بعد اتهامات وتهديدات.. هكذا تحوّل موقف حلفاء إيران بالعراق تجاه الإمارات

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أظهرت زيارة رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني إلى الإمارات، حجم التحول الكبير في موقف "قوى الإطار التنسيقي" الشيعي الحليف لإيران، الذي سبق أن وجه اتهامات عدة إلى أبوظبي، ولا سيما في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

زيارة السوداني في 9 فبراير/شباط 2023، كانت بدعوة من رئيس الإمارات، محمد بن زايد، وبحثا فيها سبل تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي والتجاري والاقتصادي، وتبادلا وجهات النظر عن قضايا إقليمية ودولية، والعمل المشترك لتطوير العلاقات الثنائية.

ولعل ما أثار التساؤلات بخصوص زيارة السوداني الذي يرأس حكومة "قوى الإطار التنسيقي" إلى الإمارات، هو أسباب التحوّل في مواقف حلفاء إيران من أبوظبي والذهاب باتجاه تطبيع العلاقة معها، بعد جملة من الاتهامات التي وجهتها لها قبل أشهر عدة.

"التحكّم بالمخابرات"

طيلة مدة حكم رئيس الوزراء السابق الكاظمي التي استمرت لعامين ونصف بدءا من مايو/ أيار 2020 وحتى 27 أكتوبر/تشرين الأول 22، شنت قوى الإطار التنسيقي هجوما ضد الإمارات، واتهمت الأخيرة بأن "لها أداة في مراكز حساسة بالعراق".

وفي 14 مارس/آذار 2021، قال قيس الخزعلي زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" المقرّب من إيران عبر "تويتر" إن "فريقا أمنيا إماراتيا جاء إلى العراق ليدير جهاز المخابرات العراقي".

وتساءل القيادي في الإطار التنسيقي قائلا: "هناك أسئلة تطرح نفسها، هل نقل 300 منتسب من جهاز المخابرات إلى الجمارك الحدودية له علاقة بمجيء هذا الفريق؟".

وتابع: "أليس أنهم كلما دخلوا قرية أفسدوها مثلما فعلوا باليمن وليبيا؟ ما حجم المؤامرة التي تحاك ضد العراق، وما أسرع منفذيها؟"

واستطرد الخزعلي: "لا أعلم سبب السكوت أو التهاون إزاء هذا الموضوع إن ما يجرى ومنذ فترة أقل ما يقال عنه إنه خطير ويهدد مستقبل الدولة".

وجاءت اتهامات الخزعلي، بعد أن قرر الكاظمي قبلها بأيام استبعاد ضباط من جهاز المخابرات ونقلهم إلى هيئة المنافذ الحدودية المشكّلة حديثا، وسط حديث عن أن السبب هو انتماؤهم لهيئة "الحشد الشعبي" التي تضم مليشيات طائفية تدين بالولاء لإيران.

وفي السياق ذاته، قالت عالية نصيف، عضوة البرلمان العراقي عن كتلة "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، إن "أحد مستشاري الكاظمي يمثل إحدى أدوات (مستشار الأمن الوطني الإماراتي) طحنون بن زايد، ويزور يوميا أبوظبي ويعقد اجتماعات هناك لتنفيذ سياسات الأخيرة في العراق".

وأضافت نصيف خلال مقابلة تلفزيونية في 16 مارس/آذار 2021 أن "الإمارات تستبيح البلد، فهناك من يذهب ويأخذ الأوامر من طحنون، وأن شخصيات برلمانية وأعضاء في الحكومة إذا أرادت الحصول على منصب تذهب إلى طحنون وتأتي بالمنصب، وأن الإمارات لديها أدوات من السنة والشيعة والكرد في داخل العملية السياسية بالعراق".

وأشارت إلى أن أكثر ضباط المخابرات هم من الشيعة، وعندما جاء الكاظمي بدأ بإدخال السنة إليه، وكذلك الحال في جهاز الأمن الوطني، فبالتالي أعتقد أن إبعاد الضباط الـ300 لكونهم كانوا داعمين وقريبين من الحشد الشعبي".

وبعدها بيوم واحد، قالت نصيف، خلال مقابلة تلفزيونية إن "التدخل الإماراتي لا يقتصر على جهاز المخابرات فقط، فإن خلية الصقور (تابعة لوزارة الداخلية) اعتقلت شخصا عام 2020، وهو محكوم عليه بالمؤبد حاليا، جندته الإمارات لاغتيالات ضد بعض السياسيين في كربلاء".

"تزوير الانتخابات"

ومن ضمن الاتهامات التي سبق أن وجهتها "قوى الإطار التنسيقي" للإمارات، هو الحديث عن تدخلها في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والتلاعب فيها لصالح جهات مناوئة للقوى القريبة من إيران، مهددين بقصف صاروخي يستهدف مدنا إماراتية.

وفي 15 أغسطس/آب 2021، تحدث عضو المكتب السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق"، محمود الربيعي، عن "وجود مخطط أميركي-إماراتي مجهز لاختراق الانتخابات البرلمانية العراقية".

وقال الربيعي خلال مقابلة تلفزيونية، إن "هناك سيرفرات تابعة للولايات المتحدة خارج العراق مجهزة لاختراق الانتخابات"، مبينا أن "وجود هذه السيرفرات يشكل خطرا كبيرا على الانتخابات".

وأضاف الربيعي أنه "في ظل وجود بطاقات إلكترونية وسيرفرات خارج العراق وفي الإمارات تحديدا تبقى الانتخابات في خطر"، مشددا على أنه "لابد من حماية الانتخابات بطريقة أو بأخرى من التدخل الأميركي".

وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال النائب السابق عن تحالف "الفتح"، عبد الأمير التعيبان، إن "الإمارات وأذنابها داخل العراق هم من خططوا لإبعادي من ساحة البرلمان، لأنني فضحت خططهم لتدمير وطني، لن نسكت وسنزلزل الأرض تحت أقدام الخونة والمارقين".

وطالب التعيبان في تغريدة كتبها على "تويتر" المفوضية العليا للانتخابات في العراق بالعد والفرز اليدوي لضمان عدالة النتائج، و"عدم السماح لدولة الإمارات بالتلاعب في النتائج".

ويضم تحالف "الفتح" المنضوي في الإطار التنسيقي، عددا من المليشيات المسلحة الموالية لإيران، برئاسة زعيم منظمة "بدر" هادي العامري، والذي كان أبرز الخاسرين في الانتخابات البرلمانية عام 2021، حيث حصل على 16 مقعدا بعدما كان في انتخابات 2018 لديه 37 مقعدا.

لكن الأمر لم يتوقف عند تهديدات التعيبان، بل إن أحمد عبد السادة، الإعلامي العراقي المقرّب من الإطار التنسيقي، وتحديدا تحالف "الفتح" أفاد بأن الرد على تزوير الإمارات للانتخابات سيكون عبر قصف بالمسيرات.

وقال عبد السادة خلال مقابلة تلفزيونية إن "الإمارات قامت بتزوير مركزي لنتائج الانتخابات".

وأضاف "لدي معلومات مؤكدة أن هناك عمليات عسكرية ستنطلق خلال الأيام القريبة ستشكل ردعا لأصحاب المؤامرة الذين قاموا بالتزوير ستشمل استهداف الإمارات عسكريا من الأراضي العراقية بمسيرات وصواريخ ذكية وباليستية لتكون رسالة ردع للمزورين".

تحول المواقف

وبعد كل هذه الاتهامات التي وجهتها "قوى الإطار التنسيقي" الشيعي إلى الإمارات، أشادت القوى السياسية ذاتها بزيارة رئيس الوزراء العراقي إلى الإمارات، وحثّت على ضرورة تطوير العلاقة بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.

وقال عضو ائتلاف "دولة القانون"، وائل الركابي، خلال مقابلة تلفزيونية في 8 فبراير/ شباط 2023، إن "حكومة السوداني تتجه إلى تحقيق مصلحة العراق، فإذا كانت هذه المصلحة مع الإمارات، تجد أن العراق يذهب باتجاه الإمارات، وكذا الحال إذا كانت مع فرنسا أو أميركا أو إيران والصين".

في الساق ذاته، علق المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي، حيدر البرزنجي عبر "تويتر" في 9 فبراير/ شباط 2023، قائلا إن "زيارة السوداني إلى الإمارات تندرج ضمن إطار سياسة الانفتاح التي تتبنّاها الحكومة لإرساء دعائم الاستقرار الإقليمي".

وأكد البرزنجي أن "المُباحثات تتطرق إلى تبادل الخبرات مع الإمارات في مجالات الحوكمة والتشريعات وتدريب الجهات المنوط بها مواجهة الفساد في الدولة واسترداد الأموال واسترجاع المطلوبين".

وعن تحول موقف الإطار التنسيقي تجاه الإمارات، قال المحلل السياسي المقرب من الإطار، كاظم الحاج، إن "شعار حكومة السوداني هو الانفتاح على جميع الدول خاصة الدول العربية وفقا لما تعلنه الحكومة على أنه من أجل مصالح العراق، رغم علامات الاستفهام الكثيرة حول الإمارات أثيرت من كتل سياسية في مواقف سابقة".

وأوضح الحاج لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 9 فبراير/ شباط 2023: "إذا كان هناك توجه حقيقي لحكومة السوداني في أن تكون مصلحة العراق أولا، يجب أن يكون هناك كشف لكل القضايا التي تدخلت بها الإمارات كدولة في الشأن العراقي".

ولفت إلى أن "المسؤولين السابقين في حكومة الكاظمي عندما تكون لهم هناك زيارة أو تبادل للزيارات بين الحكومتين عادة ما يكون هناك اعتراض من بعض القوى السياسية المؤيدة الآن لزيارة السوداني إلى الإمارات، وعليه يجب على الحكومة أن تكون أكثر صراحة وشفافية مع الشعب في التغيّر مع الإمارات وبعض الدول الأخرى".

وأشار الحاج إلى أن "الدولة العربية لها علاقات خارجية ممتازة وخصوصا مع الولايات المتحدة الأميركية، والعراق يحتاج أن يكون له تواصل مع الدول التي لها علاقة مع واشنطن، والإمارات لها ثقل اقتصادي مهم جدا في الخليج وفي المنطقة".

ويرى مراقبون للشأن العراقي أن تبدّل مواقف حلفاء إيران في العراق تجاه الإمارات ما هو إلا "حالة طبيعية" دأبت عليها هذه القوى منذ عام 2003 وحتى اليوم.

ورأى المراقبون أن قبل كل انتخابات يحشّدون الرأي العام الشيعي ضد الدول العربية، ويكيلون لها شتى الاتهامات، لكن ما أن ينتهي الأمر إليهم ويشكّلون الحكومة يكون رئيس الوزراء التابع لهم أول من يزور هذه الدول، سواء السعودية أو الإمارات أو قطر. 

وكان رئيس الحكومة العراقي، أعلن خلال مؤتمر صحفي في 8 فبراير/ شباط 2023 أن زيارته إلى الإمارات تأتي "بحثا عن شراكة مستدامة".

وشدد السوداني على "ضرورة عدم نسيان دور الإمارات الدبلوماسي لدعم العراق، وأنها تعد من أبرز الشركاء التجاريين للعراق خاصة، إذ يفوق حجم التبادل التجاري الـ16 مليار دولار".