الحقوق والحريات، ووضع عشرات الآلاف من المواطنين في السجون، فضلا عن حالات الإعدام والقتل خارج إطار القانون والتصفية الجسدية. 

استهدفت العملية الانتقامية بقيادة السيسي وأجهزته الأمنية، جماعة الإخوان المسلمين، التي كان رئيس البلاد المنقلب عليه محمد مرسي، أحد أفرادها، إضافة إلى عدد كبير من وزراء الحكومة والقيادات السياسية والتنفيذية.

مأساة الإخوان ووجوه المعارضة بمختلف أطيافهم تصدرت الحالة الحقوقية والاجتماعية على مدار سنوات، حتى أن السيسي نكل ببعض أفراد النظام وقادة الجيش الذين واجهوه.

منهم الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة السابق، الذي سجن، وهشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي خرج لتوه من السجن، والفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية الذي حددت إقامته، فضلا عن رموز التيار المدني وتشكيلات أخرى تعرضت للاضطهاد والسجن.

إستراتيجية السيسي 

وفي 11 سبتمبر/أيلول 2021، أطلق رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، وكانت مزاعمها تطوير السجون، والإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، وتخفيف القبضة الأمنية. 

وانخرط تحت لوائها قطاع من التيار المدني والأحزاب والشخصيات المؤيدة للسلطة، ولكن سرعان ما تكشفت وظهر أن الأمر ليس إلا رسالة للخارج. 

أبرز دليل على هذا أن من تولى رئاسة اللجنة هو وزير الخارجية سامح شكري، ما عد مؤشرا على سياسة حكومية لمخاطبة الخارج.

وبقي الوجه الحقيقي للنظام قائما لا يراه إلا المنكوبون والمعتقلون في جحيم سجون السلطة، كسجن بدر سيئ السمعة ووادي النطرون وكفر الشيخ والمنيا. 

وظهر أن تلك الإستراتيجية أثبتت فشلها في معالجة الحالة المصرية المعقدة، ولم تكن ناجعة لحركات سياسية ضخمة وقع عليها عبء الانتهاكات مثل جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات.

وهو ما دعا منظمة العفو الدولية "أمنستي" للتعليق على الوضع الحقوقي بمصر، في 21 سبتمبر 2022.

وقالت المنظمة: "لم تبد السلطات المصرية نية صادقة للاعتراف بأزمة حقوق الإنسان المتجذرة في البلاد، أو حتى معالجتها، رغم إطلاقها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان قبل عام، وتواصل تضييق الخناق على الحريات وارتكاب الجرائم المشمولة في القانون الدولي".

الإفراج عن الجميع 

تلك الحالة دفعت أصوات وطنية في الداخل المصري لمحاولة حلحلة الأزمة وخلق مناخ جديد، قادر على إزالة آثار سنوات ما بعد الانقلاب العسكري. 

منهم السياسي المصري يحيى حسين عبد الهادي، الذي كتب مقالة عبر صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك" في 7 فبراير/ شباط 2023، بعنوان: "بل يجب الإفراج عن الجميع بمن فيهم الإخوان". 

ووجه عبد الهادي في دعوته رسالة مباشرة إلى من أسماهم "الأصدقاء في الحركة المدنية الديمقراطية"، وقال لهم: "منذ أن اختصتكم السلطة بالدعوة للحوار، صرتم الكيان المعارض الوحيد المعترف به من السلطة داخليا وأمام العالم".

وأردف: "لعلكم تتفقون معي في أننا، والحال كذلك، يجب أن نسمو بمواقفنا عن مستوى التعبير عن حركتنا وتيارنا فقط إلى التعبير عن الجميع".

وأضاف: "مكافحة الظلم لا تحتاج إلى تفويض، وأتحدث عن الإخوان تحديدا، عالما بأن الحديث الرحيم عنهم جلاب للمشاكل".

وعقب: "لماذا اقتصرت المطالبات بالإفراج عن أسماء بعينها (كنت واحدا منها) ولم تقترب من أسماء لم يعد نطقها مسموحا إلا مصحوبا باللعنات والبذاءات.. أسماء كمحمد بديع وخيرت الشاطر وسعد الكتاتني ومحمد البلتاجي وغيرهم، صار نطقها من نواقض الوضوء الوطني".

وأورد: "أعرف أن السلطة استثنت الإخوان من العفو. حسناً، هذا قيد قيدت السلطة به نفسها، فلماذا نقيد نحن أنفسنا به؟!".

واختتم دعوته بمجموعة مطالبات، أهمها الإفراج عن كل من أدينوا أو حبسوا بواسطة محاكم ونيابات أمن الدولة، ورد الجنسية المصرية لكل من سحبت منهم، وتأمين عودة كل المصريين من المنافي دون ملاحقة.

