"كشاف المونديال".. قطر تتبنى ذوي الإعاقة والغرب يدافع عن الشواذ

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عادة ما تتضمن مدرجات المشجعين في مباريات كرة القدم عددا من الكشافين، وهم خبراء رياضيون يبحثون عن الموهوبين وسط مئات اللاعبين، ليميزوا القوي من الضعيف.

هذا تماما ما تفعله جماهير كأس العالم في مونديال قطر، التي باتت تحدد المنتخبات واللاعبين الجيدين ومقابلهم من السيئين، بل الدول المتبنية للأخلاق الحميدة، وتلك الداعمة للشذوذ.

فمنذ انطلاق المونديال، شنت دول غربية هجمة شرسة على قطر، وسط تجاهل متعمد لكل المزايا والخدمات العالية المخصصة للجماهير الحاضرة في العرس الكروي العالمي، وخاصة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ولأول مرة في تاريخ المونديال، خصصت قطر مكانا لذوي الاحتياجات الخاصة، وآخر لأصحاب مرض التوحد، ومعلقين مخصصين لفاقدي البصر.

غير أن الغرب لم يلتفت لحقوق هذه الفئة ولم يتم الحديث عنها أمام "حملة شيطنة" الدوحة، بسبب منعها لمظاهر الشذوذ الجنسي وغيرها من المآرب الأخرى الدخيلة على الفطرة السليمة. 

وظهرت قضايا حقوق "الشواذ" طاغية على التناول الغربي للمونديال، ما يكشف أن المخفي في الأمر ليس ملفا حقوقيا، وإنما هدف آخر تمارسه تلك الدول على العالم، وتريد تمريره عبر كرة القدم، لكونها أكثر لعبة شعبية. 

سبق تاريخي

بشكل غير مسبوق، عملت اللجنة القطرية المنظمة لكأس العالم على مراعاة احتياجات ذوي الإعاقة.

ومع اليوم الافتتاحي للمونديال في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وجد المشجعون من ذوي الاحتياجات الخاصة مزايا جديدة.

وتمكن المكفوفون وضعاف البصر من حضور المنافسات ومتابعة التعليق والوصف الصوتي السمعي باللغة العربية على جميع المباريات.

وحصلوا على السماعات الخاصة للاستماع إلى التعليق المفصل لأحداث المباريات، ومنها المعلومات العامة حول أجواء الجماهير والملعب، وكذلك ردود أفعال اللاعبين، وهي خدمة توفرت في جميع إستادات المونديال الثمانية.

كما ضمت بعض الملاعب قاعات للمساعدة الحسية للمشجعين من ذوي التوحد وصعوبات الإدراك الحسي.

ووفرت لهم هذه المساحات منطقة هادئة للاستمتاع بالمباريات، وتضمنت مزايا تلائم احتياجاتهم مثل الإضاءة المناسبة والتقنيات المساعدة في الأوقات التي تشهد صخبا وضوضاء خلال المباريات.

واستعانت قطر بنخبة من المتخصصين المدربين، للوجود في جميع قاعات المساعدة الحسية، لمساعدة الأشخاص وتعليمهم كيفية استخدام التقنيات، وتنفيذ طلباتهم الصحية والعلاجية. 

وجاءت تلك الإستراتيجية متوافقة مع ما أعلنه المدير الأول لعلاقات الشركاء باللجنة العليا للمشاريع والإرث القطرية، خالد محمد السويدي، عبر بيان في 29 سبتمبر/أيلول 2022،  أن "بطولة كأس العالم 2022 هي النسخة الأكثر ملاءمة للمشجعين من ذوي الإعاقة في تاريخ المونديال".

وأشار إلى أن "قطر نجحت في الارتقاء بالمعايير العالمية لإتاحة الوصول والحركة خلال الإعداد لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى، من خلال تضمين متطلبات المشجعين من ذوي الإعاقة في كافة جوانب التخطيط والعمليات التشغيلية للبطولة". 

من جانبه، عد عضو منتدى التمكين القطري لذوي الإعاقة البصرية، أحمد إكرامي، خلال مؤتمر صحفي بالدوحة في 27 سبتمبر 2022، أن "مزايا إتاحة الوصول والحركة التي تضمنتها جهود الإعداد للبطولة في مرافق البنية التحتية في الدولة، متميزة ورائدة".

وذكر أن "هناك فارقا ملحوظا فيما يتعلق بتسهيل وصول ذوي الإعاقة إلى مرافق الدولة كافة، فالفكرة تحظى باهتمام كبير هنا في قطر، بغض النظر عن تكلفتها أو العائد المادي منها، فقد التزمت قطر بتطبيقها، بكونها حقا إنسانيا".

ويرى إكرامي أن "أثر هذه الجهود سينعكس على تجربة زوار البطولة بمختلف فئاتهم"، وهو ما حدث بالفعل عندما وجد ذوو الإعاقة أنفسهم محل اهتمام ورعاية مختلفة عن جميع البطولات السابقة.

خدمات متعددة 

لم يقف الأمر في قطر على خدمات الملاعب وساحات المونديال، بل استنفرت الدولة طاقتها لخدمة ذوي الإعاقة، حيث تم تهيئة شبكة النقل لتلبية متطلباتهم خلال التنقل داخل البلد من أماكن الإقامة إلى الملعب أو حتى الخروج في نزهة ترفيهية.

وقدمت الدوحة مشروعا جديدا لسيارات الأجرة، يمكن ركوبها باستخدام الكراسي المتحركة بسهولة ويسر، وذلك لزيادة الطاقة الاستيعابية وتوفير خيارات تنقل تناسب ذوي الاحتياجات.

