تشمل 25 اسما بارزا.. لماذا تجاهل نظام قيس سعيد قضية "التآمر على تونس"؟

زياد المزغني | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

خلال الأسبوع الأخير لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، انشغلت الساحة السياسية في تونس في ما بات يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة أو قضية "قائمة الـ25"، وسط تجاهل واسع من السلطة والإعلام المؤيد.

وأذنت النيابة العامة التونسية في 25 نوفمبر بفتح تحقيق قضائي مع 25 شخصا، من بينهم شخصيات إعلامية وسياسية ومسؤولون سابقون، بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي والتخابر مع جهات أجنبية.

ومن بين أبرز الأسماء الملاحقة في القضية مديرة الديوان السابقة في رئاسة الجمهورية نادية عكاشة والإعلامية مايا القصوري المساندة للرئيس قيس سعيد، إضافة إلى رئيس حزب آفاق تونس الفاضل عبدالكافي والوزير السابق حكيم بن حمودة.

قضية معقدة 

وحسب معطيات متداولة إعلاميا فإن قاضي التحقيق قرر التخلي عن القضية لصالح القضاء العسكري استنادا إلى الكشف عن وجود أطراف عسكرية جرى تناول الحديث عنها في مراسلات بين عدد من المتهمين في ملف القضية.

كما أن البحث يتعلق بجرائم تكوين وفاق بغاية الاعتداء على الأملاك والأشخاص والتآمر على أمن الدولة الداخلي وربط اتصالات مع أعوان دولة أجنبية.

والغرض من ذلك الإضرار بحالة البلاد من الناحية الدبلوماسية، والتدليس وارتكاب فعل موحش في حق رئيس الدولة، وفق المعطيات المنشورة.

تعود تفاصيل القضية بداية إلى إيقاف وليد البلطي رجل الأعمال والمستشار السابق لوزيرة الرياضة ماجدولين الشارني على خلفية قضية شركة رهان رياضي يشتبه في قيامها بعمليات تبييض أموال وتجارة عملة أجنبية.

ومع تقدم التحقيقات، جرى اكتشاف جملة من المحادثات عبر تطبيق واتساب أثارت الشك حول أدوار أخرى للمتهم، تتعلق بمسائل إدارة الدولة والتأثير على سلطة القرار وتداول معلومات أمنية حساسة وتقارير استخبارية مع عدد من الشخصيات من بينهم أجانب.

وبمجرد ذكر وليد البلطي يحيلنا الاسم مباشرة إلى الوثيقة المسربة التي نشرها موقع ميدل إيست آي البريطاني ووصفت بأنها "سرية للغاية".

وقال الموقع إنها مسربة من مكتب مديرة الديوان الرئاسي التونسي نادية عكاشة -يعود تاريخها إلى 13 مايو/أيار 2021- تتحدث عن تدبير خطة لـ"ديكتاتورية دستورية" في تونس.

هذه الوثيقة حددت تفاصيل الإجراءات التي جرى اتخاذها تقريبا في 25 يوليو/تموز 2021، فيما وصف حينها بالإجراءات الاستثنائية والتي يعدها معارضو قيس سعيد انقلابا على الدستور والمسار الديمقراطي في البلاد.

ومنذ ذلك التاريخ، تعيش تونس أزمة سياسية حادة، حيث قرر سعيد تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة وقتها هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.

وفيما يتعلق بقضية الوثيقة، برز اسم وليد البلطي وكشفت جمعية "بر الأمان" المختصة في البحث والإعلام وتقييم السياسات العامة عن مصدر الوثيقة التي نشرها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني. 

وقالت الجمعية إنها حللت الوثيقة الواردة في التقرير ولاحظت أنّها أنشئت بصيغة "وورد" والأهمّ من ذلك أنّ كاتبها قد عرّف نفسه باسم "Beta methods" وهو اسم الشركة المسجلة من طرف وليد البلطي. 

شبكة مشبوهة 

وبحسب وثيقة مسربة لاعترافات المشتبه به الرئيس في القضية وليد البلطي، اعترف أنه هو من أعد وثيقة الفصل 80.

وجرى رصد محادثة بين البلطي وبين الفنانة سوسن معالج التي أرسل لها الوثيقة في 12 مايو/أيار 2021، أي قبل 3 أشهر من الانقلاب، وقبل حتى أن يجرى تسريبها بموقع ميدل إيست آي.

وذكر  التسريب نفسه أنه جرى العثور على محادثة بين وليد البلطي والفنانة سوسن معالج اعترف لها أنه يتجسس ويرصد تحركات أحد الشخصيات العسكرية العليا ويتنصت على مكالماته.

كما اعترف بلقائه الضابط المتقاعد الفرنسي جون بيار مانجيبون عددا من المرات سواء في تونس أو في فرنسا، مؤكدا أنه يتبادل معه المعلومات في الشأن السياسي التونسي والفرنسي الداخلي والخارجي ومن ذلك وضع البلاد مع صندوق النقد الدولي.

كما أظهرت الاعترافات إرسال البلطي لأحد الأرقام المجهولة معطيات حول رئيس أركان جيش البر الجنرال محمد الغول وعلاقته بشخص يدعى بروكس كشدان.

