رفض مشروع مسودة الدستور في السودان.. هل يقود إلى انقلاب جديد؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يتزايد الجدل ما بين الرفض والتأييد لمشروع مسودة دستور خاصة بالفترة الانتقالية في السودان الذي يمر بمرحلة عصيبة في ظل أزمة سياسية محتدمة، أكملت عامها الأول منذ انقلاب الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 على حكومة المكون المدني.

وحظي مشروع الدستور الذي اقترحته "لجنة تسيير نقابة المحامين بالسودان" على دعم دولي، وعدت هيئات سياسية مؤثرة، أبرزها "قوى إعلان الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم سابقا)، أنه يمثل "معبرا للخروج من المعضلات وإنهاء للوضع الراهن".

لكن طريق مسودة الدستور الجديد "لا يبدو سهلا" في ظل معارضة قطاع من التيار الإسلامي الذي احتج على بعض البنود، خاصة التي تتضمن تنحية "الشريعة الإسلامية".

وكذلك هناك حركات احتجاجية (فصائل يسارية، وفروع انفصلت عن الحرية والتغيير)، تنظم مظاهرات كبرى منذ أكثر من عام، ترفض الدستور جملة وتفصيلا.

وتدعو هذه الحركات لمحاكمة قادة الجيش، بتهمة قتل المتظاهرين وانتهاكات جرت منذ 2019، وترفض فكرة الحصانة لأي جهة ما، خاصة العسكرية.

ملاحظات الجيش

البداية كانت في 10 سبتمبر/ أيلول 2022، عندما سلمت "لجنة تسيير نقابة المحامين" مشروع الدستور الانتقالي إلى الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية (إيغاد).

وتضمن المشروع، طبيعة الدولة وسيادة الدستور، وحكم القانون، ووثيقة الحقوق والحريات الأساسية، ومهام الفترة الانتقالية، ونظام الحكم الفيدرالي، وهياكل السلطة الانتقالية وتكوينها.

وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أعلنت وكالة "رويترز" البريطانية، أن قادة الجيش في السودان قدموا ملاحظات للوسطاء الدوليين (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات) على مسودة الدستور كأساس لمحادثات بوساطة دولية.

وطلب الجيش أن يسمح له بتسمية قائده العام، وكذلك جزئية إعادة هيكلة أنشطته الاقتصادية والتخلي عن بعض منها، والتمسك بالبعض الآخر. 

وتعد النقطة الأخيرة مفصلية في محادثات مشروع الدستور، وترفض القوات المسلحة التفريط في هياكلها الاقتصادية.

ويمتلك الجيش السوداني العديد من الشركات التي لا تخضع لوزارة المالية، وتنشط مؤسساته الاقتصادية في عدد من المجالات، بينها تصدير اللحوم.

وبحسب بيانات وزارة المالية السودانية الصادرة في ديسمبر/ كانون الأول 2021، فإن مجموعة الصناعات الدفاعية هي الشكل المؤسسي الذي تم تحت مظلته تجميع عدد من الشركات الفرعية التابعة للجيش، لتكون تحت إدارة موحدة.

وقدرت أصول هذه المجموعة بحوالي 750 مليون دولار، تضاف إليها أصول بنك "أم درمان الوطني" بحوالي 250 مليون دولار، لتكون القيمة التقديرية لاستثمارات الجيش في حدود مليار دولار.

وفي مايو/أيار 2022، أصدرت الولايات المتحدة تحذيرا للشركات والأفراد الأميركيين الذين ينشطون في العمل التجاري بالسودان من مخاطر متعلقة بالتعامل مع شركات الجيش الاقتصادية. 

موقف الغرب

الضغط على الجيش لا يصدر من المظاهرات والاحتجاجات الداخلية فقط، بل من المحاولات الأممية لتمرير الدستور، وإرساء وضع جديد للعملية السياسية في السودان.

وفي 24 أكتوبر 2022، أكدت الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي أهمية "مشروع الدستور الانتقالي للعام 2022"، وذلك عبر بيان بمناسبة مرور عام على ما سمي بـ"إجراءات استثنائية" فرضها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وعدها المناهضون "انقلابا عسكريا".

وفي 3 نوفمبر 2022، أدانت دول الترويكا، الهجوم على مقر نقابة المحامين السودانيين بسبب مشروع الدستور، من قبل متظاهرين رافضين للمشروع.

وقال بيان صادر عن سفراء دول الترويكا (النرويج، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة)، حول الهجوم على دار المحامين، بضاحية العمارات شرقي الخرطوم، إنه "على ما يبدو كان يهدف إلى تعطيل الجهود المبذولة لتعزيز حوار شامل للمساعدة في التوصل إلى اتفاق بشأن حكومة جديدة بقيادة مدنية".

واستخدم البيان لهجة صارمة ضد من وصفهم بأنهم "يحبطون التقدم نحو اتفاق سياسي وحكومة بقيادة مدنية".

وقال إن "المجموعة لن تتوانى في الوقوف ضد من يرفضون قبول مطالب الشعب السوداني بالحرية والسلام والعدالة". 

على الجانب الآخر، ترفض قطاعات واسعة من الشعب مشروع الدستور، وترفض أيضا التدخلات الأجنبية المتصاعدة في شؤون البلاد. 