ولاقت دعوة عبدالهادي صدى كبيرا في الأوساط السياسية المصرية، لكونه شخصية بارزة، فهو مؤسس الحركة الديمقراطية المدنية، وأسس مركز إعداد القادة الذي كان تابعا لرئاسة الوزراء زمن رئيس النظام الأسبق حسني مبارك، وكذلك هو ضابط سابق، حيث تخرج في كلية الفنية العسكرية عام 1977، وعمل كضابط مهندس بالقوات المسلحة.

وسبق أن اعتقله نظام السيسي في 29 يناير/كانون الثاني 2019 بسبب مواقفه ومعارضته لسياسة السلطة، ثم أفرج عنه عام 2022، وهو يحاول الآن رأب صدع المجتمع، والعودة لحالة التوافق إبان ثورة 25 يناير 2011. 

 

الطائفية السياسية 

وعلى النسق نفسه مضى محمد عصمت سيف الدولة، الباحث المتخصص في الشأن القومي العربي، ورئيس حركة ثوار ضد الصهيونية.

إذ نشر مقطع فيديو على صفحته بموقع "فيسبوك" في 16 فبراير 2023، تحت عنوان "الطائفية السياسية في مصر"، وتحدث فيه عن العريضة التي قدمتها الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة، للسلطات المصرية تطلب فيها الإفراج عن قائمة تتضمن 1074 معتقلا. 

وبدأ بكلمات الشكر والتقدير لكل من يسعى لتحرير أي معتقل سياسي وفك الكرب الشديد الذي تعيش فيه عائلته، ووصف الجهد بالشجاع والمحمود. 

لكنه تطرق إلى المعايير التي جرى انتقاء قائمة الـ 1074 معتقلا على أساسها وتجاهل الآلاف الآخرين.

وتساءل سيف الدولة: هل هي معايير الدستور والقانون والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان أم معايير السلطة التي حرمت وحظرت مطالبات بالإفراج عن شخصيات محسوبة على التيار الإسلامى منها جماعة الإخوان المسلمين؟

وتساءل مرة أخرى: هل من الصحيح القبول بالتوصيف الذي اعتمدته السلطة وما أصدرته من تشريعات مستحدثة باعتبار غالبية الإسلاميين إرهابيين وينتمون الى جماعات إرهابية أو يدعمون مخططاتها؟

وعلق على أطروحته قائلا: هل أصبحنا كالطوائف اللبنانية، التي تدافع فيها كل طائفة عن حياة وأمن ومصالح أعضائها دونا عن الطوائف الأخرى؟

وأتبع: وكذلك أصبحنا كدولة الاحتلال التي تعطى كل الحقوق لليهود الصهاينة وتنزعها عن الفلسطينيين. 

واختتم حديثه: هل يمكن أن ينسى التاريخ أو يحترم مواقف كل الذين قايضوا حرياتهم بحريات خصومهم السياسيين؟ وإذا قبلنا ذلك كيف سنعيش بعدها؟ 

حالة هزيمة

تجاوب الحقوقي المصري مصطفى عزالدين، مع دعوات يحيى حسين عبد الهادي، ومحمد عصمت سيف الدولة، وقال في حديثه لـ"الاستقلال": "إن هذه الأصوات العاقلة والتي تمثل الضمير الوطني المصري من المهم الاستماع لها وقت الانهيار والهزيمة". 

وأوضح: "مصر الآن تعيش حالة هزيمة سياسية واجتماعية واقتصادية بمعنى الكلمة، والأمة المصرية في حاجة ماسة إلى إعادة تعريف نفسها من جديد".

وأشار هنا إلى ما حدث في تركيا بعد انقلاب 1980 وفي الأرجنتين بعد عهد خورخي فيديلا، وفي تشيلي بعد عهد أوجستو بينوشيه، وفي إيران بعد الانقلاب على محمد مصدق وفي عهد الشاه الأخير. 

وأكد أن: "الإقصاء والاستمرار على السياسة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه تعني النهاية الحتمية، وخروج المصريين خارج سياق التاريخ لسنوات طويلة".

وأردف: "سنعود بعدها إلى نفس النقطة أيضا، التوافق المجتمعي والبداية من تحت الصفر، لكن وقتها أن الأجيال القادمة ستدفع الثمن أكثر". 

واستطرد: "في مصر جماعة الإخوان المسلمين وصلت إلى رئاسة الجمهورية عام 2012 بأكثر من 13 مليون صوت انتخابي، وعدد أفرادها بالملايين، والتيار الإسلامي عموما كذلك".

وتساءل هنا: كيف سيتم إقصاء هذا العدد عن المشهد بأفكاره وأطروحاته وجماهيره العريضة المتوغلة في كل بلد وقرية مصري؟

وأكمل: "لذلك فإن أي عالم بالشأن السياسي مدرك لخطورة ما وصلنا إليه، وأن التاريخ سيكتب أن عشرية مصر السوداء أشد وأنكى من عشرية الجزائر التي يضرب بها الأمثال".