وجهزت أيضا تقنيات متفردة ومكثفة لذوي الإعاقة لاستخدام مترو الدوحة، الذي يغطي 37 محطة، وهو الوسيلة الرئيسة الأولى لنقل آلاف الوافدين والمشجعين إلى الأماكن القريبة من ملاعب المباريات.

وبالتزامن، عملت شركة مواصلات قطر على توفير مجموعة كبيرة من الحافلات الجديدة ذات الأرضية المنخفضة لتسهيل صعود ذوي الإعاقة بالكراسي المتحركة.

وبالنسبة للجانب الترفيهي، جهزت قطر إصدارات نصية بلغة برايل، مع توفير 30 معلما من المعالم السياحية والتجارب المختلفة المرتبطة بالجوانب الثقافية، والحدائق، والأماكن الترفيهية، والأنشطة المجتمعية، ومعلومات عن قصة وتجربة كأس العالم 2022.

كما تم إعداد خدمة الوصول الميسر المتوفرة في مختلف أنحاء قطر، بجانب كراسي الشاطئ المتحركة التي يستخدمها "ذوو الهمم" على شاطئ المؤسسة العامة.

فضلا عن دعم الجولات التي تقدم خدمة الوصف السمعي للمكفوفين وضعاف البصر في عدد من المتاحف.

رمز المونديال

وأرادت قطر تمييز المونديال بحقوق ذوي الإعاقة حتى على المستوى الرمزي، فمع الافتتاح الضخم لحفل البطولة في ملعب "البيت"، اتجهت أنظار العالم إلى الشاب القطري من ذوي الاحتياجات الخاصة، غانم المفتاح، الذي ظهر مع الممثل العالمي مورغان فريمان.

ووسط أجواء حماسية، قدم النجم الأميركي والمفتاح، الفقرات الافتتاحية التي بدأت بتلاوة المفتاح لآية قرآنية، وجلس مورغان أمامه في مشهد أشبه لوحة فنية فريدة، تمثل تكامل البشر بين بعضهم البعض، في صورة أبهرت العالم. 

والشاب المفتاح الذي قدمته قطر كرمز للمونديال، ولد بحالة نادرة تعرف باسم متلازمة "التراجع الذيلي"، وهي اضطراب نادر يسبب مشكلات في نمو الجزء السفلي من الجسم.

وما ميز المفتاح وجعل قطر تقدمه، أنه صاحب قصة ملهمة في الإيجابية والتحدي والنجاح، حيث يمارس العديد من الأنشطة الرياضية، ومنها الصعبة حتى على الأشخاص العاديين، مثل التزلج على الجليد وتسلق الجبال وكرة القدم والسباحة وكرة السلة.

وعلى المستوى التعليمي، يستعد المفتاح للحصول على شهادة جامعية في العلوم السياسية، بهدف الالتحاق بالسلك الدبلوماسي وتمثيل قطر. 

وفي أبريل/ نيسان 2022، أعلنت اللجنة العليا لمونديال قطر تعيين المفتاح سفيرا رسميا لبطولة كأس العالم والتي تعقد للمرة الأولى في دولة عربية إسلامية.

وقال الناشط الحقوقي، مصطفى عز الدين، لـ"الاستقلال" إن "الغرب وضع نفسه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1945) كمهيمن على القيم الفكرية والثقافية للعالم، بمعنى أن ما يحرمه الحرام وما يحلله الحلال والواجب تنفيذه، وكأن العالم الغربي يريد إعلان كونه (إله العصر الحديث)". 

واستطرد عز الدين: "لكن حتى المعايير الغربية تجاه الحقوق والحريات لا يلتزم بها، وهو ما ظهر في مونديال قطر 2022، عندما جاءت تلك الدول بنقاط محددة تريد أن تفرضها عنوة على شعب من الشعوب وأمة من الأمم، وهو ما لم تفعله مع روسيا (في مونديال 2018) على سبيل المثال".

ولفت إلى أن "ذلك يرجع بالطبع إلى اختلاف معايير القوة بين روسيا وقطر، وأن الأولى قوى مكافئة للغرب بإمكانياته وآلته الجبارة". 

وعد أن "حقوق الشواذ كانت حاضرة ومسيطرة على الإعلام الغربي لأنهم أرادوا ذلك، وحاولوا إظهار الدوحة كعاصمة لإهدار حقوق الإنسان، وأن الملاعب أقيمت على أرواح العمال".

وتابع: "في حين أغفلوا كم التسامح وحقوق العامل في قطر، التي هي أفضل من الغرب مئات المرات، وأغفلوا حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، التي دفعت بها قطر بشكل غير مسبوق، وأنفقت من أجلها أموالا طائلة، والسبب أن تلك الجزئية لا تعني أوروبا بمؤسساتها".

وشدد الناشط الحقوقي على أن "قطر قدمت درسا آخر وهو السعي للحفاظ على ثقافتها وأيديولوجيتها دون التنازل تحت وطأة الابتزاز، لأن من حق كل دولة حماية معتقداتها وتراثها".

وقال عز الدين: "رأينا أن الغرب يمد المستبدين في مختلف أنحاء العالم والشرق الأوسط بالسلاح وأدوات الدمار، ويقتل الناس في اليمن وليبيا بأسلحة غربية، فيما يتحدثون اليوم عن المبادئ والأخلاق، ولا نقول إلا كما قال الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان (لقد تجاوزنا القواعد الأخلاقية منذ زمن)".