ورفض البلطي مواصلة الحديث عن القضية إلا أمام القضاء. كما كشف نص التحقيق عن علاقات بينه (وليد) وبين مدير الأمن الرئاسي خالد اليحياوي وعدد من الشخصيات السياسية التي كانت مرشحة لتولي مناصب حكومية، وكذلك لعدد من الإعلاميين.

وكانت مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة قد رأت أن الزج باسمها في قضايا لا علاقة لها بها بتاتا شيء مقرف ومخزي، وفق تعبيرها.

وأضافت عكاشة عبر تدوينة نشرتها في صفحتها على فيسبوك أنها سكتت كثيرا احتراما منها لواجب التحفظ والشعور بالمسؤولية.

واستدركت بالقول: ''ولكن أمام هذا العبث والهرسلة والرغبة في التشويه لا لشيء إلا لأنني نجحت حيث فشل آخرون فأظن أنه من الواجب الإصداع بالحقيقة.. إن غدا لناظره قريب".

صراع على السلطة 

بدورها، نفت الإعلامية المثيرة للجدل مايا القصوري أي علم لها بالقضية أو تفاصيلها أو سبب ورود اسمها فيها.

إلا أن دعوتها للتحقيق في قضية التآمر أعاد التذكير بتسريب صوتي منسوب لها، تتحدث فيه عن لقائها بسفير فرنسا السابق بتونس أوليفيي بوافر دارفور، وعن المرشح الذي تدعمه باريس لرئاسة الحكومة خلفا للمستقيل وقتها إلياس الفخفاخ.

تخمينات أشارت إلى أن القصوري كانت في التسجيل الصوتي تتحدث مع مديرة الديوان الرئاسي حينها نادية عكاشة.

وقالت وقتها إنها حددت موعدا مع سفير فرنسا بتونس للقائه مباشرة بعد اللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية قيس سعّيد لمحاولة معرفة المرشح الذي تدعمه فرنسا لتولي منصب رئيس الحكومة التونسية.

وأكدت أنها أرغمت السفير الفرنسي على التراجع عن دعم خيام التركي لرئاسة الحكومة.

وبحسب المحلل السياسي علي اللافي، فإن "الإشكال الذي وضع القضية في هذا الحجم هو التسجيل الصوتي المنسوب لمايا القصوري في دورها بتعيين رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي".

وأيضا محادثة أخرى على واتساب جمعتها مع مديرة الديوان السابقة نادية عكاشة نصحتها فيها بالبقاء في قصر قرطاج ورفض تولي منصب رئاسة الحكومة.

وأكّد اللافي لـ"الاستقلال" أن "وليد البلطي مقرب جدا من نادية عكاشة التي لم تصرّح منذ 4 أبريل/نيسان 2022 أي منذ إعلان استقالتها من منصبها".

وأضاف: "اتهام مجموعة متنوعة بمثل هذا الشكل يوحي وكأن هناك مخططا وهذا قيل في مناسبات تاريخية في تونس، ومن حقنا أن نتساءل ما الذي يجمع بين الممثلة سوسن معالج ورئيس حزب سياسي مثل الفاضل عبدالكافي وإطارات في الأمن الرئاسي".

وبين المحلل السياسي أن هذه القضية ليست مجرّد فرقعة إعلامية، كما أنه ليس من المقبول الذهاب في سياق اتهام الناس والحديث عن أحكام على شخصيات لم يجر إدانتهم قضائيا.

ورغم ذلك فإن القائمة المنشورة التي تضم 25 اسما صحيحة ولم يصدر أي نفي رسمي من جهات أمنية أو قضائية. 

وفي الجهة المقابلة، تساءل نائب رئيس حركة النهضة ووزير الداخلية السابق علي لعريض في تدوينة على حسابه في "فيسبوك" في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022 عن صمت السلطة والإعلام في تونس عن قضية التآمر على أمن الدولة.

وأضاف أن "قضية تآمر وتخابر واستهداف مواطنين شغلت الرأي العام الوطني حول ما جرى ويجرى في تونس، امتنعت السلطة حتى الآن عن أي توضيح، فلا وزارة الداخلية تحدثت ولا وزارة العدل وضحت! لماذا؟؟ هل هناك من يريد طمس الحقيقة؟".

وبين القيادي في حركة النهضة الإسلامية أنه "تجند بعض الإعلاميين هذه الأيام للافتراء على النهضة وإثارة أكاذيب تكررت على امتداد سنوات، وتجاهلوا قضية التآمر على أمن الدولة وكأنها غير موجودة".

وأردف: "تجندوا لصرف الجمهور عن متابعة هذه القضية الجديدة التي تحمل عنوان التآمر على تونس والتونسيين".

وتابع: "لا يريدون ظهور الحقيقة للمواطنين ولذلك امتنعوا عن تناولها في إعلامهم وسعوا جاهدين لشغل أذهان التونسيين بقضايا أخرى تصرفهم عنها".

ولا تزال التحقيقات متواصلة مع المشتبه بهم، ورغم السعي لضمان سرية الأبحاث فإن التسريبات تتوالى تباعا.

إلا أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وحالة الانسداد السياسي غطّت على اهتمام الشارع التونسي بهذه القضية الخطيرة.