رغم إيجابياتها.. كيف تسببت منصات التواصل في أزمة كبيرة خلال زلزال تركيا؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أعدت وكالة الأناضول التركية تقييما بخصوص الدور الذي لعبته منصات التواصل في نشر معلومات مضللة زادت من وطأة كارثة الزلازل المدمر الذي ضرب البلاد في 6 فبراير/ شباط 2023.

ويأتي هذا التقييم بعد أسبوعين من زلزال مزدوج ضرب ولاية قهرمان مرعش التركية (جنوب) بقوة 7.7 درجات و7.6 درجات وطال تأثيرهما الشمال السوري ما خلف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.

إمكانات كبيرة

وقالت الوكالة، إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت محط أنظار المجتمع وتأتي في المقدمة بسبب مخاطرها وإمكانياتها. وتعد واحدة من أكثر المواضيع التي تمت مناقشتها خلال فترة الزلزال الأخير.

في واقع الأمر، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي خلال مرحلة الزلزال عنوانًا لمحتوى مضلل تم إنتاجه لغرض معين، فضلاً عن أداء وظيفة مهمة من حيث تنسيق المساعدات، وجعل أصوات من هم تحت الانهيار مسموعة، والإبلاغ عن موقعهم تحت الأنقاض.

ويؤدي التداول المتكرر للتلاعبات التي تنشأ من وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف المواقع الإخبارية على الإنترنت ووسائل الإعلام التقليدية إلى توسيع نطاق المعلومات المضللة المعنية.

بالإضافة إلى المعلومات التي لا أساس لها والتي يتم تداولها دون التشكيك في مصدرها، حيث إن وجود أكاذيب مباشرة ومتعمدة يتسبب في تصاعد الارتباك في وسائل التواصل الاجتماعي إلى أعلى مستوى.

وكون المحتوى الذي يتم التلاعب به والذي يتزايد انتشاره في تويتر ومجموعات الواتساب بسرعة كبيرة أصبح يتم قبوله كحقيقة لاشكّ فيها، يمكن أن يسبب مشاكل خطيرة من حيث زيادة الاستقطاب السياسي والاجتماعي. 

وفي تركيا، يستخدم 82 بالمئة من السكان الإنترنت، ويوجد 68.9 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، ويبلغ استهلاك الأخبار عبر الإنترنت حوالي 83 بالمئة.

لذا فتسمم النظام البيئي الرقمي يمكن أن يتسبب في أضرار جسيمة في هذا الصدد.

تضليل منهجي

وعندما ننظر إلى التطورات في فترة الزلازل، نرى أن المعلومات المضللة والتلاعب الناشئ عن وسائل التواصل الاجتماعي يتم تداولها لأغراض مختلفة.

منها زيادة الاستقطاب في المجال السياسي وتعميقه من خلال خلق مناطق نزاع جديدة، بالإضافة إلى تأجيج الصراع الاجتماعي، وإنشاء تصور بعدم القدرة على الإدارة من خلال تقويض الثقة في المؤسسات الرسمية.

غير أنها تعمل على خلق مناطق صراع اجتماعي من خلال التمييز بين المُتَديّن والعلماني، والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وإثارة الصراع من خلال الخطابات التي تستهدف اللاجئين.

ولا شك أن هذه الإستراتيجية الخبيثة تهدف إلى خلق انقسامات عميقة لأغراض مختلفة، منها تشويه سمعة مؤسسات الدولة بالمعلومات المضللة التي تنتجها تجاه المؤسسات الرسمية بشكل أساسي.

فمثلا في مرحلة ما بعد الزلزال الأولى؛ تم اتهام العديد من المؤسسات، وخصوصاً رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد)، زورا بعدم قيام الجهات الرسمية بأي عمل.

وقالوا إن إدارة الكوارث والطوارئ رفضت طلب غرفة مهندسي الكهرباء لدعمها، وأن جمعية الهلال الأحمر غيرَ مكترثةٍ بالمنطقة، وأنه قد تم فرض رسم جمركي على معدات البحث والإنقاذ القادمة من الخارج. 

وكل هذا تم حَبكه كجزء من إستراتيجية تشويه السمعة، وقد تسبب ذلك في تراكم طاقة سلبية تجاه المؤسسات الرسمية في منطقة الزلازل.

وبين المعلومات المضللة كان الزعم بأن المنظمات التطوعية قد حظر تواجدها في منطقة الزلازل. ورغم أن ذلك غير حقيقي فإن الإصرار على هذه المزاعم يهدف إلى تقويض التضامن الموجود في المجتمع.