وفي 29 أكتوبر 2022، تحرك تجمع "سودانيون" بالعاصمة الخرطوم، وأطلق مظاهرات واسعة رفضا لما وصفوه بـ"التدخلات الأجنبية" في بلادهم، وللتسوية المنتظرة بين العسكر والمدنيين، بهذه الطريقة.

وحمل المتظاهرون أمام مقر بعثة الأمم المتحدة، بضاحية المنشية شرق الخرطوم، لافتات ترفض تدخل البعثة الدولية.

وأحرقوا صور رئيسها الألماني فولكر بيرتس، وأقاموا منصة للخطابات أمام المقر.

ووفرت قوات الشرطة الحراسة للموكب وشاركت في عمليات التنظيم.

وفي نفس اليوم، أطلقت دعوة أخرى للاحتجاج من قبل "نداء أهل السودان"، وهي مبادرة الشيخ الطيب الجد، أحد شيوخ التصوف في السودان.

بعدها نزلت مسيرات في موكب أطلق عليه "الكرامة"، من قبل تنظيمات وهيئات سياسية محسوبة على الإسلاميين.

وفي خطاب موجه للحشود، أعلن نائب رئيس حركة الإصلاح، حسن عثمان رزق، أن "الموكب يؤكد قدرة التيار الإسلامي الوطني على تحريك الشارع ضد عملاء السفارات".

وشدد رزق على "أنهم يقفون بقوة ضد الدستور الانتقالي المقترح من قبل نقابة المحامين، لأنه دستور مصنوع بواسطة قوى أجنبية".

كما أشار إلى "أنهم اجتمعوا مع البرهان لإبلاغه باحتجاجهم على مشروع الدستور الانتقالي، فأبلغهم أنهم ليست لديهم مقترحات دستورية".

رفض مقابل

لم يقف رفض مشروع الدستور على القوى الإسلامية فقط، بل على فصائل أخرى، بعضها كان متحالفا مع قوى "الحرية والتغيير".

ومطلع نوفمبر 2022، أعلنت لجان المقاومة والحزب الشيوعي وفصيل من تجمع المهنيين السودانيين، الرفض الكامل لأي تفاوض مع المجلس العسكري.

ودعت هذه القوى إلى إبعاد الجيش من المشهد كليا، ومحاكمتهم على جريمة فض الاعتصام الشهيرة في 3 يونيو/حزيران 2019، وجرائم القتل في مرحلة ما بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، بحسب رؤيتهم. 

وفي 27 أكتوبر 2022، أعد مركز "الدراسات الإستراتيجية والأمنية" الأميركي تقريرا، ذكر فيه أن "لجان المقاومة المدنية السودانية ترفض تقديم تنازلات للجيش، مما يعني استمرار الإضرابات العنيفة والتقلبات السياسية حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق". 

وحذر التقرير الأميركي من "رفض لجان المقاومة تقديم تنازلات للعسكر مع احتمال استمرار الاضطرابات ووصولها إلى مستوى معين من العنف، وهو ما ينذر بتقويض نقل السلطة".

وذكر أنه "من غير المرجح أن يتنازل البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) وأعضاء آخرون في المؤسسة الأمنية عن السلطة دون تأكيدات على أن الحكومة المدنية الجديدة لن تحاول مقاضاتهم على جرائم ارتكبت في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، وعلى مدى حكم المجلس العسكري".

ولم يستبعد المركز الأميركي حدوث انقلاب آخر، قائلا: "إن ذلك ليس مضمونا".

وعد أن "الانقسام الداخلي والمنافسة داخل المؤسسة الأمنية، لا سيما بين أفراد الجيش وقوات الدعم السريع، من شأنهما أن يشكلا تهديدا لانتخابات حرة ونزيهة في عام 2024".

من جهته، قال الصحفي السوداني محمد نصر، إن "مسودة المشروع المبدئية للدستور لا تعبر عن روح السودان ولا هويته، وإنما هي نتاج لابتزاز قوى الحرية والتغيير والمعارضة، ومن آثار التدخلات الأميركية الأوروبية في شأننا الداخلي". 

وشدد في حديث لـ"الاستقلال"، على أنه "لا يمكن القبول بأن تخرج مسودة دستور لا تنص على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، تحت حجة تجنب الصراعات الأيديولوجية في الفترة الانتقالية". 

وأشار إلى أن "تنحية الشريعة الإسلامية كانت في الأساس دعوة الحرية والتغيير والشيوعيين وقادة الحركات المسلحة داخل اتفاقية جوبا للسلام (الموقع في 3 أكتوبر 2020)، كما كانت مطلبا أساسيا لهم تحت بنود عديدة، منها مخالفة توجه النظام السابق".

وتساءل نصر: "هل كان النظام السابق إسلاميا أو معبرا عن روح الإسلام أو محتكرا له".

وأجاب "الإسلام يمثل معظم شعب السودان، ويمثل ركنا أساسيا في هوية البلد، فهناك ملايين الإسلاميين، من صوفيين وسلفيين وعوام، فهل يجب إقصاء كل هؤلاء من أجل فرض أجندة خارجية مستوردة". 

وأوضح نصر أن "الدستور هو القاعدة الأساسية لنظام حكم وحياة أي بلد، ولهذا يجب أن يخرج بتوافق كامل، ويحدث فيه تمثيل لكل طوائف السودان الدينية والعرقية، واستبعاد طرف ما يعني أن الدستور غير مكتمل، ولا يمكن أن يكون أساسا لتنظيم حكم الدولة".