وتهدف التفرقة التي أنشأتها بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تنص على أنه لا ينبغي تقديم التبرعات للمؤسسات العامة بل ينبغي تقديمها للمنظمات غير الحكومية والمنظمات التطوعية المختلفة، إلى خلق مناطق نزاع جديدة من خلال استهداف الانسجام المجتمعي.

والعديد من المنشورات التي تُجرّم وتستهدف اللاجئين الذين يعيشون في المنطقة والمتضررين من الزلازل تَظهَر على أنها نتاج إستراتيجية تحاول خلق الصراع بدلا من التضامن.

 وعلى الرغم من أن هذه المزاعم تم نفيها من خلال منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي للعديد من المنظمات غير الحكومية التطوعية، فإن استمرار الحجب وخطاب التفرقة يخدم بلا شك غرضا آخر. 

وتعطيل العمل في المنطقة من خلال الأخبار الكاذبة والتسبب في صدمات جديدة في المجتمع هي أيضا إستراتيجية أخرى. 

فعلى سبيل المثال، بعد كذبة "انفجار سد هاتاي سيغرق المدينة"، أوقفت فرق البحث والإنقاذ عملها وساد جو من الذعر في المدينة.

ومن المفيد ذكر أن التقارير الكاذبة غير المؤكدة والمتعمدة الصادرة من وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر سلبًا على فرق العمل في المنطقة، كما أنها تعطل بشكل خطير التنسيق بين مؤسسات تنفيذ القانون. 

وجاء تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بأنهم قاموا بتقييم جميع التقارير فيما يخص حوادث النهب، ليجدوا أن 99.9 بالمئة من هذه التقارير مزيفة.

والمواقع الإخبارية على الإنترنت ومنشورات الشخصيات السياسية والمشاهير التي تسهم في تداول مثل هذه الأخبار التي لا أساس لها من الصحة على وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الأمر أكثر تعقيدًا.

ولهذا السبب، من المهم ردع الجهود المبذولة لإنشاء اضطرابات والتضليل بفرض عقوبات جدية ضد نشر الأخبار الكاذبة ومحاسبة المجرمين أمام العدالة. 

ما العمل؟

يُعتقد أنه من المهم جدًا إعلام الجمهور بالطريقة الصحيحة ورفع مستوى الوعي حول التشويه المُتَعَمَّد من خلال نشر نشرة يومية أثناء عملية الزلازل. 

ففي المرحلة الأولى، من المهم إقامة اتصال مباشر مع جميع الجهات الفعّالة التي تريد أن تكون مؤثرة في المنطقة من أجل إدارة العملية بطريقة منسقة، واستخدام سلطة هذه الجهات في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فعالية.

وبالمثل، فإنه من الضروري الكشف عن المحتوى المتلاعب الذي يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي وتكذيبه في وقت قصير، ومشاركة المعلومات الدقيقة مع الجمهور.

وهيئة تنسيق مكافحة المعلومات المضللة، التي تأسست في أغسطس/ آب 2022 تحت مسؤولية إدارة الاتصالات التابعة لرئاسة الجمهورية التركية، تقدم اختبارا مهما في هذا الصدد. 

فمن خلال نشرات تصحيح المعلومات المضللة الأسبوعية الدائمة وخلق الوعي بهذه المسألة، استمرت الهيئة في تقديم تدفق معلومات أكثر واقعية من خلال نشرة تصحيح المعلومات المضللة التي بدأت تنشرها يوميًا منذ بدء عملية الزلازل. 

بالإضافة إلى نشراتها، تهدف الإدارة وهيئة التنسيق إلى رفع مستوى الوعي العام بالمخاطر في هذا المجال من خلال تحديد المنشورات المشبوهة والكاذبة عبر خط الاستفسار لوكالة الأناضول الإخبارية، وعبر حسابات الاستفسار المختلفة على المنصات الشعبية مثل تويتر.

 كما وُضع تطبيق "خدمة إعلام الأخبار المضللة" موضع التنفيذ بعد الزلازل مباشرة ليساعد في إنشاء نظام اجتماعي رقمي تمَّ الإعلان فيه عن محتويات الوسائط الاجتماعية المشبوهة والكاذبة التي تمت مواجهتها، وقد ساهمت أعداد كبيرة من الجمهور من مختلف الشرائح في هذه العملية.

 وتُعتَبَر النشرات الصحفية لوزارة الداخلية وإدارة الكوارث والطوارئ، والتي أطلعت الجمهور على المعلومات المضللة، خطوة مهمة في هذه العملية حسب الوكالة التركية.